Top Ad

الأربعاء، 31 مايو 2023

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

الفكر الإسلامي والاشكالات الحركية المعاصرة.

        عقودا مضت، والحركة الإسلامية المعاصرة تهتم بوضع تصوراتها في مختلف المجالات، تقعد بها لعملها الحكيم وممارستها الرشيدة، خاصة ما يرتبط منها بهموم الهوية والمرجعية أو يستجد لها  وللناس في مجال الرهانات والتحديات أو مجرد الصراع والتدافع الأيديولوجي والحضاري بينها وبين مختلف المناوئيين. هكذا وضعت الحركة الإسلامية أوراقها التصورية في العديد من المجالات التربوية والدعوية.. إلى السياسية والاجتماعية.. والفنية والبيئية..، لكن مع مرور الوقت وتعاقب الأجيال وتجديد الإشكالات الميدانية والرهانات المجالية، جعل الحاجة - في نظر المنصفين - جد ماسة إلى مراجعة هذه الأوراق وتجديد الرؤى والتصورات والمجالات والتوجهات.. والهياكل والآليات والأدوات..، وكل هذا من مهام الفكر الإسلامي المعاصر، ترى، إلى أي حد يقوم هذا الفكر بمهامه ويواكب تحدياته أو هو مؤهل لذلك أصلا؟.

 

هذا الفكر الذي يظل منبع الذكر والتأمل والبحث والفهم.. ويظل عين النقد والسؤال والتجديد.. ويظل المدخل والمحمل الحقيقي لمعالجة العديد من أمراض القلوب والسلوك والمعاملات.. وظواهر الفتور والفرقة والتيه في الحركيات الدائرية والتآكلية.. وكلها ظواهر تنشء من الأفهام والتصورات على حد قولهم: "التصور عنوان التصرف"، وكذلك على اعتبار كل مشاريع اليقظة والنهضة وحالات السكون والكمون.. إنما هي أيضا تبدأ من الفكر، وهذا الفكر، رغم أهميته القصوى هذه، فيبدو أنه لم ينل مكانته ولا الاهتمام اللازم به.. رغم ما يبدو من تأسيس بعض الحركات الإسلامية لما يسمى باللجنة الفكرية وقسم الإنتاج العلمي، الذي تراكمت عليه إشكالات حركية قديمة واستجدت له أخرى جديدة، ولم يستطع مواكبة أي منهما، فبالأحرى أن يصبح منهج تفكير في كل الأوساط الحركية وأعمالها بدل الروتين الإداري وتقاريره والالتزام التنظيمي ومحاسباته؟.

 

مجرد أسئلة يطرحها العديد من المفكرين ضمنهم الدكتور والباحث المغربي "محمد همام" في مبحثه "الحركة الإسلامية المغربية من الدولة الإسلامية إلى الدولة المدنية" التحول المطلوب، ولتفجير النقاش، نورد منه بعض التساؤلات الهامة حسب المفهوم من المبحث ذاته ومنها:

1-  سؤال الدعوة والدولة والصراع المحتدم بينهما: هل صحيح أن من مهام الدعوة مراقبة الدولة؟، وهل صحيح أن دور الدولة هو خدمة الدعوة ورعايتها؟، لماذا الدولة تنادي بفصل الدين (المقدس) عن السياسة(المدنس)؟، ولماذا بعض الدعوات أقصى ما استطاعته فصل الدعوي عن السياسي؟، وهي لا تزال تتشبث بالسياسي في دعوتها بطابعها الشمولي؟. وإذا صحت دعوة الدعاة بمراقبة الدولة وتوجيهها والانكار والحسبة عليها، فكيف لهم بذلك؟، وماذا يملكون من التخصص والتأهل وهم يخوضون في كل شيء؟، بل ماذا يملكون حتى من الانخراط في هذه المؤسسات والعمل من داخلها بدل خارجها؟، كيف سيصلح مجلسا جماعيا أو تشريعيا أو استشاريا من ليس فيه؟، وربما لا يؤمن به وبجدواه أصلا، بل قد يتحاشى التعاطي للسياسة باعتبارها ستخذله وتدنسه وهو يأبى إلا التطهر؟.

 

2-  سؤال الدولة المقصودة إنشاؤها في الإسلام: هل هي في حد ذاتها دولة إسلامية أم دولة مدنية ؟، دولة إسلامية كل شيء فيها من الكتاب والسنة؟، أم دولة مدنية يعني ديمقراطية، لا تستبعد الدين ولكن يمكن أن يكون فيها غيره إذا توافق عليه المواطنون وقوانينهم؟، دولة إسلامية يقودها العلماء أم دولة مدنية تعترف بالآخرين خارج الهوية والمرجعية السائدة للأقليات.. وتوفيهم حقوقهم في الحرية والتمثيلية والمساواة.. على أساس المواطنة والقوانين؟.

 

3-  سؤال القوانين والدساتير الوضعية في الدولة: هل هي قوانين ربانية أم وضعية أم مزيج بينهما؟، شريعة ضابطة بأحكام وفتاوي مقيدة أم مواثيق دولية وحريات كونية واجتهادات عرفية.. زكوات مالية طوعية أم ضرائب استنزافية إجبارية.. وماذا سيفعل الناس بقوانين وضعية يرونها غير منصفة لهم ولا عادلة بينهم؟، وماذا ستفعل الدولة بما اجتاحها من قوانين وضعية وتخضع له من ضغوطات دولية لا تستطيع العيش بدونها وخارج توجهاتها ولا الانفكاك من أحلافها ومساعداتها؟.

 

4-  سؤال بناء الدولة والخلافة: هل فعلا يمكن بناء الدولة بكل الأحلام الحركية وأوهام بعضها من "قومة" أو "انقضاض" أو "مشاركة"... أو... أو حتى دعوة وخلافة؟، أم أن ذلك - إن وقع - فهو لا يعدو مجرد استبدال نظام بآخر وفساد بآخر ربما أشد سيؤول إليه الأمر عاجلا أو آجلا، حيث يأخذ الأمر وقته لاستجماع قواه وإعادة النزال ودورة المغالبة؟، فما بالك بالخلافة والعالم الإسلامي والعربي لم يفشل في شيء فشله الذريع في كل تجارب الوحدة ومشاريعها.. حتى أن دولتين جارتين بينهما توتر وحروب طاحنة.. وحتى أن الدولة الواحدة ينتزع منها جنوبها أو شمالها وهي عاجزة عن التوحد حتى مع ذاتها فكيف مع غيرها؟.

 

5-  سؤال الاجتهاد وقضايا العصر:

1-   هل من الصواب أن نجتهد لقضايا عصرنا المعقدة بنصوص سياسية تراثية قديمة غير مسعفة ولو بلي أعناقها وأفهامها وأسباب نزولها.. أم تكون لنا الجرأة والقدرة على اجتهادات معاصرة تراعي المصالح والمقاصد.. والارتباط بالمرجعية ما أسعفتنا واستطعنا ذلك؟، لماذا نخلط بين الإسلام الوحي والإسلام التاريخ.. وبين تقييم الإنسان والرقي به في عباداته الفردية (قيام.. صيام..) ونحن نريد منه ما يؤهله لتدبير الشأن العام (تفكير.. تدبير..)؟.

 

2-  إن أي طيف من أطياف المواطنين مهما قل أو كثر.. يظل مجرد طيف.. لا يملك بأي حال من الأحوال حق مصادرة حق الآخرين في التواجد وحرية التعبير.. ولا الاقتراح والمشاركة في التغيير.. بما يعني ذلك حق الانتظام في تنظيمات والدعوة والتأطير.. والتفاعل مع الآخرين بشكل سلمي وقانوني.. وهذا لا يتيحه غير فكر المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان.. بغض النظر عن الدين واللون والجنس وغيرها مما يمكن كله أن يدلي بدلوه في السياسة العامة وشأن الوطن؟.

 

3-  أسئلة الربيع العربي وقضاياه الحارقة وتحدياته الجارفة، على استعارها وتأججها، لا تزال مطروحة على الجميع؟، ورغم مرور أزيد من عقد من الزمن على تفجرها، فلا أحد استطاع الإجابة المقنعة عنها ولو بمقدار، فلا زالت تتفجر وتنشطر وتنشطر.. وتحرق من الناس والآمال ما تحرق، مدوية في كل مكان بكلام ناطق وصمت صارخ: "حرية.. عدالة.. كرامة اجتماعية"، ولكن إلى متى.. وفي أي أفق؟.. لابد من جواب شفاف وشافي، فأفق الصمت والنعامة.. لا يعني غير أفق انفجار آخر لابد آت.. سيكون أشد وقد لا يبقي ولا يذر؟.

 

         إن مثل هذا الفكر الإصلاحي المعاصر، لا ينتشر بغير فكر مفكرين متنورين ودعوة دعاة حركيين وعلم علماء عاملين، لا تزال الحركة الإسلامية متعثرة في تخريج بعض رموزهم وأعلامهم ومؤسساتهم الحركية العلمية المدنية، ولا يعيش عيشة فاعلة بغير حركات تعيش في بحبوحته بعمل مدني راشد، تصورا.. هيكلة.. وممارسة.. نشيط وفعال هيئات ومؤسسات.. تراعى فيها الأبعاد الفكرية والثقافية الأصيلة.. والمناهج التربوية والدعوية الجميلة.. والمشاريع الاجتماعية والترافعية بإنصاف عام وعدالة مجالية.. مثل هذا العمل المدني الراشد، هل هو مع أو ضد؟،.. أو على الأصح، مع ماذا ومتى.. و ضد ماذا وكيف؟، .. وليكن مهما يكن، فهو دائما مع اعتبار الواقع والعدالة والمرجعية.. ومع توسل الهوية والحرية والإبداع.. للرقي بالفكر والدعوة والمشاركة.. بالتنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان ؟.

الحبيب عكي

 

 

 

اقرء المزيد

الأربعاء، 24 مايو 2023

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

عندما لا يجد المواطن من فرص العمل الجمعوي ما يجده الأجنبي؟.

حرية كبيرة تلك التي يمارس فيها الأجانب أنشطتهم المدنية والاجتماعية في المغرب، وحتى استثماراتهم الثقافية والاقتصادية والفنية والرياضية، فكم لهم في هذا البلد المضياف من بعثات تعليمية يملأها عليهم أبناء المغاربة قبل أبنائهم، وكم لهم من مراكز ثقافية وفنية ولغوية أكثر من يرتادها شباب المغاربة، وهم يؤسسون كذلك شركات استثمارية و وكالات تدبيرية بالتفويض في المدن الكبرى، وبيسر كبير ينظمون مهرجانات فنية متعددة المواضيع وجولات وقوافل سياحية يقومون خلالها ببعض الحملات الاجتماعية بما شاؤوا وكيفما شاؤوا .. وأينما شاؤوا من المناطق ومع من شاؤوا من المساعدين، كثيرا ما تعرقل جهود غيرهم من المحليين في تنظيم مثلها، وأحيانا بكل الدعايات والاشهارات على كافة وسائل الإعلام، يوزعون خلالها في الظاهر ما شاؤوا من حافلات النقل المدرسي والدراجات الهوائية إلى الحواسيب واللوحات الإلكترونية.. إلى مجرد الكتب والمحافظ والدفاتر والأقلام..، نعم، حتى الدفاتر والأقلام مع الأسف، هل لا تملك جمعياتنا مثل هذه الأشياء، ولا تستطيع الحصول عليها والتعبئة لها، أم فقط يحال بينها وبين توزيعها في أجواء اجتماعية تضامنية، ولفائدة من؟.

 

أعمال يغبطهم عليها المواطنون الذين بإمكانهم القيام بمثل هذه الأعمال وبأكثر منها، دراجات ومحافظ وكتب ولوحات وألبسة وأفرشة وقفف رمضانية وكسوة العيد والدخول المدرسي بل كفالة اجتماعية عامة..، ولكنهم يحال بينهم وبينها بعقليات مزاجية وحسابات ربما سياسوية، هيئات خيرية وجمعيات تطوعية ومحسنين وفاعلين..، ولكنهم يجدون من التضييقات الإدارية والمحاسبات القانونية والمتابعات والمراقبات المباشرة وغير المباشرة، ما لا يخدم شعارات التنمية المرفوعة والمشاركة المواطنة المفتوحة، وما هم في غنى عنه وما لا ينوؤون عن حمله وتحمله مهما كانت دوافعهم الإحسانية التطوعية وخبراتهم المدنية الميدانية. فالتيسير على الأجانب في العمل المدني الجمعوي والتضييق على المواطنين، لا يمس إلا بالمصلحة العليا للوطن والمواطن وحاجة المواطن الضعيف، ولا يرسخ إلا مقولتهم الشهيرة:" مطرب الحي لا يطرب"، ما دام الحق والقانون سلطة.. والعمل الجمعوي سلطة.. والترخيص له سلطة.. والسلطة عدادة أوجه وحسابات، الضاحك منها والمرحب به للأجانب والمكفهر المتوتر المقيد أحيانا للمواطن، وضع مضطرب يجعل بعض المنظمات الدولية وهيئاتها الموازية تفرض توجيه القرار الوطني في مدونة الأسرة مثلا دون نشاط ولا ترخيص، في حين أن جمعيات المجتمع المدني في عقر دارها لا تستطيع مثل ذلك ولا عشر معشاره إلا من لف لفها وكان صدى لجوقتها؟.

 

قد يرى المرء منا أن الأجانب لهم كذلك حق تأسيس الجمعيات والشركات في المغرب، ولم نسمع يوما عن مضايقات لاحقت جمعية أو فرضت عليها عضوية مكتبها أو رفض تسليم وصلها أو الترخيص لأنشطتها؟. وقد يرى، أجانب آخرين تعطى الأفضلية لمشاريعهم حتى أن شركاتهم ومقاولاتهم قد اقتحمت علينا مجال التدبير المفوض للنظافة والنقل والماء والكهرباء في المدن الكبرى دون أية قيمة مضافة غير تهميش الطاقات الوطنية والشباب المعطل بدل تأهيلهم وتشغيلهم ومحاسبتهم عند الاقتضاء؟. وقد يرى المرء في هذه البلاد السعيدة، أجانب يتجولون في البلاد طولا وعرضا أفرادا وجماعات، يرتادون كل مكان في القرى والمدن ويصورون في كل مكان، ويقيمون طقوسهم المخالفة لثقافة وعادات البلاد في كل مكان حتى في الواحات والجبال، مقابل فاعلين ثقافين يعانون ما هي وما لونها من أجل الحصول على مجرد ترخيص ولو بتصوير شريط قصير في فضاء عام؟. وقد ترى أجانب يغرقون مكتبة مؤسسة تعليمية بما هب ودب من الكتب الثقافية بعضها ذات حمولة "مش ولابد"، بينما جمعية محلية أو حتى عامل داخل المؤسسة يحتاج إلى كل تراخيص عليا ودنيا حتى يتسنى له بعض التطوع لمكتبة المؤسسة فقط ولو ببعض كتب المقرر الدراسي وجوائز المسابقات؟.

 

جميل أن يكون بلدنا الحبيب بلد الأمن والإيمان والسلامة والإسلام، إليه يلجأ الجميع عند الحاجة والاختيار، وفيه يرتاح جميع المقيمين والأجانب ويشعرون بالاستقرار، ويحيون حياة حرة نشيطة وكأنهم في بلدهم الثاني بل أفضل مما هم في بلدانهم الأصلية وما تعرفه من اكراهات وتوترات أحيانا. ولكن، أليس هناك مبالغة في إكرام الضيف أكثر من أهل الدار؟. أليس هناك كثير من الترحيب بالضيوف وتيسير أمرهم مقابل توجس مجاني من أهل الدار والتضييق عليهم؟. بل إن الضيوف أنفسهم نوعان، تبعا لنفس المنطق المعوج والكيل بمكاييل الحظوة والرضا والسخط وغير الحظوة، أجانب أوروبا المستعمرة يحظون بكل الامتيازات السابقة الذكر وكأنهم لا يزالون في مستعمرتهم القديمة يفعلون فيها ما يشاؤون ولا يسألون عما يفعلون؟، وأجانب جنوب الصحراء ورغم التقدم الذي حصل في استقبالهم وإقامتهم وتسوية أوراقهم..، فلا تزال وضعيتهم يحتاجون وينتظرون العديد من الخدمات الاجتماعية والثقافية والفنية والرياضية والتضامنية من إخوانهم المقيمين وغيرهم من المواطنين، فمتى ينالونها بدل ما يلجأ إليه بعضهم من أخذيها بأيديهم بالقوة كما يحدق في بعض المدن الكبرى؟، ومتى يخلى بينهم وبين من يرغبون في مساعدتهم والاشتغال في مجالاتهم وبإمكاناتهم قدر المستطاع المدني الاجتماعي وهم كثير ومقدر بل مسعف؟.

 

كان على السؤال المعضلة أن يكون مقتصرا على مجرد العمل المدني والقانون، الذي يجعله متاحا للجميع عند توفر الشروط، أو ممنوعا على الجميع عند غيابها، دون التمييز بين جهة مدنية داخلية ولا خارجية، ولا بين جهة خارجية أووربية أو أفريقية و لا جهة وطنية محظوظة وغير محظوظة؟.  هل جمعيات المجتمع المدني لأبناء الجالية في المهجر مثلا تميز عن غيرها من الجمعيات الغربية في الحقوق والواجبات؟، أم لها كل الحقوق كغيرها بما في ذلك حق تنظيم أنشطتها الدينية والتضامنية والدعوة إلى مبادئها الإسلامية وفق القوانين الجاري بها العمل في دول الاستقبال؟. هل عدد الغربيين الذين يعتنقون الإسلام كل سنة رغم الإسلاموفوبيا (75 ألف في فرنسا.. 50 ألف في بريطانيا.. 25 ألف في أمريكا.. 12400 في ألمانيا..)، هل يأتي كل هذا من الفراغ الثقافي الدعوي أم من التضييق والمنع؟.

 كيف سيقتنع الشباب عندنا بالحق في الانتماء وممارسة العمل الجمعوي الذي يكفله الدستور والقانون وهو يرى بعض السلطات ترخص لهيئة أو هيئات أجنبية بتنظيم مهرجان دولي في مركب من مركبات المدينة أو شارع من شوارعها أو شاطيء من شواطئها أو ملعب من ملاعبها أو حتى في عمق الصحراء في "مرزوكة" و "طنطان"...، وتضع رهن إشارتها مئات بل ألافا من شرطة التنظيم وفنادق الإقامة وحافلات النقل ومنابر الإعلام..، في حين تعرقل هيئته المحلية أو الوطنية في مجرد تنظيم رحلة سياحية ترفيهية استكشافية تواصلية تنموية اجتماعية إلى تلك المناطق وكلها بمجهودات ذاتية؟، الأمر لا يستقيم.. لا يستقيم؟.  

الحبيب عكي




 

اقرء المزيد

الاثنين، 15 مايو 2023

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

الفاعل المدني وسؤال مناخات وتضاريس الأعمال؟.

كثير هو العطاء المدني المبهر والمقنع في جل مجالاته وعلى مختلف أصعدته، ساعات من التطوع لا تعد ولا تحصى، تعبئة الموارد البشرية والمالية في الداخل والخارج، سياسة القرب الحقيقية مع مختلف الفئات الاجتماعية خاصة ما يكون منها في وضعيات هشاشة صعبة ومفككة، ملأ العديد من فراغات الدولة في مناطق الفقر والهشاشة والتفكك الاجتماعي، الترافع القوي على العديد من التشريعات والقضايا المجتمعية الوطنية والدولية. وطبعا، يمكن أن تتضاعف هذه الجهود المثمرة أضعاف مضاعفة لمصلحة الجميع، وتكون مردوديتها معيارية ومتنافسة كما في بعض الدول المتقدمة، حيث يمكن أن نجد فيها العديد من أحيائها نظيفة وحيوية، منظمة ومكتفية..، لا بشيء إلا بمجرد جهود المجتمع المدني ويقظته وحيويته.

 

ولكن مع الأسف، لا يزال مجتمعنا المدني في مجمل طيفه متواضع المردودية، إن لم يكن بعضه يعمل خارج قضايا الملفات المدنية الحقيقية، وبعضه في متاهات تمييع المناخ المدني وفيض ريعه المتسخ ولا يبالي، وبعضه.. وبعضه.. ولكل ذلك أسباب ومسببات ومنها... ومنها.. وبالتأكيد أيضا منها:

 

1-  منظومة العمل المدني الحالية، والتي يشتغل بها الفاعلون المدنيون في مؤسساتهم، هي متقادمة وغير مواكبة، وقد أصبحت اليوم مقيدة لا محررة، معسرة لا ميسرة، وأخطر ما فيها أنها خاضعة للتأويلات والانحيازات؟.

 

2-  حشر بعض السلطات أنفها في قانون الحريات العامة، بشكل مزاجي.. تسلطي.. شططي.. انحيازي.. غير قانوني ولا شفاف.. قد تصل صلافة بعضها إلى حد رفض تسلم ملفات بعض الجمعيات.. ورفض تسليم وصولات تأسيس أو تجديد بعضها.. وتحويل بعض الاشعارات في الأنشطة إلى تراخيص ضرورية وملزمة..  مع رفض منح بعضها دون مبررات.. وإن تعلق الأمر بمجرد الحق في استعمال القاعات والفضاءات العمومية؟.

 

3-  عدم استقلالية بعض الجمعيات، وسعي بعضها للتزلف للسلطة ذاتها، إن لم تكن هذه الأخيرة هي من انشأتها تحت الغطاء ولمهام خاصة، كجمعيات ضرار الوديان والسهول تولد وفي فمها ملاعق من ذهب.. وفي يدها كل مشاريع الدولة وجل شراكاتها، مشاريع التنمية البشرية ومحو الأمية ومحاربة الجفاف و"فرصة" و"أوراش" وغيرها كثير ومخوصص؟.

 

4-  سيادة عقلية التشرذم وضعف الالتقائية لدى جمعيات المجتمع المدني الجادة، نظرا لما سبق من المناخ المدني الموبوء ومن تضاريس العمل المنزلقة، والتي أصبح فيها الجميع يحتاط لنفسه وجمعيته، ويفضل الاصطفاف إلى جانب السلطة والمال، والانخراط في مشاريع التحكم والاستبداد، ولو على حساب الفعل المدني الحقيقي، الذي يقول لمن أحسن أحسنت ويساعده، ولمن أساء أسأت وينتقده، كائنا من كان؟.

 

   ولهذا، لا غرابة أن يعتقد بعض الأفراد جازمين وبعض الهيئات والمؤسسات الحازمة أن لا وجود لشيء اسمه المجتمع الأهلي ولا المجتمع المدني في العالم العربي ككل وتحسم في ذلك؟. لأن كل شيء لا يمكنه أن يتحرك إلا تحت عباءة السلطة وبعلمها وقبولها وترخيصها، وفي فضاءاتها والاتجاه الذي تريده ومن طرف من تريد وفي الجهات وبين الفئات التي تريد..؟. وهذا لن يجعل يوما المجتمع المدني يتحرك في إطار القانون والحرية والمسؤولية كما عند الآخرين، وببرامجه الخاصة وفق أهدافه ورؤاه التشاركية والاصلاحية؟. بل غاية القيد السلطوي المباشر وغير المباشر.. الواعي و غير الواعي، أن يفرخ هيئات مدنية سلطوية أخرى لا تنتج غير مزيد من عجز السلطة مثلها وبمزاجها، لن تكون فيه يوما بل دوما لا ديمقراطية الحقوق ولا تنمية الخدمات وعموميتها، فبالأحرى ما يتحرك المجتمع المدني الحقيقي من أجله والذي أسه وأساسه العدالة الاجتماعية والمجالية والانصاف التنموي والحقوقي في جميع المجالات؟.



       لا مجتمع مدني تنموي إصلاحي حقيقي، إلا بعلاج هذه المعضلة التي هي علاقة السلطة على مختلف مستوياتها بالمجتمع المدني على مختلف هيئاته، هذه العلاقة المتوترة التي طالما أفسدت تضاريس العمل المدني والسلطوي معا، وطالما أفسدت المناخ الحقوقي والديمقراطي العام في بلداننا المبتلاة فجعلتها متوجسة على الدوام؟. مع العلم، أن المجتمع المدني من جهته ليس لديه أي إشكال اسمه السلطة أو النظام أو حتى المعارضة فقط، فانطلاقا من المبادئ المدنية العالمية التي يؤمن بها وتؤطره، فالمجتمع المدني مجتمع متطوع.. حر منظم ومستقل.. سلمي خدماتي وترافعي.. لا يسعى إلى السلطة ولا أن يكون بديلا لأحد.. بل مجرد مساهم مع من كان من أجل جهود التنمية وخدمة الفئات الهشة والترافع عن قضايا الوطن والأمة، وميكانيكيا فهو ليس لا مع على طول ولا ضد على طول.. بل هو مجتمع يكون مع من أحسن ويقول له أحسنت ويدعمه.. و يكون ضد من أساء ويقول له أسأت وينبهه للعدول عن الخطأ والعودة إلى الصواب بشكل سلمي وعلمي مدني وحضاري، واليوم مع الدستور الجديد بشكل تشاركي في وضع السياسات العمومية وانجازها ومواكبتها إلى التشاور العمومي حولها وتقييمها وتطويرها؟.

 

   نعم، تخسر الدولة والمجتمع الكثير والكثير بهذا التعامل المتوجس والمقيد للمبادرات التطوعية بين بعض السلطات وبعض الجمعيات، ولا انفكاك منه إلا بحسن النوايا.. والثقة المتبادلة.. وإعمال المفهوم الجديد للسطلة.. سلطة القرب الميداني والإشراك العملي.. والتشاور العمومي.. والشراكة المعيارية.. دون وصاية احتكار المواطنة والمصلحة العامة من أي طرف، كذلك ضرورة تفعيل المكانة المرموقة التي أولاها الدستور الجديد للمجتمع المدني، حيث شدد على ضرورة التكامل بين الديمقراطية النيابية (التمثيلية) والديمقراطية التشاركية (المدنية) التي تقضي بشأنها الفصول 12..13..15.. من الدستور حق التشاور العمومي وتقديم العرائض والملتمسات والمذكرات.. ومسؤولية المشاركة في وضع السياسات العمومية وتنزيلها.. مراقبتها تقييمها وتطويرها كما أشرنا؟.

 

   لكن مع الأسف، يبدو أن العكس هو ما يحدث الآن حيث يتم إقبار توصيات الحوار الوطني مع المجتمع المدني بدل إخراجها إلى حيز الوجود وتفعيلها في الحياة المدنية والسياسية والتنموية للبلاد. والعكس هو ما يحدث، حينما يتم إقرار كل تجاوزات السلطة اتجاه الجمعيات، ولم نرى فيها يوما أي من شعارات الحكامة وتخليق المرفق العمومي والحياة العامة وربط المسؤولية بالمحاسبة..، ناهيك عن المفهوم الجديد للسلطة، مفهوم القرب والحوار والاشراك، والمقاربة الحقوقية والدستورية بكونيتها..؟. وأيضا، حين يظل الورش التشريعي المدني مجمدا رغم شعور الجميع بضرورة تحريكه وتحريره من قيوده؟. أستغرب وأخشى مع من يستغربون ويخشون أن المغرب قد يستغني عن جمعيات المجتمع المدني الجادة كما يستغني الآن عن بعض الأحزاب الوطنية الجادة؟. أو يريد مجرد مجتمع مدني للديكور والتأثيث والريع والتمييع؟. هيهات هيهات، فالمجتمع المدني وعي الأمة وضميرها لابد يوما سيزهر ربيعه، لكن، باللازم من الحرية وحق التنظيم والاستقلالية في إطار من المسؤولية والحكامة التي تتسم بدورها بسيادة القانون قبل كل شيء والمصلحة العامة فوق الجميع، وتلك معالم كبرى وجماعية وحدها الكفيلة بتسوية تضاريس الأعمال المدنية الوعرة وتحسين مناخاتها المضطربة وفك قيودها؟.


الحبيب عكي


اقرء المزيد

السبت، 6 مايو 2023

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

الفاعل المدني بين صناعة الأحداث والشهود عليها

         كثيرة هي الأحداث الجسام التي تتالى ليل نهار، وترخي بظلالها الكالحة أو حتى شغفها على حياة الناس، وكثيرة هي القنوات والاذاعات والمنصات والمواقع والتطبيقات التي تروج لكثير منها بالحق والباطل حتى تجعل منها قضايا رأي عام جارف وسلوك حاصف. وكثيرون ممن هب ودب يخوضون فيها بالجهل المطبق والظن السيء والاشاعة المغرضة والدعاية المضللة، في غياب وصمت وانعزال بعض الفئات المعنية والمؤهلة أكثر من غيرها من العلماء والخبراء والرؤساء والأساتذة والمدراء ممن يسمون أنفسهم مسؤولين وفاعلين مجتمعيين بمختلف أطيافهم وتخصصاتهم ومواقعهم الرسمية والمدنية.

 

         اليوم مثلا، هناك غلاء الأسعار والتهابها مقابل هشاشة الأسر وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن بسبب شيوع البطالة وتدني الأجور وتجميدها. هناك حرب الهوية والمرجعية والأصالة المغربية ترخي بظلالها على مدونة الأسرة والعلاقات بين الجنسين، الحريات الفردية والقانون الجنائي.. هناك تراخي في أداء بعض المؤسسات وتداخل الصلاحيات وتقاذف المسؤوليات ولا أحد يحسم في المتطلبات والانتظارات، هناك حرب أوكرانيا واسترزاق روسيا على كل فتن المنطقة.. هناك حرب الحريات تطال حتى الصحفيين والصحافيات.. وحرب التطبيع والعلاقات مع الكيان الصهيوني الغاصب.. حرب المحروقات التي لا تهدأ ولا تتراجع.. وحرب القيم والمأكولات.. وحرب التظاهرات والمحاكمات..، والأحزاب والنقابات والجمعيات وكأنها تتفرج على الأوضاع، لا أحد يفعل كثير شيء فبالأحرى أجداه، فأين الفاعل المدني من كل هذا وهو لا تكاد تسمع له اليوم همسا ولا ترى له ركزا، حتى على مستوى الحوارات في القنوات والتدوينات في الصفحات أو التغريدات الحارقة على المنصات والمراسلات الشائعة على التطبيقات؟.

 

       ومما يزيد الطين بلة، أن المواطنين الذين كانوا بالأمس لا يأبهون لشيء، أصبحوا اليوم يحتجون بمختلف الطرق، والذين كانوا يبدون بعض الجلد والمقاومة نفذ صبرهم وقد علا وجوههم سخط عارم على الأوضاع وغضب حانق على المسؤولين، ومما يزيد الطين بلة، أن الأزمة معقدة.. ممتدة.. مزمنة.. مستفحلة.. وليس بمقدور المواطن المتوجع المسكين، لا إدراكها على حقيقتها.. ولا تجاوزها بجهوده الفردية، ولا حلها عبر دواليبها السياسية المقررة ولا المدنية المترافعة، بل إن هذه الدواليب المسؤولة، في الوقت الذي يبدو فيه الكل يتفرج على الكل، فهي أيضا تتفرج ولا تحرك ساكنا، وكأن الأزمة المادية والقيمية اندلعت في جزر "شاكريكنبن"، ولا أحد يحزم في شيء غير المقاربة الأمنية الضيقة، والمعدة سلفا تحسبا لكل طارئ يتجرأ على حوار الشوارع وصراخها أو صواريخها؟.

 

            ولكن، قد يكون للسياسيين وأصحاب القرار ومن لف لفهم.. مبرراتهم وإكراهاتهم، إمكانياتهم وتعليماتهم، أوهامهم ومصالحهم.. التي تسجنهم في دواليب الصمت والعجز، وتصلبهم على متاهات التخبط والتضارب والفوضى والانتظار، لكن، هل ينبغي للفاعل المدني ان يحذو حذوهم وهو الذي جاء ليرشد جبنهم وغطرستهم، وهو الذي طالما اعتز بمنطلقاته المدنية النضالية ورسالته التطوعية التي تدفعه إلى فخر الشهود على العصر ومحاربة آفات التخلف في كل مصر، بكل عزم وحزم وحرية واستقلالية وقيم التطوع والتجرد والسلمية، دون خوف ولا طمع، ولا طموح إلى أية سلطة غير سلطة الكلمة الحرة الصادقة  والبيان لكل من يهمه الأمر، مسؤولين ومواطنين، نخب وعاملين، شركاء وفاعلين، لابد أن يتوضح لكل منهم دوره في حصول الأزمة وتعقدها ودوره المقدر في انفراجها، وبالأخص أهمية العمل التكاملي المنظوماتي وإحكام حلقاته في اتجاه حركة دورانية تنموية منتجة وسلسة. وهذه مهمة عظيمة ورسالة جليلة لن يقوم بها الفاعل المدني إلا بقدر ما توفرت فيه بعض الشروط اللازمة ومنها:

 

1-     اليقظة والمواكبة للشأن العام خاصة في إطار اهتمام المرء ومن زاوية تخصصه على الأقل.

2-     البحث والدراسة في ما يتصدى له من الأزمات المجتمعية وباعتبار رأي الخبراء والمؤهلين.

3-     عمل الفريق المبدع في مؤسسة مدنية وبناء على التفكير داخل المرجعية وخارج الصندوق.

4-     تملك مهارات الترافع الجماعي القوي لدى كل الجهات المعنية، الوطنية منها والدولية.

5-     تملك مهارات التواصل الفعال مع الرأي العام عبر المتاح من الفضاءات والقنوات والمنصات وكافة الوسائل والأشكال التعبيرية، والتي لا ينبغي أن يتجرد أي فاعل مدني من إحداها أو بعضها تقليدية كانت أو حداثية.

 

  ويبقى أن الميديا تخشى الفراغ، إذا لم يملأها الفاعلون المدنيون بمختلف أطيافهم بجديتهم ورساليتهم في مختلف اهتماماتهم السياسية والاقتصادية.. التربوية والاجتماعية.. الفنية والبيئية والتنموية..، ستملأتها "الشيخات" و"المؤثرات" بروتينها اليومي وصلافتها والقول الجريء والفاحش في ثقافة "القاع" وانحرافها وتفاهتها. أو ربما سننتظر قنوات الصرف الصحي وصفحات المكبوتات ومكبرات بعض الشيوخ والمقدمين.. وبعض القياد والباشوات.. وكل من لا يتكلم إلا بالأوامر والتعليمات - ومن حقهم - يوم لا يكون كل همهم أن يتحاشوا الظهور في الصورة المشروخة وتورطهم في مسؤوليتها.. بل ويقاوموا ويمنحوا ويقمعوا كل من يحاول أن يقول أنها صورة مشروخة وأنهم هم من كانوا ولا يزالون في أسها وأساسها، خاصة ضد كل من سولت له نفسه بعد ذلك النزول إلى الشارع فردا أو جماعة، حيا أو مدينة، أو مدن وطن أو أوطان بأكملها، مدعية أنها إنما نزلت إلى الشارع لتحتفي بالربيع الهادر وتصرخ من جديد: "سلمية سلمية.. لا حجرة لا جنوية".. "حرية كرامة.. عدالة اجتماعية"؟.

الحبيب عكي

            

اقرء المزيد

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

المشاركات الشائعة