Top Ad

الاثنين، 25 مارس 2019

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

إضراب..تلميذ..وأستاذ


       لعل الحكومة المغربية تفتخر بأن من أعظم إنجازاتها أنها استطاعت بحزمها توقيف الإضرابات المتوالية والاضطرابات العشوائية،وأنها سنت قانون الأجر مقابل العمل،والعمل مقابل التكوين،والتكوين مقابل المبارة،وغير ذلك مما لم يبقى منه شيء اليوم على أرض الواقع غير الإضرابات المستفحلة والاضطرابات المسترسلة،والتي لا تكاد تنجو منها أية فئة أو جهة أو قرية أو مدينة،هذا رغم قانون الإضراب الذي لم يترك قيدا فظيعا إلا وأشهره في وجه المضربين،بشكل تستحيل فيه حركتهم بأي حجم من الأحجام أو شكل من الأشكال،وكأن الإضراب جرم الجرائم في هذا البلد وليس حقا دستوريا،أو أننا في بلاد لينينية المغانم ستالينية المظالم؟؟.

         ولعل الإضراب اليومي الأبرز والذي تكاد لا تنتهي حلقات مسلسله الفرجوي المأساوي،هو إضراب رجال ونساء التعليم،بكل أسلاكها من الابتدائي إلى الجامعي،وبكل فئاتها من الأساتذة إلى المديرين،إلى المتصرفين إلى الدكاترة المتعاقدين منهم والرسميين؟،وإن كانت الموجة الأخيرة وهيجانها للمتعاقدين،ترى لماذا تضرب كل هذه الأصناف من البشر على التوالي،أو على الأصح من يجبرها على ذلك إلى حد الغواية والإدمان؟؟.في الحقيقة لقد تراكمت كل القضايا والملفات،وبقيت العديد من المشاكل عالقة،وزادتها سياسة المسؤولين المتوالين على القطاع استفحالا وتعقيدا،بما اعتادته من الاستفراد بالقرار وفرضه بالقوة والإجبار،تارة بالمقاربة الزجرية والأمنية المباشرة،وتارة بالتجاهل والإهمال أو التماطل والمراوغة،وتارة بتهريب النقاش وتمييع الحوار،أو إصدار المذكرات الإلزامية و فرض توقيع العقود...،وهكذا وهكذا إلى أن انفجرت كل الملفات الحارقة شكاوي وبلاوي لا تطاق؟؟.


         يقال أن الإضراب مهما كان شكله ومهما بلغت حدته،من تعليق الشارة إلى التجمهر ورفع الشعارات إلى المسيرة والاحتجاج إلى الإضراب عن الشغل وعن الطعام..،فهو لا يخرج عن كونه تعبيرا سلميا للمطالبة بحق مشروع أو لفت انتباه إلى ملف معين ينبغي تسويته أو إعادة النظر فيه بما يحقق بشأنه مزيدا من الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والإنصاف والرقي بإنتاج المؤسسات،وهو شيء ممكن كلما توفرت الإرادات وسلمت النوايا؟؟،ورغم ذلك فقد جاء في قانون الإضراب الذي لا يزال راكدا في دواليب البرلمان سنوات بل ولايات،ما يجعله جرم الجرائم وكأننا في دولة شيوعية لا تؤمن به إطلاقا؟؟:لا لإضراب مفتوح/لا لإضراب سياسي/يمكن لرئيس الحكومة إصدار قرار المنع/لا لإضراب بالتناوب/لا لإضراب تضامني/لا لإضراب يخفض الإنتاج/لا لإضراب مرفق باعتصام/لا لإضراب مصحوب بمسيرات/لا لإضراب فجائي/لا لإضراب قبل المفاوضات/الإضراب فقط للنقابات الأكثر تمثيلية عبر الوطن/لا لإضراب لا يضمن الحد الأدنى من الخدمات في القطاعات العمومية/يمكن الاقتطاع من أجور المضربين خلال الإضراب/يمكن تسريح العمال المضربين وتعويضهم بغيرهم خلال إضرابهم...؟؟.

         ورغم كل هذه القيود المجحفة،كيف لا يضرب الأستاذ وهو يرى نفسه قطب الرحى في القطاع،ورغم ذلك يهمش رأيه في القطاع ولا يشفع له في ذلك كونه ممارس في الميدان وذو خبرة أدرى بالصالح من الطالح العام،هل كان الأستاذ ليقبل بالاكتظاظ في الأقسام؟،هل كان راضيا عن الخريطة المدرسية التي ينجح بموجبها من يستحق ومن لا يستحق؟،هل كان مقتنعا بحجم الفقر المتفشي في الوسائل التعليمية في المؤسسات؟،هل يقبل بإدارة مؤسسة أو عدة مؤسسات من طرف مدير واحد؟،هل يقتنع بالإشراف التربوي دون وسائل ولا اعتمادات ولا تكوينات؟،هل رضي بالمنع من متابعة الدراسة الجامعية أو الترقي بالشهادات والإجازات..؟،هل التفت المسؤولون إلى شيء من هذا إلا بعد هدر عقود وعقود من الزمن السياسي وأجيال وأجيال من الهدر المدرسي والعبث المهني؟؟،فلماذا ولصالح من يراد اليوم أن تتكرر تجربة الهدر المرة مع مستجدات مشؤوم التعاقد ومغبون التقاعد؟؟.


         من المخجل حقا أن تفر الدولة من تحمل بعض التكاليف البسيطة التي لا تكلفها غير بعض الدراهم مما قل أو كثر،لتجد نفسها غدا وجها لوجه مع تكاليف باهضة تأتي في الأول وفي الأخير على الأجيال وترهن مستقبل الجميع على كف عفريت،على قول المثل:"لا أرضا قطعت ولا ظهرا أبقت"،أو على قول المثل الدراجي:"فلوس اللبن داهم زعطوط"؟؟،لقد مرت البلد الجار بنفس مرارة الإضرابات التعليمية الحادة والمسترسلة،وبنفس عقلية التحدي والعناد واستعراض العضلات والتقشف على المواطن والسخاء على صندوق النقد الدولي..،اقترحت وزيرة التعليم في الجارة الشقيقة آنذاك ترك رجال التعليم في إضراباتهم والاستغناء عنهم بتعويضهم ب C.D يتضمن تسجيلات بمختلف الدروس،ويوزع على التلاميذ قصد المواكبة؟؟.كم كانت تكلفة C.D لمن وهبت لهم الصفقة؟، كم من الأرياف تتوفر على الربط الكهربائي؟،كم من الأحياء تتوفر على أندية الأنترنيت؟،كم من التلاميذ يتوفرون على حواسيب خاصة أو على دريهمات "السيبيرات"؟، وكم..وكم..وكم؟؟.

         واليوم،والشيء بالشيء يذكر،وزير تعليمنا المحترم يقول سنكلف الأساتذة العاملين بتعويض الأساتذة المضربين؟؟،ولا ندري هل لديه 50 أو 70 ألف أستاذ؟،هل لهؤلاء الأساتذة استعمالات الزمن مخففة تسمح بذلك،و"مساره" قد فرض عليهم الحصص الكاملة؟،هل لديهم رغبة في ذلك على الإطلاق بتعويض أو بغيره؟، هل تشاور معهم أصلا،هل يجد لهم مرجعية قانونية من أجل ذلك غير الاستفزاز والاستخفاف و الهروب والتهريب والتحكم والفساد؟؟،قسما بالله،إن ما تعرفه البلاد من إضرابات العباد،لكارثة ما بعدها كارثة،فهؤلاء تلاميذ يقولون لأساتذتهم مبروك علينا وعليكم الإضراب،لا ينبغي علينا أن نعمل وحدنا وغيرنا مضرب،وكأن الأساتذة قد تعجبوا وتساءلوا أهناك مضربون غيرنا؟؟، فأجاب التلاميذ:"نعم،وما أكثرهم،من فرضوا علينا توقيتا لا يناسبنا؟،ويخططون لفرض رسوم تمدرس لا قبل للآباء بها؟،من يصدموننا بفقر العتاد التجريبي في المختبرات..،ويستكثرون فينا بعض فضاءات الأنشطة في المؤسسات..ومن حرمونا من الداخليات والمنح في الجامعات و النقل عبر الحافلات،وكل يوم ندخل من أجل هذا في دوامة ومتاهات..أليسوا مضربين"؟؟،كارثة أن تسيل دماء الأساتذة  المربون على المباشر في كل النشرات وعلى كل الشاشات وكأنهم مجرمون رموز الفساد وأعضاء العصابات،وكارثة الكوارث أن ترى الأستاذات الفاضلات قد فقدن الثقة في مهنتهن في بلدهن في حلمهن واستقرارهن..في كل شيء ولم يبقى لديهن إلا أن يصرخن ملأ حناجرهن في الشوارع،لا بل ويجهشن وينهرن بالبكاء الصامت والهستيري وهن يشعرن بكل احتقار الدنيا والآخرة،فأي تعليم هذا الذي يخرج مثل هذه النماذج ..وأي سياسة تفتخر بمثل هذا الهراء والفقاقيع؟؟.

الحبيب عكي

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

About http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/ -

هنا تكتب وصفك

Subscribe to this Blog via Email :

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

المشاركات الشائعة