Top Ad

الجمعة، 13 أكتوبر 2023

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

في مقاومة الوعي الزائف ضد طوفان الأقصى.

سبحان الله، يبدو أن "طوفان الأقصى" المظفر، جاء بالنصر المؤزر في وقته وبزخمه وفي اتجاهه، وسيحرك العديد من المياه الراكدة، ويجرف العديد من النتوءات الآسنة، ويقتلع العديد من الفطريات السامة والأتربة المترسبة والمحنطة على كثير من الأعمدة الصدأة المنخورة، ولكنها لازالت تتعلق بقشش البعير وتدعي بعرة الوعي والرأي والسداد وإن في وهم المسلسل الحمضي لما يسمونه بالمفاوضات والسلام (المفاضحات والاستسلام) التي طالما رأت فيها عاصما من القواصم ونجاة على الأقل في كبرى العواصم، وهي في الحقيقة لا تعدو كونها مثل نجاة ابن نوح عليه السلام، إذ قال له أبوه الرسالة والوعي والأمة: "يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين"، قال: "سآوي إلى جبل يعصمني من الماء"، قال له أبوه وهو يراه قد أدركه الطوفان: "لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، وحال بينهما الموج وكان من المغرقين" هود/43.

 

وأكيد أنه لم يمضي وقت اختنقت فيه الأمة وهزمتها الأزمة ولفتها الغمة من كل جانب ومتاهات فقدان البوصلة واضطراب الملة، وهوان الموطن والمواطن والأخ والصديق في الذمة، لم يمضي وقت كهذا الوقت الرتيب العصيب، فما أن بدأ "طوفان الأقصى" بهجوم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على الكيان الصهيوني الغاصب، وبشكل مفاجئ يوم 7 أكتوبر 2023 المبارك، حتى طفحت على مجمل منصات التواصل الاجتماعي ومجمل البرامج الحوارية في الإذاعات والفضائيات، جرأة غير معهودة وحرقة غير مسبوقة، يروج فيها المروجون للمغالطات بشبه يقين، ويبدون من الأحقاد ما بدا لهم دون خجل، جهل مركب دون وجل، وتخندق ايديولوجي على عجل، وكأنها حرب إعلامية ونفسية بالنيابة ضدا على حقائق تاريخية وميدانية لم يقل بها حتى العدو الصهيوني نفسه، ولكنها قيلت عنه بالنيابة وبالمجان حتى يعبر أصحابها أنهم يعادون خيار المقاومة وأصحابها، حتى لو وصفهم من كان بأصحاب الشيطان؟.  

 

"حماس" من بدأت هجومها والبادىء مسؤول وأظلم.. "حماس" بهجومها على المدنيين إرهابية.. "حماس" متهورة لم تقدر قوة "إسرائيل".. "حماس" ستجر المنطقة إلى الجحيم.. "حماس" ستجبر "إسرائيل" إلى سياسة الأرض المحروقة.. ستكون وبالا على أدرعها البشرية.. ستكون دمار على المباني العمرانية..  إلى أن تجرأ بعضهم بانهزاميته وهرولته فقال ضدا على كل الاجماع الوطني التاريخي: "كلنا إسرائيليون".. وتجرأ بعضهم فقال: "اللهم عمش الحصار ولا عمى الدمار".. وتجرأ غيرهم فقال: "فلسطين ليست قضيتي.. وتازة قبل غزة"، وتجرأ غيرهم فقال: "على نفسها جنت براقيش".. وتجرأ غيرهم فقال: "اللي كلاتو المعزة في رأس الجبال..غاتخلصو في دار الدباغ"؟. فنسوا أو تناسوا حتى ما شربوا من خطابهم الحقوقي، ولكن، هكذا تفعل الهزيمة بنفوس أصحابها، تفتك بها فتكا وتحنطها تحنيطا حتى أنها لا تستطيع التفكير فبالأحرى التفكير السليم الذي لا تمتلك مقوماته ولا تأتي أبوابه، ويزداد هذا الفتك كلما غلف منطقهم بشبه الحقيقة والحرية والواقعية والموضوعية والقطرية والرؤية العربية ومتاهات القرارات الدولية في القضية؟.

 

"حماس" من بدأن الطوفان وهي المسؤولة والظالمة.. طيب، أتموا السؤال بنفس المنطق وأحضروا البداهة والشهادة يرحمكم الله.. من بدأ احتلال أرض الآخر؟، من قسم شعبه إلى جزر مسيجة كالحدائق بالأسلاك الصاعقة.. في كل من غزة والضفة وأراضي 48 والأقصى..؟، من هجر شتاته العالمي إلى أرض فيها شعبها وليست خلاء؟، من بدأ فيها التهجير والاستيطان بالقوة؟، من قدم له حل الدولتين على حدود 67 ولم يرضى بها؟، من قدمت له تنازلات الاعتراف في "أوسلو" ولم يعترف بالمعترف به؟، من أفرغ "مدريد 91" و"أسلو 93" و "كامب ديفيد00" و "المبادرة العربية 02" و"خارطة الطريق 03" وكل القرارات الدولية من التزاماتها ولم يفي بأي شيء؟. من كان يحتمي من جرائمه بالدعم الغربي الفاحش وبالفيتو الأمريكي الظالم والصمت العربي المهين؟، من ملأ سجونه الجهنمية بالأسرى؟. من رفض عودة اللاجئين؟، من بنى أسوار العار العازلة؟، من نصب حواجز التفتيش في كل معبر؟، من فرض الحصار على غزة 17 سنة مضت دون غذاء ولا دواء؟، من بدأ كل العربدات في الأقصى وباب العمود والشيخ جراح..؟. كل البدايات الظالمة كان قد بدأها العدو الصهيوني ولم يجعله المطبعون يوما مسؤولا فبالأحرى أن يثنوه عن جرائمه، واليوم، مجرد موقف نصرة صريح لا يستطيعون إعلانه ولو على الميديا وتلك فوقعة الفوقعات والوعي الزائف والنضال المغلوط؟.

 

إن استدعاء كثير من المحللين الموضوعيين والمؤرخين النزهاء وهم ذاكرة القضية، سيكشفون لنا وبكل وضوح ما قد علا ويعلو جبين بعضنا من ضبابية وخلط إن لم يكن خلط حقائق مغرض أو غير مغرض. ف"حماس" في الحقيقة وعند النزهاء لم تكن إلا مقاومة شعبية فرضها الاحتلال الصهيوني الغاشم وهو أمر مشروع في كل مقاومات الاحتلال عبر التاريخ. و"حماس" لم تكن سوى جزء من الشعب وتقاوم باسم الشعب الذي اختارها يوما ولا زال بما لا يقل عن 90% ، ولم يعارضها اليوم لا في الضفة ولا في القدس ولا في غيرها، ولها شرف قيادة حلحلة الوضع مع إخوانها من الفصائل الأخرى.  والمدنيون الصهاينة ليسوا مدنيين بل مستوطنين إحلاليين في مستوطنات غير شرعية على أراضي الفلسطينيين، بل أكثر من ذلك جنود فعليين واحتياطيين في جيش العدو، يمنعون بقوة النار حتى المرور بالقرب من المستوطنات ولو إلى أراضي المزارعين، حقائق يؤمن بها قادة الكيان وهم غير ما مرة يصارحون بعضهم البعض "نحن لا نواجه لا "حماس" ولا "الجهاد"، ليس أمامنا إلا الشعب الفلسطيني كل الشعب.. غزة.. والضفة.. وعرب 48.. والأقصى.. من يرضى بنا في هذه الأرض الملعونة"؟.

 

وكم تعلمنا عقيدتنا أن النصر والهزيمة بيد الله "والله يؤيد بنصره من يشاء" آل عمران/123. وأن القوة والكثرة على أهميتهما في الحرب فهي لا تحسم في شيء، قال تعالى: " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله مع الصابرين" البقرة/249. وقال أيضا: " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى" الأنفال/17. وكم تحكي لنا دروس التاريخ أن كل مقاومات الشعوب المحتلة لمحتليها بدأت صغيرة، ضعيفة، معزولة، في ما يشبه بداية انتحارية مستحيلة في العدة والعدد، وقدمت من التضحيات وتكبدت من الخسائر ما لا قبل لها به بكل المقاييس إلا مقياس نيل الحرية وعيش وطنها في ظلالها الذي تسترخص من أجله الشعوب كل شيء؟. هذه مقاييس التحرر من العدو المحتل، أساسها الإيمان بالله تعالى وبالقضية الوطنية وما تستوجبه من الفداء وإراقة الدماء وهذا لعمري تفكير خارج الصندوق ولكنه منطق عالمي لا تنفيه سلمية "غاندي" لأنها استثناء يؤكد القاعدة، بل وفي طياته مقاومة شعبية عارمة استطاعت تهميش الاستعمار وتجاوزه، ثم ألم يعتدي المستعمر البريطاني على سلمية غاندي، ألم يكبدها خسائر مادية وبشرية رغم كل شيء؟، ثم متى كان لبني صهيون عهد أو ميثاق حتى تتفاوض أو تتعاهد معه والله يقول عليهم: "ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك" آل عمران/75، ألم ترى كيف التهم هؤلاء لفطيرهم كل فلسطين، ابتلعوا أرضها وسفوا دمها وخربوا عمرانها وهجروا قومها...، ويقولون هل من مزيد؟.  

 

منطق التحرير يا سادة، هو حلم وتعلق باليوتوبيا التي ستصبح بفضل الله وتقديم التضحيات يوما ما حقيقة، وكما قال أحدهم في قضايا التحرر في بلدان المغرب العربي نموذجا، المقاوم عبد الكريم الخطابي والأمير عبد القادر الجزائري وعمر المختار..، ألم يصف المستعمر يومها هؤلاء وحركاتهم التحريرية الجهادية بالإرهابيين؟، ألم يسلط عليهم وعلى قومهم من أصناف العذاب ما فوق التحمل؟، ولكن في الأخير، ألم ينتصروا بعدها رغم كل المحن والتضحيات وسجلهم التاريخ أبطالا لا ينسون كما سجل المستعمر وأعوانه خونة أذلاء؟، وفي محاربة نظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا، ألم يخرج البيض "نلسون مانديلا" من سجنه بعد عقود وعقود من جرائم الفصل العنصري وسلموه السلطة ليعودوا هم رغم كل عنصريتهم وعنتريتهم مجرد مواطنين كغيرهم، لهم من الحقوق والواجبات ما لغيرهم من السود، دون تدرج اجتماعي ولا امتيازات إلا ما كان من كسبهم وكفاءتهم؟.

 

وأمريكا ألم تكن في السبعينات في "فيتنام" حتى حسبتها مستعمرتها الساحرة الخالدة، وإذا بالمقاومة الشرسة هناك تقهرها وتطردها من بلادها شر طردة، حتى إذا جاءت الحوامة الأمريكية الأخيرة تقوم بطواف الوداع، تسابق جنود الأمريكان هرولة ليتعلقوا بأجنحتها وعجلاتها في مشهد تراجيدي لا ينسى، علها تنقدهم مما تورطوا فيه من الوحل؟. النصرة دائما للمقاومة صاحبة الحق والمشروعية على حد قولهم "قوة الحق لا حق القوة" لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه، وبقدر ما يهدم العدو من البنيان بقدر ما يهدم صورته في ذهن الإنسان أي إنسان، وتلك سياسة الكيان الصهيوني في هذا الطوفان، فقط، تزاحموا على الوضوح وأعلنوا أنكم مقاومين ومع المقاومة من مكانكم وبإمكانكم، وليكن شعاركم شعارها.. الغائبون في الجغرافيا.. غائبون في التاريخ، وليكن خياركم خيارها.. النصر أو الشهادة.. حتى تحرير فلسطين كل فلسطين؟.

 

كل الفلسطينيين تتكافؤ دماؤهم ويحمل قضيتهم حتى النخاع أدناهم، فلا "فتح" ولا "حماس".. لا "تطرف" ولا "إرهاب" لا من "بدأ" ولا من "رد"، فكل ذلك تهريب للنقاش وطمس للحقائق لأن صلب الموضوع هو الاحتلال الذي ينبغي أن يسقط بأي وجه كان، ومن طرف أهل القضية أنفسهم قبل غيرهم ممن يساعدهم أو يطبع بدعوى مساعدتهم وهو يساوم ولا يقاوم، وكفى شرفا ب"طوفان الأقصى" أنه أسقط خيار التخاذل هذا وفضح محور شره، وأظهر للعالم أن للقضية شعب هو المعني بها في العقد والحل، وجرم الجرائم أن يغيب أو يفرض عليه الأمر الواقع؟.  فلا تطبعوا.. ولا تهرولوا.. لا تخاذلوا ولا تساوموا.. لا تخطؤوا كغيركم في دعم قضية صهيونية خاسرة ما عاد حتى أصحابها يؤمنون بها وهم رغم كل الجبروت والضوضاء يتحينون كل فرصة للرحيل والفرار والتخلص من أوزارها، وما صخب مظاهرات الداخل الإسرائيلي المستمرة والمتنامية.. وما وزحمة المطارات بالهجرة المضادة بكل الوسائل إلا دليل وبرهان.. وعسى أن تساهم المقاومة والطوفان والنصرة والبيان في تسريع ذلك كالصاعقة الماحقة المتفجرة على الظالمين بالبركان؟.

الحبيب عكي        


اقرء المزيد

الاثنين، 9 أكتوبر 2023

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

الزلزال وسؤال التخفيف من الأعراض النفسية على الأطفال؟.

 

لا شك، أن الزلزال كارثة طبيعية فجائية مرعبة ومدمرة، تحدث - بقدرة الله الجبار - كثيرا من الدمار في المناطق التي تضربها وتخلف أثارا وخيمة على ساكنتها وخاصة فئات الأطفال الأبرياء، الذين يصدمون بما لم يألفوه من مشاهد صاعقة تزلزل كيانهم النفسي الهش قبل أن تهدم منازلهم وتدفن أقاربهم وأصدقائهم وتشقق أو تخسف بمدارسهم ومساجدهم حقولهم وملاعبهم، فتأخذ منهم قهرا مجمل ما استقرت به حياتهم من مأوى وأهل وأصدقاء، وتشوش عليهم في عبادتهم ولعبهم ودراستهم المعتادة، لتفتح حياتهم من اللحظة المشؤومة على المجهول، قد تتضافر  عوامل وعوامل خارج السيطرة لتضاعف من مرارته وقساوته المادية والمعنوية على السواء.

 

كل هذا يظهر على الأطفال مهما كان جنسهم أو سنهم.. لغتهم أو لونهم.. دينهم أو بيئتهم.. أعراضا نفسية.. واضطرابات سلوكية.. وانفعالات غير معتادة.. ونتيجة هول الصدمة وعدم الاستيعاب وعدم القدرة على التحمل.. وكذلك ضعف الحيلة وقلة مواكبة ومساعدة الكبار لهم والعناية ربما.. يستسلم الأطفال حسب الحالات للخوف الشديد والحزن العميق.. والبكاء المستمر.. السهو والشرود والتعلق بمن كان من الآدميين حولهم.. وإذا ما هدأوا شيئا ما فبعدم القدرة على التعبير.. وعدم القدرة على التركيز.. اضطرابات في النوم.. التبول اللاإرادي.. إلى غير ذلك من مظاهر فقدان الشعور بالأمان، وتأثير ذلك على القدرات الدراسية والاندماجية للطفل.

 

كل هذا يعني ويؤكد أن الجهاز النفسي للطفل قد زلزل وتمزق وتشقق كما الأرض قد زلزلت وتشققت وخسف ببعضها وتهدم بعضها الآخر، فمات من مات قدرا وهم عند الله شهداء، ونجا منهم من نجا أيضا قدرا، ولكنهم لا يشعرون بالأمان والاطمئنان، إلا أنه من حسن الحظ أن الأرض كما يمكن إعادة إعمارها ، فالنفس البشرية أيضا يمكن ترميمها، وهناك أمل بأن تستعيد استقرارها وطمأنينتها لتستمر الحياة على كل حال، قال تعالى: "وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا، يعبدونني لا يشركون بي شيئا" النور/55، وكما أن إعادة الإعمار يتطلب دراسات الخبراء وإمكانيات المقررين ومشاركات المعنيين، فإن ترميم النفس أيضا يحتاج إلى رأي العلماء (النفسانيين) وتجارب الخبراء (الاجتماعيين) وغيرهم.

ذلك حتى يكون الترميم علميا ينبني على قوانين وتفاعلات ومحفزات اجتماعية تنتج النتائج المرجوة في الاتجاه المرجو والزمن المرجو، ولعل أول وأهم من ينبغي استدعاؤه في هذا الإطار ليسعفنا قبل الخوض في المحاذير والتوصيات، هو عقيدتنا الإسلامية ومذهبها في القضاء والقدر الذي يجعل أمر الخلق بين يدي الخالق وهو أرحم الراحمين به في السراء والضراء، فقال تعالى: "وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" البقرة/216، وقال أيضا: "إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ، نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ "فصلت/31. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ" رواه مسلم.

وإن كان هناك من إضافة عملية في هذا الإسعاف فهي للنفساني الأمريكي "أبراهام ماسلو" صاحب الهرم العلمي لشعور الإنسان بالأمن والأمان، وما يستوجبه ذلك من ضرورة تقدير الإنسان.. وحسن معاملته.. وتجنب الإهانة وسوء المعاملة.. خاصة في أوقات الأزمات والنكبات، وكل هذا يستوجب على الترتيب: "توفير اللازم من الحاجات الفسيولوحية للمرء.. كل ما يشعره بالأمان.. حاجاته الاجتماعية.. الإحساس بالتقدير.. تحقيق وقبول الذات". وكذلك تجربة الشعوب الغربية بعد الحرب العالمية الأولى وما خلفته بينهم من دمار وموت.. تشريد وبطالة.. فقر وتسول.. يتم أطفال وترميل نساء.. الهجرة إلى المدينة.. ظهور الجريمة والانحراف..، وكيف تفتقت عبقريتهم آنذاك عن إبداع التربية بعيدا عن البيئة الموبوءة الفاسدة المدمرة المكفهرة في ما سموه بالمخيمات والرحلات ومدارس الداخليات البعيدة، فظهر نظام المخيمات (التربية عبر المتعة والإفادة واللذة بدل الأم) والكشفية (بادين باول) التي يعتمد فيها النشء على ذاته ويتعلم بالممارسة والمغامرة والتعاون والاستكشاف من أجل حياة إنسانية بسيطة وأفضل.

 

ترى، كم من عطف وحنان سيوفره الآباء الناجون لفلذات أكبادهم رغم صعوبة الموقف وقساوة الظروف؟، كم سيتغلبون على هذه الصعوبة وهذه القساوة حتى لا نزيد إلى قساوة الزلزال قساوة إنسانية ومشاعرية أفظع؟، كم سنستدعي عقيدتنا في الرضا بالقضاء والقدر حتى نشعر بحفظ الله ورعايته ولطفه في ما نزل، فنرضى ونترضى ولا نسخط أو نتسخط؟، كم سيساعدهم المسؤولون على ذلك بعدما هب الملك والشعب عن بكرة أبيهم في رسم ملحمة التضامن الوطني الباهرة المبهرة..؟، في كم سنعيد إعمار المنطقة المنكوبة وعلى أي مدى وبأي مواصفات تحفظ رمزية المكان وتراثه العلمي وكرامة المواطن؟، كم سنوفر لهم من دور الشباب ومركز ثقافي وفضاء جمعوي ومخيم حضري وملعب قرب يستوعب هذه الناشئة وينشر بينهم كل مظاهر هذا الدفء التربوي الوطني الهادف؟،

 


في كم مخيمات ربيعية وصيفية سيستفيدون مثلا، وبكم إجراءات عملية بسيطة بدل التعقيدات المعهودة سنسهل على الآباء والجمعيات سبل الاستفادة من ذلك؟، كم من مظاهر الحياة الجماعية التضامنية سنحافظ لهم على تراثها التاريخي الزاخر؟، بكم من حملات نفسية علاجية سنجوب مختلف تلك المراكز والدواوير بين التلال والجبال؟، كم من قطاع حكومي معني - وكلها معنية - سيضع برامج مساهمته الفعالة في ذلك؟، بعض الجمعيات التربوية نظمت – مشكورة – بعض قوافلها التضامنية بطعم التنشيط التربوي الترفيهي وهدايا وألعاب الأطفال، كم سيستمر من هذه الحملات في العطل البينية القادمة، وكم منها سيتطور لتغطي قوافله أو تلامس المستطاع من الحاجيات المتجددة للطفولة المستهدفة،.. فصل الشتاء.. الدراسة.. حياة الخيام.. عمق الشرخ وطول الفراق.. التمزق بين القرية الموطن والمدينة الدراسة.. مشاكل إعادة الإعمار خاصة لضعيف الطول والحول..؟.

 

كم سنهتم بحصص الدعم النفسي ومراكز الاستماع في المؤسسات التعليمية المستقبلة والجمعيات المدنية المؤطرة والمنشطة الوطنية منها والمحلية؟، كم سنتيح لهم من فرص التعبير عن أفكارهم والتنفيس عن مشاعرهم والبوح بمكنوناتهم، وتوفير ما يمكن توفيره من متطلباتهم، ما برامجنا وإبداعاتنا لذلك؟، بكم دوريات رياضية ومسابقات ثقافية وورشات فنية وخرجات ترفيهية ورحلات استكشافية وزيارات التفقد والرحم والتواصل سنفرحهم قبل أن يعدوا علينا الأشهر والسنوات أو يؤرخوا بيوم الزلزال المشؤوم كيوم فقدوا الرحم بينهم وبين من تبقى لهم من أقاربهم وأصدقائهم، حتى عبر الهواتف؟، كم سنستفيد من تجاربنا الثرية في ما سبق من الزلازل في كل من "أكادير1960" و"الحسيمة2004"؟. أظن سنستفيد كثيرا وزيادة، كيف لا ونحن قد حافظنا للمتضررين ممن فقدوا ذويهم ومعيليهم بصفة "مكفولي الأمة"، ومثل الأمة في توادها وتراحمها كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء باللازم من التعاون والتضامن المادي والمعنوي؟.

الحبيب عكي


اقرء المزيد

الأحد، 1 أكتوبر 2023

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

الزلزال والسؤال السوسيولوجي في المغرب؟.

لقد هب الجميع يتحدث بل ويتحرك في شأن كارثة الزلزال التي ضربت مؤخرا مناطق الحوز في المغرب (8شتنبر 2023)، بل ونظموا مشكورين قوافل تضامنية من الجنوب والشمال ومن الشرق والغرب ومن كل البقاع، يقومون بمواساة معنوية إنسانية لإخوانهم ويقدمون لهم مساعدات مادية عينية عارمة بكل تلقائية وسرعة وسخاء، مما كان له صدى مبهر في كل الأوساط داخليا وخارجيا سارت بأخباره كل المواقع والقنوات والنشرات في الفضائيات، ذلك أنه جسد بحق هوية هذا الشعب الطيب المعطاء، وما تشبع به على الدوام من قيم التضامن والتراحم(رحماء بينهم). غير أن هناك بعض الفئات والهيئات لم يسمع لها دابر حس ولم يرى لها كبير أثر، خاصة بالشكل المنظم والجماعي النضالي والميداني الذي عرفت به كالأحزاب والنقابات، أو بالشكل الفئوي البحثي والترافعي الذي دأبت عليه كالحقوقيين والسوسيولوجيين ومن لف لفهم، هذا على الرغم من أن الحدث المأساة مجال اشتغالهم وميدان بحثهم.. تحقيقهم وترافعهم بامتياز، وكان لتواجدهم أن يعطي للتضامن قيمة مضافة وطعما بكثير من الإسعاف؟.  

 

عديدة هي الأسئلة الحارقة التي توجب تواجد مثل هؤلاء الخبراء في الميدان المنكوب ومواكبتهم لمخلفاته الانشطارية وكراته النارية والثلجية، خاصة فئة السوسيولوجيين (علماء الاجتماع) وفئة البسيكولوجيين (علماء النفس).. باعتبار علمهم السوسيولوجي (علم الاجتماع) وعلمهم البسيكولوجي (علم النفس)، هو من ستأخذ عنه كل العلوم الاجتماعية والإنسانية الأخرى، السياسية منها والاقتصادية، وحتى الحقوقية والتشريعية والبيئية والاجتماعية..، ملاحظاتهم واقتراحاتهم، وما يمكن أن يشبه مشاريع قوانين اجتماعية للتغلب على الأزمة وحسن تدبيرها بكل موضوعية؟. وتدبير الأزمة هذه، قد احتوته الآن أو تكاد، عديد من المبادرات الرسمية والشعبية المتساندة والمسعفة، ورافقته بعض التشنجات المحتجة والتساؤلات المشروعة القلقة والمقلقة..، وكل هذا قد لفظ عن بعض المفاهيم الجوهرية في حياتنا، ما تراكم عليها من الأتربة حتى كادت تكون متجاوزة في حياة وتطلعات وتشريعات بعض الفئات من الناس، أو في أحسن الأحوال ك"مدفونة القب" مدفونة خبز في قب جلباب المرء، يأكل منها متى داهمه الجوع، ويردها في قبه وراء ظهره منسية متى رد منها جوعته؟.

 

ما هوية الشعب أيها المستلبون المتسولون لخردة الهويات؟، هذه الهوية، هل هي قول وفعل أم مجرد ادعاء في القلب وشعور في الوجدان؟، ما الذي حمل المغاربة على كل هذا التضامن بكل هذه الأشكال والأحجام المبهرة.. التلقائية والسريعة.. العفوية والعارمة؟. أين القانون التنظيمي/ التقييدي للإحسان العمومي الذي أصر المصرون على تمريره وفرضه رغم مرافعة الجمعيات الخيرية الميدانية ضده، وقبلها فطرة وعوائد الشعب المغربيى الأصيل والمعطاء والتي أبان عنها في هذا الزلزال وقبلها كارثة الفيضان ونعود بالله من البركان؟. أي تنمية وفك عزلة وقفتم عليها أيها السوسيولوجيون في عالمنا القروي والأرياف والجبال؟، وما الأنتروبولوجيا الاجتماعية والثقافية لذلك؟. ودون إثارة هل لنا سياسة عمومية لتدبير الأزمات والكوارث؟، ولا هل سلمت رؤيتنا للتعامل الإداري مع الناس أوقات الطوارىء؟، ولا الأعراض النفسية التي ظهرت على الأطفال، نوعها ومدى خطورتها وكيف علاجها والتخفيف منها؟، دعونا فقط، نتطرق إلى إعادة الإعمار مثلا، وقد رسمت بعض معالمه، وبدأت تعطى فيه بعض الإشارات وتمارس فيه بعض الممارسات ربما من باب إغاثة اللهفان أسرع ما يمكن، لكن بأية مقاربة تشاركية سياسية ومدنية؟، وبأية مقاربة مع الجهات والجماعات والجمعيات؟. ما رؤيتنا للتعامل مع التراث اللامادي؟، وما خطتنا للحفاظ على رمزية المكان؟، ما تجارب إعادة الإعمار في المناطق المنكوبة عبر العالم وما مرتكزاتها؟، في ما نجحت وفي ما فشلت، كيف ولماذا؟.  

 

أراء تتحدث الآن، عن أفضلية الترحيل إلى ضواحي المدن الكبرى، على غرار ما جرى الآن من ترحيل المتمدرسين إلى مدينة مراكش واستثمار داخلياتها، على الأقل يكون المرحلون مجموعون في مناطق مفتوحة على كل شيء وقريبة من كل المصالح وسيسهل تفقدهم وخدمتهم جراء ما كانوا يعيشون فيه من العزلة، ولكن، قد تنشأ عندهم ظواهر سيئة من بطالة وفقر وغير ذلك من مآسي الهجرة والتهجير؟. وأراء تتحدث عن إعادة التوطين في نفس الموطن لارتباط المنكوبين بأرضهم، وككل سكان العالم، الناس يعيشون في الأرياف وفي الجبال وحتى الإسكيمو والصحراء، لكن بقدر ما من العدالة المجالية والتنمية المستدامة؟، ترى، أي شروط نشترطها على أنفسنا لفك عزلة المناطق المنكوبة؟،.. لحفظ كرامة سكانها؟،.. لحفظ المآثر الدينية والتاريخية؟،.. مسجد تينمل.. مهد الموحدين.. ومدارس قرآنية عتيقة.. ومخازن جماعية..، وكل ما يشكل ذاكرة المنطقة؟. أيها السوسيولوجيون.. والحقوقفيون.. والعلماء الربانيون.. والإعلامييون.. "ابن خلدون" و"أوجست كونت" و"دوركايم" و"ماكس فيبر" وكل علماء الاجتماع المؤسسين والمطورين يؤكدون لكم أننا لا نريد السقوط ربما في التجربة التنموية المحكية على الألسن لقرية نمذجوها في الحكايات ببناء صنابير ماء عصرية في كل منزل.. وإذا بالنساء بعد حين من الزمن يكسرنها.. لا لشيء إلا لأنهن يفضلن السقي وجلب الماء من خارج البيت ولو على مسافات.. لأنهن افتقدن ما يحدث بينهن في طريقهن إلى السقي خارج البيت من احتكاك وأحاديث جماعية وترانيم شعبية.. في حياة تشاركية.. واشتقن لذلك؟.  

 

معشر السوسيولوجيون الحكماء الفضلاء، لقد كان من قبلكم من المؤسسين لعلمكم في هذا الوطن، يمتازون بخطهم النضالي فتجرأوا على الحديث والتفاعل مع هموم المجتمع، وقالوا من الأقوال وفعلوا من الأفعال ما به أفادوا واستفادوا واستفاد الوطن، لكن هل كان علم الاجتماع على الدوام شيئا غير الحس النقدي وكونه علما تطبيقيا كان مع أو ضد؟. فكم تدرسون لطلبة الجامعة أن الزلزال رغم كونه ظاهرة طبيعية فهو أيضا ظاهرة اجتماعية، ولأن الظاهرة الاجتماعية - كما تقولون - رغم كونها مستقلة فهي أيضا مرتبطة بالعديد من الظواهر الأخرى، يعني بمظاهرها ونتائجها إن حسنا فحسنا وإن سوءا فسوءا؟. ولكن يبقى الأمل، أن وراء كل ظاهرة اجتماعية - كما هو معلوم - قوانين تتحكم في نشرها وشيوعها كما تتحكم في الحد منها وتوقيفها، وبالتالي، ما علينا الآن إلا البحث عن هذه القوانين، وهذا واجب الوقت وواجب الوطن؟. كم كنتم تدرسون للطلبة أيضا أن مؤسس علم الاجتماع بشكله الوضعي"أوجست كونت"، إنما دفعه إلى ذلك ما أراد به المساهمة في تجاوز النظام الاقطاعي نحو نظام رأسمالي كان يراه الأعدل، وأراد بذلك المساهمة في العلاج والحد من الفوضى العارمة والمشاكل المعقدة التي شهدها المجتمع الغربي بعد الحرب العالمية الأولى وما أغرقت فيه الأبرياء من زلزال الدمار والموت والفقر والتشريد والهجرة والبطالة والجريمة والانتحار.. فأراد بتقعيده علمه بعضا من البناء السوسيولوجي المتماسك القائم على الأنوار بدل الدمار المفكك والهدم الماحق المنبعث من الاعصار؟.

الحبيب عكي


 

اقرء المزيد

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

المشاركات الشائعة