Top Ad

الاثنين، 21 أغسطس 2023

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

الإعلام وتقصيره المفرط في التوجيه الجامعي

لكم دخل الطلبة المساكين في حيص بيص، خلال هذه العطلة الصيفية الممتدة، 90 يوما والله المستعان وقيظها يحرق فرحتهم التي لم يكادوا يهنأوا بها وهم الذين قد حصلوا على شهادة البكالوريا بعد جهد جهيد بذله كثير منهم للسنة والسنوات، وكلهم أمل كبير وحيوية ونشاط على أن يلجوا الدراسة الجامعية والحياة المهنية من بابها العلمي والتكويني الواسع، وكانوا يعتقدون أنه سيرحب بهم في كل المعاهد والكليات رافعين شهاداتهم ومفاتيح مستقبلهم ويقولون: " هاؤم اقروا بكالوريا"؟.

 

لكن الواقع شيء آخر وأمر من مرير، وعبثا تحاول الوزارة المعنية والبرامج الحكومية والسياسات العمومية ومشاريع الإصلاح بقانون إطارها، أن يقنع الطلبة وأوليائهم بشيء ذي فائدة وجدوى غير الإهمال والعبث والارتجال بكل مظاهره المتخلفة والقاسية، وكلها تثير الغضب والسخط وبث الشكوى إلى الله عز وجل، وأول وأخطر هذه المظاهر غياب المعلومة وغياب المسؤول الذي يمكن أن تحاوره ويقرر بشأن طلبك وتسوية ملفك. دون أن نتحدث عن التناقضات بالجملة والتعقيدات والقرارات المعيقة أحادية وغير مقنعة؟.

 

كان على الوزارة الوصية في مصالحها وعبر مدارسها وكلياتها، أن تكون لها خطة إعلامية استراتيجية فعالة ومحكمة.. مواكبة ومجدية ومتجددة، وكان على الإعلام الوطني بكل وسائله السمعية البصرية أن ينخرط في هذه الخطة ويدعمها بقوة واستمرارية، وعلى جمعيات المجتمع المدني خاصة العاملة في مجال التوجيه والارشاد التربوي أن تكون لها أصداء قوية بهذا الصدد تليق بتخصصها ومهنيتها واتحاداتها الجهوية والوطنية، النقابات والتنظيمات الطلابية..، الكل في جهود متضافرة بين الجميع لعل أخبار التوجيه والمبارة والتسجيل والدراسة تشيع في كل الأرجاء وتملأ بعض الفراغ المهول في الميدان؟.

 

لكن مع الأسف، هناك فراغ مهول في المعلومة التوجيهية والخبر الارشادي الجامعي وحتى النشر المرجعي وغير المتقادم، ليبقى عشرات الألاف من الطلبة الجدد والقدامى يعانون من غياب المعلومة ومن زيفها وتضاربها بشكل يهدد موسمهم الدراسي المقبل ويفوت عليهم فرصة التسجيل القبلي في الموقع الالكتروني لجامعة من الجامعات أو اجتياز مبارة تنافسية لمعهد من المعاهد؟. و إطلالة بسيطة على صفحات التواصل الاجتماعي وبعض المجموعات المغلقة لبعض التخصصات في بعض الجامعات يؤكد كل هذا الوحل؟.

 

طلبة حائرون يتساءلون عبر هذه الصفحات والمجموعات متى سيفتح التسجيل القبلي؟، ما مدة امتداده للجدد وللقدامى؟، بأي بكالوريا سيتم التسجيل الجديدة أو القديمة؟، إمكانية تغيير الشعبة؟، إمكانية تغيير الكلية في نفس المدينة أو من مدينة إلى أخرى؟، الشعب المتوفرة في كل جامعة؟، المواد التي ستدرس في كل شعبة؟، أفق كل شعبة وحظوظ النجاح فيها؟، الفصول الدراسية s1.. s2 ..s3 ومن تبقت له مادة أو مواد في أي فصل؟، الحي الجامعي؟، شواهد النجاح وسحبها لاجتياز المباريات؟، وعشرات الأسئلة غيرها ظلت بلا جواب أو لها أجوبة متضاربة غير مسؤولة، لا تزيد الطالب غير الحيرة والمعاناة؟.

 

ربما قد تكون للوزارة الوصية أو الكلية المعنية منصة توجيهية ما، لكنها وكأنها غير معروفة وغير مفعلة فبالأحرى أن تكون مواكبة ومتفاعلة أو محينة وشاملة لكل المراحل التعليمية وكل المعاهد والمدارس العليا والجامعات، فبالأحرى أن تمتد إعلاناتها لتغطي الدراسات في الجامعات الأجنبية الشرقية والغربية والأمريكية لمن يهمهم الأمر؟، أفلا ينبغي أن يتدخل الإعلام في هذه المعضلة التوجيهية الشائكة، وكلها حبلى بعشرات المواضيع والاشكالات المزمنة والمتوالدة التي يمكن أن يشتغل عليها الإعلام ويفكك مواضيعها عبر العديد من البرامج السمعية البصرية.. العديد من البرامج الحوارية والتفاعلية.. العديد من الروبرتاجات الميدانية.. ولما لا الاشهار والرسائل الالكترونية؟. 

 

من يقنع الطالب المغربي مثلا، بحكاية الاستقطاب المحدود والاستقطاب المفتوح في الجامعة؟، أو حكاية الروافد الجامعية المحددة وعلى أي أساس؟، ولماذا لا تكون هذه الروافد في المدارس العليا والمعاهد وكلية الطب والصيدلة؟، حكاية التسجيل بالبكالوريا الجديدة بدل القديمة أو قبلها؟، التسجيل القبلي عبر الأنترنيت وكيف يعد شرطا ضروريا للتسجيل الفعلي بداية الموسم؟، أي انسجام لهذا مع الحق الدستوري في التعليم دون قيد ولا شرط؟، المشاكل العديدة التي يجدها الطلبة مع الموقع وتحول دون تسجيلهم أو يتسجلون عبر المكتبات كأنهم أميون؟، حكاية بعض الشعب التي توجد في بعض الجامعات ولا توجد في البعض الآخر رغم جهويتها؟، الانتقاء القبلي وحكاية المباريات التي تجتاز في نفس المدة الزمنية ويستحيل على الطالب اجتيازها؟، وتمر العطلة كلها بهذا الركام من الأسئلة الحارقة والمؤرقة دون جواب ولا حل ولا تفاعل.. ويدعي المدعون بلا خجل انهم رهن إشارة الطلبة والطالبات؟.  



        إن الإعلام جزء لا يتجزأ من العملية التربوية على مختلف مراحلها، ومواكبة التلاميذ والتلميذات والطلبة والطالبات حاسمة لا تقل حسما عن مواكبة آبائهم وأساتذتهم لهم في منازلهم ومؤسساتهم التعليمية، لإيناسهم والاستماع إليهم أولا، ثم لاستيضاح الصور والفرص التعليمية على حقائقها ومستجداتها لمن يملك ذلك، والبحث عنه عبر المتاح من الوسائل لمن لا يملكه، ثم للإشارة عليهم بالمعلومة الصحيحة والرأي المفيد قبل حسمهم في توجيههم وبناء اختيارهم حسب مصالحهم وقناعاتهم.. واقعهم ومستقبلهم.. ميولاتهم وقدراتهم.. ممكنهم وإمكانهم، هي عملية صعبة ومعقدة طبعا ولكن لابد أن يترك الآباء فيها باب الاختيار الشخصي لأبنائهم حتى  يقرروا في شأنهم عن وعي و واقعية وبكل حرية ومسؤولية؟.

 

من للطلبة والطالبات حتى وهم داخل المدارس العليا والجامعات خلال الموسم، ألا يعانون من مشاكل عديدة ومعقدة تحدد مصيرهم ومصير هذا الوطن.. مشاكل وصعوبات في الاندماج في الوسط الجامعي.. مشاكل وترددات في اختيار الشعب الدراسية.. مشاكل وصعوبات القدرة على مواكبة الدراسة بأسلوب غير معهود.. مشاكل وضغوطات نفسية.. صحية.. جنسية عاطفية.. اقتصادية.. اجتماعية.. السكن.. النقل.. التغذية.. المنحة.. الحي الجامعي.. الزمالة.. المقررات.. المراجع.. المكتبات.. الأساتذة.. الامتحانات.. البحث العلمي.. الأنشطة.. العنف.. الإضرابات..، فماذا تفعل الوزارة الوصية وأي حكامة لها.. أي إبداع؟، وبكم يساهم إعلامنا الوطني في تفكيك هذه الإشكالات المؤرقة والتخفيف من ضغوطاتها، قبل أن نتحدث يوما ولات حين لا يجدي الحديث عن الهدر المدرسي والاخفاق الجامعي، أو عن مجرد تبديد المال العام في تخريج مجرد العاطلين؟.

الحبيب عكي


اقرء المزيد

الاثنين، 14 أغسطس 2023

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

فاتتني صلاة.. أو الصلاة بعرض تربوي آخر

كتاب من الحجم المتوسط والطبع الجديد الفاخر، 231 صفحة، لصاحبه "إسلام جمال"، طالما رأيته معروضا على واجهات المكتبات وزوايا جديدها وإشهارها، وعند بائعي الكتب المستعملة في الأسواق وعلى قارعة الطرقات بزهيد الأثمان، لكنه، لم يستهويني بالاقتناء ولا بالقراءة، لأنني أصلا كنت أقرأ عنوانه بالخطأ "فاتنتي صلاة" و ساء به ظني على أنه مجرد كتاب من كتب الموضة المعاصرة و موجة الاسترزاق في التنمية الذاتية التي تدعي تغيير الذوات مهما كانت محنطة وتستعصي على التغير، ومجملها فعلا كذلك لا يتغير حتى أثناء حماس الدورات. هكذا وبكل بساطة حكمت على الكتاب المسكين من غلافه وعنوانه دون اطلاع ولا قراءة فبالأحرى التمحيص والدراسة؟.

 

إلى يوم نزلت فيه ضيفا عند أحد الأصدقاء الأقرباء الأصهار في العاصمة، وأشكره على حسن الضيافة بالمناسبة، وبحكم استئناف عمله الحضوري وحكم إجازتي الصيفية وإجازة أهله وغيابهم، وجدتني وحيدا في البيت وعلى امتداد كل الصباح وقسط من المساء، وجها لوجه مع كتاب الله عز وجل على أريكته وحاملته الأنيقة، وهذا الكتاب الموضوع على الطاولة، والتلفاز الطويل العريض على جداره. قررت عدم الخروج لتجزئة الوقت في الصعود والنزول عبر الشارع دون غرض ما، قررت عدم تجزئة الوقت أيضا في النوم خاصة بعد الاستيقاظ، ولا في تصفح الهاتف النقال وما يعرضه علينا من ألعاب وتطبيقات وروتين الصفحات بالمجان، وصدق من قال:" إذا رأيت شيئا بالمجان فاعلم أنك أنت المشترى وبالمجان"؟.

 

ارتشفت من كتاب الله ما تيسر من رشفات ولا أروع، ولا أدري كيف امتدت يدي بعدها إلى أخذ الكتاب من مكانه، تصفحت فهرسة فصوله الثلاثة، وإذا بعناوينها مختارة بعناية، وكل عنوان يحمل إشكالا تربويا وسلوكيا واقعيا وفلسفيا عميقا حول الصلاة، ويثير في القارئ رغبة البحث عن إجابته واستثماره في تحسين صلاته وتجويدها مهما كان مستوى تعامله معها. كتاب مناسب لليافعين والشباب، التهمته بسرعة فائقة حبا وشغفا وبجاذبية ممتدة ومسترسلة مع بعض الاستراحة للتأمل والتركيز والتساؤل، سجلت بعض النقاط الهامة والأفكار الأساسية والتي من عمقها قررت مقاسمتها معكم عبر هذا المقال، الذي أعلن منذ البداية أنه لا يغني عن قراءة الكتاب الشيق وهو يستحق؟.

 

يبدأ الكتاب طرحه بإشكال واقعي ملموس ومتناقض في الوقت الذي لا ينبغي أن يكون فيه كذلك، الاشكال هو أنه بقدر ما هنالك فئة من الناس - من الشيوخ خاصة - يحافظون على صلاتهم في وقتها وضوئها.. مسجدها وخشوعها..، ويظهر ذلك على سمتهم ورضاهم ويسعدون بذلك وعليه تنتظم حياتهم، بقدر ما هنالك فئة أخرى        - من الشباب خاصة - لا تكاد تنتظم لهم صلاة بالمواصفات والآثار السابقة، إن كانوا أصلا يصلون، تضطرب حياتهم جراء ذلك وتتوتر، لكنهم لا يبالون أو يجتهدون في بحثهم عن الحل ولكنهم إليه لا يهتدون؟. فيخبرهم الكاتب أن الإنسان قبل كل شيء صنع أفكاره وأسيرها.. إيمانه واعتقاده قبل سلوكه وتصرفاته، وأن أخطر عقبة في حياة المرء هو ذلك ال"يوم ما" الذي سيأتي ولا يأتي.. وسأتغير فيه ولا أتغير. وأن ذلك الوقت الذي يقدم فيه المرء على صلاته في وقتها سيمضي بالربح والعمران، ونفس الوقت الذي ينشغل فيه المرء عنها أيضا سيمضي ولكن بالندم والخسران، فأي من الأوقات سيكسب المرء ويسعده، وأيهما سيخسره ويؤلمه؟.

 

إن المقصرون في هذا الركن الأعظم في الإسلام، وهو الذي تنبني عليه كل حياتهم وتنبني عليه أيضا آخرتهم، طبعا هم مشغولون بشكل أو بآخر، وفي مستوى معين أو آخر، وتلك هي قمة المغالطة وهوى النفس واضطراب الفكر والسلوك، أن يكون الإنسان مشغولا عما يسعده بما لا يسعده؟، هل هناك سعادة خارج الصلاة والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :"جعلت قرة عيني في الصلاة" ويقول: "أرحنا بها يا بلال"؟. وهل هناك سعادة أكثر في صلاة الأداء أم في صلاة القضاء والله عز وجل يقول: " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا"، فما بال بعض المقصرين يعتقدون أن المحافظة على الصلاة هبة من الله يمنحها لمن يشاء ولا داعي لمن حرم منها أن يسعى لاكتسابها أو حتى يحاول، مع أن الإنسان هو الإنسان من جسد وروح، والله تعالى يقول:" والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا"؟.

 

إن الصلاة شعيرة دافئة إيمانية تعبدية.. لأداء حق الله ودوام التواصل معه طلبا لمغفرته وعونه ومعيته ورضاه..، ولا يستقيم طقسها وعطاؤها.. حفظها واطمئنانها..، لكل من ترك ركنا من أركانها أو نظما من مناظيمها أو آلية من آليات دورانها وإثمارها: معرفة الله المعبود حق المعرفة.. التعلق به وطاعته حق الطاعة.. إسباغ الوضوء على المكاره.. كثرة الخطى إلى المساجد.. انتظار الصلاة بعد الصلاة.. تذكر ما يتلى في الصلاة.. أدعية الركوع والسجود وفضلها.. المناجاة والخشوع.. هل لك حاجة عند الله تقضيها.. الذكر والدعاء والدعاء مخ العبادة.. الأثر التربوية والاجتماعية على المصلي كما يقول الرافعي:" إن الصلاة تبدأ عند نهاية الصلاة"؟.

 

وقد أحسن الكاتب في نسج كتابه وهو يبسط بيسر واقتضاب  وتركيز وتشويق، كل مكون من مكونات الصلاة بقصة معبرة أو قولة مأثورة أو قاعدة تدريبية معاصرة، فوق قسط من الآيات والأحاديث التي تساهم ولاشك في إقناع القارئ وتثبته على التزامه اتجاه فاتنته الصلاة إن كان من الملتزمين الموفقين وحق لهم أن يكافؤوا أنفسهم ويوطنوها على جهد المحافظة ونيل الثواب والرضا والطمأنينة والسكينة..، كما يقنع الكاتب المقصر بضرورة تدارك تقصيره إن كان من المقصرين الراغبين في التوبة عن تقصيرهم وترك أعذارهم وترويض أنفسهم وضبطها، بمخالفة هواها الآمر بالسوء، حتى لا يكون صاحبها من الداعين وصلهم ب"ليلى" و "ليلى" لا تقر لهم بذلك، بل ربما ردت على أحدهم بين السماء والأرض وهي تقول: "ضيعك الله كما ضيعتني"، لأنك لم تحافظ علي.. لأنك لم تعقل مني.. لأنك نقرتني ولم تخشع في.. لأنك لم تنتهي بي عن.. وعن.. فمن لم تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم تزده إلا بعدا من الله؟.  

 

وأخيرا، كانت لي ملاحظة بسيطة، وهي أن الكاتب - مشكورا - قد ركز كل مجهوده المقدر على صلاة الفجر وحدها، ربما على أنها من فاتته أو هي أصعب الصلوات وأثقلها على الكثيرين، وإذا تمكن المصلي من تسويتها وعلاج أمرها كان على غيرها وسواها أقدر، ولكن الواقع غير ذلك لأن كثيرا من الناس لهم مشاكل أيضا مع الصلوات الأخرى، وتحتاج إلى جهد علمي وتربوي لمعالجتها وتمثل فضلها وتملك أدائها في وقتها؟، ورغم ذلك يبقى الكتاب قيما وخير جليس ويستحق أن يكون مأدبة دورات وورشات الشباب في جمعياتهم ومخيماتهم.. أسرهم ومدارسهم.. مجموعاتهم وصفحاتهم.. لأطروحته العميقة والأزلية: " لماذا بعض الناس يضطربون في صلاتهم وغيرهم تستقيم لهم؟، أو على الأصح يستقيمون لها فتستقيم لهم"؟. وقس على ذلك أمر الصيام.. وأمر العمل.. وأمر الأسرة.. وأمر الدراسة.. وأمر الصداقة والفن والرياضة.. وأمر السياسة والكياسة..، بما يعني بشكل عام، أمر الحياة والعباد بين العادة والعبادة؟.

الحبيب عكي


اقرء المزيد

الاثنين، 7 أغسطس 2023

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

نحن والعلماء بين المحبة والتجافي

ذات مرة، وأنا أتحدث مع صاحبي عن دور العلماء والدعاة في حياتنا المعاصرة، والتي أصبحت وكأنها تمضي بجراحها وأفراحها بعيدة عن تأثير علم العلماء وحماس الدعاة وما يمكن أن يساهموا به من بث الوعي بيننا واستنهاض الهمم وغرس القيم وتعميم الخدمات وتقوية العزائم وتوجيه الشعوب والأمم واسعافها في ما تتخبط فيه من تراجع القيم وتدني الوازع الديني وهجوم الاستلاب وتفاقم أزمات التمدن الحضاري التي يقرر فيها الآخرون  بالسلب أو الإيجاب، وينجحون غالبا في فرض مقرراتهم على شعوبنا بمجرد بعض المساعدات اللئيمة واختراق التقنيات المدمرة، قبل السياسات الرعونة والقرارات المعولمة التي يتهافت الجميع على تبنيها وتطبيقها طلبا ورغبة لا خوفا واكراها؟.

 

صدمني صاحبي وهو يقول أن أمر العلماء والدعاة عنده، فعلا أمر محير، فمرة يرى أن هناك علماء حكماء ودعاة محنكون فعلا، ومرة يتساءل أين هم القادة القدوة  الفاعلون والجريؤون منهم؟. ومرة يرى أنهم في سياقات وجماعات ومنابر ومؤسسات، ومرة يرى أنهم خارجها وخاصة المؤثرة والمقررة منها في شؤون الناس العاملة على الإصلاح في مختلف المجالات وشتى الوسائل؟. ومرة يرى بعضهم يجتهد في الولوج للاشتغال والتواجد في وسائل العصر من المواقع والمنصات والتطبيقات وصفحات التواصل الاجتماعي، ومرة يجد فيها كل من هب ودب بعجره وبجره إلا هم، وإن حصل فبحضور أبهت من باهت؟. ناهيك عن مدى تواجدهم في الروابط الوطنية ككل القوى الاجتماعية الفاعلة، أوفي الاتحادات العالمية الحرة والمسؤولة وما يمكن أن يكون بينها من تنسيق مفيد وتعاون يقظ مواكب؟.

 

زاد صاحبي من صدمتي وهو يخبرني أنه خلال مطالعته المسترسلة وجد كتابا يعرض عليه وعلى القراء لائحة من عشرين عالم وداعية، ويقترح عليهم متابعة أحدهم أو بعضهم للاستنارة بعلمه والتحفيز بدعوته في أمر دينه ودنياه، ويبشرهم بأن الأجر في ذلك ثابت والفائدة مضمونة بإذن الله. لكن حسب رأيه، كل تلك اللائحة من العلماء والدعاة العشرون، وفيهم القدامى والجدد.. المشهورون والمغمورون.. الكتاب والاجتماعيون والوعاظ والخطباء.. ورغم تنوع مجالات اهتمامهم وتنوع بلدانهم واعتدال طرحهم وسداد رأيهم.. إلا أنه بالنسبة إليه هو.. فقد وجد نفسه لا يميل إلى أي واحد منهم؟، وحتى من كان يستأنس بمتابعتهم في شبابه من قبل، أصبح اليوم لا يطيق القراءة لهم ولا حتى السماع إليهم، وكأنه وقع له تشبع موهوم أو نفور غير مفهوم، فأصبح يقود نفسه بنفسه وبرصيده القديم؟.

 

حالة صادمة فعلا، وأعتقد أنها ليست معزولة، بل منتشرة بشكل أو بآخر.. وبحجم أو بآخر، وعند فئات من الناس أو أخرى، مما يطرح وبإلحاح سؤال العلماء والدعاة المعاصرين والناس.. محبة أم جفاء؟، حاجة ضرورية أم فضل وزيادة.. اهتمام وتفاعل أم إهمال ولا تواصل؟، هل فعلا، لم يعد للعلماء والدعاة أي دور في حياتنا، وليس لهم أي قيمة مضافة ولا خاصة على سياسييها ومثقفيها وفنانيها..الذين قد لا يهمهم لا علم ولا عمل فبالأحرى العلم قبل العمل أو العمل الصالح؟، وإذا كان العكس، فالسؤال الأهم بعد ذلك سيصبح، ما هي الأسباب الموضوعية والذاتية التي أدت إلى مثل هذه الوضعية المرضية والخطيرة على أوضاع وشباب الأمة.. دينها ودنياها.. وكيف يمكن معالجتها وتمتين جسور التواصل والتفاعل بين النخب الرائدة من العلماء والدعاة وغيرهم من جماهير الأمة الغافلة المأسورة؟.

 

عندما يقتنع بعض العلماء والدعاة على أن دورهم ينحصر في بعض المجالات الهامشية أو يفرض عليهم ذلك ويحشرون فيه وفي متاهاتة القبورية والطرقية والحيضية والمراحيضية.. باسم.. وباسم.. وباسم.. فكل ذلك لا يثير الناس في كثير شيء، بل يطلقونه ويهجرونه بقدر ما يطلق ويهجر لب حياتهم؟. وعندما تطغى على هؤلاء العلماء والدعاة كثرة الحيطة والحذر من الجرأة على قول الحق والصدع بالنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم؟، أو محدودية فقه ذلك بسبب ضعف تأصيل وتجديد الخطاب ومحدودية التكوين سواء في العلوم الشرعية ذاتها أو في العلوم الشرعية دون غيرها من العلوم المادية والتقنية التي تهيمن على حياة الناس وتنتج عنها إشكالاتهم المستفحلة ومعضلاتهم المزمنة والمستعصية، فالناس مع من سيسعفهم فيها مهما كانت هويته وديانته، فقد علا فوقها نفعه وعطاؤه، وتقوى غيره لصاحبها وليس للناس؟.

 

أضف إلى ذلك، ما نشاهده اليوم من حملة مسعورة لتشويه العلماء والدعاة، وامتداد أطرافها وشراسة وسائلها وتنوعها وديمومتها، من تحطيم رمزيتهم عند الناس.. من التنكيت والاستهجان على الفقهاء.. من التضييق على الوعاظ والخطباء.. من التوقيف في حق الجريئين أو حتى المجتهدين منهم.. من الاتهام المجاني والمغرض بالتطرف والإرهاب.. وكل هذا لا يسعف مهندسوه إلا في تنفير الناس من الدين الحي، لأغراض في نفس يعقوب ومنها ديكتاتورية القرار السياسي وانحراف التدبير الاجتماعي.. مما ينتج العديد من كوارثنا من البدع والخرافات.. من البطالة والهجرة.. من الاحتكار وغلاء الأسعار.. من الجرأة على مدونة الأسرة وعلى علمنتها.. على المقررات الدراسية وعلى استلابها.. على المنظومة الصحية وعلى استنزافها للمرضى.. من العجز الفلاحي وما يعانيه من اجهاد مائي وتراجع في إنتاج اللحوم والتمور.. إلى غير ذلك مما تكتوي به حياة الناس ولا يكاد يتدخل فيه العلماء أو يؤثر فيه الدعاة إلا بالصمت والصمت المطبق؟.

 

وأيضا، واقع التفرقة والتشرذم والجمعاتية إلى حد الطائفية البغيضة، بين أبناء الدين الواحد والمذهب الواحد في البلد الواحد، فغالبا ما يحول فئات من العلماء والدعاة اختلافاتهم في الرأي والاجتهاد وفي الاختيارات والمنطلقات إلى خلافات حادة ومتصادمة بين النفوس والأشخاص والجماعات، فلا علاقة بينهم ولا التقائية في شيء.. لا علاقات ولا مآلات.. لا تعاون ولو على كلمة السواء، فلا يجتهد البعض منهم في الرد على غيره من الصف أو خارجه ومحاورته بمنطق وآداب الحوار، إلا بتضاده وتسفيهه إن لم يكن تخوينه وتكفيره؟. وكل هذا لا ينتج غير النفور وعدم الثقة بين الجميع ومن الجميع، وربما مثل هذا ما يجعل لائحة من عشرين عالما وداعية لا يحظى منها أحدهم عند صاحبنا بالقبول والمتابعة والتفاعل، بل حتى من كان بالأمس يجد حلاوة القراءة لهم وحيوية الاستماع إلى شريط لهم من مدة 3 ساعات بتسجيل رديء، أصبح اليوم لا يرى لهم ولو سطرا مكتوبا ولا يطيق أن يستمع لهم حتى لشريط من مدة 3 دقائق وبجودة عالية؟.

الحبيب عكي


اقرء المزيد

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

المشاركات الشائعة