Top Ad

الخميس، 28 مايو 2020

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

عين على بعض أنشطة الأطفال خلال رمضان

       خلال رمضان،ورغم الحجر الصحي بسبب جائحة "كورونا"،قامت العديد من جمعيات المجتمع المدني مشكورة،بالعديد من الأنشطة القيمة لصالح الأطفال والشباب،واستثمرت من أجل ذلك،جميع المنصات التواصلية عن بعد،وعبئت كل الطاقات والإمكانيات في ظرف استثنائي و زمن قياسي،فإذا بالأسر والأطفال مع سيل عرم من المحاضرات والندوات،والدورات والمسابقات،والدروس والسهرات وشتى الإبداعات،مما كان له بالغ الأثر في المواكبة والمؤازرة أولا،في التحسيس والتعبئة والتكافل ثانيا،وفي تخفيف بعض توترات الجائحة والضغوطات النفسية والصعوبات التربوية على الأطفال والأسر بصفة عامة؟؟.

         فلهذه الجمعيات المتطوعة نجدد الشكر والتقدير،على كونها كانت في الموعد واللحظة الوطنية التاريخية وساهمت مع الجميع في التصدي للجائحة كل من موقعه وبإمكانه؟؟،نحييها على تكيفها السريع بعد فرض حالة الطوارىء الصحية وما فرضته من الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي،ومنع جميع التظاهرات الجماعية؟؟،وعلى كون تدخلها المدني كان واسع الطيف بكل الأشكال والألوان،اجتماعي تعاوني،بيئي تعقيمي وقائي،تربوي وثقافي،فني ورياضي،تعليمي وترفيهي،مما لبى ولاشك حاجيات كل الفئات أو على الأصح فئات واسعة ممن تمكنت من التواصل عبر الإنترنيت وتملكت وسائله وتقنياته و سعت إلى غايتها عبر تطبيقاته ؟؟.

         غير أن بعض الأنشطة رغم الظروف الاستثنائية،تحتاج - في نطري - إلى مزيد من الإنضاج،حتى تكون جيدة ومفيدة،شيقة وممتعة،مربية ومكونة،جذابة وساحرة ومنافسة،وأخص هنا نشاطا أو اثنين من الأنشطة التي كانت موجهة للأطفال،ولا زالت تحتاج - في نظري - إلى المزيد من الاشتغال وعلى أكثر من جانب،ألا وهما نشاط "المتحدث البارع" ونشاط "المسابقة القرآنية"،باعتبارهما نشاطين تربويين ثقافيين فنيين تنافسيين،حظيا بمشاركة العديد من الأطفال،ولكن المردودية من ورائهما تبقى - في نظري دائما - موضع العديد من التساؤلات الوجيهة والموضوعية والبناءة بإذن الله،خاصة وأنها جرت في العالم الافتراضي عن بعد كما كانت تجري تقريبا في الواقع الحضوري؟؟.

         فأولا،وكما هو معروف في العمل الجمعوي الناضج،كل نشاط ينطلق من التخطيط والبرمجة،ولابد له من رؤية واضحة ومؤشرات دقيقة،وسائل ومتدخلين،مهام وتواريخ،من هنا،فالمسابقات الرياضية الناجحة في الرياضات الدفاعية بين الأطفال مثلا،لم تكن من فراغ،ولم تسدها العشوائية والارتجالية وتجزية الوقت،بل كان المتنافسون قبلها وقبل الحجر الصحي،منخرطين في جمعية رياضية،وكان لهم أستاذ معلم ومتمكن،وكانت لهم حصص حضورية أسبوعية،وبرنامج سنوي،وتعلموا خلال تداريبهم مهارات وتقنيات وضعيات ولوحات،ويعرفون قوانين اللعبة،وربما كانت لهم مشاركات ومسابقات وإقصائيات وبطولات،وكان لهم حظهم من الجوائز والتتويجات،المحلية والوطنية والدولية ربما،مما لم يكن في غيرها من الأنشطة السالفة الذكر أو في بعضها على الأرجح؟؟.

         ففي نشاط "المتحدث البارع" والموجه للأطفال الصغار،أي جمعية كانت تتوفر على نادي بهذا النشاط؟،أي كتاب يكتبون لها النصوص؟،ما يهمهم مما يكتب لهم كأطفال؟،كم من حصة في فن الإلقاء تلقاها المتنافسون؟،أي تمييز يميزون فيه بين مختلف أجناس الإلقاء،النثري والشعري،الحكائي والحجاجي،الدرامي والفكاهي،الخطابي والوعظي..؟؟،من يدربهم وبأية خبرات؟،أي تقنيات ومهارات تلزمهم إذا تعلق الأمر بالخطابة ومواجهة الجمهور؟،ما حظهم من قوة الإقناع و شدة الإمتاع؟،من حكمة الموضوع بين الاختصار والإسهاب؟،إلى غير ذلك من الأمور الحاسمة في مثل هذه المسابقات،كتحديد السن،والمدة الزمنية للعرض،وموضوع المسابقة محددا كان أو مفتوحا،ولغة المسابقة أحادية أو متعددة،تنقيط المسابقة والعلم به مسبقا،لجنة التحكيم وأهليتها في الموضوع،معايير الاختيارات الأولية،معامل تصويت الجمهور وموضوعيته،الحركة والتنقل في الفضاء بين المبرر وغير المبرر،المؤسسات المسموح لها بالمشاركة خصوصية أو عمومية أو فقط جمعوية،محلية أو وطنية أو دولية خاصة في عهد التواصل الافتراضي،التصوير والموسيقى والديكور والملابس والإضاءة،الجوائز والتتويج..،ومتحدث بكل هذه الأبعاد التربوية والفنية والنفسية والتقنية والتراكمية..،يكون متحدثا فعلا،أينما توجهه أمتع وأقنع؟؟.

         وربما نفس الشيء يقال على مسابقات القرآن الكريم،نحتاج فيها إلى أندية الحفظ والتجويد في الجمعيات المهتمة،إلى تعليم الناشئة علم وقواعد التجويد،طرق القراءة ومدارس التجويد،أهمية التعاطي للنشاط وأبعادة التربوية والسلوكية،حرص الأسر على تسجيل أبنائهم في مثل هذه الأنشطة ومواكبتهم وتشجيعهم على المواظبة والمثابرة،التدريب المستمر على أيدي قراء ومحفظين،قدوة السمت والخشوع والتدبر،حسن اللباس وجميل الهندام..،انتفاعا واعتبارا؟؟،وليس غير هؤلاء يفوزون بالمسابقات الوطنية والدولية،فيسجلون أنفسهم في كوكبة النبوغ المغربي بمداد من الفخر والكفاءة،ويروج لقراءاتهم في مختلف القنوات والشاشات،وتشرئب أعناق الأطفال والشباب للإقتداء بهم وهم يرفعون علم بلادهم خفاقا في السماء؟؟، وجميلة كل مبادراتنا التربوية الهادفة بما توجه اهتمام النشء إلى هذه المجالات المعطاءة والبناءة،بما تزرعه في أنفسهم من الجد والاجتهاد لنيل المعالي،بما تحفظهم من آي الذكر الحكيم وتلهجهم من نصوص الحكمة،بما تزرعه فيهم من الثقة في النفس وقوة الشخصية،بما تعودهم على القيم الخيرة وتيسره لهم من الاندماج الأسري والاجتماعي،وبما..وبما..،ولكنها ستكون أجمل كلما خضعت لرؤية وتخطيط وبرمجة ومؤشرات وخطوات،وليس العاطفة والإعجاب فحسب،وتلك لغة المشروع،لغة البناء الرصين،والتي ينبغي أن نتقنها؟؟.

الحبيب عكي


اقرء المزيد
http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

زينة بنت الفقيه يوم عيد كورونا

      لله ذر الأدب المغربي وهو الذي كتب بعض الروائع عن فئة خاصة من البنات وفلذات الأكباد يصف ظروفهن قبل جمالهن،ويقوم سلوكهن قبل معارفهن.."بنت الخراز".."بنت الدراز".."بنت الليسي".."بنت الفشوش"..،وأنا اليوم أجدني أنهل من هذا التراث الأدبي الغني لأكتب عن "بنت الفقيه" خلال جائحة "كورونا" وما صادف منها أيام العيد . كانت بنتا قروية يافعة في الرابعة عشر من عمرها اسمها "زينة"،وكالعديد من صديقاتها القرويات جنوب الأطلس الصغير،لم يكن لها الحظ في ولوج المدرسة العمومية لكونها بعيدة عن القرية،ولكنها تتابع دراستها في المدرسة العتيقة لمسجد الحي،وهي عبارة عن كتاب متوسط يحفظ القرآن الكريم وبعض متن العلوم الشرعية لأمثالها من الأطفال،ويشرف عليه الفقيه " الطالب المهدي"، وهو مؤذن من القصر المجاور وصديق والدها الفقيه "مولاي عبد الله بناصر".

         اليوم،ولمدة ثلاثة أيام على التوالي،لم تذهب "زينة" إلى المدرسة الكتاب رغم صحتها الجيدة والأحوال الجوية الممتازة،ذلك أن الفقيه " الطالب المهدي" قد تغيب كل هذه الأيام على غير عادته،فلم يصلي مع الكبار في المسجد ولا حفظ الصغار في الكتاب،ويظهر أنه سيستمر في الغياب لأن أخبارا سيئة قد بدأت تنتشر في القرية وعلى أمواج الإذاعة وشاشة التلفاز،و ها هو الشيخ "أمغار"والقائد و البواب"البراح "،يجوبون القرية ويدقون طبول النذير والنفير في الناس أن الزموا بيوتكم ..ثم الزموا بيوتكم..فإن داء خطيرا يدعى "كورونا" يجتاح العالم،وقد انتشر في الشرق والغرب وحتى في البلد عندنا،وهو مرض فيروسي فتاك،لا يرى بالعين المجردة،وليس له دواء إلا الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي كما يقول الأطباء،أيها السكان الزموا بيوتكم  من فضلكم..الزموا بيوتكم كبيركم وصغيركم..الزموا بيوتكم خير لكم..لا خروج ..لا عمل..لا دراسة..لا رعي..لا فلاحة.. لا سفر..كل هذا إلى إشعار آخر..وقد أعذر من أنذر؟؟.

         تساءل القرويون وهم لا يكادون يفهمون من الأخبار الصاعقة شيئا:"ولكن من لحقولنا..من لبهائمنا..من لأولادنا..ومن..ومن.."؟؟،فأخبرتهم السلطة ألا يقلقوا على شيء..أي شيء..فإن الدولة - والحمد لله -  قد اتخذت كل تدابيرها واحتياطاتها،وإن شاء الله..إن شاء الله..سترسل لهم مساعدات اجتماعية هامة تكفيهم..وأما هي فسننظم لهم الأسواق..وستوفر لهم المؤن عن قرب..وحتى الأبناء سيدرسون في منازلهم عن بعد..و كما يسمعون في الإذاعة والتلفاز..سوف..وسوف..وسوف..،فقط، فليمكثوا في منازلهم..وليحموا أنفسهم و بلدهم؟؟. مكث السكان في بيوتهم وهم الذين لم يألفوا ذلك،وها هو أسبوع كامل قد مر عن حجرهم الصحي ولم يروا على أرض الواقع من الوعود شيئا غير إحدى الجمعيات المدنية المحلية تخوض حملة تقديم بعض المساعدات التضامنية التلقائية من أهل القرية وإليهم،بشراكة مع الجماعة السلالية وتحت إشراف السلطة المحلية طبعا،وتحت شعار:" كلنا مواطنون..كلنا متضامنون..عاش الملك"،"اغسلوا أيديكم..ونظفوا بيوتكم..فإن النظافة من الإيمان"،و"غير بقوا في داركم..احنا نتسخروا  لكم"؟؟.

         أسبوع آخر من الانتظار على أحر من الجمر،ولا شيء ملموس،حتى التعليم عن بعد الذي قالوا أن الفقيه سيقوم به لفائدة تلاميذ الكتاب،لا شيء ملموس غير تسويف غير مفهوم تناسلت بشأنه كل الأخبار الصحيحة والزائفة،نفذ صبر القرويين واشتد جوعهم وعطشهم فخرج بعضهم يبحثون عن أقواتهم وأقوات بهائمهم،ولأن "زينة" قد غاب أبويها بسبب كونهما كانا في زيارة إلى بعض الأقارب في مدينة "أكادير" بمناسبة عائلية،و من سوء حظهما أنه قبل عودتهما اتخذت السلطات قرار منع التنقل بين المدن فمكثوا هناك على بعد 300 كلم من القرية؟؟، تحملت "زينة" مسؤوليتها ومسؤولية أخيها "أمين" الذي يصغرها بعامين،فأرسلته إلى جلب الماء على ظهر الحمار من على بعد 6 كيلومترات،وتطلب منه ذلك كل الصباح،وفي المساء كلفته بإخراج البهائم للرعي في الغابة،أما هي فستتنقل إلى المركز (الفيلاج) لبعض التسوق وتعبئة الهاتف والكهرباء..،ولكن من أين لها بلوازم الخروج،من أين لها بالرخصة والكمامة والمعقمات وهي التي لا يوجد حسها في القرية رغم كونها تصنع وتوزع في التلفاز بالملايين؟؟،ركبت "زينة" - متوكلة على الله - دراجة أبيها النارية من نوع "موبيليت" في اتجاه المركز،ولكن ما أن بلغت مداخله بعد ساعات مضنية من السفر على طريق غير معبدة،حتى قبض عليها الحرس المخزني واقتادوها إلى القيادة، هناك سألوها عن رخصة الخروج..ليست عندها..عن الكمامة..ليست عندها..عن قبعة الدراجة النارية و أوراق التأمين..ليست عندها..فسجلوا ضدها ثلاث غرامات بمبلغ 300 درهم،وهي التي لا تملك في جيبها غير 30 درهم أرادت بها تبضع بعض قطاني رمضان ب 20 درهم وتعبئة الهاتف ب 10 دراهم ؟؟.

         بكت "زينة" وتوسلت كل رجال القيادة،شرحت وضعها وظرفها،لكن القانون في نظرهم هو القانون،في الأوقات العادية فما بالك في الأوقات الاستثنائية؟،وبعدما لم ينفع توسلها وبكاؤها أمام كل القيادة،عادت "زينة" المسكينة إلى قصرها تجر أذيال الخيبة،ورغم أنها كانت جد منهكة والمسافة جد طويلة،فإن العائدين من المركز إلى القرية لم يستطع ولا أحد منهم أن يحملوها معهم  لا على دوابهم ولا على دراجاتهم،فلا بد من احترام مسافة الأمان؟؟.وهكذا توالت خطوات الطفلة على الطريق وانطوت لها المسافات،وها هي قد وصلت أخيرا إلى القرية منهكة عن آخرها،ومما زاد من قتلها وإنهاكها أن أخاها الأصغر أيضا قد تزامنت عودته بعودتها،وتعالى بكاؤه فوق بكائها،ذلك أن درك المراقبة قد نزل في الغابة يطارد من يخرقون الحجر الصحي من شباب القرية،وقد صادر منه البهائم وكأنها قد خرقت هي أيضا الحجر الصحي وما خرقته ولكن عن أقواتها بحثت "العنائز"؟؟.
         أسدلت الليلة غطائها،وهي الليلة التي صادفت 27 من رمضان،ولأن البيت الفقير المسكين لم يحظى بالمساعدات الموعودة،بل وصادروا منه شحيح زاده وقليل بهائمه،فليس عندهم ما يحتفلون به بهذه الليلة المباركة،غير النوم المبكر في الظلام الحالك والحنق الهالك،ولولا أن أحد الجيران قد انتبه إلى السائد من الظلام في بيت جاره الفقيه،فتفقد أبنائه واطلع على أحوالهم وبعدما وعدهم بالتدخل الممكن في الوقت الممكن،زودهم ببعض العشاء من عشاء بيته وأبنائه،وجر لهم من بيته خيطا كهربائيا بمصباح مضيء،فرح الأبناء بصنيع جارهم وما هدأه من روعهم،فاستجمعوا قواهم لإحياء ليلة القدر المباركة كما عهدوا ذلك عن آبائهم،الذين لا يزالون يجهلون من أخبارهم لما فقدوه معهم من اتصال،تقدم ابن الفقيه "أمين" يصلي بأخته "زينة" وهو يحفظ من القرآن ما يحفظ،وكلما ركع أو سجد إلا وأخلص كأخته في الدعاء،وكان كل منهما يدعو:"يا رب،حدنا بسؤالك علمك بحالنا"،"يا رب،اللهم إنك عفو تحب العفو فأعفو عنا"،"يا رب،فرج همنا وكربنا وارفع غضبك ومقتك عنا،إن لم يكن بك غضب علينا فلا نبالي"،إلى أن غالبهما النوم  ولم يقوما لصلاة الفجر إلا بعد طلوع الشمس؟؟.

         وفي صباح يوم العيد وما أدراك ما يوم العيد،يوم يتوقف فيه الزمن ويتجدد فيه الأمل،يوم تتغير فيه النمطية ويتبدد الملل،ويسود فيه الأنس والتزاور والمحبة و التغافر،في هذا اليوم كانت المفاجأة،ليس بما كان معهودا من شراء اللباس الجديد،ولا تهاطل الهدايا على بيت الفقيه بمناسبة العيد،حتى ما كان معهودا منها من "فطرة" المؤذن والفقيه والبواب "المسحراتي" التي كان يمنحها لهم القريب والبعيد، فبسبب ظروف الحجر الصحي،لا أحد طرق عليهم الباب، لا بالتهنئة ولا بالزيارة في هذا اليوم السعيد،وفوق ذلك،أي عيد للأبناء الصغار في غياب والديهما بعد عمر مديد،وفي وحدتها مع أخيها يوم العيد،أخذت "زينة" هاتفها الذكي تعبث فيه بأناملها تسترجع عبره الذكريات،صورة هنا..وفيديو هناك..وبينما هي كذلك رأت بلائحة روابطها اسم أعز صديقاتها "هينة" من القصر المجاور،وتمنت لو كانت في هاتفها تعبئة وبقية رصيد حتى تكلمها،حتى تكلم والديها وتطمئن على أحوالهما وقد طالت غيبتهما،حتى تسجل بيتها وكل بيوت القرية في الرقم التضامني الوطني"1212"،وتتطوع بعدها ولو رمزيا في الرقم التضامني الآخر"1919"،وتتصل وهذا هو الأهم برئيس الحكومة حتى يعيد لها مسلوباتها لدى القيادة والدرك؟؟.

         ولأن ذلك غير ممكن فقد استرسلت الطفلة في حلمها ولو من باب اللعبة والخيال،فأخذت تتكلم في هاتفها وكأنها مكالمة عادية،وكانت المفاجأة أن بدأت تسمع صوت صديقتها من الطرف الآخر عبر الهاتف،لقد مرت المكالمة،هي لا تصدق،ولكنها متأكدة من هذا،مثلما أنها متأكدة من نفاذ الرصيد،مرت المكالمة مع صديقة أخرى،لم تصدق،بحثت في رصيدها وإذ به 50 درهما مضاعفة 15 مرة بما يعادل 750 درهم صالحة للاستعمال 6 أشهر قادمة،من أرسل لها هذه التعبئة؟،من فكر فيها بزكاة الهاتف هذه؟،هل يكون أبوها؟،هل يكون جارهم؟،إحدى صديقاتها؟،المهم ليس اتصالات المغرب فهي قترة جشعة تحاسب على الدقيقة والثانية؟؟،فرحت "زينة" وهي تقول:"ما أجملها من زكاة..زكاة الهاتف..مكالمات وأنترنيت..ألعاب وتطبيقات"..قضت معها زينة وأخوها يومهما مستمتعين غاية الاستمتاع بالاطلاع على أجمل التهاني وإرسال أصدق المعايدات،ورأوا كل الصور والفيديوهات الجميلة،وسمعوا كل أصوات الأقارب والأصدقاء،حتى صوت والديهما أخيرا رن في أذنيهما بشيء من الآمان والاطمئنان،ولولا هذا الغياب فقد أمتعهما اللعبة وتضامن أهل القرية وأنساهما كل ذلك مواجع "كورونا" أو يكاد..وأنساهما مواجع "كورونا" أو يكاد؟؟.  
 
         خلاصة،لا أحد يشك في التضحيات الجسام التي تقوم بها الدولة لمواجهة الجائحة،ولا في احترازاتها الاستباقية الناجعة، والتي حققت رغم مرارتها نتائج أبهر من باهرة،لا أحد يشك في المساعدات التي وعدت بها المحتاجين والمتضررين ووصلت فعلا بملايين الدراهم إلى الآلاف المؤلفة منهم،ولكن إلى متى ستصل هذه المساعدات إلى العديد من المتضررين المنتظرين خاصة في العالم القروي؟؟،هل ستنتظر البهائم الرتع و المواليد الرضع والشيوخ الركع كل هذه البيروقراطية المقيتة؟؟،وكأن أحد الحقوقيين على لسان "زينة" ينتفض ويصرخ ويقول:"أين ما نتحدث عنه من اللامركزية،والجهوية،والشأن المحلي؟،لماذا كل هذه الصرامة عندما يتعلق الأمر بواجبات المواطن،وكل هذا التراخي عندما يتعلق الأمر بحقوقه؟؟،مؤخرا،قامت ضجة فيسبوكية ضاغطة تتهم مجلس جهة درعة تافيلالت بتطاير دعمه المالي الذي قرره أغلبية ومعارضة للتخفيف من تداعيات الجائحة على الساكنة المتضررة،وهو مبلغ مهم يقدر ب 10 ملايير سنتيم، وفق تدخل اجتماعي صحي تعليمي مضبوط،وقد مرت على إقراره شهرين متتابعين دون فائدة؟؟،وإذا برئيس مجلس الجهة يخرج ببيان توضيحي يقول فيه أن هذا المبلغ لم تصادق عليه مصالح "الولاية" إلى حد الآن؟؟،أليست هذه جائحة أخرى وأفظع؟؟،بأي حساب سياسوي أو أمني..أو..أو..أو أيا كان،تكون مصلحة المواطن المغلوب على أمره محل صراعات خفية ومعلنة ومزايدات سياسوية بائدة،لماذا نمتلك كل الوسائل والحلول إذا تعلق الأمر بجوقة من الأجانب،ونعدم كل هذا إذا تعلق الأمر بنا نحن المواطنون أهل الدار،أعيدوا لنا شيئا من الثقة في عهد الثقة من فضلكم..رجاء من فضلكم؟؟. 

الحبيب عكي  

اقرء المزيد

الأربعاء، 20 مايو 2020

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

يوميات مؤذن خلال جائحة كورونا ؟؟

       رغم أن الصدمة كانت قوية ومفاجئة وغير منتظرة،فإن مؤذن مسجد الحي "الحاج عبد الرحمان" قد استوعبها بسرعة وحسم أمره فيها دون تردد،فقال:"قيل لنا أغلقوا المسجد ..فسنغلق المسجد ولا جدال؟؟، وقيل لنا لا تبقوا فيه إلا على الآذان..فلن نبقي فيه إلا على الآذان..ولا جدال"؟؟. صاعقة "كورونا" قوية لا يأمن من شرها وفظاعتها أحد كما حدث عند الدول الكبرى رغم الطاقات والامكانيات،ولا يمكن مواجهتها كما يقول العلماء والأطباء إلا بالتزام الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي..فلنغلق علينا منازلنا ولنتباعد بيننا في أسواقنا،لأنه كما يقول الفقهاء:"حفظ الأبدان مقدم على حفظ الأديان،ودفع المفاسد مقدم على جلب المصالح"؟؟،وها أنتم ترون قد توقف القطار وأغلق المطار وتعطلت المدرسة وألغي الحج والعمرة وأقفل السوق والملعب والمقهى والملهى ..،ولما لا يغلق بيت الله،أم تريدون أن يكون بؤرة الوباء وما وضع إلا لحماية الخلق من البلاء؟؟.

         استساغها الحاج عبد الرحمان،وبكل بساطة وحماسة،كان يضبط الوقت ويأتي المسجد يرفع فيه النداء كل صلاة،ويقول آخر كل أذان :"صلوا في رحالكم..صلوا في رحالكم"،ولكن لم يكد يمضي حتى الأسبوع الأول من الجائحة حتى بدأ بعض الضعف ينتاب المؤذن المتجالد وكأن بعض الوسواس قد خالطه فبدأ ينخر من عزمه،فما أن يقول في أذانه .." صلوا في رحالكم..صلوا في رحالكم"،حتى يجهش بالبكاء وتفيض عيناه،وكيف لا تفيض وهو الذي لا يطيق أن يرى غياب المصلين عن مسجده العامر يوما واحدا بل صلاة واحدة،فكيف بغيابهم عنه لأسبوع كامل،وكأنه لا يؤذن رغم استبداله المكبر القديم بمكبر جديد ورفع صوته فيه على أقصاه،وكأنهم لا يسمعون وهو الذي قد كاد يؤذن للصلاة الوحدة عدة مرات،وكأن عاصفة رعدية قد خيمت على الأحوال الجوية فصلا من الزمن،وكأن في الطريق "معابر رفح" وسياجات مكهربة وشرطة تفتيش العدو،وهذا أقصى وأقسى ما يحدث في طريق المسجد الأقصى و رغمها يتحدى المصلون كل الحواجز أفواجا أفواجا،و إلى ساحات الأقصى يحضرون كل صلاة؟؟،

         إنه المسجد بيت الله يا سادة،خطوات السعي إليه بالحسنات،المكوث فيه ذكر وعبادة،انتظار الصلاة بعد الصلاة اعتكاف،إنه المسجد بيت الله،قد يعدل الناس عن ارتياد أي مكان،وقد يختلفون عن الحلة والحرمة في ذلك،وقد يسمح لبعضهم قانونيا بارتياده دون البعض الآخر،إلا المسجد فإليه يأوي الفقير والغني..الشيوخ والشباب..الرجال والنساء،فيه يسجدون بين يدي ربهم،وله يبثون شكاويهم وأشواقهم،هذا خلف سارية يتهجد وهذا أمامها على سجاد،فأين منا ذاك التسابق على الصف الأول،وأين منا صلاة الجماعة خير من صلاة الفرد ب 27 درجة،أين منا يا جار المسجد لا صلاة لك إلا في المسجد،أين منا دروس الوعظ وحلق الذكر وخطب الفكر،وأين منا قصع الطعام اللذيذ للمحسنين يوم الجمعة والجماعة،أين منا هواية التجوال بين المساجد والتغني بيا ليته كان بعيدا..يا ليته كان كاملا..يا ليته كان جديدا؟،على باب المئذنة الشامخة أطلق الشيخ بصره على مداه و لم يرى غير الأفق على مداه..ففاضت مرة أخرى عيناه؟؟.

         لم يوقف دموع سيدي الحاج عبد الرحمان المؤذن،غير ما جال بخاطره أن من كان يداوم على عبادة،جزاه الله بخيرها حتى وإن حالت بينه وبينها ظروف قاهرة كهذه،فقد رأى الطائفون حجاجا يطوفون معهم بالبيت الحرام،وما ذهبوا إلى الحج وما شدوا إليه الرحال إلا بنواياهم وأشواقهم؟؟،ومن يدري ربما جاءت أرواح الناس إلى المسجد وصلوا،وجاء الناس ذاتهم وقاموا، وتعارفوا وتصافحوا وتغافروا كعادتهم طوال ليالي رمضان،فقط أنا من أغشي علي بهموم الجائحة وأخبارها القاتمة ولم أراهم،ألسنا في رمضان شهر الصيام،فهل هناك صيام بدون إفطار ولا قيام؟؟،وهو يخطو بمفرده خطوات ثقيلة داخل المسجد ويقول مشيرا إلى ما يشير إليه من الأشباح والألواح والأرواح،..ما شاء الله المسجد عامر كالعادة،هنا سارية "الحاج عبد الله"،وهنا كرسي الشيخ "عبد الكبير"، لك الله يا منبر شيخنا الجليل "عبد الكريم"..ماذا دهاك يا حاج - وهو يخاطب نفسه - كأنك لا تشاهد نشرة الأخبار،إن هذا الغلق قد طال كل مساجد و كنائس العالم،وإنها أعظم خسارة مُرة حنظلة ولكن لابد منها،وها هو كل العالم يرفع أكف الضراعة إلى الباري تعالى وكأنه يقول:"رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ " غافر / 11؟؟.

         وطوال هذا الأسبوع،كان الحاج عبد الرحمان يحدث نفسه كمختل،ما أفظع سذاجتك يا مؤذن،كم كنت تشكو من صعوبة تسيير المسجد،كثرة الحاجيات وقلة الإمكانيات،ضرورة الانضباط في الوقت،اختلاف أمزجة الناس بين من يريد العمق  في الخطبة ومن يريد التبسيط، ومن يريد التسريع في الصلاة ومن يريد التبطيء،فعلى من تغلق الباب ولمن تتركه مفتوحا؟،ويزيد من تلك الصعوبة صعوبة الأوقاف ورقابتها،وهي في إصلاحها للشأن الديني تريد تطهير المسجد والمنبر والوعظ والتحفيظ ممن هب ودب،حتى طهرته من العديد من الطاقات والكفاءات،واليوم وكأن الجائحة ترفض هذه السياسة وتقلب السحر على الساحر،فأنبتت طوفانا من الدروس والمواعظ و"اللايفات" و"الزومات"..وكل الشيوخ والشباب،يجتاحون العالم الافتراضي في مسجد عالمي افتراضي،فأين وقفك وتوقيفك وتوفيقك يا أوقاف؟؟. نعم،كان تسيير المسجد صعبا،وضغط العمل أصعب،واليوم تأكدت أنه "الخايب غير بلاش"،،تأكدت من نعمة المسجد،ونعمة العمل،ونعمة الصحة،ونعمة الأمن والأمان،فيا رب أدم علينا نعمك بدوامها ولا تفاجئنا بزوالها؟؟.

         لكن،من كان يعبد المسجد فإن المسجد قد أغلق،ومن كان يعبد الله فبابه مفتوح لا يغلق،وليس به وزير فيؤتى ولا حاجب فيرشى،طوال حياتي وأنا مؤذن واليوم أنا مؤذن وإمام بأهلي في بيتي،أتلوا عليهم من الذكر الحكيم أيات وآيات:"رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا"الفرقان/74."رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ"البقرة / 128. "ربنا آتينا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" البقرة / 201 .أكيد أنني قد ترقيت إذن في خدمتي من مجرد مؤذن بسيط إلى إمام "كامل ومكمول"،و حتى وأنا مؤذن فأكيد أنني من جنود الصف الأمامي لمواجهة الجائحة،ولو أنهم - سامحهم الله - يتجاهلونني في الإعلام،أنا أؤذن كل يوم خمس مرات، لا أؤذن من بيتي عن بعد،بل أقطع من أجل ذلك مسافات ومسافات وأتعرض لأخطار وأخطار،وفي الإعلام يذكرون فقط غيري من العلماء والأطباء ورجال السلطة الشرفاء،أنا أيضا مناضل شريف وأنادي بضرورة الأمن الروحي للمواطن،أذكره بالأذان،وأطالب في كل بيت بمصحف على رواية الإمام ورش و"رياض الصالحين" و"الشفاء" للقاضي عياض،أنا لا أريد سمعة ولا شهرة فالله يعرف صاحب الدرهم،ولكن فقط شيء من الاعتراف والإنصاف؟؟.

         لكن سامحك الله يا "كورونا"،فبالأمس كنا نحفظ بعض أطفال الحي كتاب الله وبعض الأخلاق من السيرة النبوية العطرة،واليوم توقفوا دون تعليم لا عن قرب ولا عن بعد،وكان الإمام - شكر الله له - يرافقنا لبعض "السلاكي" نقرأ فيها ما تيسر،ونتعشى بما لذ وطاب،ويعطف علينا أهل الفقيد بما تيسر،جود وكرم وصدقة ورفقة ومحسنين ومحسنين وما "خاصنا خير"،واليوم في ظلك أيتها الجائحة مرضى بلا صدقات وموتى بلا جنائز ولا تأبينات ولا "سلكات"، سامحك الله يا "كورونا"،ففي ظلك يتحدثون عن مساعدات للخيل والبغال وحق لهم...لكن لم يتركوننا نحن المؤذنين والأئمة،الذين ملأنا بالأمس شوارع العاصمة هرجا ومرجا نطلب العطف والمعونة؟،لم تركونا في خضم الأزمة يريق بعضنا ماء وجهه تسولا وكأننا نحن أشباه الرجال أو رجال وليس لدينا مصاريف ولا عيال؟،أهذه هي الترقية والتضامن يا "كورونا"..أم على الرجال أن يطلبوا - لا سامح الله - بطائق البغال؟.. أم على الرجال أن يطلبوا - لا سامح الله - بطائق البغال؟،..إلى الله المشتكى ..إلى الله المشتكى..وفاضت عيناه؟؟. حفظ الله أسرنا وأطفالنا وآبائنا و أوطاننا،ورفع عنا وعن العالمين هذا الوباء والبلاء والغلاء والعناء..وأعان كل من يتصدى له أو يساعد على ذلك من أي موقع وبأي إمكان،وعجل بعودتنا إلى مساجدنا ومدارسنا ومعاملنا وأعمالنا وأحبابنا وأسفارنا..،آمين..أمين..والحمد لله رب العالمين؟؟.

الحبيب عكي

اقرء المزيد

الأربعاء، 13 مايو 2020

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

أطفالنا ورمضان..عادات وتمثلات..فرص وتحديات؟؟

        أسئلة عديدة تطرح في موضوع الأطفال و رمضان،سنقتصر هنا على بعضها الأساسي،ما علاقة الأطفال برمضان عادة وعبادة؟،ما هي تمثلانهم التي يحملونها حوله سلبا وإيجابا؟،ما هي الفرص التربوية والاجتماعية والصحية التي يتيحها لنا ولهم؟،وإلى أي حد يتم تحقيق بعض آثار تلك الفرص فينا وفيهم،باعتبار الصغار يقتدون بالكبار قبل كل شيء؟،ما هي العوائق والتحديات التي تحول بيننا وبين طموحاتنا في ذلك؟،كيف يمكننا رفع هذه العوائق و التحديات تصورية فكرية أو منهجية تربوية،كانت هذه التحديات في بيتنا وفي محيطنا،منا أو من غيرنا؟؟. لعل الإشكال الحقيقي في موضوع الأطفال ورمضان هو أن يظل هذا الأخير مرتبطا بالأساس في تمثلات الأطفال وسلوكات أسرهم بالعادات الاستهلاكية المفرطة أكثر من العبادات الربانية المثمرة،موائد متخمة،فوازير ومسلسلات ملهية،تهافت على الألبسة التقليدية والعطور والبخور والهدايا،حتى بالرهن والاستدانة المضيقة والمقيدة لصاحبها على مدار السنة؟،فتور وتوتر ونوم ولوم وتطبيع مع كل هذه العجائب والغرائب التي تنسب لرمضان وهو الذي جاء لنبذها،تطبيع مع عادات فاسدة وسائدة أنشد فيها الأطفال في إنشادهم الشعبي فقالوا:"تيريرة..تيريرة..هذا عام الحريرة"؟؟.

         إشكال آخر،ينتج عن ما يحدث من عدم تعود بعض الأطفال واليافعين منذ الصغر على أجواء العبادات الرمضانية وما يفوتهم جراء ذلك من فيوضاتها الإيمانية وآثارها التربوية،لصالح ما تعودوا عليه من اللهو في الأزقة والساحات والملاعب،حتى أن فئات منهم تأتي المسجد في المغرب عند قطع الصيام،وتضيق من ارتياده والمكوث فيه مع العشاء خلال القيام،وتفضل اللعب والصياح والمطاردة حوله بالسباب والشجار على صلاة التراويح؟؟،كما تفضل فئات أخرى السهر في البيوت على "السيتكومات" والمسلسات والأمسيات والمسرحيات بدل الخروج إلى المساجد لحضور بعض حلق الوعظ والتفقه في الدين قبل صلاة القيام وقراءة القرآن؟؟، و هكذا ينشأ هذا الرهط وقد تجاوز بعضهن البلوغ ولا يصمن خشية على نضارتهن وجمالهن من الذبول؟،أو تصوم وهي حائضة تجهل أحكام الصيام؟،وينشؤون وبعضهم يجهل بسن وجوب الصوم فلا يصوم لا في صبا سن الابتدائي المبكر ولا في شيخوخة سن الثانوي المتأخر؟،وبعضهم يجهل مقاصد الصوم فلا يتورع عن التدخين أو عن الغش في الامتحانات في رمضان؟،وينشؤون..وينشؤون..وينشؤون وبعضهم يتجرأ على الإفطار من أجل خوض مباراة رياضية أو مجاراة طلابية أيديولوجية في الجامعة،أو التنادي ل"كرنفال" الإفطار العلني والجماعي في الصفحات والمنتديات والساحات والشواطيء والمنتجعات؟؟.

         ويبقى رمضان لو يعلم اليافعين والشباب،فرصة حقيقية لا بديل عنها في غيرها إلا كفرصة "َبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ۚ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ"الرعد/14.
1- فرصة تربوية:
                   لتجديد الصلة بين العبد وربه،لتعلم الإخلاص في القول والعمل ومراقبته سبحانه وتعالى في الكبيرة والصغيرة،للتدرب على المقصد الأكبر من الصوم وهو التقوى والإحسان،لسلوك طلب الرحمة والمغفرة والعتق من النار،للعناية بكتاب الله والنهل من مناهله حتى يهذب من خلق صاحبه في الدنيا ويشفع له في الآخرة،لتحصين الذات من مداخل الشيطان وجبرها على العيش في بحبوحة الطاعات،وفي الحديث:"الصوم جنة" يعني وقاية من المعاصي،وفي حديث أبي هريرة:"إذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ "،مُتَّفَقٌ عَلَيْه؟؟.
2- فرصة اجتماعية:
                   بالشعور بالانتماء للأمة الواحدة،ومن ثمة مسؤولية الاهتمام بأمرها،الشعور بالوحدة بين المسلمين يقومون بنفس الطاعات في نفس الشهر،ومن ثمة أهمية العدل بين الناس الفقراء منهم والأغنياء،بتفقد المساكين والمحتاجين،عبر حقهم من الإفطارات والمنح والصدقات،الحملات الاجتماعية للقفة والكسوة والزكاة،وذلك من معاني التضامن الإسلامي الذي يضرب أروع الأمثلة خلال الكوراث والأزمات وقد أشاد به ودعا إلى التمسك به كبار السياسة الدولية لما رأوه من نجاعته خلال جائحة "كورونا" ومآسي الهاجرين واللاجئين،نظام تكافلي تسعى إلى ضمانه كل الحقوق والأنظمة المنصفة،وقد سبق إلى ذلك رسول الله (ص) كما في الحديث:" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ "رواه البخاري عن عبد الله ابن عباس؟؟.
3- فرصة صحية:
                   حتى يتعلم فيها أبناؤنا أهمية الصحة الجسدية والنفسية والفكرية والسلوكية،ويهتمون بالحصول والحفاظ عليها،ويستثمروها في الطاعات والعبادات ويبتعدوا بها عن المعاصي والمهلكات،صونا لهم من شتى أنواع الانحرافات والمخدرات والمهلكات؟؟.الصوم كما بينت وتبين الدراسات العلمية وقاية وعلاج من الأمراض النفسية والعضوية للعصر،وهو مدرسة علاجية معتمدة في القديم والحديث عند المنصفين من الأطباء والخبراء والنفسانيين عبر العالم،وصدق رسول الله (ص) إذ يقول:"صوموا تصحوا"،وصدق الله تعالى إذ قال:"وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ" البقرة/184.؟؟.

         هذه صور ومفاهيم لابد أن تكون واضحة عند أطفالنا و يافعينا،متشبعين بها،مقتنعين بها،متشبثين بها حتى تعالج اضطراباتهم المفاهيمية والسلوكية مع الصيام،وبعض تعاملهم السطحي والطقوسي معه،ويجعلهم يقبلون على مدرسته رغبة وعبادة لا رهبة وعادة،ولكن دوننا ودون ذلك تحديات وتحديات أجمل بعضها كالتالي:

1- تحدي فهم شخصية الطفل وكسب قلبه:
         فالطفل ناشئ غير مكلف،ولكنه في إطار الإعداد لطور التكليف الذي سيتوجب عليه عند سن البلوغ(حوالي 12 إلى 15 سنة حسب البيئة والظروف)،والإعداد يكون بالترغيب بدل الترهيب،وبالفسحة بدل المحاسبة،وبالتشجيع بدل التحبيط،أو كما يقول المربون :"الطفل يتعلم عبر المتعة لا عبر الألم "؟؟.ولاشك أن تراثنا الوطني يزخر بشتى طرق وأشكال تشجيع الصبيان على الصيام والاحتفاء بهم عبر عادات وطقوس مجملها رائع،لذا لابد من كسب قلب الطفل وحبه وتوطيد جسر التواصل والتفاهم بيننا وبينه،حتى نتمكن من إفهامه المطلوب منه من الشعائر كيف ولماذا،ونفهمه فلسفتها وأحكامها وفضائلها ومبطلاتها،ثم نساعده على التدرج في إتيان ذلك ومواكبته بالتشجيع،مع إعطاءه القدوة الحسنة فينا كآباء ومربون؟؟.

2- تحدي من يتحمل مسؤولية تعليم الطفل دينه:
         وهنا يأتي الآباء ويبقون في الدرجة الأولى قبل غيرهم كائنا من كان؟،ولا يجوز لهم ترك هذا الأمر الأساسي والمصيري والشرعي لغيرهم من المدارس والجمعيات والأقران والإعلام..،حتى وإن تفوقوا عليهم في أمر التربية وفهم الطفل،فمواكبتهم في ذلك،واختيار ما يصلحهم من المؤسسات والمربين،ومناقشتهم فيما يأخذون أو يدعون مما يلقن لهم،وما..وما..مسؤولية الآباء التي لا ينبغي أن يقدموا فيها استقالتهم تحت أي طائل أو انشغال كان، ففي الحديث: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"رواه البخاري،وفي الحديث:"إن الله سائل كل راع عما استرعاه،حفظ أم ضيع؟،حتى يسأل الرجل عن أهل بيته"أخرجه النسائي، وبالمقابل يكفي كل هذه المسؤولية وجسامتها بشرى حديث أبي هريرة للأباء:" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم،وفي تربية الأبناء تربية حسنة قد تجتمع كل هذه الفضائل الثلاثة وغيرها؟؟.

3- تحدي الحديث عن رمضان وثقافته:
         هذه الثقافة الرمضانية التي كثيرا ما يشوهها القصف الإعلامي،والكثير من تداعيات وعادات وتقاليد العصر،ك"الترمضينة" في وعلى رمضان،أو الغش والتحايل على الناس في الأعمال،أو طقوس تدبير الصداقات وتجزية الأوقات،في الصفحات وشبكات التواصل الاجتماعي،في بعض الخرجات الليلية والسهرات والأمسيات؟؟،فهل نملك ما نتحدث به عن رمضان غير هذا،كرمضان السير والبطولات،ورمضان الأبطال والفتوحات،رمضات الصلوات والصدقات،رمضان علم و فقه الأركان،رمضان التوبة والغفران والتقوى والرضوان،وغيرها من أوجه الحسنات وفضائل الخيرات،رمضان ليلة القدر خير من ألف شهر،رمضان الزكاة والعيد؟؟،بل هل لدينا ما نبرمج به لإحياء وعيش هذه الأجواء الرمضانية الحقيقية،المفعومة بالحملات الاجتماعية،وموائد الرحمان للإفطار الجماعي وإشاعة قيم المحبة والألفة والتضامن،وثقافة الأمسيات والمسابقات القرآنية والدورات التدريبية،وصلة الأرحام عبر الفسحات والزيارات؟؟.

4- تحدي وضع البرنامج المقبول:
         ونقصد به البرنامج الرمضاني المناسب للأطفال،والذي ينبغي أن يراعي جملة من دواعي النجاح وعلى رأسها،القدرة والاستطاعة،البيئة والاشتغال،المقاربة التشاركية،الوسطية والاعتدال،التوازن والتكامل،الفرائض قبل السنن،العبادات قبل العادات،وكيفما كان الحال فالأساسي فيه بعد النسك الكلي أو الجزئي للأطفال،ربما يكون هو الحفاظ على الصلوات والعناية بكتاب الله،أذكار الصباح والمساء،التدريب على الجود والصدقة،القراءة وتنمية المواهب والهوايات،إلى غير ذلك مما لا يحس معه الطفل بالاضطراب أو الحرمان و الإرهاق،أو يفقد حماسته للتنفيذ والاستمرار،لهذا يكون مفيدا جدا في هذا الصدد الاجتهاد في توفير كل ما يخلق أجواء العبادة والمتعة والفرح والسعادة عند الطفل الصائم حتى لا يرتبط الصوم عنده إلا بها و بها فقط،بعد التقرب إلى الله والأجر والثواب على ذلك..العبادة  والفرح كما في تراثنا للاحتفاء بالأطفال الذين يخوضون تجربة الصيام الجزئي أو الكلي لأول مرة خاصة في ليلة القدر..أجواء تبدأ بالصلاة والدعاء وطلب العون من الله قبل السحور..المواكبة والتشجيع و الإلهاء خلال النهار..تثمين رغبة الطفل في دخوله عالم القدرة والمسؤولية للكبار..تنافسه وتجزية وقته مع ثلة من الأقران،تخصيصه بمائدة إفطار حلوة ثرية وشهية..زغاريد وأدعية الإفطار وفي أماكن عالية كسطح المنزل مثلا..مرافقته بعد الإفطار الشهي والممتع في حماسة إلى المسجد..تخصيصه بلباس تقليدي وهدايا..حفل حناء..صور تذكارية؟؟.

5- تحدي الأثر الإيجابي واستمرار يته في خضم الحياة:
         لأن لكل عبادة مقصدها الأسمى والذي ينبغي أن يتحقق به المتعاطي لها،كما جاء في كتاب الله:"إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" العنكبوت /45 ؟، وفي الحديث الصحيح:" من لم يدع قول الزور والعمل به،فليس لله حاجة في إن يدع طعامه وشرابه"؟،
لذا فحاجتنا في خضم الحياة من العبادات كلها ومن الصوم كذلك،استدامة الطاعة وحلاوتها فلا تغرينا المعاصي وإن أقبل عليها المقبلون،استشعار الممانعة وعزتها عند الإغراءات و الاختلالات اليومية،الكرم والجود التكافلي والإنفاق التضامني بلا حساب كلما دعت الضرورة،تشجيع الصغار على كل ما يجب عليهم من رشد الأقوال و سداد الأفعال مثل الصالحين من الكبار،الحرص على توفير واستدامة صحبة وبيئة تربوية علمية اجتماعية صحية سليمة ومتضامنة..؟؟،ومن أجل ذلك سنت لنا أنماط أخرى من الصيام على مدار السنة،حتى نتزود منها بما يلزم عندما يلزم لاستدامة الأثر التربوي والاجتماعي والصحي الذي يلزم،كصيام النوافل والتطوع،وصيام النذر والدين،الست من شوال،الاثنين والخميس،الصيام من شعبان وذي الحجة وعاشوراء والأيام  البيض..،وصدق من قال:"لو تعلمون ما في رمضان لتمنيتم أن يكون كل الدهر رمضان" ؟؟.

الحبيب عكي

اقرء المزيد

الخميس، 7 مايو 2020

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

اكتشاف مراهق مدخن في بيتنا زمن الحجر الصحي؟؟

        لقد ألزم الحجر الصحي للوقاية من جائحة "كورونا" الآباء والأمهات المكوث في منازلهم إلى جانب أبنائهم ليل نهار،ومع تتالي الأيام والأسابيع،امتص الجميع الصدمة واعتادوا اضطرارا على الوضع،وكسرا للروتين وتجنبا للكآبة بدأ الآباء الكبار يتقربون من أبنائهم الصغار بغية حمايتهم والتخفيف عن آلامهم و ما يشعرون به من ضغوط الحجر والهلع من المرض والخوف من المجهول وكثافة الدروس عن بعد وانقطاع الصحبة ومناوشات الإخوة والأخوات،فكانت المفاجئة وكأنهم لأول مرة يكتشفون أبنائهم وما حباهم الله به من المواهب؟؟. اجتمع ثلة من زملاء العمل ذات ليلة عبر تقنية التواصل المرئي عن بعد،وكان بينهم من الألفة والدعابة ما يسمح بالبوح ويرفع بينهم الحرج،وبعد طرح السؤال والاطمئنان على الأحوال،أخذوا يتبادلون تجاربهم مع الحجر الصحي وكيف هم مع أبنائهم وكيف يمكنهم معالجة بعض المشاكل المطروحة في الظرف الحالي قياما بالواجب الأسري والتضامني الوطني زمن الحجر؟؟.قال أولهم:"سبحان الله ،كان الناس يقولون:"الله يسمح لنا من الوالدين،الحقيقة ،راه الله يسمح لنا من الأولاد"،أنا ولدي اكتشفت فيه موهبة قرآنية خارقة - ما شاء الله - يحفظ..يرتل..يجود..يشرح..وصدقوني لو ترشح لجائزة دولية في التجويد لفاز بها عن جدارة واستحقاق،و انضاف بذلك إلى زملائه من كوكبة القراء المغاربة الكبار والصغار،لكن دعه الآن فقد أصبح إمامنا في المنزل وإن شاء الله مع قدوم رمضان وإغلاق المساجد فسيصلي بنا التراويح ؟؟.

         رد عليه زميله:"سبحان الله،ولدك عكسك تماما يا صديقي..يخرج المقرىء المجود من المطرب المغني..يظهر أن الأبناء يكونون عكس آبائهم دائما خاصة إذا تعلق الأمر بالمتطرفين منهم في الفكر والسلوك،أما أنا فهذه ابنتي،اكتشفتها منشدة من الطراز الرفيع..بلبلة..سنورة..سنيورة..تستيقظ بالأناشيد..وتدرس بالأناشيد..و بهم تأكل وتشرب وتشقى و ترتاح و تلعب وتنام..- الله يرضي عليها وخلاص وعلى جمعيتها - لديها من كل الريبرتوارات الإنشادية العالمية القديمة والجديدة ما لا يسمع في إذاعة ولا يرى في تلفاز..ولا أدري أنا أيضا لما لم أرشحها إلى ستار "هيا ننشد" ؟؟. قال آخر على جانب الشاشة:"سعداتكم"،أنا ابنتي رسامة ذات خيال كبير وإبداع وفير،رسمت لنا من اللوحات الحالمة ما كسر عنا رتابة الأيام وقساوة الوباء والبلاء والغلاء والعناء وطار بنا في عالم الفرح والبهجة والسرور والهناء،ولكنها مريحة ومزعجة في نفس الوقت،مريحة لأمها من كل أشغال البيت وحتى المطبخ وتقول هي "Master chef kids"،ومزعجة لي لأن لديها صعوبات حقيقية في الدراسة وكأنها توحدية،نعم أخشاها كذلك لأن العبقرية والغباء ربما لا يجتمعان إلا عند هؤلاء،"مع هذا التعليم عن بعد إوى فكها يا من وحلتها"،في كل مرة أحاول مساعدتها لكنها تفجر رأسي،تتكل علي في كل شيء وكأني علمي وأدبي وتقني..وبلا فائدة "بزاف"،تصوروا أن ابنتي "سارة" تصرف فعل aller à Marrakech ب je vais à Marrakech..tu va à Tarrakech..il va à Sarrakech..،حتى سماها التلاميذ في مؤسستها Sarrakech ؟؟.

         وهنا تدخل زميلهم الأخير وهو يوجه كلامه إلى زميله فقال:"حلك بسيط يا أخي..علم ابنتك مثلي مهارة التعلم الذاتي،تقنية البحث عن المعلومات،منهج التفكير الإبداعي..،فتريح وترتاح"لا تعطيها سمكة بل علمها كيف تصطاد؟؟،ولكن احمدوا الله على أبنائكم وعلى أذواقهم و مواهبهم، حتى "Sarrakech" ،نعم، راه مائة "Sarrakech " و "Sarrakech " ولا موهبة ابني "أيوب"،لا تستغربوا ولا تستعجلوا سأحكي لكم عنها وترون،ابني يا سادة،مراهق يافع،كان دائم العناد لجل ما يصدر منا،وكنا نغض الطرف عن ذلك ونحسبه عناد المراهقة التي تفرض رأيها وتتصرف في الغالب بعكس ما يطلب منها،لا يفارق العبث في هاتفه،ولا يخرج من غرفته،ولا يهدأ عن إخوته،ولا يتسخر لبيته كأنه ليس عضوا فيه ولا ينتمي إليه ولا..ولا..،قال له صاحبه:"بكلمة واحدة لا يسمع الكلام"؟؟.استأنف الأب يقول:" تماما،لا يسمع الكلام، وله كل الحقوق وليست عليه أية واجبات،وفي أيام الحجر الصحي هذه،سبحان مبدل الأحوال،تبدل فيه كل شيء تقريبا ،ورأسا على عقب،وبالشكل الإيجابي كما كنا نحسب،أصبح اليافع رجلا مسؤولا ،خدوما،مقداما،مصوابا،وأقسم علينا يمينا ألا يترك أحدا غيره يخرج خارج المنزل ولأي غرض كان،وأنه هو سيتكلف بكل شيء،قلنا له إنا نخاف عليك من الوباء أو أي مكروه،قال بكل رجولة:"اللهم أنا ولا أنتم"؟؟.

         صدقناه وتركناه وقلنا له:"الله يرضي عليك"،لك ذلك شريطة أن نعقمك عند كل عودة لك من الخارج،وافق وعلى الطريقة الصينية كنا نكب عليه دلاء من الماء والصابون تعقيما وترفيها في نفس الوقت،ودلو وراء دلو حتى "دعقته" عاشوراء الدلاء؟؟.وفي آخر مرة نكص وعاد إلى غرفته يعتكف فيها على عادته الأولى ولم يعد يريد الخروج ولا السخرة ولا حتى رؤية أحد منا،دخل في اكتئاب وما أن يكلمه أحد منا حتى يرتفع صراخه ويشتد توتره وخصامه لكل من يكلمه حتى الكبار منا،حاولت أمه تفقد أمره على انفراد في غرفته فصرخ في وجهها..لاشيء،كنت تكلفت لكم بكل شيء والآن بلا شيء..عادي..،لاحظت أمه نافذة الغرفة مفتوحة على غير العادة،ولاحظت كثرة صعوده إلى السطح،سعاله ببحة صوت خشنة بين الحين والحين،تراخيه في ممارسة الرياضة،ولاحظت ولاحظت..،وعندما استفسرته قال لها..كل شيء عادي،استغربت الأم ولم تصدق فقالت لا..لا..هناك شيء غير عادي،خرجت من الغرفة لتخبر أباه عن غرابة أطوار ابنهما منتظرة منه فعل شيء،فقال لها هو أيضا وهو يفجر في وجهها حنقه..عادي..عادي..كل شيء في هذا المنزل عادي،لكن أن أجد نقودا قد نقصت من محفظتي بين الأمس واليوم فهذا غير عادي،وكأن الزوجة تستغرب من تلميح زوجها واتهامه،فقال لها،لا تستغربي فقد تركت بالأمس ورقة من فئة 100 درهم في محفظتي،أنا متأكد من ذلك،واليوم لم أجدها،أنا أيضا متأكد من ذلك"؟؟.

         كنت في البهو أتابع نشرة الأخبار عبر التلفاز،وإذا بالمذيع في حوار تلفزي حول الحجر الصحي والتدخين يقول:"هناك بعض المدخنين الشباب يخرقون الحجر الصحي - الله يهديهم - لا لشيء إلا لأنهم يخرجون ولو إلى باب المنزل و نواحيه ليدخنوا،ويفعلون هذا كل يوم وكل ساعة وبأي عذر من الأعذار،رجاء لا تتركوهم يخرجون،فهذا خرق وخطر عليهم وعلى أفراد الأسرة،أدخلوهم إلى غرفة في المنزل و افتحوا لهم النافذة،و"يقضيوا الغرض"؟؟.انتبهت إلى الكلام فقلت لزوجتي:"ماذا قلت يا امرأة،نافذة غرفة ابننا مفتوحة،قالت نعم،ورائحتها كريهة،قالت نعم،يصعد إلى السطح مرارا،قالت نعم،وقد خرج بالأمس خمس مرات..واليوم كذلك،قالت نعم،وهنا هرعت في التو إلى غرفة الولد وفتحها عليه بسرعة و في غفلة لأجد في فمه نثرة سيجارة  حبسها في فمه بدخولي المفاجىء،ما سبب له حرق ونوبة سعال زفر فيها بعض الدخان وافتضح كل شيء؟؟. فوجئت وفي هنيهة دارت في رأسي كل السيناريوهات ولكن تمالكت نفسي وحملقت فيه وما زدت عليها إلا أن قلت..عادي..كل شيء عادي..الآن فهمنا كل هذه الطيبوبة والتضحية والإقدام التي ظهرت عليك في هذه الجائحة يا...؟؟،كنت تخرج وتتعذر الخروج لتفعل فعلتك وتقابل حبيبتك المسمومة في خفية منا،عادي فكل السجائر مشانق تلف حبالها القاتلة على أعناق ضحاياها،كل السجائر مومسات تستعبد عبيدها ومدمنيها البلهاء،عادي..عادي..غير العادي أن أتركك وشأنك أو أتحدث معك في الموضوع..وانصرفت"؟؟.

         تداول الآباء في أمر صاحبهم وكيف يمكنه علاجه بحكمة وحزم وروية حتى لا يصبح مثله مثل "كورونا"فتكا وعدوى ومآسي،أو يفجر بيته العامر وهو الذي يحميه منها،نصحوا له بأن يتمالك أعصابه،وأن يبتعد عن التوتر والتعنيف والانتقاص والتخوين،والطرد من المنزل وكل ما لا يزيد الطين إلا بلة،وذكروه بأن تدخين الأطفال والشباب له أسباب،كالتفكك الأسري،والدلال التربوي،النقص العاطفي والخرص البيتي،المشاكل الدراسية وفقدان الثقة، ورفقاء السوء وغياب القدوة،ووفرة المال والفراغ،الرغبة في الاستقلالية والتعبير عن الرجولة والأنوثة المتحررة،التصورات الوهمية عن التدخين،وبالأخص وبالأخص الجهل بالأمراض والعواقب الصحية والاجتماعية بالأرقام والإحصائيات(10 ملايين قتيل سنويا بسبب أمراض التدخين التي تمس كل أعضاء الإنسان)،السلوك المجتمعي الشائع والغواية الإعلامية السائدة،ضعف الوازع الديني والتشريع القانوني...؟؟،فانظر بما أصبت أيها المدخن ابنه وانظر كيف تعالجه بشكل مناسب؟، استوعب الأب نصائح زملائه فعاد إلى ابنه في جلسة مغلقة بينهما يقول له،رغم أن التدخين باب كل الانحرافات وطريق كل الموبقات،فأنا سأتركك تستمر فيما أقدمت عليه،شريطة أن تعرف أنك ابني الطيب والذي أحبه وسأظل أحبه على كل حال؟،وإن أخبرتني بالصراحة المعهودة بيننا بحكايتك وأطوارها ساعدتك ما أمكن فأنا والدك؟،وإن أبيت فسأتركك وما اخترته شريطة ألا تسرق ولا تكذب ولا تتسول أو تتغول أو يبرمج فيك المبرمجون؟، وشرط آخر،كلما اشتريت علبة سجائر تشتري لي أنا أيضا ولكل أفراد الأسرة علبا مثلها،لتحتفي أسرتنا المحترمة بهذه الشجرة الخبيثة السامة الملعونة؟وأخيرا،ألا تضع في فمك سيجارة أبدا حتى تقابل لي أقدم مدخن في المدينة وتأتيني بتقرير صحي واجتماعي واقتصادي ومزاجي مفصل عنه يرويه لك بحاله قبل لسانه؟،فما كان من الولد الطارق إلى الأرض إلا أن تنهد وذرفت عيناه وأخرج من درج في غرفته مخزونه من السجائر للحجر الصحي،عشر علب كاملة ليضعها بين يدي والده معتذرا ومقبلا يده ورأسه..طالبا من العفو والصفح؟؟.  

         نعم،في بيتنا مدخن ماذا أعددنا له خلال هذا الحجر الصحي وما بعده،هل نقنعه بالإقلاع عنه أم يصوم عنه نهار رمضان ويفطر ويسهر عليه ليله؟،في بيتنا بطالي توقف عن العمل وتعسرت أموره والمستقبل عنده كالح والأفق مسدود، كيف لنا بمساعدته  والتضامن معه إبقاء له على بصيص من الأمل؟،في بيتنا عانس "سعدها" متعثر تحسب كل صيحة عليها،كيف نحسسها بذاتها حتى تفتق مواهبها وتشغل تفكيرها و تملأ وقتها وكلها إيمان بالقسمة والنصيب و رجاء في خيرية القضاء؟،في بيتنا كهل مسن خانته الصحة وهجره الأبناء وداهمته الوحدة والخوف والمرض،كيف لنا بتحمله وخدمته وإبعاده عن دار المسنين وهو من يعتبر كنز البيت المجهول وثراؤه المهمول؟،في بيتنا متحرش(ة) مفتون(ة) لا يلهث في الهواتف والمواقع إلا على فيديوهات الثرثرة والإثارة وخبث التحرش والدعارة،أين هو من غبن الجدة والصحة والفراغ وثقافة تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها،في بيتنا ذو احتياجات خاصة وطالب علم ومتربص هجرة ومدمن مقهى ورائد ملهى..وفي بيتنا..وفي بيتنا،فما رصيد بيتنا من سعة الصدر والكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة والعطف الأبوي والحب الأخوي،من الزاد التربوي والدفىء الأسري والصبر الاختياري،حتى يستعيد دوره المجتمعي التاريخي  في الحضن والرعاية والحماية والخدمات، ويكون بيت السكن والسكينة والمودة والرحمة والأمن والطمأنينة والاستيعاب للجميع رغم ما قد يكون بينهم من الخلاف والاختلاف،لقد حجرت علينا "كورونا" في المدارس وفي المعامل وفي المساجد..،حجرت علينا في الخارج ولم يبقى لنا غير بيوتنا في الداخل،فنرجو ألا تحجر علينا في الداخل كما في الخارج..صادقين نرجو ذلك؟؟.

الحبيب عكي
اقرء المزيد

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

المشاركات الشائعة