Top Ad

الأحد، 30 أكتوبر 2022

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

الرسول (ص) وبعض تعاطيه مع المشاكل العاطفية للناس؟

رغم قوتها وضغطها وانتشارها بكثرة بين صفوف الشباب الراشدين والرجال والنساء من البالغين، ورغم اعتمالها في حياتهم بشكل دائم وصور شتى، تجعل منها العنصر الأساسي وراء العديد من مظاهر التوتر النفسي والقلق العلائقي والحرمان العاطفي والاضطراب الواضح والغامض في سلوك الشخص وتصرفاته وردود أفعاله، وكذلك العنصر الأساسي وراء العديد من مظاهر الانحراف الجنسي والتفكك الأسري والخيانة الزوجية.. والتغرير بالقاصرين والمغفلين إلى جحيم العصابات وسوق الدعارة ومحرقتها، وغير ذلك مما يهدم قيم المجتمع وينتهي بضحاياه في ردهات المحاكم وأقبية السجون و أتون الملاهي ومعاناة المستشفيات؟.  

 

رغم كل هذه الأخطار النفسية والجنسية.. الصحية والاجتماعية.. فلا زال المجتمع بكل عاداته وقوانينه يتعامل مع الموضوع في الغالب بنوع من التغاضي والتراضي.. وحماية بؤر الفساد وكنس مخلفاتها في البؤس ورهطها من الجريمة، إن لم يكن تشجيع الظاهرة الخبيثة والاستثمار في بؤسها ومتاهات حرمانها.. بما يشجعه من إعلام الفاحشة والاباحية وينشؤه من أندية المنكر وملاهيه.. وغير ذلك من أنشطة التجارة الجنسية وهي أكثر دخلا من تجارة دمار الأسلحة وعصابات المخدرات؟، هذا في الوقت الذي نجد فيه السيرة النبوية العطرة.. لا تمتلىء في هذا الباب بغير ما يشجع الجنس الحلال ويحارب الجنس الحرام، وعلى رأس ذلك العديد من مواقف الرسول (ص) وخوضه في معالجة العديد من هذه المشاكل العاطفية وبطرق مختلفة وحنكة بليغة، نذكر منها:

 

1-  من الناحية العقدية التصورية والبوصلة التوجيهية: فهو (ص) لم يحرم العلاقات العاطفية ولم يستهجنها.. بل هي مما حبب إليه من دنيا الناس فقال: " حبب إلي من دنياكم ثلاث: النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة" رواه النسائي. وقد شجعها (ص) في الحلال فقال: " يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج.. فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وشجع ممارستها فقال: " وفي بُضْع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوتَه ويكونُ له فيها أجر؟ قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وِزْرٌ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرٌ" حديث صحيح.  وتبعا لذلك، فقد قوم سلوك قوم تفرغوا للعبادة واستنكفوا عن المعاشرة فقال في حديث هلك المتنطعون: "...أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" متفق عليه.

 

2-  من الناحية الشخصية والقدوة العملية في الحياة: فقد كان (ص) نعم الزوج القدوة.. وعاش مع زوجاته نعم الحياة الزوجية.. بكل الرحمة والمودة والسكينة.. وجعل الخيرية في ذلك فقال: " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"، وقد روت عنه أمنا عائشة رضي الله عنها أنه كان يكون في خدمة أهله.. ولا يشق عليهم في شيء.. ويصبر عليهن عند الغيرة والخطأ.. فما عير زوجة ولا ضرب زوجة قط.. بل كان (ص) يلاعبها.. يسابقها.. يخرج معها.. يتكيء في حجرها.. يحدثها حديث المشاعر.. يعلن حبها.. يهدي لأحبتها.. يتفقدها وحاجتها.. يحترم لعبها.. يدبر غيرتها.. يشاورها.. يعمل برأيها.. ويضع اللقمة في فيها.. حتى أنه يشرب من مشربها في الإناء الواحد محبة وترضية وارتواء.

 

3- من ناحية تعاطيه (ص) مع المشاكل العاطفية للأخرين: فقد حث (ص) على الزواج في حديث: " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير "رواه الترمذي، وأمر بحسن الاختيار في حديث: "تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" رواه أبو داوود والنسائي، والحرص على الاستقرار والاستمرار في الحياة الزوجية والتماسك الأسري في حديث: " استوصوا بالنساء خيرا "، وحديث:" فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك"، وحديث: " لا يَفرَكْ مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلقًا رضي منها آخر".
 
           وحرص (ص) على إيفاء حقوقه كل من الزوجين في تأكيده حكمة سلمان لأخيه أبي الدرداء على إثر تفرغه للعبادة وإهماله زوجته حتى أنها تبقى بلباس مطبخها، وإنصافا لها أعاد عليه قول سلمان له: "إنَّ لربِّكَ عليك حقًّا ولأهلِك عليك حقًّا ولجسدِك عليك حقًّا فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه" رواه ابن حبان. وكذلك، حارب الفساد وشيوع الرذيلة في صفوف المؤمنين من خلال حواره (ص) مع الشاب الذي جاءه يريد منه أن يأذن له بالزنى فقال له: " أترضاه لأمك؟.. أترضاه لأختك؟.. قال : لا والله جعلني الله فداءك يا رسول الله، قال : ولا الناس يحبونه لأمهاتهم.. ولا أخواتهم.." فدعا له: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه.. فاقتنع الشاب وارتضى وخرج من عنده والزنى أبغض شيء عنده" رواه أحمد.  وكذلك فعل عمر رضي الله عنه من بعده عندما سن ألا يغيب الزوج المجاهد عن زوجته أكثر من ثلاثة أشهر أو أربعة، حتى لا يفتن الناس في دينهم وعفتهم، وقد فعل هذا بعد استشارة ابنته حفصة في حادث التي غاب عنها زوجها وداهمت ليلها لواعجها.

 

         والآن سنختم بحادثين من أحداث المشاكل العاطفية كان الفضل في حلهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

1- الحادثة الأولى: حادث بريرة ومغيث: عن ابن عباس قال: كان زوج بريرة عبدا أسود يقال له مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها في سكك المدينة يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس: «يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة؟ ومن بغض بريرة مغيثا؟» فقال النبي صلى الله عليه وسلم لها: «لو راجعتِه» فقالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: «إنما أشفع» قالت: لا حاجة لي فيه" رواه البخاري.

 

          في هذا الحديث أن مغيثا كان عبدا فتزوج من بريرة وهي أمة مثله، ثم منَّ الله عليها فأعتقت، فاختارت فراقه، لكنه كان قد شغفته حبا، فظل يسترضيها ويتودد إليها ألا تتركه، وهي ترفض، فما عاد يليق بها، فضلا عن أنها لا تبادله حبه. فكان يسير وراءها في سكك المدينة يسترضيها وهي ترده، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المشكلة الشخصية التي يتعرض لها مغيث، رقَّ له، وتعاطف معه، فتوسط له عند بريرة فرفضت لمَّا علمت أن الأمر وساطة اجتماعية من الرسول وليس وحيا أو أمرا نبويًّا. وفي القصة من إنسانياته صلى الله عليه وسلم، اهتمامه بمشكلة شخصية جدا، تخص شخصا واحدا، وهي مشكلة عاطفية، فكل مشكلة مغيث أنه يحب بريرة، ويريد أن يبقى معها، ويبكي من شدة رفضها له، فلا ينهره صلى الله عليه وسلم ولا يأمره بالتصلب وكبح مشاعره، فإنه صلى الله عليه وسلم يعلم أن المشاعر لا سلطان للنفس عليها.

 

2- الحالة الثانية: حادث الزوج الحاضر الغائب: عن عائشة رضي الله عنهما قالت: ” دخلت علىَّ "خويلة" بنت حكيم، وكانت عند عثمان بن مظعون، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذادة هيئتها، فقال لى: يا عائشة ما أبذ هيئة "خويلة"، فقلت يا رسول الله، امرأة لها زوج يصوم النهار، ويقوم الليل، فهي كمن لا زوج لها، فتركت نفسها، وأضاعتها. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن مظعون، فجاءه فقال له: يا عثمان أرغبت عن سنتي؟، فقال: لا والله يا رسول الله، ولكن سنتك أطلب. قال: فإنى أنام وأصلى، وأصوم وأفطر، وأنكح النساء، فاتق الله يا عثمان، فإن لأهلك عليك حقا، وإن لضيفك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا، فصم وأفطر، وصل ونم". فأتتهم المرأة بعد ذلك عطرة كأنها عروس، فقلن لها: مه؟ قالت: "أصابنا ما أصاب الناس". رواه أحمد وغيره. يقول الشيخ خالد محمد خالد: ” بالأمس لم يستطع الرسول صلى الله عليه وسلم على الأمر صبرا حين رأى أمامه زوجة يؤرقها هجر زوجها، وتضنيها مرارة الحرمان، فأسرع لنجدتها، وذكَّر زوجها بما لها عليه من حق، فما أن جنَّ عليه الليل ثم طلع عليها صباح يوم بهيج حتى كانت تزهو فرحة مطمئنة تقول لصاحباتها: "أصابنا ما أصاب الناس"؟.

 

            "أصابنا ما أصاب الناس"، بفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم، "أصابنا ما أصاب الناس" من صفاء جو.. ونيل حق.. وعودة صحبة.. واهتمام زوج.. وطرد إهمال وتجافي.. وعناد وشحناء.. وهادم بيوت ومقرف علاقات.. هاضم حقوق ومفرق زيجات.. وكم من الزوجات والأزواج.. وكم من الأقارب والقريبات.. كم من العانسين والعانسات.. كم من المطلقين والمطلقات.. وكم من المرملين والمرملات.. وكم من اليتامى واليتيمات.. وكم من الطلبة والطالبات.. وكم من المسافرين والمسافرات.. وكم.. وكم..، كلهم ينتظرون يدا حانية.. وقدرا عطوفا.. وتقاليد اجتماعية ميسرة.. وسياسة عمومية راشدة.. تساعدهم في حل مشاكلهم العاطفية.. وتهدئة مشاعرهم المتأججة.. في هذه الأوقات العصيبة والظروف القاسية.. وألف عرقل وعرقل في وجه الزواج الشرعي والتحصين والاستقرار الأسري.. ودوام العشرة بعيدا عن التفكك والطلاق.. والطلاق العاطفي.. حتى يفرح بها الناس ويقولوا على الدوام كما قالت "خويلة": "أصابنا ما أصاب الناس.. أصابنا ما أصاب الناس"؟.

الحبيب عكي


 

اقرء المزيد

الأربعاء، 19 أكتوبر 2022

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

الرسول (ص) وكيف عالج أمراض القلوب؟

       قال لي صاحبي، كفانا من كلام السفسطة والأفكار البراقة، فإنما الأمة تؤتى من أمراض القلوب وفراغ الجيوب، ولن يخطو بها الترف الفكري نحو الخلاص خطوة، وضرب لنا مثلا موضحا فقال: أرأيتنا نحن ومعضلة التنمية والديمقراطية أو فقط حوادث السير، كم نوعي بخطورتها ونبدع في قوانينها الزجرية وننظم من حملاتها التحسيسية.. ولا تزال الظاهرة المعضلة تحصد من أرواحنا بعشرات الآلاف ما لا تحصده حرب أهلية بين قومها ضارية؟. لماذا، لأننا لا زلنا بعيدين عن الايمان بخطورة الحوادث في قلوبنا.. ولا زلنا بعيدين عن معالجتها بأحكام الشريعة (النفس بالنفس والجروح قصاص) بدل قوانين الغرامات والسجون وفقدان النقط(وإذا فقدت النقط جاءت الرخصة بكاملها)؟.

 

            قلت فعلا، ليس من العبث أن اهتم الإسلام بالقلب وجعله مدار كل شيء من صلاح أو فساد، وكل الأعضاء حوله مجرد جنود وخدم لملكها القالب فقال:" ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" متفق عليه. والقلب - كما يقال - ثلاثة.. قلب سليم ينبض بحب الله وخشيته ويأتمر بأمره وطاعته.. وقلب ميت قد استحوذ عليه الهوى والشيطان، فهو لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا..  لا يقف عند حدود ولا يحتكم بأحكام.. وقلب مريض قد يغلب عليه الخير كما يغلب عليه الشر.. ومن الضروري أن يداوى كما تداوى أمراض الأبدان، وكل داء يرجى له دواء فتداووا، فإن الذي أنزل الداء أنزل له الدواء، إلا السام يعني الموت؟.

 

            تداووا فإن أمراض القلوب خطيرة على أصحابها في الدنيا والآخرة إلى درجة قد تحرمهم من الطمأنينة وسعادة الدنيا، وتحرمهم كذلك من حسن الخاتمة والفوز بالجنة والنجاة من النار، قال تعالى: " يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" الشعراء/88؟. وفي الحديث: " لا يدخل الجنة نمتم". وهي أمراض خطيرة على المحيط والمجتمع الذي ستتلوث بسببها العلاقات الاجتماعية.. وتتعثر فيه مشاريع التعايش والتنمية.. وتتعقد فيه كل الحلول بقدر ما تستشري في خلائقه هذه الأمراض الخبيثة الفتاكة، أو إهمالها و تجاهلها الذي سيجعل منها مستفحلة مزمنة رغم كل مآسيها، فتداووا عباد الله فكلنا يعلم أن كل شيء قد يستحمل بعض التبطيء إلا المرض فكلما تأخر علاجه كلما كثرت مضاعفاته وارتفت تكاليفه وقلت حظوظ الانفكاك من مخالبه؟.

 

            هذا على كل أمراض القلوب على اختلاف أنواعها، ولنأخذ مثلا أمراض الكبر والأنانية.. والعجب والخيلاء.. والتجبر والرياء.. وغير ذلك مما لا يليق أحيانا حتى بذاته سبحانه وتعالى أو إلا بها، هل يمكن لضحيتها أن يتعايش مع الناس؟، هل سيكن لهم أو يكنون له في الغالب غير الضغينة والحقد وحرب الإبادة بلا هوادة؟. أو لنأخذ أصحاب أمراض الطباع الحيوانية من الغضب والقسوة.. الزيغ والاحتقار.. والعنف اللفظي والجسدي والنفسي، حتى اتجاه الأقارب من الفروع والأصول، إلى غير ذلك من مظاهر الظلم التي حرمها الله وجعلها بين العباد محرمة.. وأمرهم ألا يتظالموا لا استقواء ولا احتقارا لأن الظلم ظلمات يوم القيامة، يوم سيقتص الله من الجميع، مؤمنهم وكافرهم انسهم وجنهم، حتى يقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء لما نطحتها؟.

 

            أو لنأخذ أمراض أصحاب النفوس المريضة.. من الحقد والحسد.. والغيرة والمكيدة.. والبخل والشح.. والتطير والتمائم.. والقنوط واليأس.. وقسوة القلب وطول الأمل.. والولغ في اللهو والشهوة.. وحب الدنيا وكراهية الموت.. الحقد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.. والتمائم شرك من علقها لا أتم الله عليه؟. ولنأخذ أخيرا، أمراض قرظ العلاقات الاجتماعية وتسميم الأجواء الإنسانية.. من الغيبة والنميمة.. والبخل والشح.. والقطيعة بين الأرحام وسوء الجوار.. وقهر العامل ونهر السائل.. وعدم الإصلاح بين الممكن من الناس والأسر المعرضة للتفكك والطلاق.. وهي الحالقة.. حالقة الدين أخطر من حالقة الشعر.. وإذا ما فقدت أمة دينها وأخلاقها والتراحم بينها فماذا بقي لها لا من شعرها ولا من رأسها غير الخبل؟.

 

            وقس على ذلك اليوم العديد من ابتلاءات العصر، ككثرة غفلة الكبار والصغار واستغراقهم طوال الأوقات في اللهو والتفاهة والسفاهة والغرق في أتون الهواتف واللوحات ومختلف المواقع والشبكات، والتبضع من بضاعتها الرديئة والمسمومة في أحيان كثيرة، والتباهي بما قد تتيحه لصيدها المغفل من وهم الشهرة والتأثير وربح الإشهار.. والتلهي بذلك في كثير من الأحيان عن العبادات والواجبات والطاعات والمسؤوليات.. بل ربما، إتيان البعض منهم بعض الفواحش والمحرمات عبر ما تفتحه لهم من أبواب الإباحية والنصب والاحتيال طوال لياليها البيضاء، تكررت بين القوم حكاية حوادث السير وتزايدها، فلا شقشقة فكر ولا نسيان ذكر ولا إسدال ثوب ولا تقصيره أسعفنا في شيء، لا يسعفنا غير الإيمان الراسخ بقولهم: "على المسلم ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون بصيرا بزمانه مقبلا على شأنه"؟.

 

            إن أمراض القلوب النفسية كأمراض القلوب البدنية، من ضغط دموي واضطراب دقات القلب أو عجز قلبي أو ذبحة صدرية أو جلطة دماغية..، ينصح الطبيب المتخصص لعلاجها وقاية.. وحمية.. وأدوية ومراجعة دائمة.. إن لم ينصح بتحاليل مكثفة وعملية مستعجلة في غاية الدقة والأهمية والخطورة.. ولكن المهم أن الأمل دائما موجود والعلاج أيضا موجود، وكذلك أمراض القلب النفسية والسلوكية، فقد أمر طبيب القلوب رسول الله (ص) بالوقاية منها والعلاج منها بالعديد من الوصفات الفعالة ومنها:

 

1-     تلاوة القرآن الكريم بتدبر وخشوع: قال تعالى: " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين" الإسراء/82.

2-     ذكر الله سبحانه وتعالى: ففي الحديث: "ألا إن لكل شيء صقالة، وصقالة القلب ذكر الله" رواه البيهقي.

3-    فعل الطاعات وتجنب المعاصي: وفي الحديث:" الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني" رواه الترمذي. وفي الحديث: "إنَّ العبد إذا أذنب ذنبًا كانت نُكتةٌ سوداءُ في قلبِه، فإن تاب، ونزع، واستغفر صقَل منها، وإن زاد زادت حتَّى يُغلَّفَ بها قلبُه، فذلك هو الرَّانُ الَّذي ذكر اللهُ في كتابِه: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ" المطففين/14.

4-  إعمال الفكر والفقه الصحيح: في ما يقدم عليه الإنسان هل هو صالح أم طالح.. حلال أم حرام.. نافع لي وللأمة أم ضار بي وبها؟. خاصة في ما يمتحن فيه القلب من مواقف كالشهوات والشبهات.. والإقدام على العبادات وطلب العلم وتكاليف الدعوة والمناصب والنساء..

5-  الاستعاذة من الشيطان الرجيم: كما في الحديث: " قل اللهم فاطر السماوات والأرض.. عالم الغيب والشهادة.. رب كل شيء ومليكة.. أشهد ألا إله إلا أنت.. أعوذ بك من شر نفسي.. وشر الشيطان وشركه.. وأن أقترف على نفسي سوءا.. أو أجره إلى مسلم" رواه الترمذي.

 

إلى غير ذلك من الوصفات والمضادات الحيوية ضد أمراض القلوب بكافة أشكالها وأخطارها، ومنها:

1-  وصفة حق المسلم وصفاء التعايش: " حق المسلم على المسلم ست.. إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْهُ، وإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ، وإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ. "رَوَاهُ مُسْلِمٌ.  وفي الحديث: " لا تَحاسدُوا، وَلا تناجشُوا، وَلا تَباغَضُوا، وَلا تَدابرُوا، وَلا يبِعْ بعْضُكُمْ عَلَى بيْعِ بعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللَّه إِخْوانًا، المُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم: لا يَظلِمُه، وَلا يَحْقِرُهُ، وَلا يَخْذُلُهُ، التَّقْوَى هَاهُنا" رواه مسلم.

2-  وصفة السعي مع المسلمين وبينهم: "مَن نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كُرَب الدنيا، نفَّس الله عنه كربةً من كُرَب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسرٍ، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، واللهُ في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" رواه مسلم.

3-  وصفة صفاء القلب وسلامة الصدر: وفي الحديث: "سيطلع عليكم رجل من أهل الجنة..، فلما تقفوا أمر الرجل وبحثوا في أعماله وعباداته، وجدوا أنه عادي في كل شيء، غير أنه أخبرهم أنه إذا أوى إلى فراشه لا يجد في قلبه على مسلم شيئا أي شيء" رواه ابن المبارك.


وقانا الله وإياكم من أمراض القلوب، وطهر مجتمعنا من خبائثها.. آمين.. أمين.. والحمد لله رب العالمين.

الحبيب عكي


اقرء المزيد

الأربعاء، 12 أكتوبر 2022

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

12 ربع الأول..12 خصلة نبوية.. فما حظنا منها؟.

            لكم يحتار المسلم المعاصر اليوم، في ما يتعرض له إسلامه من حرب وقصف إعلامي ينعته بكل النعوت المنفرة التي ليست فيه، .. تخلف وفقر.. تطرف وإرهاب.. قسوة وحرمان.. سبب مشاكل الدنيا، ومن التطبيع مع موجات سلوكية منحرفة تقر لهذا الدين كذلك بما ليس فيه من تصورات مسمومة وممارسات قاتلة.. ميوعة وتعاطي مخدرات.. شبكات النشل والدعارة بأسماء ومسميات.. ولا يمنع كل ذلك ضحاياه من اعتبار أنفسهم مسلمين دون حتى بذل أي جهد لإنقاذ أنفسهم ومجتمعهم من أتون ما سقطوا فيه من الأهواء المنحرفة والسياسات المفلسة؟.

 

            نعم، سياسات وقرارات بمرجعيات وانتماءات مصادمة لمعتقدات وشرائع الحنفية السمحاء والدين الوسط.. والهم القيمي والاجتماعي..  من علمانية وديكتاتورية.. شمولية خمرية وربوية.. وكون جل شيء مضيء بينهم أو فيه بصيص من الخير والأمل، يكون في الغالب دولة بين الأغنياء منهم فقط؟. هل هكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم؟، وهل هكذا شرع لأمته خير الشرائع وارتضى لهم خير الدين والدنيا؟، بلى، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الحب الحبيب والمرجع الطبيب.. الأسوة الطيبة والقدوة الحسنة.. كان صاحب أروع خصال وصفات.. وصاحب أجمل أسماء ومعجزات.. صاحب أعدل سلوكات وتشريعات.. فضائل ومعاملات.. غزوات وفتوحات..؟.

 

            قيم ومبادئ وغايات، من اللازم علينا اليوم أن نسائل أنفسنا ومجتمعنا ماذا بقي لنا منها؟، وهل من الصواب أن نحلم بتحقيق رضا ربنا واتباع رسولنا.. استقامة حياتنا وتحقيق حظنا من الرقي والتقدم والازدهار.. و اللازم من السلم والأمن والتضامن..، بدونها؟، .. أو بسوء فهمها؟، أو بتزويرها والانتقاء منها.. فكيف بخلطها أو تقديم الأردأ من الفلسفات والسياسات عنها؟، قال عمر رضي الله عنه: "لقد أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله"، هو الحنفية السمحاء.. هو المحجة البيضاء.. ليلها كنهارها.. لا يزيغ عنها إلا هالك" حديث صحيح. هذا هو الإسلام فكيف عاش به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأية خصال؟، طبعا، هناك العديد من الخصال المبثوثة في آي القرآن الكريم ومتن الأحاديث الشريفة، يمكن إجمال اللازم منها لكل فرد وجماعة.. والتي لا تستقيم حياة أي عصر ومصر بدونها، في ما يلي:


1-  الصدق والأمانة: يعني "الرجولة" بمعنى الكلمة والحمولة والتجلي الميداني والديمومة.. حتى قبل بعثته (ص)، فهل يمكن بناء شيء أي شيء، وحظنا من هذه الخصلة النبوية ورصيدنا منها في أحسن الأحوال بين النقصان والنفاذ وعدم التعميم وعدم الكفاية على كل حال؟.

2-  صاحب الرسالة والدعوة: والثبات عليهما.. ولم يرضى عنهما بديلا حتى بالشمس والقمر.. والجاه والملك على البشر.. فكم هو إحساسنا اليوم بهذه الخصلة الربانية والحتمية الدينية والضرورة الاجتماعية.. وكم هو ترتيبها في اهتمامنا وحياتنا.. من الأولويات أو من الثانويات التي يضحى بها عند أبسط العراقيل؟.

3-  العابد القائد المجاهد: يقوم الليل حتى تتورم قدماه، ويقود الغزوة ويتقدمها بكل شجاعة.. ويفتي لهذا ويحكم بين هؤلاء.. درسا لنا بأن الإسلام كل لا يتجزأ.. دين ودنيا.. فكيف بمن يجتهدون اليوم في لي الأعناق.. وفصل النص عن السياق.. جزر للعبادة و مرافىء للسياسة.. وكأن السياسة ليست مما ينفع الناس؟.

 

4-  الرحمة واليسر: الرحمة المهداة والنعمة المسداة.. لكل العالمين.. وما اختار (ص) بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن حراما.. فمتى نراجع سلوكنا اتجاه هذه الخصلة وكيف نزيل عنا غشاوة القسوة والتعسير.. آباء على أسرهم..  ومسؤولين على مواطنيهم.. وحكاما على شعوبهم.. "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"؟.  

5-  الشجاعة والإقدام: فما يصنع عزوف وفتور العديدين في المشاركة في أعباء الإصلاح إلا خوفهم وجبنهم من التبعات.. وإيثار مصالحهم الضيقة على المصالح العامة.. وما يكسر العديد من مشاريع المقاومة للانحرافات إلا انعدام الشجاعة في القول والعمل.. والبذل والتضحية.. أحزابا ونقابات.. جمعيات ومؤسسات.. فهل ندرك قولهم : "على قدر أهل العزم تأتي العزائم... وتأتي على قدر الكرام المكارم" المتنبي؟.

6-  الجود والكرم: إذ لا فائدة من القيل والقال إذا لم يكن للمرء سلوك عملي وخطو ميداني يزكي أقواله.. بل يسبقها ويقنع بها.. فكم كان رسول الله (ص) أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، درسا لكل من أراد أن يقنع أسرته وغيرها برسالة الدين وهو بخيل وداره مغلقة لا أحد يأكل طعامه أو يشرب شرابه.. وربما حتى من أخوته وجيرانه وأهل عشيرته.. فأنى يستجاب له؟.

 

7-  الزهد والصبر: الزهد في الدنيا.. الزهد في ما عند الناس.. الزهد في الحرام و في كل ما قد يأتي عن طريقه.. والصبر على تكاليف الحياة وما قد يرافقها من شظف العيش، الصبر على الأعداء ومكائدهم ومقاومتها، وهي الأمور التي تهزم كل الرافضين لسلوك الزهد وكم حاجة قضيناها بتركها.. وأكلما اشتهينا اشترينا.. العاجزين عن الصبر والمصابرة.. والربط والمرابطة.. أفرادا وجماعات.. دولا ومنظمات؟.

8-  حسن المعاشرة: مع أهله وخدمه وصحبه وغيرهم من الأغراب والكتابيين وأهل الذمة.. هكذا وصفه الله تعالى: " فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا مكن حولك" آل عمران/159. وكم في سيرته العطرة من أحداث وحكايات عن إسلام أقوام جراء انبهارهم بمجرد سلوكه وخلقه (ص)، ولا زال علماء الغرب وحكماؤه إلى اليوم، يتحدثون عن حكمته غير المسبوقة عبر التاريخ البشري والإنساني.

9-  المربي المصلح: الذي ربى الصحابة رضوان الله عليهم عبادة تعاملا وجهادا.. فعلم هذا ونصح هذا.. ووجه ذاك وأفتى لذاك.. وترك للجميع ميراثا تربويا حيا على الدوام، كما كان قاعدة أساسية وينبوعا صافيا في كل إصلاحاته الاجتماعية ومفاوضاته السياسية.. صحيفة المدينة.. حلف الفضول.. صلح الحديبية.. إلى حجة الوداع؟.

 

10-  فصاحة اللسان: اللسان العربي المبين.. لسان العلم والإيمان.. لسان الدعوة والقرآن.. ولم يكن ينازعه كل هذا الضحل اللغوي الذي نتخبط فيه اليوم.. في تعليمنا وإدارتنا.. في أسرنا وشارعنا.. في نشرنا وإعلامنا.. كما لم تكن هذه العربية الفصيحة مانعا من أن يقوم بها العجم ألسنتهم ويثروها بها، ولا من أن ينفتح العرب على السائد من لغات العالم آنذاك؟.

11-  التبسم بدل التجهم: على عكس ما يتصوره العديدون ممن يجهلون طبيعة الإسلام وخصال نبيه الكريم(ص)، فيصورونه على كثير من التجهم والحزن والقسوة والقهر والفقر والحرمان.. وغير ذلك مما تكرهه النفس البشرية وتنفر منه الفطرة ولا تطيقه.. ولو كان وراءه من الوعد والوعيد ما كان.. ومحال أن يكون وراء ما يصادم الفطرة غير "دعشنة" وفظاعة ابتدعها أصحابها، ما كتبها الله عليهم وفي حديث الترمذي: "تبسمك في وجه أخيك صدقة"، وفي الحديث الصحيح: "إن الله جميل يحب الجمال" حتى أن الرجل يحب الثوب الجميل والنعل الجميل والقول الجميل.. وهو مسلم صحيح الإسلام. إنها الوسطية والاعتدال يا من لا يصرون ولا يمعنون إلا على الغلو والابتداع.

 

12-  الوثوق في ما عند الله: والحرص على رضاه تعالى.. هوية ومرجعية.. وسطية واعتدالا.. عليه يوالي ويناصر.. وعليه يعادي ويحارب.. وعلى ذلك أقره الله سبحانه وتعالى.. وعلى ذلك رضي عنه المؤمنون وبايعوه.. قبل ملوك الروم وكسرى والفرس، والسائد اليوم من أنظمة الأمم المتحدة وشروط البنوك الدولية والأنظمة الجديدة للغرب والشرق والماما أمريكا والخالة فرنسا؟، والتي لا تقر في الدول أو تساعدها، إلا بقدر ما تتبع قوانينها الوضعية وتخضع لشروطها المجحفة، ولو على حساب شرائعها التي قد تكون اللأأصل والأرقى والأعدل؟.

 

             هذه 12 خصلة نبوية رفيعة في ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم 12 ربيع الأول، وطبعا، هناك العديد من الخصال الأخرى، كلها مبثوثة في آي القرآن الكريم كما في قوله تعالى: " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".. "حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم".. "يحل لكم الطيبات ويحرم عليكم الخبائث"..  "إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا" الأحزاب/45. وفي أحاديث السيرة العطرة، لعل أجلها ما شهدت به عليه أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وهي تواسيه في محنة الوحي: " كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتؤدي الأمانة، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق" رواه الشيخان. فكم حظنا أفرادا وهيئات من خصال رسول الله وكيف ننميها في أنفسنا ومحيطنا.. أسرنا ومجتمعنا.. حتى تسلم لنا محبتنا له صلى الله عليه وسلم.. محبة نستزيد بها أجرنا.. وتستقيم بها حياتنا ويتحقق أمننا.. أمن ورود الحوض والشفاعة والمرافقة - بإذن الله - في الجنان.

الحبيب عكي

 


اقرء المزيد

الخميس، 6 أكتوبر 2022

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

فضل الاحسان إلى الجار وحسن التعامل مع الناس.

       من المفارقات الغريبة، أنه بقدر ما يعاني المسلمون من آفات عديدة تجعل من حياتاهم مضطربة في العديد من الجوانب وغير عادية في الجوانب الأخرى، وبقدر ما تستوجب منهم معالجتها من بين ما تستوجب مد جسور التواصل والمحبة والأخوة، وربط حبال الود والتشاور والتعاون كما في قوله تعالى:" وتعاونوا على البر والتقوى" ، بقدر ما قد تجدهم بعيدين عن مثل ذلك ومداخله فبالأحرى حوامله ومسالكه.. إطاره وبرامجه، فهؤلاء قد تجدهم ينفون عن الإسلام كل شيء تشتم منه رائحة المقاومة والجهاد، وهو ذروة سنامه التي تتحقق لهم به النصرة والعزة، وهؤلاء ينفون ويحاربون كل من دخل في تنظيم أو أي ائتلاف يحاول توحيد المشاعر والجهود وهدم خنادق الفرقة والحدود؟.

 

         وهكذا تفشت الفرقة والطائفية والمذهبية والعصبية.. بين الناس حتى في الحي الواحد وفي البيت الواحد فبالأحرى الوطن الواحد والأمة الواحدة، حتى لكأنك قد تجد المسلمين في أي بيئة كبيرة أو صغيرة لا  يكادون يتفقون على شيء ولو تيقن لهم أنه شيء مهم سيؤدي بهم إلى طريق الرفعة والتحرر والنهوض بهم وحماية أنفسهم وأبنائهم ورد كيد الأعداء عنهم وعن بلدانهم؟. بل بالعكس قد تجد منهم من يذهب مع ذلك العدو في مخططه وحروبه التي يخوضها ضد الأمة أو ضد جزء منها، إن لم يخضها هو نيابة عنه غطرسة وبالمجان، فتجد دولة إسلامية تقود حربا عشواء ضد جارتها المسلمة المسالمة، وهو منكر وفظاعة هذا العصر الحديث كما حدث بين إيران والعراق.. وبين العراق والكويت.. بين السعودية واليمن.. إلى التدخل السافر للبيترودولار في سوريا وليبيا والسودان ولبنان.. وغيرهما من دول الربيع العربي الثائر الهادر، و كما يقال، الحروب تبدأ من العقول والمشاعر قبل المصالح والأوطان؟.



            أيها السادة، ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع قد أوصانا بالسمع والطاعة والبيان والشهادة "اسمعوا مني أبين لكم.. ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد"، ألم تكن توجيهاته الربانية صلى الله عليه وسلم لتقينا وتنقدنا من هذه المعضلة الكبرى والطامة المعاصرة وهو يرسي قواعد التعامل السليم والعادل بين الناس و يقول:

1-     "أيها الناس، إن دمائكم وأموالكم عليكم حرام، إلى أن تلقوا ربكم، كحرمةِ يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغتُ، اللهم فاشهد" ؟.

 

2-  أيها الناس، إن ربا الجاهلية موضوع، وإن دماء الجاهلية موضوعة، وإن مآثر الجاهلية - يَعني أعمالها- موضوعة، أعمال الجاهلية كلها موضوعة، وقد أحسن التعبير عنها "جعفر بن أبي طالب" أمام الملك الحبشي "النجاشي" فقال: " أيُّهَا الْمَلِكُ؛ كُنَّا قَوْمًا أهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، وَيَأْكُلَ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ.. حَتَّى بَعَثَ اللهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وصِدْقَهُ وَأمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللهِ لِنُوَحِّدَهُ... وَأَمرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهانَا عَنْ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَّعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ، وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ... فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا، وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ...وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الْخَبَائِثِ"؟.

 

3-  أيها الناس، إنَّ الشيطان قد يئسَ أن يُعبدَ في أرضكم، ولكنه قد رضي أن يُطاعَ فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم. يعني من أعمال الجاهلية من الوأد والسبي.. إلى السحر والشعوذة.. إلى الخمر والميسر.. إلى السفور والميوعة.. إلى النشل والاستلاب.. إلى التحرش والزنا.. وغير ذلك من الشرك وعبادة الأصنام والشهوات؟.

4-  أيها الناس، إن لنسائكم عليكم حقًّا، ولكم عليهن حقٌّ؛.. وحقكم عليهن ألا يُوطِئنَ فُرُشَكم غيرَكم، ولا يُدخِلنَ أحدًا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم،.. فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهنَّ خيرًا، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.

5-  أيها الناس، إن ربَّكم واحدٌ، وإن أباكم واحد، كلكم لآدمَ، وآدمُ من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على عَجمي إلا بالتقوى، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.

6-  أيها الناس، الولد للفراش، وللعاهر الحجر، من ادَّعى لغير أبيه، أو تَولَّى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين..

 

        وقد استهلت الخطبة نفسها، بقوله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس، اسمعوا مني أبيِّن لكم، فإني لا أدري لعلِّي لا ألقاكم بعد عامي هذا، في مَوقفي هذا"، دلالة على وجوب استحضار بعد الآخرة في أمركم، فالموت يترصدكم في كل أمركم، وكفى بالموت واعظا.. وكفى بالموت مقوما.. قد يكون المرء يتغلب على خصمه قوة جسدية أو حجة لسانية أو عصبية قبلية أو تنفذا ومسؤولية..، ولكن الله لا تخفى عليه خافية، ولا يقبل من الظالم صرفا ولا عدلا، وكل ظالم عنده ضعيف حتى يقتص منه، وكل ومظلوم ضعيف عنده قوي حتى يقتص له، وكلهم ملاقيه يوم القيامة فموفيه حسابه؟.

 

            منظومة تربوية وتدبيرية محكمة ومتكاملة ينبغي على العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يطبقها مع نفسه ثم مع أهله وأبنائه فجيرانه ومعارفه الأقرب فالأقرب، قال تعالى: " واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وبالوالدين إحسانا، وبذي القربى واليتامى والمساكين، والجار الجنب والصاحب الجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم" النساء/ 36. الجار ثلاثا كما يقال:

1-     من له حق واحد، وهو الجار غير المسلم وله حق الجوار والمواطنة بغض النظر عن الدين والمعتقد.

2-     من له حقان، وهو الجار المسلم وله حق الجوار وحق الإسلام.

3-     ومن له ثلاثة حقوق، وهو الجار المسلم من ذوي القرابة، وله حق الجوار وحق الإسلام وحق القرابة.

        وكيفما كان الجار، فقد ربط رسول الله واجب الإحسان إليه بمدى وجود الإيمان في صاحبه أو عدمه فقال: "والله لا يؤمن.. والله لا يؤمن.. من لا يأمن جاره بوائقه. " يعني شروره. كما رفع صلى الله عليه وسلم من قدر الجار حتى كاد يجعله للمرء وارثا فقال: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" حديث صحيح، هذا وقد جعل إذاية الجار مما يحرم صاحبه الجنة فقال في امرأة تذكر بكثرة صلاتها وصدقتها وصيامها إلا أنها تؤذي جيرانها بلسانها، فقال: "هي في النار"، وفي امرأة عكسها تماما قال:" هي في الجنة"، والعجب العجاب أن يجعل رسول الله نفسه حاميا للجار فيقول: "من أذى جاره فقد أذاني.. من حارب جاره فقد حاربني"، وطبعا من حارب رسول الله فقد حارب الله وأن له قبل بذلك؟،

 

            كيف تحسن إلى جارك في دوائره المتعددة وتؤدي بعض حقوقه الممكنة؟، بادره بالسلام وعش معه في سلام.. ائتمنه من بوائقك يعني من شرورك.. أجب دعوته إذا دعاك.. شاركه أفراحه وأتراحه.. احفظ أسراره.. رد عنه الغيبة والنميمة في حضرتك.. اسأل عنه عند غيابه وعده في مرضه.. ساعده عند حاجته إذا كان في مقدورك.. احترم عورته من النساء والبنات فهي من أعظم أنواع الزنا والبوائق.. رب أولاده وانصح لهم بالخير كما تنصح لأولادك.. لا تؤذيه بأزبالك أمام داره.. أطعمه مما تيسر من مطعمك وفكهه من فاكهتك.. ولا تؤذيه براحة شيك ولا بصراخك ولا مذياعك وتلفازك.. تعاون معه على الممكن من أعمال البر والتقوى.. اصبر على أذاه ما استطعت.. لا تحرمه مما قد يتيسر لك من جلسات العلم وموائد العلماء؟. وكيف لا تحسن إلى جارك وفي العديد من أحيائنا تتفشى الكثير من الثقافات والسلوكات الغريبة عن قيما وعاداتنا وكلها تنشر العديد من الظواهر الغريبة والمضرة بأبنائنا.. فراغ.. بطالة.. تهميش.. فقر وهشاشة.. جهل وانحراف.. تنمر وتشرميل.. عصابات ومخدرات.. ميوعة ولامبالاة.. مكائد وخصومات.. تطبيع مع مظاهر التخلف ولا يمكن الحد من خطورة امتداد هذه الظواهر إلا بجهود الغيورين من أبناء الحي في إطار مدني متعاون سيعمل ليس فقط على التحسيس بخطورة هذه الآفات التي تقوض أسس العيش الكريم والسليم بيننا.. بل أيضا، إعطاء البدائل الثقافية والفنية والرياضية والاجتماعية اللازمة والممكنة بدل مجرد التشكي واليأس والانتظار ؟.

 

            إذن فالجوار فعلا، أهم مشروع وأفضله للحركة والتأطير والترافع والتدافع على مستوى الحي مهما كان التفكير وطنيا أو عالميا، فالحي يستوعب الجميع من أجل الجميع.. فيا أيها المتعثرون في مشاريع القبيلية المقيتة والمتخندقون في الصراعات الحزبية المفلسة، جربوا الاشتغال في ودادية الحي وجمعيته المدنية.. عندما تكون من الحي وإليه.. شعارها خدمة الحي أولا، عبر إحياء فضائل التعايش المشترك بين الناس.. وقيم التربية على المواطنة والسلوك المدني.. عندما تقوم بحملات التحسيس والنظافة والتشجير والتضامن الاجتماعي.. وغير ذلك من قضايا الحي واهتمام الجار براحة جاره.. الجار الإنسان والأهل والأبناء.. الجار المنزل والإقامة.. الجار الفضاءات والمؤسسات.. إلى الجار الحي والمدينة.. والجار الجهة والوطن.. والجار القطر المجاور والقارة الجارة.. دائما هناك قيم كونية وقضايا عادلة.. يمكن التعاون عليها بمفاهيم العالم القرية الصغيرة.. وبمفاهيم "خير الناس أنفعهم للناس" و مفاهيم "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".. إلى مفاهيم" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" أخرجه مسلم. إلى مفاهيم "والله لأن يمشي أحكم في قضاء حاجة أخيه خير له من صيام شهر ومن الاعتكاف في مسجدي هذا شهرين" رواه الحاكم.

الحبيب عكي

 


اقرء المزيد

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

المشاركات الشائعة