Top Ad

الأربعاء، 27 أبريل 2022

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

فأي سلام الصهاينة تختارون أيها المطبعون؟

عندما يهجم الصهاينة هجوما بلطجيا همجيا مسلحا على المرابطين المعتكفين في رمضان في المسجد الأقصى، ويفسدون عليهم صلاتهم وقيامهم وصيامهم بإطلاق النار وقذف الحجارة وما نتج عن ذلك من إسالة الدماء والاعتقال التعسفي وتدنيس المقدسات وتدميرها بشكل عشوائي همجي متعمد، فذلك هو سلام الشجعان كما يسميه أبطاله، يترك كنيس اليهود في سلام ليفسد على المسلمين في مسجدهم الصيام والقيام  وسكينة الاعتكاف وروعة الشعائر وجهاد المرابطة وحراسة القدس؟.

 

وعندما يمنع الحجاج غير المقدسيين من الوصول إلى المسجد الأقصى وهم القادمون إليه من غزة والضفة وأراضي 48 وغيرها، ليحرموا من راحة الصلاة في بهوه ومتعة الإفطار في ساحته وحلاوة التبضع في القدس وصلة الأرحام بين الأهالي، فذاك سلام حقوق الانسان وحق التنقل وممارسة الشعائر التي ترصد لمنعها الكلاب الضالة والأسلاك الكهربائية والكاميرات الإلكترونية والحواجز العنصرية والتأشيرات الأمنية..، والتي بقدر ما تكون يقظة وصارمة ضد الفلسطينيين بقدر ما تعمى ويعطل مفعولها ضد الصهاينة واقتحاماتهم العدوانية وحفرياتهم التخريبية في المسجد الأقصى؟.

 

وعندما يجد الفلسطيني صاحب الأرض وهو الأعزل، يجد نفسه محاطا بالعشرات من المستوطنات الإسمنتية من كل جانب وبالحواجز الأمنية في كل اتجاه، والكلاب الضالة المسعورة والمدججة بالسلاح، فلا يستطيع الوصول إلى عمله ولا إلى حقله ولا حتى العودة منهم إلى منزله إلا بعد ما هي وما لونها من الإجراءات التعسفية المستفزة المذلة الفظيعة، فذلك سلام "إسرائيل" يحرصه سورها العنصري يلف البلاد طولا وعرضا كالأفعى يكتم أنفاسها ويفرغ فيها سمها فتموت الضحية بين كماشتها على مهلها؟.

 

وعندما يتم تهويد القدس معالم وأزقة ومقدسات، واتخاذها عاصمة لبني صهيون واعتراف العراب الأمريكي المجنون وحده بذلك ونقل سفارته إليها، بعد كل ما بشروا به من السلام مقابل الأرض والذي أصبح السلام مقابل السلام تحول  فيه كل شيء إلى أوهام السلام مقابل لا شيء، تهويد القدس على قدم وساق.. تغيير أسمائها بأسماء الرموز الصهيونية المجرمة والأحداث العدوانية الفظيعة، رفع وتيرة بناء المستوطنات ضدا على كل القرارات الأممية التي ترفض شرعيتها، استقدام يهود العالم مقابل رفض حق العودة للفلسطينيين اللاجئين، إنه سلام اللصوص المقامرة المغامرة.. انحياز واضخ للمعتدي.. إغراء بالصفقة الصفعة للمعتدى عليه.. خلط بين ملفات القضية والملفات القومية للآخرين بشكل يقيد ويقوض جهودهم في الدعم والنصرة؟.

 

وعندما تسير المنطقة بقانون الصهاينة الظالم، والذي بموجبه يمنحون لأنفسهم حق مصادرة الأراضي.. بناء المستوطنات.. هدم منازل الفلسطينيين وتشريدهم من حقولهم.. تعكير صفو حياتهم باستمرار الهجومات العدوانية عليهم..  خيانة كل القرارات والمعاهدات معهم.. وأمام كل العالم الذي يكيل زعماؤه بألف مكيال ومكيال.. ويستخدمون ضد القضية في مجلس الأمن "فيتو" وراء آخر، وفي "قممهم" العربية خيانة وراء أخرى، وتطبيع وراء آخر، بل يقطعون المساعدات (أمريكا) ويغلقون المعابر(مصر) ولا يخجلون حتى من قرصنة بواخر الحرية التي تحاول رفع بعض الحصار والتخفيف من الإعصار؟.

 

فوراء أي سلام تهرولون أيها المطبعون العرب؟، ولماذا لم يأتي هذا السلام لا في "كامب ديفيد" ولا في "وادي عربة" ولا في حل الدولتين.. ولا في "المنامة" ولا في "الخرطوم" ولا في "الرباط" ولا في.. ولا في..؟. سلام الاقتحامات والمداهمات.. سلام عربدة المقدسات ومصادرة الممتلكات وبناء المستوطنات.. أم سلام.. و سلام.. يا سلام على السلام..؟، لا أعتقد أي سلام يرضيكم ويفسر صمتكم الصارخ.. ولا أعتقد أي سلام ترفضونه وتندد ضده بيانات إدانتكم الباردة ومداد "نقبكم" و"منامتكم" و"رباطكم" لم يجف بعد؟.. فعلى ما تهرولون أيها المطبعون إنهم الصهاينة، على الميدان، لا يعتبرونكم لا في العير ولا في النفير ولن يمنحوكم لا من الأرض ولا من السلام حتى القطمير، وهكذا يريد الصهاينة السلام فأي سلامهم تختارون أيها المطبعون المهرولون المهزومون، قال تعالى: "كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ" التوبة/8؟.

الحبيب عكي


اقرء المزيد

الاثنين، 25 أبريل 2022

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

رمضان وحكاية الطفل الإمام

لا أتحدث عما يتلقاه النشء من التربية المتناقضة في البيت والمدرسة والشارع والإعلام، فتلك واضحة ويسهل أمر الاختيار والقرار فيها، إما مع هؤلاء أم مع هؤلاء، وغالبا ما يكون الحسم فيها للتكيف مع المكان أو الأشخاص، فإذا كان الطفل في البيت كان بيتيا.. وإذا كان في المدرسة كان مدرسيا.. وهكذا يمكن أن يجمع هذا الطفل بين العديد من المتضاربات ويمزق بين العديد من التوجهات ولا يجد في ذلك حرجا، إنها التنشئة الاجتماعية تربي النشء على أنه من الصحة النفسية والشخصية المندمجة أن يلبس المرء لكل لبوس لباسه ويعطي لكل مقام مقامه، بغض النظر عن مدى انسجامه أو تعارضه مع الهوية والمعتقد أو المرجعية والانتماء، الذي يظل عند هؤلاء مرنا متغيرا غير صلب ولا ثابت، فلا يجد فيه المرء بعدها – كما يقال – بأسا من أن يخشع يوم الجمعة في المسجد مثلا، ويعربد يوم السبت في الملهى، ويتعرى يوم الأحد في الشاطئ.. وهكذا، إنها تربية "البلغة والجلابة والرزة والقصعة يا بوعزة" إنه الإسلام الذي يقبل عندهم بكل شيء وبمبرر ديني أحيانا "إن لنفسك عليك حقا" أو "المهم هو الإيمان في القلب"؟.

 

بل أتحدث عما هو أخطر، وهي تلك الأشكال التربوية المائعة التي يتلقاها النشء وهي لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، كل شيء فيها إلا الموقف العلمي والسلوك العملي، وبسببها تجد النشء في صغره كما في كبره، يعرف وكأنه لا يعرف.. وينحرف وكأنه يستقيم.. يخجل من دينه وكأنه يعتز به.. وقد يهجره ويعاديه وكأنه يلتزم به ويدعو إليه.. وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم؟. أين نشؤنا من معرفة دينه على حقيقته ومن مصادره المرجعية بدل مجرد التشويش والقصف الإعلامي؟، أين هو من معرفة رتبة هذا الدين  ومقامه بين غيره من الدعوات والفلسفات وبأنه مقدم على غيره من المذاهب إذا وقع بينهما احتكام أو تعارض، قال تعالى:" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" المائدة/3؟. أين نشؤنا من العمل لهذا الدين والدفاع عنه وقد كان من الشباب اليافع في ما مضى (زيد بن ثابت 13 سنة) من تعلم لغة اليهود حتى لا يحرفوا عن رسول الله.. وجاءه - قبل أن يرده (ص) إلى أمه - يطلبه السماح له بالذهاب إلى الجهاد وسيفه أطول منه؟، أينهم من ممارسة العبادات والدعوة إليها بين زملائهم بالحكمة وقد قرأنا عن صبيان صغار صححوا وضوء شيخ كبير لما توضؤوا أمامه بشكل صحيح فأدرك هو خطأه؟.

 

مناسبة هذا القول حكايتين شيقتين ملهمتين أبطالهما أطفال هذا الزمان على ريادتهم وفرادتهم طبعا، أما الأولى فتحكي عن إبان الرسومات الكاريكاتورية المسيئة إلى الرسول (ص) والتي أججتها تصريحات الرئيس "ماكرون" العنصرية والمسيرات الاحتجاجية العارمة التي شهدتها فرنسا إبان الحدث، طلبت المعلمة الفرنسية من تلاميذتها في القسم أن يرسموا الرسول (ص) وكأنه رسم لصورة العدد المقبل من المجلة المسيئة (…Hebdo )، للتو انهمك التلاميذ الأبرياء في رسم شطحاتهم إلا طفلا مسلما -لعله من المغاربيين- فقد رفع أصبعه ليسأل المعلمة ولم تسمح له بالحوار، فالوقت عندها وقت الرسم فحسب وعليه أن يرسم كما يرسم الجميع، لم يرسم الطفل المسلم شيئا ولكنه سرح في جولة تفكير داخلي يسترجع فيها ويستعرض خيرية رسول الله (ص) وفضل قيمه وتوجيهاته على أفراد أسرته.. فتذكر كيف أن أمه كانت تحب قراءة السيرة وكلما فرغت من ذلك أذرفت دمعة حب وشوق حارة.. كيف أن أباه كان يترك دفىء الفراش وينهض للصلاة خاشعا ساجدا راكعا في جوف الليل.. وكيف أن أخته ورغم كل ما كانت تتلقاه في الشارع من سخرية وانتقادات بسبب حجابها، كانت لا ترد إلا بابتسامتها المعهودة..، من علمهم ذلك غير حب رسول الله.. وكيف أحبوه وأحببناه ولم نراه..  ليخط على إثر ذلك رسالته إلى معلمته قال فيها: "معلمتي، هل سبق لك وأن أحببت شخصا لم ترينه؟، هل حقا تعرفين رسول الله؟، حبيبي يا رسول الله ليتك تعود إلينا ساعة بل ثواني حتى تراك وتعرفك معلمتي"؟. وكانت تلك رسالة مؤثرة قوية أبكت المعلمة الفرنسية وكانت لها سببا في رحلة بحث جاد عن رسول اله وعن دين الإسلام، انتهت بها - كما تحكي الحكاية - إلى إسلامها وحب رسول الله؟.

 

والحكاية الثانية وهي حكاية الطفل الإمام الذي شد الرحال من بلده جنوب الصحراء إلى مملكة القرآن المغرب، لم يتجاوز عمره العشر سنوات وهو يتقن الحديث بالعربية وكأنه لغته الأصلية، وحلمه الذي من أجله ترك أهله وبلده هو أن يحفظ القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، ويلتحق بمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين الأفارقة ليتفقه في الدين، لعله يوما يعود إلى بلاده بذخيرة ثرية تمكنه وترجحه من أن يكون إماما في المسجد الأعظم، أكبر مسجد عامر في عاصمة بلاده، يصلي بالناس.. يرشدهم في دينهم.. يفتيهم في شؤون دنياهم.. ومحبوبا لدى الجميع.. وقورا مهابا بسمت ولباس محترم.. يحضر أفراحهم ومأتمهم.. ويفصل في عوارض الحياة بينهم.. إنه الطفل الموهوب.. الطفل المعجزة.. كان مع الله فكان معه وجمع له بفضل القرآن خير الدين والدنيا فكان -كما تحكي السادسة- كذلك؟.

 

وآلاف الأطفال الأبطال مثله يحفظون القرآن في الزوايا والمدارس العتيقة والتعليم الأصيل وبعض الجمعيات بدوراتها الصيفية، وينبغ منهم العشرات والمئات.. وهم في كل رمضان يصلون بالناس صلاة التراويح.. يشنفون - ما شاء الله - بأصواتهم العذبة الندية جنبات المساجد العامرة وباحاتها وشوارعها المجاورة وهي تغص بالناس يحجون إليها من كل حدب وصوب، ليستمتعوا بالقراءة الخاشعة للأطفال الأئمة الأبطال.. في الشرق والغرب، على هدي النبي لقوم  "عمرو بن سلمة": "صلوا صلاة كذا وكذا.. وليصل بكم أكثركم قرآنا" رواه البخاري، وإذ به هو الطفل "عمرو" في حوالي السابعة من عمره، كان يسمع القرآن من الصحابة المارة.. يحفظه عنهم.. وكذلك بعض نجوم الأطفال الأبطال اليوم، لألاء المساجد في رمضان وأترجتها في ليلة القدر ومناجاتهم تلامس عنان السماء وتدعو برفع البلاء.. لقد كان لهم حفظ في صغرهم.. استثمار في عطلهم.. بل مزاوجة موفقة بين الدراسة والحفظ وحتى بين اللعب كغيرهم من الأطفال، وقبل ذلك كان لآبائهم الصالحون.. اهتمام واغتنام.. توجيه وتربية.. تكوين وعناية.. ترسيخ هواية وصقل مواهب، وفعلا يسر الله لهم ولأبنائهم خير الدين والدنيا؟.

 

والسؤال الآن، أن بعضهم يعتب على التعليم الحديث في العديد من الدول، تغييب مثل هذا التوجه القرآني الأساسي الذي هو كل شيء وعليه ينبني كل شيء، في حين يرى البعض الآخر أن ذلك وصاية قاهرة ستجبر الأطفال الأبرياء على حشو عقولهم بالحفظ وتحرمهم من أن يعيشوا طفولتهم بالمرح واللعب حرة وممتعة؟. والنتيجة أن خراج تعليمنا الحديث لا يخفى فيه ضعف في القيم.. تدني في المستوى.. وتواضع في النجاعة التربوية إلى درجة يسمي البعض  تربيته بتربية "البهلال"، ويسوق في ذلك حالات وحالات فقدان النجاعة والمناعة من مثل: أطفال وتلاميذ يفرطون في عباداتهم.. لا يصلون ولا يصومون أو يصلون بعضهم بلا وضوء ويصومون بعوارض الحيض.. يرهنون حظهم بترجي الأستاذ واستعطافه بدل بذل الجهد وفرض الذات.. يعتمدون الغش في امتحاناتهم ويتعاونون عليه.. يعنفون على الكثيرين ولا يحبون أن يعنف عليهم أحد.. في غير ما مرة تنزع منهم أدواتهم ولا يستطيعون الحفاظ عليها من زملائهم.. يتحرش ببعضهن أو بعضهم ولا يدركون معنى ذلك ولا خطورته فبالأحرى أن يحموا منه أنفسهم وينقدوها.. يقضون عطلتهم في الفراغ بدل تعلم مهارة تؤهلهم لابتضاع سخرة أو طهي شيء يشتهونه؟.

 

وهكذا تظل حاجتنا إلى قيم القرآن أساسية وفي كل المراحل العمرية ، صحيح أنها مسلك الدين، ولكنها أيضا مسلك الدنيا، ورحم الله إماما فقيها جاءته أم تريد توقيف ابنها عما كان يحفظ عنده كأقرانه من القرآن ويفقهونه عنه من الدين، زاعمة في ظنها أن ذلك لا يضمن الخبز ورغد العيش، أثناها الفقيه عن رغبتها وعزمها وقال لها بل اتركيه وسترين أن القرآن الكريم سيجمع له خير الدين والدنيا، وأكد لها ذلك وستراه رأي العين، وفعلا تركت المرأة ابنها عند الفقيه، وإذ به ينبغ في حفظ القرآن  وعلوم الدين، وتسري سمعته بمهارته في تجويده، وإذا بأكبر المجامع وأرقى المناسبات تستدعيه ليجود فيها، ويفقه بمواعظه الناس في دينهم، ويجتهد في حل المنهال عليه من قضاياهم، إلى أن كان ذلك سببا في تبنيه من طرف  موكب السلطان فكان من أكبر علماء البلاط، يخشع الناس لتلاوته ويتشوقون لفقهه وينزلون عند اجتهاده..، إنه الطفل الإمام أتروجة مجالس السلطان بالأمس.. أتروجة مجامع القرآن باليوم، يفوز بجوائزه العالمية هنا وهناك.. والأطفال الأبطال المغاربة الأئمة النجباء على رأس ذلك.. حفظ الله الجميع؟.

الحبيب عكي


اقرء المزيد

الأربعاء، 20 أبريل 2022

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

رمضان في ظل قوله تعالى رحماء بينهم

وكأن آية التعامل بين المسلمين وتحمل بعضهم لبعض وتقدير ظروفهم وأحوالهم قد انقلبت في حياتنا المعاصرة، وفتحت الأبواب على مصراعيها لكل ما هب ودب من سلوكات القسوة والغلظة والفظاظة.. العنف والتشدد والاحتقار المتبادل.. رداءة الخدمات وسوء المعاملات.. وهضم الحقوق والواجبات، آباء يهملون أبنائهم وأبناء يعقون آبائهم.. أساتذة يعنفون تلاميذهم وتلاميذ يتمردون على كل قيمهم وتعلماتهم ويختارون لحياتهم ما لا يدرس في مدارسهم.. إداريون يرهنون المرتفقين بسلوكات مقلقة غير إدارية ولا قانونية.. ومسؤولون يلهبون حياة المواطن بأسعار ملتهبة ولا يبالون بضعفه وشكواه ولا حتى بتظاهره واحتجاجه، تماما على عكس قوله تعالى في وصف الحال بين أتباع رسول الله: "محمد رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ" الفتح/29.

 

إن سلوك الغلظة والفظاظة والقسوة وجفاء الطبع..، ينفر القلوب وتتأفف منه النفوس ويقطع الفهم والتواصل فتفشل الأعمال وتستحيل العشرة وتتفرق الجماعة وجدانيا وعمليا، إلا في ما كان من الإجبار والاكراه الذي لا ظهرا يبقي ولا أرضا يقطع، قال تعالى:" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" آل عمران/159. وقال تعالى: "وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا" الإسراء/53. هكذا الدين الإسلامي يحرص أشد الحرص على خلق الرحمة والرأفة والمودة والليونة وخفض الجناح ويربي عليها أبناءه في العديد من الآيات والأحاديث ومواقف السيرة النبوية الشريفة، قال تعالى: "لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ" التوبة/128. وقال في أتباع الأنبياء:" وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ"الحديد/27.وفي الحديث: "الراحمون يرحمهم الرحمان" و "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" وفي الأنصار والمهاجرين قال: " يودونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ" الحشر/9.

 

فما معنى أن تكون رحيما بالخلق وتتصف بخلق الرحمان وعباد الرحمان، فردا كنت أو جماعة؟، ولماذا اضطرب خلق الرأفة والرحمة في حياتنا المعاصرة؟، ماذا خسرنا بخسرانه؟، وكيف يمكننا استرجاعه حتى يتبوأ المكانة اللائقة به نقيا متألقا ؟. يقول الفقهاء، أن تكون رحيما معناه أن تكون متواضعا في شخصك.. خلوقا في طبعك.. لين الجناح.. طيب الكلام.. خدوما لغيرك. ناصرا لقضايا المسلمين.. ولغيرها من القضايا الإنسانية العادلة.. لا تبغي في ذلك إلا وجه الله والدار الآخرة. أن ترحم الخلائق معناه أن تشعر نفسك والآخرين بالحب والتقدير والدفىء العاطفي والشعور بالأمان في الانتماء إلى هذا الدين الذي يقوم مقام الأسرة والقبيلة وغيرها من الطوائف والمذاهب والمرجعيات؟. من يرحم ويتودد، هو من يكون من عادته الدائمة وعبادته الخالصة مهارة سلوك اليقظة والاهتمام.. المواساة والعناية.. الأسرة والعمل.. التخفيف والمساعدة.. النصيحة والإرشاد.. قبول الأعذار والتماسها.. السؤال عبر الأيام وصلة الأرحام.. الدعاء والاستغفار.. البساطة والمودة والابتسامة..، ففي الحديث: "المؤمن لين هين إلف مألوف ولا خير في  من لا يألف ولا يؤلف". وفي الحديث: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" رواه البخاري. وفي حديث الخدمات: "من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا.. "، وفي حديث الصدقات: "كل سلامى ابن آدم عليه صدقة.."، إلى غير ذلك مما يقطع دابر الجفاء والغلظة والفظاظة والقسوة في حياة المسلمين، وهي كما يقول التواصليون تمثل إلى 85% من أسباب نجاح أو فشل العلاقات و الأعمال؟.

 

غير أن هذه الرحمة لا تنبت ولا تزدهر ولا تبقى سارية المفعول شمولية الشيوع إلا في بيئة تربوية أخوية لا بيئة متطرفة قاسية عنيفة بمعنى من المعاني تنفي الآخر ولا تقبل بالتعايش معه، ولا أية بيئة ذات قيم مادية أنانية استهلاكية أو حتى قانونية حقوقية محضة وإلا فحتى الدول المتقدمة لازالت لديها فئات عريضة من المحرومين المقهورين يعيشون مع حاويات القمامة ويبيتون معها في الشوارع كالقطط المتشردة والكلاب الضالة؟. ولا شك أن رمضان شهر الرحمة والمغفرة إذا أحسنا التدبر والاستيعاب والغرف والانجذاب.. فمن رحمات رمضان الطيبة المباركة أنه شهر تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب جهنم وتصفد الشياطين، شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.. شهر الصيام والقيام والتقوى والدعاء والاستجابة.. شهر الصبر والصدق والإخلاص ومضاعفة أجر العاملين المحتسبين.. شهر رفع المشقة عمن يطيقونه بما أباحه لهم من الإفطار والقضاء أو الفدية أو الإفطار دون قضاء ولا فدية لصنف منهم.. شهر تيسير العبادات وفتح المساجد والعناية بها.. شهر رأفة الأغنياء بالفقراء.. بإطعامهم.. إفطارهم.. صلتهم وكسوتهم والإحساس بهم.. شهر الجوائز من الله لعباده الصابرين بعد أداء زكاة فطرهم وصلاة عيدهم وصلة أرحامهم.. شهر.. شهر.. شهر.. وصدق رسول الله إذ قال: " كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ" رواه البخاري ومسلم.

 

غير أن قيمة الرحمة وسلوك التراحم لعظمته وجلاله تطرح بموجبه الأسئلة تلو الأسئلة لعل أهمها كما يقول د. راغب السرجاني صاحب كتاب "رحماء بينهم" وإن ركز فيه على العمل الخيري التطوعي الإغاثي، فهو من أوسع  أبواب الرحمة الضرورية، والسؤال كيف يمكن ان ننتقل بقيمة هذه الرحمة وغيرها في المجتمع الإسلامي من مجرد  الجهود الفردية وبعض التربية الأسرية أو حتى المساعي المدنية على أهميتها وخيريتها وبركتها إلى سياسة عمومية للدولة والمجتمع.. تلزم الجميع ويلتزم بها الجميع.. رؤية ومخططات مبادرات وتفعيل برامج؟، فكيف هي الرحمة في التاريخ الإسلامي من خلال سيرة المصطفى (ص) ومواقف الصحابة؟، من هم المحتاجون إلى الرحمة في الأمة وكيف نضمن كرامتهم.. وننقذهم من الفقر والمرض والجهل والانحراف وغيرها من الأمراض الاجتماعية الفتاكة؟.. الفقراء والمساكين.. الغارمين وابن السبيل.. طالب العلم والمقبل على الزواج.. الأقارب والجيران المحتاجين.. الأيتام وذوي الاحتياجات.. المنحرفون والمدمنون المعالجون.. المطلقات والأرامل.. الشيوخ والعجزة..؟، كيف يمكنهم الاستفادة من تنظيم الزكاة والصدقات والميزانيات والوقف والإرث والوصية والإطعام والشراكات والتبرعات..؟،

 

جهود الدولة في العمل الاجتماعي والتضامني بين الموجود والمفقود.. الأزمات والنكبات.. التشريعات والتدخلات.. المناطق والفئات.. الأولويات والمعايير والمؤشرات.. التنمية البشرية والتكوينات؟، أين الرحمة بين المجال العلمي والإداري كتنظيم الإدارة ونجاعة المؤسسة وتحديد المهام والتخصص والتكوين والإبداع.. المجال المادي والإعلامي بما في ذلك التحسيس والتوعية وتعبئة الموارد المالية ورد الشبهات وعرض الميزانيات بكل شفافية وحكامة.. خلق الرأي العام والحملات التراحمية بين الحقوقي والإنصافي والتعاوني التضامني.. التنسيق مع الآخرين، دولا وهيئات وفاعلين والاستفادة من تجاربهم الموفقة لإقامة الدولة الاجتماعية المتراحمة قولا وفعلا عبر الزمان والمكان، والتي هي أس وأساس كل شيء، ليس في العمل الاجتماعي فحسب، بل في كل مجالات التراحم السياسي والاقتصادي والتربوي والثقافي والبئي والفني والرياضي.. وما أكثرها وكلها تحتاج إلى هذا التوجيه الرباني التآلفي الآمني والتنموي الصميم "رحماء بينهم"، عليه نضعها وبه ننجزها ونحكمها و في ظلاله نقيمها ونطورها.. والله المستعان؟.

الحبيب عكي


اقرء المزيد

الأربعاء، 13 أبريل 2022

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

رمضان عندما يكون بطعم الأخوة والمحبة

هناك انطباع تناقضي سيء في العديد من الهيئات والمؤسسات والتنظيمات، وهو أنه رغم كثافة الأنشطة المسترسلة والمكثفة التي تقوم بها في مختلف المجالات، فلا زال الشعور العام السائد والطاغي عند الكثيرين من المسؤولين والعاملين، هو الفتور والملل والانسحاب الشعوري والفعلي، ربما لفقدان الأمل في كثير من الأمور والشعور بعدم الجدوى في العديد من البرامج والنضالات، أو أن الأمور تؤتى من غير مآتيها ودون القوة والجرأة التي تتطلبها، وبالتالي لن توصل إلى المؤمل والمنتظر منها، ما دام الأمر  عند هؤلاء أو في حقيقته مجرد  حرب سيزيفية وعمل دونكيشوطي يحارب الطواحين الهوائية والمجتمعية كمن يصب الماء في الرمل أو من يبحث كالمخبول عن رأس الخيط في كبة مخبلة؟.

 

سمعت أحد الزعماء يقول، أن كل اللقاءات والأنشطة واللجن و التخصصات والتقارير والهيئات والبرامج والمخططات والحملات - على أهميتها القصوى - لن تصنع تاريخا ولا حركة ولا تغييرا وإصلاحا، ما دام الإنسان القائم بكل ذلك أو المستهدف منه، لا يشعر بذاته واعتباره كما ينبغي، أو بتعبير آخر، ما لم يكن منطلق الأخوة والمحبة هو المدخل وهو المحمل في كل الحركات والسكنات، وهو المبتغى والمنتهى الرباني أيضا (إرضاء الله بإرضاء عباده وعيادته بعيادتهم وإطعامه بإطعامهم..)، على الأقل حتى إذا لم يكسب المرء وراء جهده وجهاده شيئا دنيويا، بفعل عوادي الزمن وغدر العفاريت وبلطجية التماسيح، على الأقل يكسب نفسه.. يحافظ على لحمته.. يؤدي الذي عليه وتلك رسالته، قال تعالى:" وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" الأنفال/46؟.

 

فأين نحن من هذه الأخوة والمحبة وقد أصبح البعض لا يهمه غيره من إخوته ولا من غيرهم إلا بقدر ما يحضرون من اللقاءات تلو اللقاءات. وينجزون من التكاليف تلو التكاليف ويؤدون من الالتزامات تلو الالتزامات..؟، أين نحن من هذه الأخوة والمحبة وقد أصبحت حتى دعوة الحضور عند البعض للقاء أو نشاط معين، مجرد رسالة صماء ترسل إلى المعنيين بريدا أو رابطا عبر أحدى التطبيقات الالكترونية، واستعاض البعض بهذه الأدوات الجوفاء عما كان من الزيارات المباشرة واللقاءات الدافئة و المكالمات الأخوية الحارة وما قد يكون فيها من السؤال عن الأحوال ودخول البيوت وتبادل الآراء والأحاديث وربما الطعام والشراب؟، أين نحن من حق الأخوة إذا كان مجرد حق المعلومة والمشاركة في القرار دولة بين المسؤولين وحدهم أو يكاد، وغيرهم من المسؤول عنهم إذا ما حضروا فلمجرد الاستماع والتصويت ليس إلا؟.

 

إن الأخوة سبيل المحبة كما في الحديث القدسي" وَجَبَتْ مَحبَّتي للمُتحابِّينَ فيَّ، والمُتجالِسينَ فيَّ، والمُتزاوِرينَ فيَّ، والمُتباذِلينَ فيَّ."؟. وللأخوة حقوق وواجبات كما في حديث المحبة:" ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام" رواه الترمذي؟، وفي الحديث الآخر:" حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْهُ، وإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشمِّتْهُ، وإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ" رَوَاهُ مُسْلِم عن أبي هريرة. هذه معايير الأخوة وجسورها قبل الدعوات واللقاءات والتكاليف والالتزامات ومعها وبعدها، فأين نحن منها ولدى كل منا هموم لا يواجهها إلا وحده، وأمراض لا يقاومها إلا وحده، وأولاد كل يوم تتجاوزه مشاكلهم.. دراستهم وقيمهم.. بطالتهم وعنوستهم..، نجاحات وإخفاقات.. ضغوطات و متطلبات  لا  يعافسها في غياب "عزي" و"عدي" إلا وحده؟،

 

 

هذا رمضان الأبرك قد أظلنا وحل بيننا  و هو المطهر، فكم حاجتنا إلى التطهر في مجال الأخوة، هذا رمضان شهر التوبة فهل يمكننا التوبة لإعادة الأمور إلى مسارها الحقيقي، مسار الأخوة الدافئة والمحبة الصادقة، وهي من روافع البناء المتين لكل ما قبلها وما بعدها من أعمال دعوية حركية.. جماعية اجتماعية..، هل نستطيع فتح أبواب منازلنا وغرفها قبل هواتفنا ومنصاتها وتطبيقاتها، هل نستطيع إفطار ما تيسر من إخواننا ومعارفنا وجيراننا بأي أسلوب قديم مباشر أو حديث غير مباشر، هل نستطيع أن نتفقد بأي أسلوب من كانوا معنا يوما أو كنا معهم في مكاتب وأندية ولجن معينة ونوفيهم حق الأخوة و ودها، هل يمكن أن نساعد المحتاجين من عموم الناس حتى يروا بأعينهم بعض قوله تعالى: "رحماء بينهم"، ويتجسد فينا بعض ما نتحدث عنه من سلوك رسول الله (ص) في رمضان :" كانَ (ص) أجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجوَدُ ما يَكونُ في رَمَضَانَ،.. فَلَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أجْوَدُ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ" رواه البخاري عن ابن عباس "، إن المحبة والأخوة هي الأس والأساس في كل شيء بحضورها تحضر 85 % من أجواء التواصل والعمل الناجح، وإذا افتقدت فلا تسأل عما بقي بعدها غير الفظاظة المنفرة للنفوس المكسرة للقلوب المفشلة للأعمال المفرقة للجماعات، قال تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ "آل عمران/159؟.

 

            صحيح أن الأخوة في الله وهي مقصد المقاصد، فهي في نفس الوقت وسيلة الوسائل، لتحقيق جوهر الدين وترشيد التدين، وليس فقط إرواء لعطش النفوس و وحشة القلوب والاحساس بالأمن والسند، قال تعالى على لسان موسى عليه السلام:" واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا، إنك كنت بنا بصيرًا " طه/29؟ كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا. وفي الحديث:" مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّىّ" رواه مسلم عن النعمان بن بشير. أو في حديث البخاري عن أبي موسى الأشعري: "المؤمن لِلْمؤْمن كالبُنْيان يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضا، ثُمَّ شَبّك بين أَصابعه"، أو في حديث البخاري عن عبد الله بن عمر: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة"، فهل في برنامجنا الرمضاني شيء يجمع بين هذا وذاك.. بين بناء الأخوة وتمتينها وصقلها وجلائها.. وبين حسن استثمارها للتعاون على البر والتقوى وأعباء الدين وتحديات الدعوة؟.

 

            كانت جماعة من المسلمين يعبرون واديا ملأته مياه الفيضانات ووحلها، وسط الوادي فقد أحدهم نعله الذي سقط منه في الماء العكر، فانحنى يبحث عنه، وإذا بالجميع قد اقترب منه وانحنى مثله يبحث معه لعل أحدهم يجده؟، فكم من الإخوان ينحنون معنا اليوم في همومنا ومع كم منهم تنحني نحن أيضا في همومهم؟، وما فائدة الأخوة إذا لم تكلفنا مثل هذا الواجب السهل الممتنع، المواساة.. العناية.. الرحمة.. الزيارة.. السؤال.. النصيحة.. الدعاء.. التعاون.. التضامن..، كان عبد رب الرسول "سياف" أيام الجهاد الأفغاني وحرصه على التأليف بين فصائل المجاهدين ولحمة الأخوة بين كل الأفغان يقول في ما معناه: "لأن ألقى أخي وأسلم عليه، وأفتح معه حوارا، أحاوره ويحاورني، خير من أن ألفظه وأقاطعه، ليأخذه بعدها عدو لي وعدو له فيضربني به"؟. وفي نفس المعنى تناقش أخوين ولم يتفقا على شيء، اشتد بينهما الخلاف فأرادا أن يفترقا وفي قلبيهما كثير من العتبى، فقال أحدهما للآخر: "اذهب الآن وغدا نلتقي ونتحاسب"، ورد عليه الآخر: "بل اذهب الآن، وغدا نلتقي ونتغافر"؟، فاللهم ارحم ضعفنا.. وقوي آصرة أخوتنا.. واجعلها خالصة لك.. تنفعنا في الدنيا "بنيانا مرصوصا يشد بعضه بعضا" وفي الآخرة "إخوانا على سرر متقابلين".. آمين.

الحبيب عكي


اقرء المزيد

الأربعاء، 6 أبريل 2022

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

رمضان في رحاب القدس.. أشواق وأشواك

لله ذر الفنان الفلسطيني وهو يلهج حنينا وأنينا بأغنيته الرائعة والمشهورة كالنار على علم، الأغنية الوطنية المقاومة: "يا طير الطاير يا رايح عالديرة.. تحميك عيوني وتصونك عين الله "، الأغنية التي كلما تغنى بها الكبار والصغار، كلما أزعجت العدو الصهيوني وسرقت النوم من عيونه، بل وهددت المفاوضات البزنطية بين الصقور والحمائم بالانتكاسة والبوار، وها هو "النتن ياهو" رئيس الكيان الغاصب يشكو "نجارها" و"عسافها" و"شلشها" إلى وزير الخارجية الأمريكي السابق "جون كيري"، بأنها أغنية صاروخية لا تعترف بوجود شيء اسمه إسرائيل، ولا بشيء اسمه مستوطنات وقد كادت تغطي كل أرض فلسطين (70%)، إن الشدو بهذه الأغنية وحدها وتعليمها الأجيال الصاعدة لهو بحق خطاب الكراهية وخرق واضح لمفاوضات السلام وحل اللا دولة واللا دولتين، ولهذا فنحن سنظل في حل من أمرنا وسنزيد من مستوطناتنا وتهويدنا ما دام الشادون يشدون بها أو حتى لا يشدون ههييهه؟؟.

 

على جناح هذا الطائر الشادي، و وثائقياته "اليوتوبية" سافرت روح المؤمن الناسك خلال رمضان الألفة والمحبة والتضامن، تستكشف العديد من بلدات فلسطين الحبيبة على نغمات هذه الأغنية وتغريداتها الوطنية المقاومة وهي تتغنى بجغرافية فلسطين الرائعة وتاريخها النضالي وأعلامها الأبطال وأحلامها المشروعة كما عند كل بلدان العالم في اعتزازها بأوطانها، التي لا يسقطها ظلم الظالمين ولا ادعاء المدعين ولا حتى تطبيع المطبعين:

يـا طير الطاير يـا رايح على الديرة /// تحميك عيونـي وتصونك عين الله

والله يا مسافر شعلانه هالغيرة /// فلسطين بلادي حلوة يا ما شاء الله

 

ميل ع صفد حـــــــوِّل ع طبريا /// لعكـــــــا وحيفـــا سلم عبحرهــــــــا

و لا تنسى النــــاصرة ها لقلعة العربية /// بشر بيســـــان برجعة اهلها

 

أنا أنا يا قدس والدمعات هــاموا /// أنا أهلي في فيافي الأرض هــــاموا

افتخر فينا التــــاريخ وحنا هــــاموا /// كتر مـــــــا صبر شعبي عــالعذاب

على جنين وخذلي من مــــــارجها /// سلام لنابلس طــــول كرم وترابا
نتانيا اليافـــــا واشرب من ميتها /// رملة ورام الله ما تنسى النـــــاقورة

على العسقولــي بيت لحم حولــي /// على الخليل وها تلي من كرمها

فـــــي بير السبع على الربع سلملي /// تحيا أريحا بما فيهـــــا وركمها

وامرق على غزة و بوسـلي رملهــــــا /// اهلا نشـــــــامى ورجالا جبارة

والقدس العــاصمة والأقصى علمها /// ان شاء الله يا ربي تجمعنا بديــارا

 

يا طير الطـــاير يارايح على الديرة /// تحميك عيونـي وتصــــونك عين الله

والله يا مسافر شعلانه هـالغيرة /// فلسطين بـلادي حلوة يا ما شاء الله

رابط الأغنية بصوت محمد عساف: https://youtu.be/oso094N7R9w

 

ومرورا على مجمل المدن والقرى، حيفا وعكا.. بيسان والخليل.. غزة والناصرة..، ولم يرسو المقام بالناسك الجوال إلا في القدس العاصمة والأقصى علمها، وما أجمل رمضان في رحاب القدس وضيافة المقدسيين، فبالرغم من كل شيء، بالرغم من فيروس العدو المستبد ومن فيروس كورونا المستجد وما استلزمه من التدابير والاحترازات، لازال رمضانهم يحمل كل مظاهر الفرحة والبهجة في العالم الإسلامي وزيادة، احتفاء مبكر بقدوم الضيف الكريم، بتنظيف المساكن وتبضع المؤن وإعداد الحلويات المنزلية، بإضاءة الأنوار في الشوارع وفوانيس الأطفال في البيوت، ولافتات التكبير ولوحات التهليل على أبواب الدكاكين وباحات المقاهي..، الوحدة والتماسك والتعاون والتضامن والمقاومة والجهاد عندهم عادة متوارثة وعبادة أصيلة وأمانة ثقيلة، زيارات عائلية متبادلة و إفطارات جماعية في البيوت وفي ساحة المسجد الأقصى ولا أدفئ، حلق العلم والذكر وصلاة القيام ورفع الدعاء تضج بها ساحات الأقصى طوال الليل من الإفطار إلى الإمساك وبالأسحار تبتلا ورباطا ودعما وتثبيتا للمقدسيين المجاهدين، ما أسعد الروح المتعبة بسكينة الصيام في القدس وخشوع القيام في الأقصى، وما يوفق إليهما من كان، وما يوفق إليهما إلا ذو حظ عظيم؟؟.

ما أكثر الحجاج من كل حدب وصوب إلى بيت المقدس في رمضان، من كل المدن والقرى الفلسطينية، و رغم كل الصعوبات والحواجز ومعابر التفتيش و الأسوار فهم يصلون ويعرفون كيف يصلون، ولاشيء يعكر صفوهم في بيت المقدس غير تواجد العدو ولو من وراء أحجار و أسوار،على أبواب المدينة معابر العدو تمنع عنك الدخول والخروج ولو بجواز وتصريح، وعلى مداخل المسجد جند العدو يمنع التجوال والصلاة لغير المسنين فوق الخمسين والستين ومن المقدسيين؟، فهذا وثائقي "الجزيرة" يحكي عن أم فلسطينية مسكينة تذرف دمعها غبنا وحرقة وهي بباب بيتها تودع زوجها وأبنائها وهم يهمون بالقيام بجولة عبر المدينة القديمة قصد بعض الفسحة والتسوق قبيل المغرب، وهي لا تستطيع مرافقتهم ولا التجول ولا التسوق معهم، لا لشيء إلا أنها من الضفة الغربية ولا تحمل بطاقة الهوية المقدسية؟، وكان في نفس الأسرة أن تتمتع ببركة الإفطار في ساحة الأقصى مع المئات من الأسر والآلاف من الحجاج الذين يتمتعون بذلك كل يوم، لكن كيف بهم أن يتركوا أمهم تفطر وحدها في البيت غريبة مستوحشة؟؟.

 

وهذا مسحراتي بالبارود، يطلق باروده كل يوم عند كل إفطار وعند كل إمساك، لكن حراسا من جيش الكيان اللعين يأبون إلا التضييق عليه والتفنن في المنع والإزعاج، دعواهم في ذلك أن البارود مزعج.. البارود خطر.. البارود مقاومة.. البارود حماس.. البارود بارود..؟، البارود يحتاج إلى دروس.. البارود يحتاج إلى ترخيص.. البارود متجاوز وليس ضروريا وينبغي تغييره ببارود لا ينفجر..بارود بلاستيكي..بارود لا يحدث صوتا ولا إمساك ولا إفطار ولا صيام ولا قيام..؟، إلا أن البارودي يصر على التشبث بعمله وحريته.. بعقيدته وعبادته.. بأرضه وطقسه..؟. وهكذا كان يقوم دائما بالمطلوب من أجل إطلاق البارود "واللي في راس الجمل في راس الجمالة"؟، قيل له دروس درس.. وقيل له ترخيص رخص.. وقيل له ترخيص شخصي شخص.. وقيل له تجديد دائم جدد.. وقيل له انتبه ولا تطلق نحو الناس فتنبه.. وقيل له حول بارودك نحو غيرنا فحول.. وهكذا توارثت المهنة التقليدية التطوعية الحضارية عقودا وعقودا.. أبا عن جد وجدا عن حفيد.. هوية وعقيدة ..مرجعية وانتماء.. هكذا هي القدس.. الأرض أرضنا.. والبارد بارودنا.. والصيام صيامنا.. والجلباب والكوفية والديرة والبندقية والبيارة.. الكل إلنا ولا حق لأحد أن يقرر لنا في شيء؟؟.

 

ما أحوج العالم الإسلامي إلى رمضانيات القدس المبهرة.. وقيامات المسجد الأقصى العطرة.. ورباطاته الجهادية خلف أبواب الأقصى وأعتابه الشريفة، رمضان شهر التحرير، وما أجمل أن يتحرر فيه المرء من استعباد العادة وقيد الهوى وضيق الأفق الأناني والمكاني، إلى سعة العبادة والتقوى، ورحابة الأخوة والأفق الإنساني العقلاني الرباني وسعادة الاعتمال فيه مع النفس من دواخلها ومع الآخرين من إخوة الدين والإنسانية، رمضان شهر الوحدة وطالما اشرأبت نفس الإنسان إلى ينابيعها الصافية لعله يروي ببعض مائها الزلال بعض عطشه الروحي المشتد، ويلم بها بعض شعته النفسي المحتد، ويرمم بها بعض تمزقه الأخوي الممتد، إن على مستوى بلدته القطرية (تازة وإميلشيل) أو على مستوى غيرها من بلدان الأمة الإسلامية و الكونية (غزة والخليل)، ولا زالت ويلات الخلافات البزنطية تتركها متباعدة، يجهل يعضها على بعض إن لم يحارب بعضها بعضا دون قضية تستوجب ذلك أو سابق عدوان ؟؟،

 

فهل هناك - لو ندري- أفضل من رمضان يحررنا من شرنقة النفس الأنانية وهي كل يوم تخنقنا من كثرة الرانات الملبدة للسطحية الفكرية والحياة الاستهلاكية والخرافات الإعلامية والهرولات التطبيعية، وهي لا تفتىء تغرقنا بمسخ وهمل من المفطرين علنا بغير عذر مرض ولا مشقة سفر ولا لظى معركة..، غير معركة تنكرهم للهوية والطعن في المرجعية وصدق الانتماء، حتى إذا ما بصروا بقضايا أمتهم لم يكادوا يرونها، بل ربما حاربوا ضدها بشراسة إلى جانب العدو، وربما حاربوا ضدها قبله و بعده، وكيف لا ولعنة الإفطار العلني والتطبيع المجاني ولو على حساب الحرب والعدوان والتهجير والاستيطان.. لا يكاد يتوقف، في أرض مقدسية متوضئة وضاءة صوامة قوامة لازالت  تلف بتلابيبهم الغريبة المغتربة السلبية المستلبة، وكل يوم يبوؤون بإثمها وإثم أبنائها المبدعون الأبطال، الكفيف منهم إمام، والمقعد على الكرسي شهيد، والطائر طائر.. والشادي شاهد.. بتفاصيل كل شيء وتفاصيل التفاصيل، يتطلعون إلى يوم يحررون فيه أرضهم وسيحررونها بإذن الله ما داموا على طريق ذلك، والخزي والعار لمن لم يكن معهم ولو بالصيام والدعاء على طريق ذلك، قال تعالى: " أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم"؟؟.

الحبيب عكي


اقرء المزيد

السبت، 2 أبريل 2022

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

المهرولون إلى النقب المحتلة وأوهام السلام المختلة.

كل المشاكل والمعضلات العربية المزمنة والمتفاقمة، والتي اشتكت وتشتكي وثارت وتثور من أجلها الشعوب العربية، مشاكل سياسية واجتماعية.. اقتصادية وتربوية.. داخلية وخارجية، لم يحن عند المسؤولين الحكام أوان حلها ومعالجتها ولا حتى التفكير فيها والتخفيف منها، وليس لديهم - حسب زعم الزعماء - إمكانيات ذلك ولا حتى وقته، فبالأحرى إرادته وعزيمته، ارتفاع الأسعار.. تفشي البطالة.. الهجرة السرية والقضاء في الأعالي.. الفقر والهشاشة.. التطرف والاهاب وأسبابه الحقيقية.. الاضطرابات المناخية.. سلحفية التنمية والعدالة الاجتماعية والمجالية..؟، إلا التطبيع والهرولة إلى فضائحه و فظائعه، خيانة الأمة وطعن القضية والعنترية في تقديم تنازلاته والغرق في أوحاله والقبول بأوهامه، فدائما هناك شجعان على حد قولهم :"سلام الشجعان ولو من الكرطون والتيهان"؟.

 

ذلك ما تجرأت على الاقدام عليه دون خجل ولا وجل جوقة التطبيع العربي التي حلت اليوم مهرولة بصحراء "النقب" المحتلة بين بئر السبع في الجنوب الفلسطيني و وادي عربة نحو الأردن، وهي من أراضي فلسطين 48 التي التهم منها الكيان الصهيوني الغاصب أزيد من 95% ، وجاءها بيادق التطبيع اليوم تحسبهم جميعا وقلوبهم ممزقة، أمريكا ترعى صفقة القرن وتحكم توجيه صفعتها للجميع وهي تدعي ضرورة استئناف المفاوضات، والكيان الصهيوني القاتل الغاصب يبرء نفسه من كل عراقيله التفاوضية واعتداءاته الميدانية ويبديها حمام السلام.. بل وزعيم حلف السلام، والإسلام السياسي المجاهد هو العدو المشترك من "حماس" السنية إلى "إيران" الشيعية ومن لف لفهما وكل الشعوب الرافضة للتطبيع كذلك، وينتشي ضباط الإيقاع العربي الخليجي المهزوم ويرقصون طربا على هزيمتهم وأنغام وألغام "أه يا ليالي، كم أضعنا من عقود وليالي"، ومنهم طرشى في الزفة لا يدرون من الأمر إلا أن قيل لهم جيئوا فجاؤوا، ورفعا لكل لبس في قبول الصفقة والمقايضة بالقضية، يبدي "الزطاط" المغربي أنه صاحب القضية وأن دماء شعبه تجري في دماء المستوطنين الصهاينة، ناسيا موقف شعبه النبيل ودعم بلاده التاريخي للقضية، التي رفعها بكل شرف ومسؤولية إلى مصاف القضايا الوطنية، وهو بتصريحه المجاني العدواني يجيز الصهاينة على كل ما هدموا وحطموا.. وشردوا وعربدوا.. وإن زعموا غير ذلك؟.

 

من قال أن هذه الصحراء مقفرة في العالم وهي منتجع المنتجعات، على قول المسرحي المبدع وهو يجسد فيها اللحظة القمة المأساة ويقول:" من هذا المكان المقدس في كل العالم.. في طابقه المائة والخمسون.. آخذ الميكروفون.. صمت.. أهوي بالمطرقة على المنصة.. صمت.. أطلق الرصاص على المبادئ والأحلام.. أبدد الحقائق والأوهام.. صمت.. "طاق طراق طاق".. صمت.. وسقط طائر أزرق.. فلنصلي عليه صلاة الجنازة.. يجوز.. لا يجوز.. وعلا الهرج والمرج في "النقب" .. صمت.. ههييهه.. أو تصدقون أن في صحراء "النقب" طائرا حتى يكون أبيضا أو أسودا، ليس في صحراء "النقب" غير الأوهام.. بسم الله نعلن المبادئ والصفقات.. "أبراهام" عراب البلدان يرسم الخرائط ويوزع الصفقات.. ونحن مثله نقبل الخرائط ونستأنف المفاوضات.. بسم الله نعلن الصفقات ونحكم الصفعات.. بسم الله الذي تشفعت به كل الأسماء، فتعالت الأوهام في الأرض وفي السماء؟؟.

 

أي سلام تتحدثون عنه يا جوقة المطبعين في "النقب" المستوطنة، ولم يكن في كامب ديفيد (79).. ولا مدريد (81).. ولا أوسلو (93).. ولا طابا (01).. ولا المبادرة العربية (02).. ولا اللجنة الرباعية وخريطة الطريق (03).. ولا.. ولا..، فكيف يمكنكم في "النقب" الهزيمة والصفعة؟. وهب أنكم قد حققتم السلام في أوهامكم على الأقل ( سلام التيهان أيها الشجعان)، فهل بمقدور هذا السلام الاستسلام أن ينهي الاستعمار الصهيوني ولازال يلتهم الأراضي وعلى رأسها "النقب" التي تهوي بكم وأنتم تشعرون ولا تشعرون؟، هل سيسوي إشكال اللاجئين بالملايين ويمنحهم حق العودة كما يمنح لعدهم حق الهجرة والاستيطان؟، هل سيوقف معضلة هذه المستوطنات وهي كالأفعى الكبرى تلف أزيد من 70% من أراضي فلسطين، هل سيحرر السجناء من سجون العدو وهم بالآلاف والآلاف ولعقود وعقود؟، أين هذا السلام المزعوم وحلفه المطبع من القصف والهدم اليومي والحصار والحواجز الأمنية العنصرية في غزة والضفة ، من جرم تهويد القدس وتخريب المسجد الأقصى لرفع الهيكل مكانه؟، من عدم قيام الدولة الفلسطينية طوال كل هذه العقود العجاف من تاريخ المفاوضات؟ ولماذا شرط عزلها من الجيش والسلاح والحدود وكل ما يتصل بالسيادة؟.

 

اعقلوا يا مجانين العرب، أفيقوا من خمرتكم وما ذهبت به دعاية الإعلام بعقولكم، وأساله لعاب الصفقة من أمانيكم وحلم ازدهاركم وأداء ديونكم وتحسين اقتصادكم، أو أغراكم به مغري فتشبثتم بكراسيكم الدوارة ولو على حساب وحدة شعوبكم  وتضامن أمتكم، الكيان الصهيوني الطفيلي اللقيط هو سبب كل المشاكل في المنطقة، هو من احتل أرض فلسطين، بل وأراضي جيرانها في الأردن ومصر وسوريا.. وليست "إيران" التي رغم كل ما لها وما عليها فقد تعايشت مع شعوب المنطقة في الغالب بسلام، وليست هي من تغزو "اليمن" السعيد، ولا "سوريا" المجيدة، ولا "ليبيا" الشهيدة ولا "السودان"، من مزق جنوب السودان عن شماله، واستقوت به "اثيوبيا" في بناء أعظم سد على مياه النيل المصري العظيم، من غير الكيان الذي لا يعرف غير خلق الأزمات والاصطياد في المياه العكرة؟، وأمريكا، كيف ستأتي بالسلام وكل ما لديها صفقتها الصفعة، ودون إحياء الذاكرة القديمة وما لطخها من رعاية وتسليح الكيان الصهيوني على الدوام، فهي التي أغلقت ولا زالت مكتب منظمة التحرير في أراضيها، ومنعت الراحل "ياسر عرفات" من دخولها، ومنعت في عهد "ترامب" ولا زالت في عهد "بايدن" ما كانت تمنحه من المساعدات للفلسطينيين، وكم مرة في مجلس الأمن استعملت ضدهم حق "الفيتو"، آخرها في عدم إدانة بناء المستوطنات ضدا على كل الإجماع العالمي الذي رأى بعدم شرعيتها وضرورة توقيفها؟.

 

لكن الحمد لله، أن للأرض رب يحميها ولفلسطين شعب يفديها، فلا تهبوا ما ليس لكم لمن لا يستحق، ولا تعدوا بما ليس في أيديكم لمن لا يحق، واعلموا أن كل الشهداء ترفض قمتكم المهزلة وهرولتكم المخزية ضد إرادة الشعوب والقضية، تلفظ ناديكم وحلفكم المهزوم وما تأتون فيه من المنكر والفساد ضد خيار المقاومة والتضحية.. كل الثكالى.. كل اليتامى.. كل المشردين والمهجرين.. كل المحاصرين في بلدهم ولا يستطيعون العبور إلى ذويهم في غزة والضفة.. في القدس والأقصى.. بل إلى الجامعات والمستشفيات خارج الحدود.. بل إلى الحقول والمزارع في الداخل فقط وهي تحول دونها الحواجز وتلفها المستوطنات وتخنقها الدوريات؟. كل المبادئ والقيم الإنسانية.. كل القوانين والشرائع السماوية.. كل الشعوب الحرة الأخوية والصديقة.. كل الأرض في يوم الأرض.. ترفضكم.. تلفظكم.. فتبا لكم، أيتها الأنظمة المساومة، لن تجبروا الشعوب المقاومة على التطبيع، واسمعوا صرختنا في وجوهكم مدوية: "فلسطين أرضي حرة.. والصهيون يطلع برا"، فبتكوا بها آذانكم، وكل قمة والمطبعون جبناء خونة.. وفلسطين في العيون.. طال الزمن أو قصر فهي كما كانت وقفا إسلاميا لكل المسلمين، لا تباع ولا تشترى.. حرة كانت وستكون لا تضام ولا تهان؟.

الحبيب عكي


اقرء المزيد

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

المشاركات الشائعة