Top Ad

الأحد، 30 يناير 2022

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

آفات التراجع الثقافي على شباب الأمة.

        على عكس الأجيال السابقة، فإن الأجيال الحالية - على ما يبدو - تعاني عوزا شديدا في كل شيء ما عدا التوفر على بعض أدوات التكنولوجيا لمن استطاع إليها سبيلا، أدوات قد توفر لها العديد من اللعب والمتعة والتواصل الافتراضي الكوني، مع شح شديد في فرص الشغل والتشغيل رغم ما تدعيه تلك التقنيات العولمية من فتح آفاق التكوين الرقمي والتشغيل الافتراضي عن بعد والعابر للقارات؟. أجيال غير الأجيال واهتمامات غير الاهتمامات، لكن استقراء الواقع وما أصبح يسود فيه من ظواهر مقلقة ومقلقة جدا، بطالة معطلين.. احتجاجات معنفة.. هجرة سرية.. قضاء في الأعالي.. تطرف و"تشرميل" أخلاقي.. قبول بأي شيء كان عند الآخرين مما كان يرفض ازدراء إذا ما عرض في الموطن المحلي أو حتى القطري.. قيم تحررية مشاعية في العلاقة بين الجنسين.. ضعف روح المواطنة والسلوك المدني.. كل هذا يؤكد أن الحالة لم تتطور نحو الأفضل؟.

 

         وأكيد أن عوامل متعددة قد أسست لكل هذا الواقع الشبابي المتردي، منها مجهوداتهم الذاتية وما تتسم به من فرط الاستهلاكية والاتكالية، ومنها الظروف الأسرية والاجتماعية وما قد تتسم به من انحلال المنظومة التربوية والقيمية وفساد الذوق والمعنى، ومنها السياسات العمومية للدول وتلاعباتها السياسوية التي لا تروم في كثير منها وبالأساس غير المراوغة في وعودها الانتخابية والتنصل من مسؤوليتها اتجاه المواطنين عامة والشباب منهم خاصة. ولكن لعل أخطر سبب هو التراجع الخطير للوعي الثقافي لدى الأجيال المعاصرة، على عكس ما نشأت عليه الأجيال السابقة من بحبوحة الأنشطة الثقافية.. وقراءة الكتب.. وصراعات إيديولوجية.. وحلقات جامعية.. ومسرحيات ثورية.. وإبداعات فنية.. وفرق رياضية.. ومخيمات صيفية.. وغير ذلك مما كان يصنع من الأطفال والشباب رجالا وأبطالا يقودون الحياة كيفما شاءوا ولا تقودهم كما شاءت؟.

 

         اليوم، كل تلك الحركية التربوية والثقافية قد فترت.. تعثرت.. توقفت.. اضمحلت أو تكاد، فقدت محفزات الاستمرار و وسائل النمو والانتشار وجاذبية الاستقطاب حتى، غزت جماهيرها وسائل العصر المبهرة وتقنياته الساحرة وتطبيقاتها الأخاذة، لتترك فراغا مهولا في حياة النشء من الأطفال والشباب وتقذف بهم في متاهات الغزو الفكري والضياع الثقافي والاستلاب السلوكي، بسم.. وبسم.. وبسم، وما أفدح كل ذلك على الوطن والأمة التي لا تزال تمر عليها عقود وعقود وهي تروم النهوض والتقدم، لكن، وكأنها تنهض نحو القعود وتتقدم نحو الوراء، ولكن، من جانب آخر فبماذا ستنهض وشبابها قد أبعد عن المعركة أو أدخلها بغير سلاح، اللهم ما قد يكون من سلاح  يصوبه في كل مناسبة ضد هويته الدينية و مرجعيته الصحيحة وانتمائه الوطني حتى، بل قد تجد منهم وبشكل متنامي، من يحسبون أنفسهم لا قضية لهم ولا ناقة ولا جمل في أية معركة؟.

 

         في الحقيقة، لا نريد التجني على الشباب، فمنهم - ما شاء الله - شباب ناجحون .. متألقون.. مبدعون.. مغامرون.. مقاومون مقاولون مناضلون مجاهدون.. استطاعوا فرض أنفسهم في تخصصاتهم و مقاولاتهم ومشاريعهم بشكل عام. ومنهم النجوم والأبطال .. والأطباء والمهندسون.. الدعاة الناجحون.. وغيرهم من الأطر العليا والمواهب الفذة.. لكن استقراء الواقع واستنطاق الإحصائيات، يفيد أن هذه النوعية من الشباب ليسوا هم الأغلبية ولا هم الكتلة الحرجة التي يمكن أن تحدث المنتظر من التغيير والإصلاح. فإذا - صح ضجيج الأرقام - فإن "مركز الشباب العربي" قد أورد في استبيانه 2020 ، أن في العالم العربي حوالي 30 %  شباب بطالي، و75 % لا يتوفرون على تغطية صحية، و82 % لا يمارسون أي نشاط ترفيهي، وحوالي 60 ٍ% يرغبون في هجرة بلدانهم، و حوالي 30 % فقط متزوجون، و95% متعلمون، و 80 % يستقون أخبارهم من مواقع التواصل الاجتماعي، و 24 % فقط يهتمون بالعمل السياسي مقابل 10 إلى 15 % منخرطون في العمل التطوعي، و31 % منهم في مناطق التوتر، منهم 58 % نازحي العالم و 45%  من إرهابيه و68 % من ضحاياه..؟؟.  

 

         فإلى القيادات الثقافية في الوطن العربي.. إلى القطاعات الحكومية والجمعيات المدنية.. إلى مؤسسات التنشئة الاجتماعية.. من مدارس وإعداديات وكليات.. إلى دور الشباب والمراكز الثقافية والمخيمات.. ماذا عن شبابنا وتصوره الذاتي عن الأنا والآخر؟، عن محيطه البيئي وعالمه الكوني؟، هل يتصور بإمكانية التغيير والإصلاح أم باستحالته؟، هل له رؤية ومنهجية قابلة للتنزيل.. هل يتصور له دور في ذلك ومن أي مكان وبأي إمكان، أم يرد كل الأدوار إلى غيره وينتظر الذي قد يأتي ولا يأتي؟، لماذا الملايين من خريجي الجامعات العربية – حسب الدارسين – ليس لهم دور ولا قيمة مضافة في تنمية الوطن العربي؟، لماذا يعاقرون الإحباط واليأس ويترنحون اليوم خمر وغدا أمر؟. ما هي قضايا شبابنا من خلال وعيهم الفكري ونهجهم السلوكي وانتمائهم السياسي وحراكهم المدني التطوعي؟. ماذا يقولون في التطرف؟ كيف يواجهون التطبيع؟. أم أن أفق الأفق أكل القوت وانتظار الموت.. وأولوية الدراسة والنجاح ولو بالغش؟.

 

         ويبقى الغريق في ورطته وبفطرته يحاول إنقاذ نفسه قبل الاستنجاد بغيره، وإذا علم من قوم أي قوم نية الإيقاع به فإنه يقاوم حتى آخر رمق ولا يستسلم. قد يكون السياسيون والمثقفون والحركيون والمدنيون وغيرهم من الظروفيون والغضروفيون من هؤلاء القوم كما قلنا، وبشكل ما، قد يكونون مسؤولون عن وضع المواطنين عامة و عن وضع الشباب بصفة خاصة،  لكن أبدا يظل الشباب أول المسؤولين عن نفسه وعليه تقع مسؤولية إنقاذها من براثين الجهل والتخلف الثقافي والانحراف السلوكي المعرفي والقيمي..، فهل يمكن أن يسلك الطريق الصحيح والموصل؟، هل يمكن أن يقرأ من الكتب الجادة والمفيدة؟، وكم يمكن أن يحضر من المحاضرات والندوات والمناظرات حضوريا أو عن بعد؟، كم يمكن أن يحرص عليه من دورات تكوينية وتدريبات في التنمية الذاتية محليا وطنيا ولما لا دوليا؟،  بكم يمكن أن يستمتع من أغاني جميلة ومسرحيات هادفة.. وكم يستطيع مع رفاقه أن يبدع منها بدل انتظارها؟.

 

وبما أن الثقافة معرفة شمولية مقرونة بالعمل فكم يمكنه أن يفتح من غرف حوارية افتراضية فايسبوكية مثلا، وكم يمكنه أن يدير من مواقع وصفحات ومدونات كونية؟، كم لغة حوارية سليمة ومهارة مسعفة يملك لذلك؟، في كم يمكنه أن يشارك من حملات تطوعية رقمية أو وقفات تضامنية ميدانية؟، كم يمكنه أن يكتب ويبدع ويمتع على خلفية كل هذه الأنشطة الثقافية الحيوية والانتظارات الوطنية والهموم الكونية، على أي، يقول العارفون أن تقرأ تركيز ومعرفة.. أن تشاهد استرخاء ومتعة.. أن تكتب معرفة ومتعة ..قوة وإبداع.. إن تجدوا شيئا فشيئا، يوما بعد يوم يمتعكم الله بكل هذا أيها الشباب؟.

الحبيب عكي

 

 

اقرء المزيد

الثلاثاء، 11 يناير 2022

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

عبد الله إبراهيم..هل لازال ينتظرنا منذ 11 يناير 44؟؟

      في مطبوع صغير قليل الحجم كثير الفائدة، عثرت عليه اليوم في السوق الأسبوعي عند بائع الكتب المستعملة، وأحمد الله أنني خرجت به من السوق فيما خرج الناس منه بالمعتاد من الخضر والفواكه، لقد وجدت فيه محاضرة قيمة شهية للأستاذ الوطني الكبير السياسي والنقابي والكاتب المغربي المناضل عبد الله إبراهيم (1918 - 2005)، كان قد ألقاها بالمركب الثقافي المعاريف بالدار البيضاء، بمناسبة 11 يناير 1995، التهمتها في سويعات معدودات فأشبعتني وزيادة، ونظرا لأهميتها اسمحوا لي أن أتقاسمها معكم، فقد جمعها وطبعها المنظمون تحت عنوان:" ثورة تقدمية ذات طابع تاريخي تصطدم بقوة رجعية مضادة 44 - 95 ". وقد تحدث فيها المحاضر عن محاور أساسية طبعت حياة المغرب المعاصر كانت ولا زالت تعتمل فيه بقوة وهي: الحركة الوطنية مخاضات الميلاد ومآلات النضال.. تقديم عريضة المطالبة بالاستقلال، المضامين التحررية والإضافات الوطنية.. قوى الرجعية وصراعات المصالح والهيمنة بعد الاستقلال .. حكومة عبد الله إبراهيم كثالث حكومة مغربية (58 – 60).. الكتلة الديمقراطية والباب المسدود (1976 – 1980) ولماذا انسحب منها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.. فشل مسلسل التناوب التوافقي.. شروط النهضة الوطنية الحتميات والأفاق؟.

 

         هذا وقد بدأ السيد المحاضر - رحمة الله عليه - محاضرته بطرح أسئلة جوهرية وأساسية يرى أنه لا نهضة ولا تقدم – طال الزمن أو قصر – دون الإجابة عنها إجابة مجتمعية وسياسية واضحة وتعاقدية بين جميع الأطراف ومن ذلك:

1-    هل يمكن تحقيق ثورة تقدمية دون فلسفة ثورية؟

2-    هل هناك فلسفة ثورية دون ضمان تنفيذ برامجها، ولا يحميها الدستور ولا تدعمها المؤسسات ولا تنبع من الانتخابات..؟

3-    ملحمتنا التحررية الجهادية، هل أضافت البندقية إلى الشعار؟، أم عوضت البندقية بالشعار؟.

4-    معاهدة الحماية (1912)، ما هي الظروف الموضوعية الداخلية التي أدت إلى فرضها والقبول بها؟

5-    الحركة الوطنية (1930 – 1955) هل هي عمل ظرفي؟، أم مشروع تاريخي مؤسس لما سيأتي بعده؟

6-    الحركة الوطنية هل بدأت مع حرب الريف (20-27)؟، أم مع الصيام الغاضب وحركة اللطيف بالمساجد ضدا على الظهير البربري (16 ماي 1930)؟.

7-    وحتى تتضح مداخيل المعالجة، هل الأزمة في المغرب، أزمة حكم وحكام؟، أم أزمة نخب؟، أم أزمة أمة وشعب؟.

 

         ويجيب الأستاذ المحاضر بأن مسؤولية النخبة واردة بشكل قوي، باعتبار طبيعتها البورجوازية (دارسين في فرنسا.. مترجمين معها..).. تموقعها في المدن أكثر من القرى.. فقدانها القدوة وضعف تأطيرها وقيادتها للمجاهدين في المدن والقرى.. عجزها عن توفير العتاد واللوجستيك الجهادي.. حرصها على مصالحها (تجار مع تجارتهم وأعيان مع مناصبهم..).. خذلان بعض مواقفهم(كتبعية بعضهم اللاحقة للمستعمر..)..، لكن صلابة المقاومين في العالم القروي مجاهدين وقبائل، وقوة الاحتكاك والمواجهة بينهم وبين المستعمر في غير ما موقع، قوى من شوكة وتنظيم الحركة الوطنية وعجل بميلادها، وعلى امتداد 34 سنة من عمرها الجهادي (30 - 56) كانت لها العديد من الثمرات على أصعدة شتى نذكر من ذلك ما وقع من التحول من التحالف مع الاستعمار في إطار الحماية إلى التحالف مع الملك في إطار المطالبة بالحرية والاستقلال، وكذلك التحول من المطالبة بالإصلاحات في إطار الحماية إلى المطالبة بالحرية والاستقلال والتقدم في إطار السيادة الوطنية والمعيش اليومي للمواطن والتاريخ الحضاري للبلاد.

 

        وهكذا توج هذا التعاون بين المقاومة الوطنية والملك السلطان المغفور له محمد الخامس بعريضة المطالبة بالحرية والاستقلال التي قدمها الشعب المغربي إلى سلطات الحماية يوم 11 يناير 1944، وقد ضع مسودتها سفير المقاومة عند الملك الأستاذ المجاهد محمد الفاسي، وهو ككل المقاومين لا يخافون.. لا يرتابون.. لا يخونون.. لا يتراجعون.. ولا يقهرون.. لصلابة إرادتهم و وضوح رؤيتهم ورسالتهم التي كانت من الشعب وإليه وإعلاء لكلمة الله ومجد الوطن، وثيقة انضافت إليها توقيعات الشخصيات والمجاهدين وضمنهم محاضرنا المناضل الأستاذ عبد الله إبراهيم، واحتضنتها عرائض التأييد الشعبية ومظاهرات النصرة العارمة، فكانت بحق منعطفا حاسما وثوريا في تاريخ المغرب المعاصر، ونذكر بعض ثمراتها على مستوى الوطن والمواطن:

1-    تغيير الولاء من التحالف مع المستعمر إلى التعاون مع السلطان والالتفاف حوله.

2-    تغيير الولاء من القبيلة والاستقواء بها إلى الولاء للوطن والأمة والدفـاع عنهما.

3-    تغيير البندقية التقليدية إلى البندقية المعاصرة للمظاهرات والاضرابات والعمل السياسي والنقابي والاضراب العام..

4-    إشراك المواطن بكل فئاته في هموم الوطن بكل مجالاتها.. المجاهدون.. النخبة.. العمال.. النقابات.. الفلاحون.. الطلبة(اتحاد طلبة المغرب بعنفوانه ونضاله وامتداده الدولي).

5-    نزع المبادرة والقرار من المستعمر وجعلهما في يد الشعب والسلطان من أجل مغرب مسلم حر ديمقراطي حديث بصدق وجدية ذلك الزمان.

6-    جعل المغرب جزء لا يتجزأ من المغرب العربي والوطن العربي والعالم الإسلامي دون التفريط في مصالحه مع أوروبا وامريكا والتضامن القوي والدائم مع كفاح الشعوب الأفريقية.

 

      غير أنه بعد عودة السلطان وإعلان الاستقلال يوم 18 نونبر 1956، حدث ما لم يكن في الحسبان، فبدأت تظهر سياسة الأطماع والهيمنة، بل وانحرفت بالبلاد من مغرب حر مستقل إلى مغرب مستقل ولكن في إطار التبعية، ولمن؟ للمستعمر الذي طرده الشعب من الباب فأعاده المغرضون من النافدة وعبر المصالح؟. وضربوا بذلك كل تضحيات عقود من المقاومة الباسلة الظافرة، ومرغوا في الوحل أرواح الشهداء ودمائهم التي لم تجف بعد في كل المواقع البطولية،  "المنقر" .. "عين صلاح".. "الهري".. "أنوال".. "بوغافر".. "بادو".. "تافيلالت".. "الناظور".. "المذاكرة".. "تنغير".. "سيدي بوعثمان"..؟. وبهذا التراجع الخطير، دخل المغرب في أزمة مبكرة وسار في الطريق المسدود وهو لم ينتشي بعد بما فيه الكفاية من تحرره وتخلصه من قبضة المستعمر الغاشم؟. وفي طريق الحل جاءت حكومة الأستاذ الجامعي المحنك والمناضل النقابي  العتيد ورجل الدولة الصلب الأستاذ عبد الله إبراهيم ، وهي ثالث حكومة مغربية نصبت بعد حكومتي "امبارك البكاي" و"أحمد بلافريج"، وثالث حكومة خلدت بمداد الفخر في ذاكرة المغاربة قبل حكومتي الأستاذ"عبد الرحمان اليوسفي" والأستاذ "عبد الإله بنكيران"، وكأن المغرب لم يشهد غير هذه الحكومات الرائدة، وما غيرها ملأ فراغ في فراغ؟.

 

        وكما يحكي رئيس هذه الحكومة في محاضرته التاريخية القيمة، فقد كانت حكومة سياسية.. مستقلة.. مسؤولة عن برامجها، لا حكومة حزب ولا تكنوقراط.. يرأسها رئيس حكومة لا رئيس الوزراء.. في تعاقد واضح بينه وبين الملك (ثقة.. احترام.. صراحة.. مصالح الوطن..)، منسجمة بين وزرائها موضوعيا لا ذاتيا، متجاوبة مع مطامح الشعب وكرامته وبصدق وجدية ذلك الزمان، وزاراتها متضامنة لكن ليس ضمنها أم الوزارات ولا وزارات السيادة، فقد كان المرحوم يرفض حتى فكرة اتباع الداخلية والدفاع والأمن الوطني للقصر، وكان يرى في ظهير 58 أنه مكبل للحريات وممارسة الديمقراطية التي ناضل من أجلها المغاربة؟. وفعلا، هذه الحكومة حققت للمغاربة وفي مدة وجيزة (58 - 60) ما لم يحققه غيرها: تنظيم عملية الحرث الجماعي في المجال الفلاحي.. نزع الأراضي الفلاحية من المستعمر.. إنشاء مؤسسة الإنعاش الوطني لحماية الفقراء والعاطلين.. مؤسسات صناعية وطنية كبرى كسامير و سوماكا.. تطهير الإذاعة والجيش والأمن والمخابرات من الأجانب.. العمل على تعريب التعليم وتوحيده وتعميمه ودمقرطته.. عقلنة مندوبية المقاومة وجيش التحرير وتحصينها من المجاهدين المزيفين.. وضع المخطط الخماسي (60 – 65)..، هذا مع العلم أن بعض الوزراء كانوا في الحكومات السابقة ولم ينجزوا ما أنجزوه في حكومة المرحوم عبد الله إبراهيم الذي كان يتحكم في قراره؟.

         لكن اللوبيات والمكائد هي اللوبيات والمكائد داخلية وخارجية، فهذه الحكومة لم تستمر غير عامين يتيمين (58 - 60)، ليستمر بعدها المغرب في صراع المصالح والهيمنة والإقصاء وبالعنف أحيانا، إلى أن وصلت سياسته من جديد إلى الباب المسدود والسكتة القلبية خاصة ما بين (76 – 80) حيث سياسة التقويم الهيكلي لصندوق النقد الدولي.. تقديم ملتمس الرقابة ضد الحكومة.. تأجيل الانتخابات عامين باستفتاء شعبي.. إشراف الداخلية (أم الوزارات) على كل شيء.. تأسيس كتلة ديمقراطية تقبل بمجرد تناوب توافقي وتغيير الأشخاص بدل البرامج والسياسات والصلاحيات.. وهكذا انسحب منها حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بزعامة الأستاذ عبد الله إبراهيم؟. ليبقى إلى اليوم في المحطة ينتظرنا ويصرخ يا قوم لم يأتي القطار بعد.. لم يفت وقت السفر بعد.. لكن اعلموا – طال الزمن أو قصر – أن حتمية التغيير هي استراتيجية قارة للعمل الوطني اقتصاديا واجتماعيا، وتحديد الأهداف الوطنية في علاقتها بالدول الأوروبية والصناعية. وشروط ذلك:

1-    حكومة سياسية مستقلة مسؤولة عن برامجها.

2-    برلمان حقيقي مؤهل لمراقبة الحكومة ومناقشتها.

3-    إعلام وطني ديمقراطي مستقل لا مدعم ولا موصى عليه.

4-    سياسة راشدة لإشراك الشعب بصدق وإعادة الثقة له في نفسه والأمل في مستقبله.

5-    احترام سلطة المؤسســــــات الدستورية والقانونية لضمان حقوق وكرامة المواطن.

 

        بهذا وبهذا وحده يمكن أن نسير في أفق تحقيق الوحدة الوطنية، بل والوحدة والدعم المتبادل بين بلدان المغرب العربي والوطن العربي والشعوب الإسلامية، وتحقيق التعاون الاقتصادي والثقافي مع شعوب السوق الأوروبية المشتركة والولايات المتحدة والشعوب الأمريكية، وتحقيق مساندة قوية ودائمة لوحدة واستقلال وتضامن الشعوب الأفريقية؟. رحمة الله عليك أيها المناضل الفذ، وأنت لا زلت تنتظرنا في المحطة ونحن ولا شك قد تأخرنا عنك، وربما سنتأخر عنك أكثر، قد أحدثنا ورائك ما أحدثنا، وسرنا  في ما سرنا فيه من اختيارات واتجاهات، فعلا تقدمنا في مجالات ومجالات.. وأخفقنا في أخرى.. لكن ما لم تعلمه ربما، أنه قد انحرفنا في متاهات ما كان علينا أن نقربها بالمطلق.. لقد طبعنا في المغرب الرسمي مع الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين تضامنا مع تحرير الشعوب.. وعدنا مجانا إلى فرنسة التعليم الذي عربتموه.. انتخاباتنا أصبحت حرة ونزيهة ولكن وكأننا ندمنا على ذلك فأصبحت "برق ما تقشع".. فلا يشاع عن حكومتنا غير أنها محكومة لا تحكم.. وعن برلماننا غير تأتأته حتى في شعاره "العام زين"، مساجد توقيفية "توفيقية" خرساء لا تفرح ولا تغضب.. عطالة خريجين وهجرة سرية وقضاء في الأعالي.. ومساعدات "كوفيد 19" لخمسة ملايين أسرة بساكنة 34/28 مليون، و.. و..، وكأننا قد نسينا ثورة 11 يناير 44  وتضحياتها، ونسينا ثورة الملك والشعب 20 غشت 53 وشهدائها، ونسينا كل الثورات حتى ثورات الربيع العربي وهي تستعر حولنا موجات وموجات،  ولا نريد شيئا من أي كان.. فأرجو أن تتركنا عنك وتدعنا وشأننا.. أن تتفضلوا بمغادرة المحطة شكر الله سعيكم.. أن تناموا في قبركم قرير العين مشكورا لكم .. مغفورا لكم، حتى لا يطول انتظاركم لنا ويكون جزاء انتظاركم هو مجرد الانتظار؟؟.

الحبيب عكي


اقرء المزيد

الأربعاء، 5 يناير 2022

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

قراءة في رائعة الفن المغربي ..المثل العالي

       كثيرة هي القصائد الشعرية والأغاني الدينية التي تتغنى بخصال الحبيب المصطفى (ص) وحبه ومدحه والصلاة عليه والشوق إلى زيارة مقامه الطاهر في خير البقاع. ومن تلك الأغاني رائعة "المثل العالي" للثلاثي المغربي الرائع المرحومون أحمد الطيب لعلج في كتابة الكلمات، وعبد القادر الراشدي في الألحان، واسماعيل أحمد من حيث الغناء، فاجتمع بذلك في الأغنية من العبقرية المغربية ما لم يجتمع في غيرها، واستحقت أن تكون بذلك فعلا من الرائعات ومن الخالدات التي تثير في كل الأجيال كثيرا من الطرب والدندنة الراقية والشوق والمحبة الغالية، و رغم أنها أبدعت منذ 1964 إلا أنها لا زالت حية فتية.. رائعة ساحرة.. محبوبة مهضومة.. محفوظة معلومة.. تعد عن جدارة واستحقاق من "الريبرتوار" الأساسي في معاهد التكوين الموسيقي، ويتناوب على غنائها كل المطربين طلبة وأساتذة.. قدامى وجدد.. مغاربة وأجانب.. أفرادا ومجموعات؟.

 

         تبدأ الأغنية وهي من ثلاثة أو أربعة مقاطع، باستهلال جامع مانع يلخص أهمية الموضوع ومكانة صاحبه ولماذا هو مثلنا العالي، فبعد نداء الرسول (ص) بخصلة غالية وهي خصلة الشفاعة وهي التي يحتاجها ويتشوق إليها كل الخلق، يشهد به المتوسل رسولا بعد شهادته بالله، وهو النور الهادي.. والمثل العالي، عظيم الجاه..  وخاتم المرسلين..، فكيف لا يسأله الشفاعة يوم الميعاد.

يا محمد صاحب الشفاعة والنور الهادي// يا محمد بك كنشهد من بعد الله

يا محمد كون لي شفيع يوم الميعاد // يا عين الرحمة يا النبي عظيم الجاه

ثم تنتقل القصيدة/الأغنية في مقطعها الثاني إلى إبراز خصال المثل العالي في كونه الرحمة المهداة.. والنعمة المسداة، وأهمية رسالته التي جاء بها للإنسان، وهو القدوة الحسنة في الصبر والإيمان.. والدعوة إلى الله وحده لا شريك له.. وخصاله الجامعة المانعة الرحمة والمودة.. والثبات وحسن التدبير...

عطيتي الأمثال في الصبر والإيمان الصادق // فالدعــــــــــوة لوحده العلي القدير

وكنت قدوة لكل مؤمن والمؤمن صادق // بالرحمة والصبر والثبات وحسن التدبير

 

         لتنتقل القصيدة بعد ذلك إلى إبراز أهمية الرسول (ص) بالنسبة للإنسان في الدنيا وفي الآخرة، وهو الذي كشف كل ظلام الدنيا وعدل برسالته وأصلح كل ما كان فيها من السوء والمظالم، على قول الشاعر:"ولد الهدى فالكائنات ضياء//وفم الزمان تبسم وثناء".

علمت الناس المحبة بالقلب الصافي // الرحمة والخوا والعوين ونكران الذات

بشرتي بالخير بالسماحة والطبع الوافي // وريتي للإنسان طريقو للحسنــــات

لتختم القصيدة ذاتها بالدعاء للأمة عامة ولحفيد الرسول (ص) مولانا السلطان، بأن يوفقه الله وأن يؤيده ويحفظه ويسدد خطاه، حتى يرفع لواء النبي بالدرجة الأولى، وينشر دعوته وخصاله العليا، ثم ليحل ما خبل من الإشكالات ويرفع مقام الأمة ويحقق مناه وهو مناها.

وحفيدك يوفقو الله ويسرح الخبال // ويرفع مقام الحق ومقــام الأمة

ربي يا ربي تأيده وتسدد خطاه // حتى يرفع علام النبي والمثل العالي

وتحفظو حفظ اللسان وتحقق مناه // هو واولادو وأمته يا نعم المتعالي

 

         وهكذا تفتح القصيدة الأغنية أعين القارئ والمستمع على أسئلة جوهرية حول الرسول (ص) ورسالته العطرة، التي تستقيم وتهنئ حياة المرء بقدر ما يجيب عنها إجابة صحيحة ويتفاعل مع إجابته تفاعلا أصح، ومن ذلك:

1-    من هو محمد رسول الله (ص)؟

2-    ما علاقتنا به (ص)  في الدنيا؟

3-    ما حاجتنا إليه (ص) في الآخرة؟

4-    محمد بين الحكماء والسفهاء، وما عائده على حياتنا ومجتمعنا إتباعا أو ابتعادا؟.

           وتعيننا القصيدة التحفة على تلمس الإجابة بقولها بين ثناياها أن محمد (ص): رسول من الله تعالى.. خاتم المرسلين.. النور الهادي.. والحسن البادي.. عين الرحمة.. عظيم الجاه.. قدوة حسنة.. داعية لله وحده.. عناية المؤمن في الدنيا.. وزاده في الآخرة.. حبيب الله.. البشير النذير.. حماية في الشدة.. وركن في الرخاء .. طبعه الوفاء.. طريق الحسنات.. إلى أن تضع شملة الشمائل على عقدها فتقول بأنه صاحب الشفاعة والنور الهادي. ترى ما هي هذه الشفاعة التي تكررت في القصيدة /الأغنية كلازمة شيقة طروبة؟، لمن توجب؟، وما شروط استحقاقها؟:

 

         الشفاعة - كما يحكي العلماء - هي الوساطة للغير من أجل جلب مصلحة له أو دفع مضرة عنه. وقد جعلها الله شفاعة عامة للأنبياء والملائكة والمؤمنين والشهداء وحملة القرآن والفرط من الصغار، وجعل موضوع هذه الشفاعة رفع درجات المؤمنين في الجنة، وفي من وجبت له النار ألا يدخلها، ومن دخلها أن يخرج منها. وهناك شفاعة خاصة بالرسول (ص) بفضلها يخلص البشرية من حرارة المحشر وعطشه بسقيه عباد الله المؤمنين من حوضه شربة لا يظمؤون بعدها، بالإذن ببدء الحساب بعد طول انتظار، بفتح باب الجنة أمام المؤمنين الذين عبروا الصراط حتى يدخلوها بعده وهو أول الداخلين، وشفاعته لأمته حين يعجز عنها الأنبياء فيصلون إليه (ص) ويقول:" أنا لها..أنا لها، فيسأل ربه ساجدا، فيقول له الله سبحانه تعالى:" يا محمد ارفع رأسك وسل تعطى واشفع تشفع، ويخرج بفضله (ص) من النار أفواجا وأفواجا كلهم وجبت لهم النار، حتى يخرج من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان"؟.

 

         غير أن الشفاعة تستلزم رضاء الله تعالى عن الشافع والمشفوع،  قال تعالى:" مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِه " البقرة / 255، وقال أيضا: " وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى" الأنبياء / 28. ثم شرط آخر وهو إذنه سبحانه وتعالى للشافع بأن يشفع في المشفوع، الذي لا ينبغي أن يكون كافرا لأن الله لا يرضى عن الكافر، ولا لعانا كما ورد في الحديث:" لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة"، وغني عن القول أن ما يدعى من شفاعة القبور والأضرحة والكبراء والطغاة، إنما هي باطلة لن يكون لها وجود ولو ادعاها المدعون، قال تعالى:" فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ"المدثر/ 48، وفي آية أخرى:" وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُون"الزخرف/86، وقال أيضا: "وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ"البقرة/48. وأخيرا، ليعلم الجميع أن الشفاعة – كمت ورد في الحديث – إنما تستلزم أيضا إخلاص العبادة لله تعالى، وسؤاله الوسيلة والدرجة الرفيعة بعد الآذان بقوله: "اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد"، فاللهم شفع فينا وفي خلقك حبيبك وحبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم.. آمين.. آمين.. والحمد لله رب العالمين.

الحبيب عكي

 

 


اقرء المزيد

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

المشاركات الشائعة