Top Ad

الجمعة، 27 أكتوبر 2017

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

مؤسستنا التعليمة بين الحصاديين و Systéme D؟؟


اليوم يخلف الإعفاء المفاجىء لوزير التربية الوطنية "حصاد"زلزالا من ردود الأفعال القوية معظمها قد ذهب إلى الترحيب بالقرار والتهكم والسخرية من الوزير المعفى بلغ حد التشفي،نظرا للحجم الكبير من فقاعات الرجل في ما يسميه بالإصلاح وهي في الحقيقة لا تمس جوهر الإشكال التعليمي ومعضلاته التي طالما انتظر الشعب حلها،بالإضافة إلى أسلوب الرجل في التدبير والذي طغى عليه الهاجس والأسلوب "الأمني الداخلي"وما اتسم به من الاستقواء والاستفراد و"الصنطيحة"أو العنترية والمخزنية الفارغة التي غيبت المقاربة التشاركية والحوار الاجتماعي مع مختلف الفاعلين وكأن كل الناس والهيئات عنده مجرد أدوات التنفيذ،ولا يدرون من تخت التعليم شيئا ولا لهم تراكم أو مطالب هم أدرى بها وأحوج إليها من غيرهم؟؟.لقد ووجه الرجل بالرفض الواضح وبالوقفات والاحتجاجات والمسيرات والشعارات والمرافعات عبر كل أيامه القصيرة،في كل مبادراته من "الوزرة" و"الصباغة" والحركة الانتقالية والتشهير بالمتغيبين والالتفاف على اللغة العربية والتراجع عن تدريس المواد العلمية بها  ولي أعناق النصوص والأطارات المرجعية في ذلك،وهذه وحدها كانت كافية بأن يرحل غير مأسوف عليه؟؟.

 ولكن رغم ذهاب"حصاد"وغياب صفائح أقدامه من القطاع،وبأسلوب الإعفاء الذي كان يمارسه على غيره من المستضعفين والمخالفين والأبرياء أحيانا(باش تقتل باش تموت يا ملك الموت)،فقد خلف الرجل في الساحة التعليمية وفي رمشة عين وبقدرة قادر جيشا من "الحصاديين" ذوو الميولات التسلطية البغيضة والأساليب الزجرية الانتقامية والنزعات الاستكبارية المريضة،وكأنه استنبت في تعليمنا نقابة فعلية من "الحصاديين" قصد الدعم والموالاة وما كانت تنتظر كما يقال غير الإعلان عن التأسيس والتمثيل والتمويه في كل شيء خاصة ما قد يكون مرفوضا لدى الشغيلة التعليمية وجل "الحصاديات" كما رأينا عندها مرفوضة؟؟،كل هذا جعل من الرجل أسلوبا انتهازيا ترهيبيا لا مجرد شخص وبطل مزيف؟؟.ولكن رغم اغتيال "القائد" سياسيا والإسقاط في يد "الجنود" اليتامى المساكين ميدانيا،فتبقى المعضلة التعليمية قائمة وبحدة ما كان "حصاد"ورجاله يحاربونه وما لم يكونوا يحاربونه ولم يكونوا يجرؤون حتى من إثارته وتحريك ميتنقعاته،ولا أدري كم يلزمنا من الصدق والإخلاص ومن الضمير المهني والانتماء الوطني للمساهمة في إنقاذ ما يمكن أنقاذه كل حسب الكفاءات والمواقع والمسؤوليات والمشكلات والتراكمات؟؟.

إن أهم ما يفسد المؤسسة التعليمية ويجعل كل الجهود المبذولة فيها مجرد تدبير الأزمة في أزمة التدبير لا تربية تعطي ولا تنمية تنتج ما لم تواجه هذه الإشكالات بصدق وعمق،ومن هذه الإشكالات يكفي أن نذكر خمسة أساسية كانت مع الأسف ومنذ  كم وكم وهي تلف وتخنق المدرسة  ولا زالت وهي كالتالي:
1-  مؤسسة العلاقات بدل الكفـــــاءات:
العلاقات المبنية على الولاءات والانتماءات لا على المساواة والأهلية والكفاءات،ما يخلق في كل مؤسسة خندقين أحدهما بقيادة المدير ومن معه،ولا هم لهم إلا فرض إرادتهم وتسلطهم وتعسفهم وتمييعهم وخضوعهم واستسلامهم على الخندق الآخر الذي يرى نفسه مجرد تابع مقصي و مقاوم مهمش وكأن لا ناقة له في الأمر ولا جمل وهو محروم  من كل "وزيعة" توزع بين الأنصار ومحاسب خلافهم وهو العامل في الحقيقة أكثر منهم ومن غيرهم؟؟.
2-  مؤسسة المذكرات بدل المشاورات:
والمذكرات المعمرة غير الواقعية والمتجاوزة بسلطويتها و مركزيتها التي لا تبقي للعاملين والشركاء أي باب من أبواب الاجتهاد الميداني وهم أدرى بواقعهم وأقدر على معالجته وتطويره في إطار المصلحة العامة للجميع،لا في اتجاه ما يحرص عليه الآخرون من الهاجس الاقتصادي والأمني الضيق الممزوجين بالجبر والتأويل وسوء التنزيل؟؟،والأدهى والأمر أن يكون ذلك أيضا ممزوجا بالتدخل السافر في الشؤون الشخصية للموظفين والموظفات واستكثار حقوقهم عليهم كذلك المدير"الحصادي"الذي قال لموظف يخبره بغياب ضروري لغرض أو مرض أو عمرة:"ألم تجد وقتا لذلك إلا الآن"؟؟،أو الذي أضاف لموظفة جاءته في عطلة طلقها:"ألم تجدي وقتا للولادة إلا الآن"؟؟.ناهيك عن الأقوال الاستفزازية والأفعال الانتقامية و الهدامة التي تصدر من البعض كقولهم:"الأستاذ موظف عند الوزارة ورغما عنه ينبغي أن ينفذ خطتها وسياستنا"؟؟،و"سيروا للمؤسسات ديالكم..النيابة ماشي ديالكم..وما خاصكم تجيوها إلا بطلب وترخيص..ومنا"؟؟،المذكرة الوزارية كاتقول:الصباغة والطابلية والحصة الكاملة 24 ساعة واشهار الغياب على القنوات الفضائية وفي النشرات الإخبارية..يجب يجب..وممنوع..ممنوع...يبجب..يجب وممنوع..ممنوع"؟؟. 
3-  مؤسسة التوترات والتعنيفات:
التوتر والصراع والعنف المتبادل بين الجميع التلاميذ والأساتذة بآلاف الحالات وبين الإدارة والآباء والشركاء،فالكل يشتكي من الكل ومن الإطار العام والقانوني المنظم لممارسة العمل،عنف نفسي ولفظي وجسدي تجاوز المذكرات التنظيمية بل كثيرا ما تخلقه بعض هذه المذكرات أو يمارس باسمها وضرورة تطبيقها الحرفي ولا حق لأحد في الاجتهاد وتجاوز المظاهر إلى المقاصد،والضحية الأولى والأخيرة هو نظامنا التربوي وما يستفحل فيه من تدني المستوى والقيم،وما ينتجه كل موسم من ظواهر الهذر المدرسي في صفوف المتعلمين بالآلاف وتزايد طلبات التقاعد النسبي للمعلمين أيضا و بالآلاف؟؟.
4-  غياب الحوارات  والتكوينات:
غياب الحوار التربوي والمهني والتدبيري وغيره،وغياب العديد من الأشكال المؤطرة له والفضاءات الموازية لهذا الغرض،ليفتح المجال على مصراعيه أكثر وأكثر لما يمكن تسميته بالصلاحيات والأوامر أوالتجاوزات وتحميل المسولية للآخر كما يتصورها المسؤول الأعلى؟؟،غياب أي تواصل فعال بين المؤسسة والأسرة،وبين الموظفين والنقابات التي أصبحت اليوم تكتفي على سبوراتها ببعض الملصقات التي لا يقرؤها أحد؟؟،وأخطر من ذلك غياب التكوين المستمر والتكوين في مجالات التنمية الذاتية والتواصل بين جميع الفئات،وفوق ذلك غياب المكونين الأكفاء والمحاورين والمدربين المقنعين،مما يجعل العديدين يكتفون بمجرد إنجاز مهامهم التربوية والإدارية في أدنى حدودها ولا ندري متى سيربطهم بالمؤسسة مشروع أي مشروع؟؟.
5-  مؤسسة "D" Système:
"D" Système أو النظام "د"،"دبر راسك"،"ديها في راسك"،"ديباني ودبر على راسك"،"دير ما قالك راسك وحتى حد ما يقولك"،"اللي قالك دير يجي هو يدير"،"ومالي أنا حمار الطاحونة ولا بغل الدوار"،"راكم اسمعتوا وكلها يتحمل مسؤوليتو"،"راكم ربًّاعة عند الوزارة"،"أنا غير تفوتني وتجي في من بغات"،"أش غادير..بحالك بحال الناس..وغير سلك احسن لك"،و"الله يدوز ما تبقى على خير"،إلى غير ذلك مما جلب وسيجلب إلى القطاع "حصاد" وأمثاله،ومما جعل وسيجعل المؤسسة رغم كل المظاهر مرتبطة بشرنقة الأنانية والفردانية إلى أبعد حدود،وبعيدة كل البعد عن أي شكل من أشكال الانسجام والتوافق أو العمل الجماعي للفريق رغم أنف العديد من المجالس التي لا يقرها التردي التربوي و التدبيري على عكس ما تدعيه من الانجازات،وكل هذا مما يجعل بعض حلقات هذا النظام معطلة أو تدور بجعجعة ولا طحين تربوي ولا تنموي إلا ما قل؟؟.

وستبقى الأوضاع كما هي وفي تراجع مستمر ما لم يعترف الجميع بهذا الواقع الصعب ونعمل جميعا على إصلاحه وتجاوزه كل من موقعه،وخاصة ما يتعلق بالمعايير الحقيقية للمؤسسة التربوية،والأهداف التربوية الواضحة والمؤشرات المضبوطة،والحق أو واجب الانفتاح والتواصل مع الأسرة،والجدية في التشارك مع الفاعلين،والعدل في توزيع المسؤوليات والشفافية في المحاسبة عليها،فهل يستطيع "الحصاديين" الجدد الذين مع الأسف ينبتون اليوم بقدرة قادر وبسرعة مهولة في ساحاتنا التعليمية كالفطر الخبيث،هل يستطيعون أن ينجزوا شيئا من هذا الإصلاح الحقيقي في منظومتنا التعليمية وهم إلى الأمس القريب قد كانوا ولا يزالون اليوم من نوابه ومديريه ورؤساء أقسامه ومصالحه؟؟،نعم للحكامة الجيدة والانضباط ولكن بعيدا عن المجاني من الهواجس الأمنية الضيقة والهواجس الاقتصادية المزعومة،وبعيدا بالأخص عن الاستفراد والتحكم والفساد و الاستبداد؟؟.

الحبيب عكي


اقرء المزيد
http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

مؤسستنا التعليمة والإطارات الفارغة إلى متى؟؟


ما أصعب أن يجد الإنسان نفسه في مؤسسة هو مجبر على أن يمنحها قلبه وإن كرهتها روحه،ومجبر على أن يقضي فيها زهرة حياته ويحقق فيها حلمه المهني و هو لا يرى فيها كثير ما يشجعه على ذلك؟؟.وأصعب منه أن يصورها له بعض الزملاء الإداريين وبعض المسؤولين على أنها..وأنها..وأنها،مدعين في ذلك ومعتقدين على أن الموظف في مؤسسته  هو كل شيء ويستطيع تعويض كل شيء؟؟.و أصعب من كل هذا وذاك أن تكون الأمور في حقيقتها خارج هذا وذاك ويكتشف الطرفان و يستفيقا ويستيقظا ويدركا ويستيقنا أنهما مجرد قطاع غيار متعدد الاستعمالات محدود الصلاحيات في نظام ليس بأيديهما لا تركيبه ولا تحريكه ولا مقوده ولا..ولا..ولا...،فبالأحرى قطاره وسائقه وركابه او وجهته وسرعته و مردوديته..،مما يجعل كل مساره المهني مسارا تراجيديا على حد قولهم:"أوله قنديل..وأوسطه منديل..وآخره زنبيل"؟؟.

ما أكثر الأقوال الفارغة في حق مدرستنا إلى درجة يتمنى المرء فقط لو يصدق قائليها وجهاتها الرسمية ويجد فيها شيئا مما يقولون فيفرح،وكيف لا يفرح المرء وهو في مؤسسة قيل ويقال عنها أنها:
1-  مؤسسة نموذجية:
من حيث مكان التواجد ومدى قربه من المستفيدين والعاملين،ومن حيث عدد القاعات الكافية والملاعب الرياضية والفضاءات الموازية،والمرافق والساحات الخضراء والوسائل التعليمية والتجهيزات المختبرية ومحضريها،وعدد العاملين وأجواء العمل،وكل ذلك بمقاييس معيارية و داخل صور و حارس يحفظان للمؤسسة حرمتها،فكم هي نسبة المحظوظين الذين يشتغلون في مؤسسة نموذجية بهذه المواصفات؟؟.
2-    مدرسة الحيـــاة:
الحياة المدرسية التي تحترم الغلاف الزمني للدراسة بداية وعطلا ونهاية،وتحترم العلاقات الاجتماعية والإنسانية بين المؤسسة والعاملين والشركاء،فإذا بالأنشطة الموازية فيها منتعشة وإذا بالانتاجات الفنية والانجازات الرياضية مسترسلة،وإذا بالطاقم الإداري والتربوي في تناغم وتكامل تام وتدبير تشاركي حقيقي،وإذا بالمؤسسة يتشوق إلى ولوجها الجميع لا كما هو الحال اليوم حيث أصبح مقام العديدين فيها مقام ساعات في الجحيم؟؟.
3-    مدرسة الأنشطة الموازية:
بأهميتها وتنوعها وأنديتها وهي أهم ما يكسر الروتين والاحتقان الذي يؤسس للتوتر والعنف المتبادل،وهي ما يخلق نوعا من الحميمية بين الأساتذة والتلاميذ ويساعد الجميع على تفجير الطاقات وتنمية المواهب وتحقيق الشخصية وتعلم الحياة العامة من خلال الإطلالة العملية على مختلف مجالاتها في أنشطة المسرح والموسيقى والتعبير والتواصل والرحلات والمسابقات والمقاولات والمقابلات،وإن كان كل هذا من باب التطوع وعدم تخصص المؤطرين فيه وكأنه مهم ولكن فقط بالتطوع؟؟.
4-    مدرسة النجاح:
والنجاح في كل المستويات وبأي ثمن فالهاجس الاقتصادي لا يرحم والخريطة المدرسية كثر الله خيرها،ثم لماذا سينجح أهل التعليم الخصوصي ولا ينجح أهل التعليم العمومي،النجاح مضمون للجميع وبجميع المعدلات والعتبات وتبسيط الامتحانات والسخاء في النقط الكتابية والمزاجية في الشفوية،وبالتوجيه إلى التكوين المهني وبإرجاع التلاميذ المطرودين ولو بعد الطرد وممارسة المهن الحرة لسنوات؟؟،الكل في مدرستنا بالتأكيد ناجح إلا الأستاذ المسكين ففرصة ترسيمه محدودة و فرصة ترقيته معدودة بل هي اليوم بالتعاقد قد تكون مستحيلة؟؟.
5-  مدرسة الإصلاحات:
وهي المدرسة التي تعترف وبكل موضوعية بأزمتها المسترسلة والمتفاقمة عبر الزمان والمكان،ولكن يكفيها شرفا أنها لم تتصف يوما بالجبن وتغض الطرف عن واقعها فضجيج الأرقام وتقريع التقارير الوطنية والدولية لا يرحم،ومسلسل الإصلاحات لا هو ينتهي ولا هو ينتج:ميثاق ومخطط ارتجالي وتدابير لا أول لها ولا آخر،إصلاح وإصلاح الإصلاح ولا شيء يتغير في العمق،فالتقارير الدولية والوطنية لا زالت تشير إلى غير ما تدعيه وتدبجه التقارير المحلية والإقليمية مع الأسف؟؟.

كل ما سبق في الحقيقة لا يعدو أن يكون مجرد إطارات فارغة لا تزال تحتاج إلى التأصيل والإقناع وإلى الملأ والاشتغال الحقيقي قبل الإقلاع،بعيدا عن الدعاية المجانية والبراباكندا التعليمية والاشتغال في الارتجال،حتى تندرج كل القوالب السابقة في نظام و دعائم تربوية فعالة تتناغم فيها كل الأجزاء والمكونات في تماسك وفعالية ومردودية ملموسة ومقنعة على أرض الواقع،تحمل للأجيال من الأمل ما تحمل وتفتح للوطن من الآفاق الرحبة ما تفتح؟؟

الحبيب عكي

اقرء المزيد

الاثنين، 23 أكتوبر 2017

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

حزب العدالة والتنمية واسئلة المؤتمر السابع؟؟


رشيد العدوني  23 / أكتوبر/ 2017.
يستعد حزب العدالة والتنمية المغربي لعقد مؤتمره العام السابع وذلك في العاشر من دجنبر المقبل وفق ما أقرته مؤسسات الحزب وقوانينه، وهو المؤتمر الذي كان يفترض عقده سنة 2016 وتقرر تأجيله نظرا لتزامنه مع الانتخابات التشريعية لـ 07 أكتوبر 2016، ورغم كونه دورة عادية لأعلى هيأة تقريرية للحزب إلا أنَّ السياق المحيط بها والمعطيات السياسية تجعل منه مؤتمرا فوق العادة، ويحظى بمتابعة واسعة من مختلف الفاعلين السياسيين ومن عموم المواطنين، كما أن رهاناته وتداعياته ستؤثر لا محالة _ ليس فقط على مستقبل الحزب_  على مستقبل الحياة السياسية المغربية بمجملها، وذلك لكونه يمثِّل استحقاقا تنظيميا لأكبر قوة حزبية بالمغرب، تقود الحكومة للولاية الثانية، وهي التجربة الوحيدة في العالم العربي التي لا يزال فيها حزب سليل الحركة الإسلامية يشارك في الحكومة من موقع قيادتها، ومن جهة ثالثة ما تعرّض  له الحزب من اختبار غير معتاد إثر إعفاء أمينه العام ، ذ. عبد الإله بنكيران، من مهمة تشكيل الحكومة بتاريخ 15 مارس2017 وتعيين الدكتور سعد الدين العثماني لخلافته بعدما تصدّر الحزب نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة.
وتحاول هذه المقالة المساهمة في إغناء دينامية النقاش السياسي المفترضة أن يخوضها الحزب وذلك من خلال  رصد وتحليل أهم الفرص والتهديدات التي تواجه الحزب، وكذا علاقاته ومدى تأثرها بهذه التحولات، ومساءلة مهامه وحصيلته من خلال الأدوار المنوطة بالحزب دستوريا.
v  الحزب السياسي والمهام الدستورية؛ أية حصيلة للبيجيدي؟
ينص الدستور المغربي في الفصل  7 على أنّه "تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية". وبناء عليه يمكن تقسيم أدوار الحزب السياسي إلى ثلاثة: التكوين السياسي، تأطير المواطنين وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، المشاركة في ممارسة السلطة، فإلى أيّ حَدٍّ نهض حزب العدالة والتنمية بهذه المهام؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال لابد من التأكيد على أنه تقييم مبني على الملاحظة الخارجية وليس على تقارير أدبية داخلية. وهو نابع من الشعور بضرورة تقييم أداء الحزب وفقا للصلاحيات المتاحة أمامه دستوريا والتي يمكن إسقاطها على أحزاب أخرى.
-على مستوى التكوين السياسي :
ونقصد به "التنشئة السياسية" وتكوين الأطر والكفاءات السياسية وتأهيلهم للقيام بمهام تدبير الشأن العام؛ فإنّ الملاحظة الأولى بهذا الصدد هي أن الحزب يقوم بأنشطة تكوينية هنا وهناك لكنها مفتقدة لرؤية ناظمة، ولا تقوم على فلسفة واضحة وتعاني من مفارقات وأحيانا تناقضات تَبَعًا لطبيعة المسؤولين عن الملف في الجهات والأقاليم، مع ملاحظة أنَّ كثيرا من اللقاءات التكوينية الداخلية كان يغلب عليها الطابع التعبوي وتَحكمها إكراهات العمل الحكومي والأداء الانتخابي للحزب.  في حين يغيب سؤال أي نخبة سياسية يريد حزب العدالة والتنمية على مختلف مستوياته؟. كما أن ضعف هذه الوظيفة مركزيا يؤثر على  الأداء العام للحزب ويعطل وظيفة التفكير السياسي والتأطير المنهجي لأعضاء الحزب ومنتسبيه خاصة في ظل تحديين رئيسيين؛ الأول: مرتبط بارتفاع حجم الإقبال والطلب المتزايد على العضوية في الحزب بسبب موقعه الحكومي وتسييره لمجموعة من الجماعات الترابية، والثاني: حجم التطورات والإشكالات النظرية والعملية التي تستجدُّ أمام الممارسة السياسية والتي تتطلب مواكبة في التكوين، دون الحديث عن الحاجة الماسة لمشروع تكويني مبني على أسُس علمية ومرتبط بمشروع الإصلاح السياسي الذي يتبناه الحزب ويعمل من أجله، ذلك المشروع الذي مكنه أن يقي الحزب من كثير من التسربات والانحرافات، وأنْ يشكِّل سندا عمليا ونظريا لمنتخبي الحزب أثناء توليهم المسؤوليات العمومية.
على مستوى التأطير العام:
 لا يخفى على أصدقاء الحزب وخصومه مستوى التواصل السياسي العالي الذي تميز به الحزب في علاقته بالمواطنين، مما جعله يحقق زخما كبيرا وإقبالا متزايدا في مدن وقرى مختلفة بالمغرب، وهو ما انعكس على نتائج الحزب الانتخابية في محطات 2011و 2015 و2016م، لكن نقطة قوة الحزب في التأطير والتواصل السياسي هي نقطة ضعفه، والمتعلقة بشخص  الأستاذ (عبد الإله بنكيران) سواء من خلال الإقبال الجماهيري الكثيف على المهرجانات الخطابية واللقاءات العامة التي نظمها الحزب، أو على مستوى المتابعة التلفزيونية المرتفعة للجلسة الشهرية بمجلسي البرلمان طيلة فترة ترأُّسه للحكومة، إلا أن تحقيق التواصل مع المواطنات والمواطنين بهذه الطريقة رغم قوته فقد افتقد لشروط الاستمرارية ومن أهمها المؤسساتية وبناء جهاز حزبي خاص بالعمل الجماهيري والتواصلي تكون له بنيته التنظيمية مركزيا ومحليا.
على مستوى تدبير الشأن العام:
يمكن القول أن العدالة والتنمية حقق نتائج إيجابية جدا سواء على المستوى الحكومي إذ استطاعت حكومة الأستاذ بنكيران مباشرة إصلاحات هامة رغم تكلفتها السياسية والاجتماعية والانتخابية، وأيضا على المستوى المحلي والجهوي،  إذ سَجَّلَت جل المجالِس الجماعية التي يسيرها البيجيدي نتائج محمودة في عمومها رغم  إثارة عدد من التحديات المرتبطة بتنظيم الانتخابات وأدوار وزارة الداخلية والإرث الثقيل لعقود من التدبير السابق. وعموما يمكن القول أنّ الحزب نجح في امتحان تدبير الشأن العام، وهذا النجاح عَبَّرت عنه نتائج الانتخابات التشريعية الماضية والتي منحت للحزب فرصة مواصلة قيادة العمل الحكومي رغم بعض الإصلاحات المؤلمة. و إذا كان الحزب - في العموم - قد حقّق ما حققه باعتماده على مبادئ النزاهة والشفافية ونظافة اليد؛ إلاَّ أنّه يسجل عليهِ ضعف كبير على مستوى الإبداع والاقتراح في تدبير الشأن العام المحلي والوطني. أي أنّ الحزب يتصرف وكأن المشكل يُختزل  على مستوى الحكامة في التدبير  فقط، ويتم تغييب أو تأجيل أي نقاش على مستوى النموذج التنموي والإصلاحي المعتمد سواء على المستوى العام أو على المستوى القطاعي. فرغم كون الحزب يدّعي أنه ليبرالي في خلق الثروة واشتراكي في توزيعها، أي أنه بقدر ما يدعِّم المقاولة وتحرير المنافسة بقدر ما يركز على تكريس العدالة الاجتماعية والاهتمام بالفئات الهشة، لكن هذه المقولة غير محررة بما يكفي وغير مؤسَّسة على رؤية إصلاحية ناظمة، وتظل ترقيعية تنهل من هنا وهناك، مما يجعل حاجة الحزب إلى اجتراح نموذج تنموي وإصلاحي فيه من الإبداع والواقعية ما يجعل للحزب في موقع تدبير الشأن العام قيمة مضافة.
v  المشروعية والإصلاحية:  آليات التصفية السياسية للأحزاب
يخبرنا الزمن السياسي المغربي الراهن أن القوة الثالثة أو الدولة السفلى سعت _ منذ ظهورها قبيل الإعلان عن الاستقلال _ إلى إحداث الخصومة بين الأحزاب وحاضنتها الشعبية من جهة وبينها وبين المؤسسة الملكية من جهة ثانيا. مستغِلَّة في ذلك موقعها الوسيط لمنع أيّ تقارب بين القوى الشعبية الإصلاحية والمؤسَّسة ذات المشروعية التاريخية.- هذه الفكرة مستوحاة من مداخلة للأستاذ عبد العزيز أفتاتي ضمن أكاديمية أطر الغد- منظمة التجديد الطلابي، الرباط غشت 2017-. وتعتمد هذه القوة الثالثة في إحداث الخصومة مع المؤسسة الملكية من خلال اتهام الأحزاب والقوى المنبثقة شعبيا بمعاداتها لموقع ومصالح المؤسسة الملكية وتشكيكها في قناعاتها بالمشروعية التي تحوزها المؤسسة الملكية، وربط هذه الأحزاب بقوى خارجية. ومن هذا المنطلق تم التشكيك في نوايا (المهدي بن بركة) رحمه الله وقناعته الوطنية ومن ثَمَّ التمهيد لاغتياله المعنوي وتصفيته سياسيا (بحيث عُزِلَ من رئاسة المجلس الاستشاري الوطني سنة 1959م، ورُفِضَ اقتِراح تسنُّمه وزارة التربية الوطنية قبل ذلك..)، قبل  اختطافه وتصفيته جسديا يوم 29 أكتوبر 1965م، وغيره من القادة الوطنيين والزعماء السياسيين الذين تخوّفت القوة الثالثة من تنامي مكانتهم ومشروعيتهم لدى القصر والشعب.
في حين يتم استهداف العلاقة بين الأحزاب السياسية والحاضنة الشعبية من خلال تبديد مفعولها الإصلاحي. فحينما تعجز القوة الثالثة عن التشكيك في إيمان القوى السياسية بالمشروعية؛ تَمُرُّ إلى مرحلة اتهام فاعليتها الإصلاحية، وأهَمّ نموذج في الزمن السياسي المغربي يتمثل في الزعيم (علال الفاسي) رحمه الله، الذي لم تستطع القوة الثالثة التشكيك في قناعته بالثوابت الوطنية لكنها اشتغلت على رسم صورة سلبية عنه (كسعيه للتمكين لحزب الاستقلال ولأهل فاس بالإدارة العمومية..) وغيرها من الاتهامات التي لا يقوم الدليل والتاريخ والوقائع شاهدا على صحّتها.
إنَّ استعمال هاتين الآليتين "الاتهام في مشروعية الأحزاب" و"الاتهام في إصلاحية الأحزاب" لم تَكن مبنيةً على فراغ، بل إن هذه الأحزاب ارتكبت عدد من الأخطاء التي كرست هذه الصورة وساهمت في نجاح إستراتيجيات القوة الثالثة، الأمر الذي جعل رجلاً مثل (عبد الله بها) رحمه الله يردد خلاصة مهمة حينما كان يقول: "منذ الاستقلال كان لدينا تيار يريد الإصلاح لكن يصادم الملكية، وتيار مقابل يدافع عن الملكية لكنه متورط في الفساد".
من خلال هذا التوضيح وبالعودة لتجربة حزب العدالة والتنمية نجد اليوم استخداماً ظاهراً لِكلتا الآليتين في نفس الوقت. ففي وقت حكومة الأستاذ عبد الإله بنكيران تم الترويج على لسان وكلاء القوة الثالثة لتهمة المساس بالمشروعية من خلال ازدواجية الخطاب والصدام مع المؤسسة الملكية والارتباط بتنظيمات دولية، والعمل لصالح الموساد..؛ وتم  الترويج أيضا للتشكيك في القدرات الإصلاحية للحزب أثناء قيادته للحكومة عبر الاتهام بتوظيف الأقارب حزبيا وعائليا، ومعارضة إصلاح صندوق المقاصة وصندوق التقاعد، وتوظيف النقابات لعرقلة الإصلاحات بداعي أنَّ ما يتم إنجازه هو عبارة عن تراجعات وليس إصلاحات على ما غير ذلك. لكن الأستاذ بن كيران رفقة فريقه الحكومي استطاع التغلب على تهمتي المشروعية والإصلاحية وهو ما أكدته الثقة الشعبية التي حصل عليها الحزب في تزكية 7 أكتوبر ثم التعيين الملكي وتكليفه بتشكيل الحكومة ابتداءً من يوم 10 أكتوبر 2017.
غير أنَّ ما حدث بعد ذلك من تطورات عقب تقنية "البلوكاج" (تعطيل تشكيل الحكومة) بعد فشل آلية الاتهام في المشروعية والاتهام في الإصلاحية التي اجتازها الحزب، وبعد تشكيل حكومة الدكتور سعد الدين العثماني في ظل سياق سياسي موسوم بنبرة التراجع والارتداد وإفراغ الانتخابات من مضمونها ومدلولها السياسي والديمقراطي؛ عادت نفس الأسطوانة القديمة للاشتغال مع فارق بسيط هو توزيع التهمتين على أكثر من طرف داخل الحزب.
وهكذا تم تقسيم الحزب في الإعلام ودواليب الجهات المعنية إلى تيارين مع توزيع تهمة مُعَيَّنة على كل تيار، فعادت تهمة اتهام الأستاذ بنكيران في إيمانه بالمشروعية والترويج لسعيه نحو الصدام مع المؤسسة الملكية والتنافس معها والاشتغال على تأويل بعض التصريحات والخطابات قصد تشكيل القناعة لدى من يهمهم الأمر بأن بنكيران مشكوك في إيمانه بالمشروعية، وهو ما يُعتبر تمهيدا للتصفية السياسية للرجل وإبعاده عن الحياة السياسية برمتها.
في حين تم ربط تهمة الإصلاحية بالدكتور سعد الدين العثماني وحكومته من خلال  وسم هذه التجربة الوليدة بتهمة التعايش مع الفساد والتراجع عن الإصلاحات، وأنه يقود تيار يسعى للاستوزار والاستفادة من المغانم، وهو ما يشكل مخططا لتبديد المفعول الإصلاحي للحكومة. والغريب أن كثيراً من أبناء الحزب وقادته منخرطون في تفعيل هاتين الآليتين؛ فمنهم من انخرط في التشكيك في قناعة الأستاذ بنكيران بالثوابت والمؤسسات الحائزة للمشروعية ومنهم من انخرط في مهاجمة الدكتور سعد الدين ونفي قناعته الإصلاحية. علما أنَّ ما يُعَبِّر عنه كلا الرجلين يعبر عن التوجه العام للحزب، وعلما كذلك بأنَّ المشاركة في الحكومة وفق معطياتها كان بقرار من مؤسسات الحزب وبتفويض منها، غير أن الخطورة القصوى لاعتمال هذه الآليتين السلطويتين تتمثَّل في ضياع هوية الحزب وانحرافه عن منهجه العام وقناعاته الثابتة ومسيرته الإصلاحية.
وما لم ينتبه الحزب إلى كونه صار موضوعا للاشتغال ولإعمال آليات الإعدام السياسي للتجارب الإصلاحية، وما لَم يحدِّد موقعه تجاه هذه الآليات بما يرسخ قناعته بالثوابت الأساسية مع الحفاظ على الهوية الإصلاحية؛ فإنَّ سنن التاريخ لن تحابي حزبا ولا زعيما مهما علا شأنه.
v  حزب العدالة والتنمية؛ ثلاث فرص متاحة وثلاث تهديدات قائمة:
أمام حزب العدالة والتنمية جملة من المعطيات التي تحتاج إلى المدارسة الجماعية في أفق إعداد الجواب السياسي الكفيل باحتفاظ الحزب بهويته ونهجه ومواصلة مسيرته السياسية والإصلاحية المستمرة رغم العقبات والإكراهات والهزات التي _ وإن لم تنهِك الحزب _ فهي  درس وعبرة من عبر المسير التي وجب استثمارها خاصة في أفق عقد المؤتمر العام المقبل.
وبشكل مختصَر يمكن القول أنّ الحزب يحوز في ظل المعطيات الحالية على ثلاث فرص متاحة لاستعادة المبادرة واستئناف المسير، ولعل أهمها:
-  توفر سند شعبي كبير للحزب بعد الصورة الإيجابية التي أعطاها الحزب في التجربة الحكومية السابقة واختراق الحزب لقلاع انتخابية كانت عصية عليه منذ زمن يسير (القرى و بعض المدن الكبرى والمتوسطة)، وهذا السند الشعبي يُعتبر فرصة هامة للحزب لمواصلة الكسب الإصلاحي، ورغم ما قد يثار من تضرر صورة الحزب عقب تشكيل الحكومة الجديدة ومعطيات الانتخابات الجزئية الأخيرة؛ إلا أنَّ العامل الأساسي في هذا الضرر يرتبط بالسلوكات الناتجة عن قيادة الحزب وأعضاءه، بحيث أدَّت هزة إعفاء الأستاذ بنكيران إلى رجة قوية دخل معها الحزب مرحلة الشك، وتوارى التواصل والتوضيح المسؤول للرأي العام، واشتغلت الصحافة على الحزب وقيادته من خلال إثارة الخصومات والإتهامات وغيرها. أي أنَّ صورة الحزب تضررت بفعل سوء التدبير من طرف أعضاءها، وذلك هو ناتج عن عوامل ذاتية بالأساس يمكن التغلب عليها من خلال مغادرة منطقة الشك وتقديم  إجابة تتضمن عرضا سياسيا جديدا يمكنه أنْ يستثمر في الإقبال الشعبي المساند  للإصلاح.
-       إشعاع النموذج المغربي القائم على الإصلاح في ظل الاستقرار، فرغم تعرض صورة هذا النموذج للخدش بعد إعفاء الأستاذ بنكيران وما تم تسجيله من تجاوزات حقوقية والفشل في معالجة حراك الريف؛ إلا أنَّ الدولة المغربية بحاجة لإغلاق قوس هذه التجاوزات خاصة في ظل الرهانات الكبرى التي فتحها الدولة وعلاقاتها الخارجية وآثار ذلك على قضية الوحدة الوطنية. كما أنَّ الدولة ورغم الانتكاسة التي حدثت في منتصف شهر مارس 2017 فهي لم تصل إلى درجة الانقلاب النهائي على مكتسبات الربيع الديمقراطي، مما يجعل الفرصة قائمة لاستعادة المبادرة ومواصلة الإصلاح وتحقيق التحول نحو الديمقراطية.
-       غياب أيّ بديل قادر على تعويض حزب العدالة والتنمية، فمن جهة تم إعمال متتالية ماكِرة لإضعاف أحزاب الحركة الوطنية في أفق الإجهاز عليها، ومن جهة أخرى فشلت الأحزاب المنبثقة عن السلطة في تقديم عرض سياسي بديل، ولعل الحالة المزرية التي وصل إليها حزب الأصالة والمعاصرة خير دليل على هذا الفشل، ومن جهة ثالثة لا زالت التيارات الراديكالية غير قادرة على تقديم أوراق اعتمادها نظراً  للجمود على الموقف الجذري بمقاطعة الحياة السياسية لدى البعض وللانحسار الجماهيري لدى البعض الآخر، مما يجعل حزب العدالة والتنمية في صدارة المشهد السياسي من أجل استئناف مسيرة الإصلاح، ويظل هو الأمل الموجود أمام فئات عريضة من المجتمع بما فيها عدد من الرموز اليسارية والوطنية التي دعمت برنامج الحزب .
وإذا كانت هذه أهم الفرص المتاحة أمام البيجيدي من أجل استعادة المبادرة، فلا بد مِن الإشارة إلى ثلاث تهديدات قائمة أمام الحزب، وتقف وراءها جهات معينة تسعى لضمان نفاذ هذه التهديدات بما يؤدي إلى ترويض الحزب وتهذيب سلوكه السياسي بما يتوافق مع هواها وتبديد مفاعيل الإصلاح والدمقرطة.
أُولى التهديدات تتمثِّل في:
-       تهديد تقسيم الحزب، وذلك نتيجة سوء تدبير الأزمة السياسية العاصفة والتي لا تزال مستمرة بفعل اختلاف وجهات النظر حول تفاصيل المشاركة الحكومية على مستوى قيادة الحزب، ونظرا لتعطيل انعقاد الأمانة العامة خرج أكثر من قيادي بالحزب إلى ساحة التراشق الإعلامي والاتهام والاتهام المضاد، هذا الاختلاف في الرأي انخرطت فيه أيادي من خارج الحزب فتم تقسيم الحزب في الإعلام بين تيار محسوب على الأمين العام الأستاذ عبد الإله بنكيران وتيار يضم الوزراء وأطلق عليه إعلاميا باسم "تيار الاستوزار"، وبدأ الاشتغال المنسَّق على الحزب من أجل  المضي بالانقسام بعيدا، خاصة وأنَّ آلية تقسيم الأحزاب السياسية تم استخدامها على كل التجارب الحزبية بالمغرب وأدت مفعولها، مما يجعله لتهديد قائما وجديا، يتطلَّبُ الوعي به وتأطير الاختلاف واستيعاب وجهات النظر المختلفة والاحتياط من الأيادي الخارجية، للوصول إلى المؤتمر بصفٍّ موَحّد وحزب قوي.
-       تهديد إفساد الحزب؛ وذلك أساسا من خلال الإغراء والتدليس الذي تقوم به بعض الأجهزة تجاه المنتخبين، وكذا من خلال التساهل مع بعض مظاهر الريع وسيطرة مغانم السلطة وحب الكراسي وبروز المحسوبية وسوء تدبير المال العام والمسؤوليات العمومية وغياب الحزم والصرامة المطلوبة من طرف لجنة النزاهة والشفافية داخل الحزب، وانتشار مظاهر مخلة أثناء المحطات الانتدابية. وإذا كان الحزب من الناحية الشكلية يمكنه التعايش مع تسرب مظاهر الفساد فإن هذا التهديد من حيث المضمون يعني فناء شخصية الحزب وروحه الإصلاحية وتَحَوُّلَهُ بالتدريج إلى رقم عادي ضمن الخريطة الحزبية المغربية، ما لم يتصدى الحزب لمختلف هذه المظاهر وفق مقاربة تربوية تكوينية وأيضا زجرية.
-       تهديد التهميش داخل الساحة السياسية؛ وذلك من خلال متتالية التضييق ثم العزل ثم التهميش. فهذا التهديد يأتي نتاجا لتفاعل إرادتين: إرادة السلطة التي تتحرش بالحزب وتحاصره بالاتهامات، وإرادة الحزب حينما يتفاعل مع هذه الاستفزازات بمنطق ردود الأفعال وبالتبرم نحو تجذير الخطاب والخروج عن النص، فتجد السلطة المبرر لعزل الحزب ومن ثم تهميش دوره السياسي. لذلك وجب الانتباه للخط السياسي للحزب في تفاعله مع الاستفزازات الواردة من أعلى بِغرض الوقاية من هذا التهديد وتفويت الفرصة على من يسعى  لتهميش الحزب  وعزله في الحياة السياسية الوطنية.
v  الحزب ونقاط القوة ونقاط الضعف : أسئلة الأداة الحزبية
 عَرَف الحزب تقدُّما متواصلا على المستوى السياسي والانتخابي وذلك بسبب ارتكازه على نقط قوة مميزة، أعطت له وهجا وحقق بموجبها كسبا مهما في الحياة السياسية، ويمكن إجمالها في الآتي:
-        أولها: وضوح المشروع السياسي المنبثق من المرجعية الإسلامية باعتبارها مرجعية المجتمع والدولة، وإيمانه بالثوابت الأساسية الوطنية، ونهجه الإصلاحي باعتباره خطا ثالثا بين التيارات اليمينية المحافظة والتيارات الراديكالية والثورية.
-       ثانيها: مصداقية الخطاب السياسي للحزب والمتميز بالواقعية والمعقولية والتوازن والاعتدال.
-       ثالثها: العمل الجماعي والمؤسّساتي من خلال هيكلة متماسكة للحزب على المستوى المركزي وعلى المستوى المجالي وعلى مستوى الهيئات الموازية ومن خلال تكريس مبادئ الديمقراطية الداخلية في الانتخاب واتخاذ القرار.
-        رابعها: ارتباطُ الحزب إستراتيجيا بحاضنة مجتمعية متمثلة في حركة التوحيد والإصلاح والتيار المجتمعي المرتبط بها.
إنَّ نقاط القوة بحاجة إلى تعزيز وتثمين، وتضييعها لن يؤدي فقط إلى تحولها عَواملَ ضُعْفٍ في الحزب؛ بل إنها ستتحول إلى عوامل فناء للحزب، كلما أضاع هذا الأخير وضوحه المنهجي وخطابه الصادق وثقافته المؤسساتية وارتباطه بالمجتمع.
غير أنَّ توفُّرَ الحزب على نقاط قوة لا يعني حصوله على درجة السلامة الحزبية، بل إنه يعاني من جهة أخرى من نقط ضعف مقلقة، نكتفي بالتوقف عند اثنتين منها :
-       الأولى: ترتبط  بضعف استيعاب الحزب لموجة الأعضاء الجدد الذين التحقوا بالحزب خاصة بعد سنة 2011، فقد شهد الحزب إقبالا كثيفا ومُطَّرِداً، لكن تعطيل وظيفة التكوين والتنشئة السياسية داخل الحزب جَعل البنية العضوية للحزب مهترئة ومفتقِدة للتأطير السياسي وغير متشبِّعة بالمشروع الإصلاحي للحزب.
-        الثانية: التداخل الموجود بين المهام الانتدابية والحزبية لقيادات الحزب على المستوى المركزي الجهوي والمحلي، هل يعود هذا المشكل إلى قلة الكفاءات والأطر السياسية للحزب؟ إذا كان الوضع هكذا، فماذا أعَدَّ الحزب لتجاوز هذا الوضع؟ أم أنّ حجم الانتصار الانتخابي الذي حققه الحزب وما جَلَبَه مِن مواقع عمومية جديدة كانت أكبر من قدرة الحزب؟ أم أنّ هناك مشكلاً آخر مرتبط بقصور الأنظمة القانونية والمساطر التنظيمية عن تنظيم هذا التداخل الذي يؤثرا سلبا على المهام الانتدابية وعلى المهام الحزبية، ويجعل من الحزب مُلْحَقة لتدبير الشأن العام، وخاضعة لإكراهاته.
إنَّ استعراض هذه القضايا المقلقة هو محاولة للمساهمة الإيجابية في النقاش العمومي المثار حول الحزب، محاولة لا تدعي الإطلاقية بل هي وجهة نظر متواضعة تجاه حزب لا زال كثير من المغاربة يرون فيه أملا لتحقيق الإصلاح المنشود والانتقال نحول الديمقراطية، لكن الأزمة الأخيرة والتي يتوجه بها الحزب إلى مؤتمره الوطني السابع تستدعي منه فتح نقاش سياسي واسع، إنْ على المستوى الداخلي أو العمومي بغرض تحضير إجابة وافية وعرض سياسي في مستوى التطلعات والرهانات، ويؤهل الحزب لاستعادة المبادرة المنفلتة منه، لما لذلك من آثار وتداعيات يمكنها أن تعيد المغرب لموقع النموذج المشرق، في ظل محيط إقليمي ودولي موسوم بالتوتر والتردي والاستبداد. فهل سينجح المؤتمر في استعادة الحزب لعافيته ولياقته السياسية والتنظيمية؟ أم أنَّ التهديدات القائمة ستعتمل في النسق الحزبي لتجعل منه ذكرى من ذكريات السياسة المغربية ؟
 … فلننتظر العاشر من دجنبر 2017م.

رشيد العدوني: عن موقع لكم في  23 / أكتوبر/ 2017.


اقرء المزيد

السبت، 21 أكتوبر 2017

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

مدننا والذكاء التنموي،فراغات ومساحات؟؟


        أنهيت اليوم بحمد الله قراءة كتاب قيم عنوانه:"حكامة المدن..نحو مستقبل حضري أفضل"،لصاحبه الباحث الجامعي"حميد القستلي"،فاستفدت منه و أوحى لي بالكثير من الأفكار،دفعتني إلى مزيد من التأمل في الواقع المتردي للعديد من مجالسنا البلدية وما آلت إليه رؤيتها التدبيرية وسياستها التنموية الفاشلة،ومساهمة في الإصلاح أحببت تقاسم بعض هذه الأفكار والتأملات ومناقشتها مع القراء الكرام  فكانت هذه المقالة، وحقيقة،يدوخ المرء دوخة حقيقية كلما وجد نفسه يحب مدينة لا يعرف من ملامحها غير أنه ولد فيها وربما يسكنها ويغار عليها منذ الأزل.ويدوخ دوختين وثلاث و رباع إذا كان رأيه في مدينته بدافع الغيرة على حقيقتها ومستقبلها هو الأسوأ،في حين أن رأي غيره من الساسة والمسؤولين لا يرونها إلا على عكس ذلك،ولا يزالون يزينونها ويدافعون عنها بالذي فيها والذي ليس فيها،وكأنهم في حرب ضروس من أجل صفقة تسويق عروس دميم لا يزالون يضعون على وجهها أطنانا من الأصباغ المزركشة والمساحيق الفاقعة لا تزيدها إلا قبحا ودمامة وبوارا لا فخرا وسعادة وتنعما؟؟.

ويدوخ المرء سبع دوخات ما بعدهن دوخات إذا كان كل حبه اتجاه مدينته هو مجرد حب لا يغني من واقعها ولا يسمن من جوع،وكان فعل غيره من المسؤولين هو كل ذلك التزييف والتحريف والتخويف والتخريف ما ظهر منه وما بطن،في حين أن غيرك وغيرهم هو الفاعل الحقيقي في يسر المدينة وعسرها وفقرها وغناها وكل أنشطتها وأوجه تنميتها،وبمختلف السياسات والمخططات ولو ولو ب"الرموت كنترول" عن بعد ومن وراء البحار وعبر الأقمار؟؟.نعوت وأوصاف ما بعدها نعوتا و أوصافا ظلت وتظل تنهال على المدينة عقودا وعقودا،تلف بالأسود الكالح جبهتها الوضاءة وتغمر بالأحمر القاني أزقتها وفضاءاتها وكأنها نسائم وموجات ولكنها نسائم رياح عاتية وموجات بحور"تسونامية"؟؟.

                   مدينتنا جميلة الأوصاف كثيرة الإسفاف،فمن قائل وقائل حتى أصبحت شخصيا مثل الكثيرين لا ادري مدينتي حبيبتي من تكون،فهل هي كما قال ويقول عنها كل من يدعون بها وصلا وهي لا تقر لهم بذلك،إذ قالوا ويقولون أنها:
1-  مدينة الوحدة:
                   يعني وحدة المدينة والجماعة رغم نظام المجموعة الحضرية و سياسة المدينة الخاصة بالمدن الكبرى وحدها،وقد تجاوزنا كل هذا إلى وحدة الجهة الموسعة والمجال السوسيو ثقافي،بل وحدة المغرب النافع وغير النافع،ولا مجال في مدينتنا لأحياء غنية فاخرة تشوه إقاماتها و منتجعاتها أحزمة أحياء فقيرة بالمكدس من "براريكها"والآسن من مستنقعاتها،وهل فعلا ليس هناك غياب في مدينتي للمؤسسات الإدارية الميسرة الخدمات والبنيات التحتية الضرورية وإلا فما معنى كل تلك المناظرات حول الجماعات الترابية،وما معنى ما التزمنا به مما تمخض عنها من شعاراتها الكونية البراقة"الديمقراطة"و"اللامركزية"و"التشارك"و"التطابق"و"التعايش"و"التمازج"و"التهازج"و"التبازج"..؟؟.
2-  مدينة المواطنة:
                   تراعي فيها حقوق المواطنين قبل مسائلتهم بالواجبات،ويتلزم فيها المسؤولون بضرورة التحلي بالمسؤولية في أداء الخدمات والوفاء بالالتزامات وحفظ الأمانات وحسن تدبير المشاريع والشراكات،حتى تكون الحكمة والحكامة لا تفضي عند الجميع إلا إلى المصلحة العامة فوق المصالح الشخصية والأنانيات وتبذير الميزانيات وتضييع المسؤوليات،فإذا بالمدينة تترعرع فيها المواطنة الصادقة وتنتشر فيها قيم التضامن ولا مكان في أزقتنا للمتسولين والمحتاجين ولا في إدارتنا للمرتشين والوصوليين ولا في شوارعنا للمتظاهرين والمتفرجين ولا..ولا..،وكل هذا يتزايد مع الأسف في مدننا وقرانا كل يوم وبكل الأشكال الفظيعة من العرائض والوقفات إلى المسيرات و الحراكات..،مما يعني أن نظامنا الإداري الخدماتي متجاوز،وأن استثنائنا واستقرارنا مهدد؟؟،ولكن هل يمكن معالجة هذا في مدينة لا تملك لا فضاءات ولا إطارات للتشاور ولا مشاريع للتشارك و لا برامج جادة للتنمية الحقيقية قدر المطلوب ولا رؤى ومخططات حول ذلك، أو أن مجالسيها الجماعية لا تملك صلاحيات لتنفيذ أشياء تنموية مهمة ومتطلبات ضرورية وانتظارات طال انتظارها ولايات و ولايات ولا زالت تكبل تنفيذها الوصايا والتوصيات؟؟،إن مدينة بهده المواصفات لن تكون مواطنتها إلا بروتوكولات سخيفة بالية هالكة متهالكة مهما ادعى المدعون، فبينها وبين التنمية والإنقاذ ما بين السماء والأرض؟؟.
3-  مدينة المقاولة:
                   المقاولة المواطنة المنفتحة المنافسة والتي تضمن الشغل للشباب وتتيح لهم فضاءات الحوار والإبداع وتراكم لديهم الثقة وتشجعهم على المبادرة وتواكبهم في الإنتاج،ولا شرف لشباب المدينة بعد التخرج والتأهل غير أوراش العمل الشريف الذي يحفظ عليهم آدميتهم و كرامتهم،لا أمية ولا بطالة ولا تسول ولا انحراف في متاهات لا صوت فيها للفاعلين ولا حظ فيها للمستثمرين وعلى رأسهم المستثمرين في بناء الإنسان،ومنهم من قضى عمره 30 سنة يتسول فيها بقعة أرضية لبناء مقر جمعية وطنية قامت بالآلاف من الأنشطة القيمة وتخرج منها المئات من الطاقات ولديها الآلاف من المقترحات والمبادرات المدنية في شتى المجالات وعلى رأسها مجال المقاولة الذاتية والاقتصاد الاجتماعي،ولكن دون جدوى وكأن فيافي المدينة في وجهها قد ضاقت أو مساطر الاستثمار في هذا المجال قد غطها الصدى وإلى هذا الحد أصبحت مجهولة،أو فقط قدر مدينتنا على الدوام هو هجرة الأدمغة وإقصاء الفاعلين المحليين؟؟.
4-  المدينة المستدامة:
                   يعني مدينة التنمية المستدامة الخضراء،تحافظ على البيئة المعنوية لدى الإنسان قبل البيئة المادية في الطبيعة،وتحافظ على الثروات والموارد بمختلف أنواعها،ولا تستهلك منها إلا بقدر حاجتها وباقتصاد،ديدنها في كل ذلك الحفاظ على حق الأجيال القادمة في العيش الكريم وفي بيئة سليمة،فلا من يشكو من ندرة المياه ولا من يشكو من غلاء الهاتف والوقود والكهرباء...لا من تطحنه المعيشة وتدهور قدرته الشرائية، و كم يلزم المدينة من أجل ذلك من تنمية الاقتصاد وترشيد الاستهلاك،ولكن،يكفيها شرفا أن حاضرها ومستقبلها ستنتفي فيه مظاهر الجفاء والجفاف الهالكة للحياة والحياة الطيبة المطمئنة،فلا أحياء ومراكز ومداشر بدون ماء ولا كهرباء ولا طرق ولا مدارس  ولا حدائق ولا مركز ولا صرف صحي...كما هو الحال اليوم وفي ألفيتنا الثالثة التي كان ينبغي أن تنتفي فيها أكثر المظاهر المشينة لتدهور البيئة والحياة، يستهلك فيها الرهط المسرف كل الموارد والطاقات والتقنيات وكل ما يستورده من الأساسيات والكماليات ويقول هل من مزيد؟؟.
5-  المدينة الديبلوماسية:
                   ذات رؤى و مخططات وبرامج ونماذج،وكفاءات بشرية استثمارية تفاوضية قادرة على الدفاع على مصالح المدينة حقا وعلى تصاميمها العمرانية والمعمارية التراثية والحداثية،بل وربح رهاناتها التفاوضية لدى الشركاء المحليين والوطنيين والدوليين،وليس مجرد هذا الشائع النتن من ريع السفريات من ميزانية الدولة على مثن الطائرات والنزول في أفخم الإقامات السياحية والترويح عن النفس في أبهى المنتجعات دون عائد تنموي يذكر اللهم ما قد يكون من الاطلاع على تجارب لا مجال للاستفادة منها في غياب شروطها الموضوعية في البلد ككل وفي المدينة عندنا أيضا،مما يجعل كل هذه السفريات والاقامات والتعويضات وغيرها من الامتيازات فساد في فساد لن تقوم معها لتمنية مدننا وبلدنا قائمة،بل بالعكس سيجعل كل حماسة الفاعلين وتطاحنهم أحيانا للولوج إلى المؤسسات التمثيلية التنموية والإصلاحية مجرد وصولية بغيضة هدامة بسم مصلحة المدينة وهي لا تدري؟؟.
6-  المدينة الذكية:
                   مدينة تواصلية و منفتحة على الساكنة وعلى الشركاء والأصدقاء وحق الوصول إلى المعلومة مضمون للجميع بما في ذلك حاملي المشاريع والسياح والمستثمرين،وتساعدهم في ذلك إدارة إلكترونية فعالة وشبكة عنكبوتية مرتفعة الصبيب تقضي على البيروقراطية والحساسية من الآخرين والرشوة والتماطل والعنجهية...،وليس مثل هذا الذي رأينا من المشروع الاحتكاري الضخم الذي سبا من كل الناس وطنيا ما سبا منهم لينجز لهم بطاقات "بيومترية" لم يفرحوا لحد الآن كما وعدهم أصحاب المشروع والقائمين عليه بأن تغنيهم تلك البطاقة السحرية عن تلك الأسفار الماراطونية والمجانية إلى المصالح الإدارية البيروقراطية المركزية والجهوية ومن أطنان من أوراقها الابتزازية العقيمة المتجاوزة كعقد الازدياد..شهادة السكنى..الحياة..العمل..العزوبية..،وربما لدواعي أمنية لا أظنهم سيحلمون يوما بذلك،ما دام كل ذكائنا الإلكتروني مع الإدارة هو مجرد ذكاء مغربة برمجة  الحواسيب وتعريبها مع عدم تعميمها وانقطاع الConnexion؟؟.
                   والواقع أن مدينتنا وقريتنا على السواء وهي بعيدة كل البعد عن كذا روافع ودوافع تنموية لا زالت ترزأ تحت قيود العديد من الظواهر المتخلفة المشينة والتي تجعل حقها في الإقلاع التنموي الحقيقي مجرد أحلام وأوهام مهما ادعى المدعون،بل يجعل هذه المدن دون مبالغة ولا تحامل أقرب ما تكون إلى مدن القاع وما أدراك ما القاع: قاع الفقر والهشاشة،وقاع الأمية والبطالة،وقاع العنوسة والانحراف،وقاع اليأس والإحباط والهجرة السرية،وقاع القمع والتطرف والإرهاب المتبادل،وكل ذلك مغلف في الأس والأساس بقاع الإقصاء والهشاشة والخداع والزيف؟؟.ولا أدري،إلى متى ستظل مدينتنا الطيبة المسكينة تتكلم لغة الخشب هذه ولا من أين تعلمتها أصلا،لغة إن في مدينتنا كل شيء والحمد لله،لا بل نحن محسودون على ذلك،ولا أدري هل نحن محسودون على عدم تقدمنا كما ينبغي أم على عدم شركنا ورضانا بذلك؟؟،وكيف يشكر المرء ويرضى بلغة سنفعل و سنفعل وسنفعل و في الواقع لا يفعل في الغالب غير ذلك الجهد المقل وهو لا يلبي الحاجيات والمتطلبات فبالأحرى الطموحات أو المعايير الدولية للمدن الكونية؟؟.

                   لابد من النظرة الموضوعية والحقيقية إلى الأمور والاعتراف الذاتي والجماعي بالداء إن أردنا معالجته والبحث له عن الدواء،تلك خطوة ضرورية للسير في الاتجاه التنموي الصحيح بل خطوة لازمة للسير أصلا،وكفانا من الحملات الإعلامية المزيفة ومن ابتلاع أقراص العولمة الموجعة والدوباج السياسي والحضاري المغشوش وأقل ما يغرقنا فيه هو العمل خارج الواقع الاجتماعي المرهق والإشكالات الحقيقية للمدن والقرى،فما هي أجوبتنا الواضحة وبرامجنا المضبوطة لرفع التحديات وكسب الرهانات وكل ما أوصلنا ويوصلنا إليه اختيارنا التنموي الخاطىء هو مجرد "ترييف" الحواضر و "هجرة" الكوادر و"حراكات" المدن والقرى في الشوارع والميادين والساحات والمعابر؟؟.
    
الحبيب عكي

اقرء المزيد

الثلاثاء، 10 أكتوبر 2017

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

قارورة ماء معدني في مجلس الجهة(01)


         كثير هو  التطور الإيجابي الذي يقع في مجلس جهة درعة تافيلالت والذي قد وقفت عليه في دورة من دورات المجلس كنت قد حضرتها: إعلان للعموم بتاريخ انعقاد الدورة مفتوحة في وجه الجميع،نقل مباشر لأشغال الدورة على شبكة الأنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي تابعه حوالي 7000 مشاهد،صحافة وإعلام يتصيد خبرا هنا تصريحا حوارا وتضاربا هناك،تزويد كل أعضاء وعضوات المجلس بحقيبة ملفات ضخمة جاهزة كانت قد أعدتها لجن وإدارة المجلس،استيعاب لكل الحاضرين المتتبعين والمهتمين،ليس بالفضاء الفسيح المكيف وحده،ولا بالكراسي الوثيرة والكافية وحدها،بل أيضا بالشاي والعصير والحلويات وكغيرهم من أعضاء وعضوات المجلس؟؟. هذا في الوقت الذي لا يتذكر العديدون منا إلا الحكايات السوداء مع مختلف الهيئات الإدارية والقطاعات الحكومية ومجالسها التي ما كان يعلم أحد بانعقادها حسا ولا خبرا في عهد الحق في الخبر والمعلومة، وما كانت تعرف حضورا ولا تتبعا وكأنها لا تعني غير أهلها وأصحابها،ودأبها الغالب لا مصلحة تقضي ولا أوقاتا وأعصابا تبقي ولا كثير تنمية على أرض الواقع تؤتي؟؟.

         دورة عرض رئيسها في البداية على الحاضرين تقريرا إخباريا بالذي حدث وأنجز ما بين الدورتين وكان الشيء الكثير وفي مختلف المجالات،ورغم أنه مجرد تقرير إخباري فقد حظي بمناقشة مستفيضة وبنقط نظام ما كانت لتنتهي لولا التسيير القوي والمرن والحازم في نفس الوقت للسيد الرئيس رغم الغلاف الزمني الماراطوني و المرهق للدورة،دورة سمحت بالاحتجاج المدني المتخافت من المسيرات والوقفات واللافتات إلى مجرد توزيع بيان يتيم من طرف هيئة حقوقية على المقاعد الخلفية في القاعة،برنامج عمل مضبوط وغني كما وكيفا استطاعت ملفاته وشراكاته أن تضخ ميزانيات ضخمة و غير مسبوقة ب 600 مليار في شرايين الجهة الصحية والتعليمية والطرقية والاجتماعية والسياحية والبيئية والرياضية..،لعلها تساهم في نعل بعض أقدام الجهة الحافية وستر بعض عيوبها القاسية وإحياء بعض عيونها الجافة واخضرار بعض مراعيها القاحلة،إذا ما قويت العزائم وخلصت النوايا وتوفرنا على الإنسان الصادق قولا وفعلا وليس على مثل هذا المسخ "الديمحرامي" حقيقة لا ادعاءا، لما عهده من مجرد الضوضاء والبهرجة فقط ومعارضة شخصانية و قبلية حزبية غير شريفة ولا بناءة؟؟.

         والذي أثارني أكثر في كل أشغال هذه الدورة أشياء عديدة وقوية طبعا،سياسية واقتصادية نفسية واجتماعية قانونية ونتظيمية وسجالية...،يمكن إجمالها في تلك القارورة المصغرة بحجم كأس أو كأسين من الماء المعدني الذي كان يوزعه المنظمون بسخاء على الجميع أعضاء المجلس والمواطنون المتابعون لأشغال الدورة على السواء،وكأن عينا حارة له قد اكتشفت في الجهة وبدأ استثمارها وإشهارها،أو أن شركة وطنية أو دولية قد تبرعت به عليهم؟؟."معليهش"،لقد كان المجلس مضيافا سخيا وتقاسم الملح والطعام على عادة المغاربة وأهل الجهة الكرماء مع الجميع المساندين والمعارضين والمتابعين وحتى العابرين والمتفرجين،هذا وحتى جمع من فارغ القارورات البلاستيكية فوق الطاولات وتحت الكراسي وفي المحافظ و الجيوب الكثير الكثير،؟؟."معليهش"،إنه مجلس أناس يجتمعون على الماء المعدني الصافي الصحي ليفكروا في حل معضلة ومشاكل "دواوير" وسكان لا ماء لهم أصلا،لا في السواقي ولا في الآبار ولا في السهل ولا في الجبل ولا في الصيف ولا في الشتاء؟؟.

"معهليهش"،رغم تراجيدية المنظر ومأساته الملهاة فربما لا يحق لأحد انتقاده،فقط لأن الأمر يهم المنظمين(الممون) وليس الجهة،فوق ذلك صاحبنا الناقد المفترض هذا لم يحضر الدورة أصلا رغم أهمية الموضوع وهو يعنيه،ثانيا ربما لو كان حاضرا  لفعل مثلما فعل إخوانه من الحاضرين،خاصة أثناء فترة استراحة الشاي أو استراحة العصير على الأصح،حيث هناك من طلب الشاي ثم الشاي والعصير ثم العصير،وعبأ الحلويات والحلويات في يده وفي جيبه،ثم فعل ذلك في طاولة المشروبات الأولى وانتقل لنفس الفعل في الطاولة الأخرى المقابلة،أما الماء المعدني فقد كان يطلب قارورة وراء قارورة، ويمسك قارورة في يده ويضع أخرى في محفظته وأخرى في جيبه وأخرى وأخرى،حتى أن منهم من خرج وغادر الدورة قبل نهايتها بقارورة مملوءة أو فارغة وكأنها حقه وغنيمته من الدورة و"اللهم قارورة فارغة ولا الجهة تفلت"؟؟.

أنا لا أهرب النقاش ولا أغير الموضوع من الدورة الأساسية ومشاكلها السياسية المعقدة إلى القارورة المائية الثانوية رغم ما تختزله في نظري من أطراف الحكاية كلها؟؟،أنا كالعديدين أقول: إن تغيير وجه الجهة وتنمية أقاليمها الخمسة ممكن فعلا،ولكن بإيجاد الإنسان الجهوي التنموي أولا،وهو مع الأسف ما لا يفرزه بالضرورة نظامنا الانتخابي المعطوب،والذي يلزمك بالانفتاح والتعايش والتحالف وهي أمور ضرورية وجيدة ولكن مع من؟؟:
1- ليس مع الإنسان الذي يحتج في بداية الدورة على تعويضاته وعدم التوصل بدعوته ومصير عضويته ويصر على إقحامها في جدول الأعمال أو على الأقل تسجيل موقف سياسي بها وهي أمر داخلي يمكن تسويته إداريا ليس إلا؟؟.
2- وليس مع الإنسان المعارض من أجل المعارضة،يرى أهليته و أفضليته في مجرد أقدميته السياسية أو قبيلته الحزبية،ويحضر الدورة ليسجل موقفا سياسيا في بدايتها لينسحب بقيتها وكأنه فوق الجميع أو أنه هو هو بذاته الجهة؟؟.
3- وليس مع الإنسان الذي يحضر الدورة ولديه العشرات من الأغراض الموازية على الهامش،يحضر الدورة متأخرا ويغادرها مبكرا،وإن مكث فيها بعض الوقت ف- داخل خارج...خيطي بيطي- وهاتفه الذكي لا يكف عن الرنين المزعج باستهتار؟؟.
4- وليس مع الإنسان الصامت الذي لا يفيد في الدورة بغير انتظار لحظة التصويت الحزبي سواء مع الأغلبية أو مع المعارضة،ومع الأسف هؤلاء مسؤولون عن لجن جهوية وظيفية ولا أدري كم تتطلب منهم من قدرات حوارية وترافعية الظاهر أنهم بصمتهم المطبق لا يتوفرون عليها؟؟.
5- وليس مع الإنسان الذي يطغى على نقاشه الجانب السياسي أكثر من البدائل والمقترحات والتي أبانت هذه الدورة أنه وبكل موضوعية لا يزال بنك البدائل والمقترحات ضعيفا في مجلس الجهة،باستثناء عبقرية وتجربة بعض الأعضاء،والذين يتهمون مع الأسف بالاستفراد بالزعامة وبالمعارضة؟؟.
6- وليس مع سلوك انتهازي ربما، قد لا يهم أصحابه من كل حكايات المجلس و دوراته ومعضلاته ألا أنفسهم وبماذا ستعود عليهم من مكاسب قبل غيرهم،وكم سيجنون وراء كل معضلة وفي كل دورة،فتراهم مذبذبين لا يصوتون إلا بفعل فاعل وعلى من يدفع أكثر أغلبية أو معارضة،كما بينت ذلك الدورة الأخيرة؟؟

         ولكن لو رأينا من جهة أخرى،على ماذا سيتجادل أهل الجهة وحكايتهم كلها كحكاية آكلي التمر يقولون وقد وضعوا قصعة تمرهم لينتقوا منها:"..هذه جيدة...وهذه لا بأس بها...وهذه فريدة...وهذه غير مقاسة...وهذه المتبقية...وهذه...وهذه...إلى أن يأتوا على كل شيء...وتقول الجهة الفقيرة هل من مزيد"؟؟.وكذلك مشاريع الجهة تبدأ بالعرض والمناقشة بين الأغلبية والمعارضة والشد والجذب والقيل والقال واللمز والغمز،وعند التصويت يصوت على قبولها الجميع،ليردد الرئيس نغمته ولازمته السمفونية الرائعة:"الإجماع..الإجماع"؟؟.مثلا مشروع إحداث مختبرات التحليلات الطبية المتطورة بالجهة وكيف تمت مناقشته:" لا للقيا بمهام الدولة..لا لتغليف مساعدة الحكومة..لا لسطو القطاعات الحكومية على ميزانية الجهة..الجهة تحتاج إلى مستشفى جامعي بالدرجة الأولى..الجهة تحتاج إلى مستشفيات وموظفين قبل غيرها..هل يكفي "رميد" كمعيار لمجانية التحاليل..ماذا بعد مساعدة الجهة للمواطن بمجانية التحليلات ...ومن سيساعده في السفر إلى المصحات والمستشفيات المركزية والإقامات والعلاجات..لا تغطوا الشمس بالغربال فالجهة في حاجة إلى إنصاف مجالي وليس العدالة المجالية فقط..ولكن اللهم العمش ولا العمى"،وفي الأخير،نودي بالتصويت على المشروع فصوت الجميع عليه بالقبول بعدما أمضى المجلس ساعتين أو أكثر من الأخذ والرد العقيم،عفوا من الأخذ والرد "الديمقرطي"وهو حق لازم ولاشك ولكنه من الخطأ أن يقدم الممارسة السياسوية على غيرها فيجعلها بدون أي مقصد تنموي وهو المستهدف في الواقع؟؟،وتحية للعديد من الشرفاء الذين لا زال يتشرف المجلس بالعديد من تضحياتهم وتفانيهم في خدمة مصالح العباد وسمعة البلاد؟؟.

الحبيب عكي

اقرء المزيد

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

المشاركات الشائعة