Top Ad

الخميس، 26 ديسمبر 2019

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

المتاعب النفسية والإدارية للضحل اللغوي في المجتمع ؟؟

       لا زالت مسألة التعبير اللغوي من أبرز المشاكل التي يعاني منها التلميذ المغربي إذ غالبا ما يفضل أو يضطر إلى التعبير عن مسألة تستوجب التفصيل باختصار مخل يجمله في كلمة أو اثنتين مثل نعم أو لا أو رائع و ممتاز،وما هو برائع ولا ممتاز ولكن الفقر اللغوي هو الذي صيره كذلك؟،ناهيك عن الهجين اللغوي في الحديث العام في البيت وفي الشارع والمرفق العام والإعلام العمومي الذي لا يستطيع فيه العديد من الناس نطق جملة سليمة دون أن يخلطوا فيها بين كلمات ومصطلحات من مختلف اللغات واللهجات لا يستقيم تركيبها،ولكن الفقر اللغوي وربما الاستلاب والعقوق اللغوي جعلها تؤدي بعض المعنى هو في الحقيقة أقرب إلى اللامعنى؟؟. ناهيك أيضا عن إشكال عويص يرتبط بالكتابي كما بالشفوي وهو حينما يضطر التلميذ في إجاباته وامتحاناته أو ربما سؤاله وتواصله العام إلى التفكير باللهجة الأم وترجمة ذلك في ذهنه إلى اللغة العربية ثم إلى اللغة الأجنبية التي لا تسعفه مما يضعه في موقف يفضل فيه الصمت مكرها،وإنزال نفسه راضيا منزل التلميذ الذي لا يفهم ولا يشارك في القسم على أن يخوض غمار ترجمات لا يسعفه فيها لا فهم المعاني ولا لغة المباني؟؟.

         ويبقى التلميذ دائما هو الضحية بما يجني عليه العجز اللغوي في الدراسة أولا وفي التواصل المجتمعي الذي يكون فيه معاقا بامتياز ويضطر فيه كثيرا إلى التواصل بالإيماءة والسبابة أو بالسباب والشجار كل رصيده فيه كلمات نابية وحركات عنف مدمرة لنفسه قبل خصمه وغيره،ويجني على نفسه ثانيا في الترفيه أيضا إذ تستحيل عليه الألعاب الجماعية الممتعة وتستحيل عليه المواقع الإلكترونية المفيدة لا لشيء إلا لأنها تتطلب لغة رصينة عربية كانت أو أجنبية ليجد المسكين نفسه في مرتع الصور والألعاب المبددة للوقت والمقعدة للنمو الفكري والثقافي دون طائل؟.أما في الجامعة وما بعدها من رحلات البحث عن العمل خاصة في الخارج أو حتى في الداخل ولكن في التخصصات الجيدة،فدونه ودونها من جديد معاهد خصوصية  ودروس ليلية لإعادة التكوين والتأهيل وكأنه لم يدرس يوما شيئا وخاصة في مجال امتلاك اللغات ومجالات التدبير والتواصل(؟).
         عندها يندم التلميذ المسكين ولات حين مندم على ما كان قد تغيبه في حصص الدرس اللغوي،وما لم يتقنه من القواعد النحوية ولا عشقه من سحر البيان إلى درجة أنه كان كثيرا ما يعمد إلى شراء درهمين من "الزريعة" بدل شراء قصة بسيطة تسليه أو جريدة رخيصة توعيه،و ربما كان يعمد أحيانا إلى شراء علبة سجائر يخرب بها صحته بدراهم معدودات بدل شراء قاموس ينمي به رصيده اللغوي،وكان...وكان...وكان...وكان يحفظ ويغني العديد من "الريبرطوارات" الغنائية الركيكة بدل أن يحفظ ويرتل شيئا من محكم ينابيع اللغة العربية الفصحى ألا وهو القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والأشعار الحكيمة والسير والمغازي وما نهل منهلها ولف لفها من الإبداعات الشيقة عبر الزمان والمكان. لماذا لا يكون عندنا تلاميذ شعراء،وإن في الشعر لحكمة ؟.لماذا لا يكون عندنا تلاميذ خطباء،وفي الخطابة قيادة وإرشاد؟.كيف هم تلاميذنا عموما مع الإبداع والاختراع والإنتاج بدل الاستهلاك،واللغة وعاء كل ذلك وامتلاك ناصيتها محركه ومحوره؟؟.

         لسنا بصدد البحث عن الحل،فالمسألة أعقد مما نتصور أو نقترح،المسألة كانت مشكلة قديمة ولازالت معضلة حديثة،حقيقية غير وهمية،وكم تكسرت عليها العديد من الجوانب التنموية الأخرى وتخلفت،ولم تفد في ذلك التحصرات ولا المتمنيات،ولا أسعفت فيها المبادرات الفردية ولا القرارات الإجرائية والمضامين الدستورية،رغم أهمية ذلك كله وضرورة استمراره بلا شك. ولعلي سأورد بعض الصور واللقطات التي تبين حجم المأساة والمتاعب النفسية والإدارية للمواطنين جراء هذا الموضوع،وفي طياتها أيضا بعض الحلول والمقترحات التي ستؤتي أكلها كلما تفاعل معها المعنيون وكلنا معنيون وإن من مواقع ومسؤوليات مختلفة؟؟.
                            
اللقطة الأولى: اللغة ليست مجرد لغة وأداة تواصل بين الناس،بل هي روح وهوية وحاملة الأفكار والمعاني والمبادىء والقيم والأخلاق،وصدق من قال:"كما تتحدث كما تأكل،كما تلبس كما تتصرف"،ولعلنا سنقف على هذه الصورة جلية ناصعة بمجرد إطلالة بسيطة على الحرم الجامعي،فلكل شعبة طلبتها،ولكل طلبة ملبسهم وحديثهم ومظهرهم،وسلوكهم العام تحرريا كان أو محافظا،ولا مجال للمقارنة مثلا بين طلبة اللغة الفرنسية أو الإنجليزية و بين زملائهم في اللغة العربية أو الدراسات الإسلامية،سمتا ولباسا وحديثا ومعاملة قد تطال حتى الجنس الآخر؟؟،ومن هنا يبدأ الاختيار،هل نريد أن نكون كما نحن،متمسكين بلغتنا وهويتنا وقيمنا وأخلاقنا أم مجرد شخصيات زئبقية على هويات ولغات وثقافات الآخرين وإن ادعينا من الانفتاح والكونية ما ادعينا؟؟. 
اللقطة الثانية: استغربت كثيرا وأنا أقف في أحد شوارع المدينة على لوحة إشهارية لمؤسسة خصوصية تعنى بتعليم اللغات،مجمل اللغات الحية والتي ليست ضمنها اللغة العربية طبعا،حسب هذه اللوحة،ولماذا ستكون فيها اللغة العربية في الدراسة وهي لا يستعملها خريجوها في المقاولات والأعمال ولا في الفنون والسياحة والمعلوميات والمباريات والتبادل الدولي الذي تهتم به هذه المؤسسة؟؟.والغريب أن تجد آلاف من هذه اللوحات في شتى شوارع المدينة المغربية  وداخل مؤسساتها بلغات وأسماء يعلم الله لمن هي وأين هي،المهم أنه ليس بينها وبين السكان الطيبين إلا الخير والإحسان،و الأغرب من ذلك أن يكون هذا عاديا وساري الفرض في مجمل الإدارات والمؤسسات العمومية والخاصة،فتصدمك هذه اللغة الغريبة في وكالات التأمين بعقودها،و وكالات البريد والأبناك بأوراقها،وفي مكاتب الماء والكهرباء بفواتيرها و وصولاتها،وفي تفسير التناوب اللغوي في قانون الإطار،وفي مباريات ومقابلات التشغيل،بل حتى في الرد على خطوط هواتف المصحات والمكاتب ومراكز الإرشاد والاستماع؟؟،

         كل شيء "مفرنس و معرنس و مدرنج" أو"خلط جلط" رغم أنف الدستور والقوانين الوطنية والدوريات الحكومية،ومفروض على المواطن و هو ليس بالضرورة فرنسي اللسان،و من غطرسة الفرض لا يمنح له حتى إمكانية الاختيار بين أن تكون هذه الوثائق والمقابلات والمكالمات التي تعنيه باللغة الفرنسية أو باللغة العربية وهي اللغة الوطنية دستوريا إلى جانب أختها الأمازيغية وموضوعها أعرص،فهل بعد هذا استهتار واستخفاف بالمواطن،ونحن نتفنن في متاعبه النفسية ومشاكله الإدارية وعوائقه التواصلية،رغم ما يترتب عن ذلك من خروقات ومتاهات وإمضاءات والتزامات ومسؤوليات؟؟.
الحبيب عكي


اقرء المزيد

الجمعة، 20 ديسمبر 2019

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

العربية لغة ثراء العقل والروح والأخلاق

          لاشك أن أجيال اليوم من الشباب أو بعضها على الأقل ممن كثر أو قل،تعاني العديد من التوترات والاضطرابات وحتى من الانحرافات التي تنغص إن لم تهدد حياته واستقراره وأمنه الروحي والنفسي والجسدي،بل وحتى تعايشه السلمي مع أهله والآخرين في المجتمع،ولعل من أهم أسباب ذلك ارتماء هؤلاء الشباب رغما عنهم أو باختيار منهم في براثين ثقافات الآخرين ومسالك لغاتهم وألسنهم،واللغة واللسان جسر الثقافة وموردها الأساسي،والثقافة في الأول وفي الأخير هي ما يحدد أفكار هؤلاء الشباب بالسلب أو الإيجاب ويبلور سلوكهم بالخصوصية الوطنية أو الاستلاب،و من الاستلاب فساد الذوق الفني والأدبي والرياضي والإعلامي،وميوعة التدين ربما إلى درجة لا يحل صاحبه حلالا ولا يحرم حراما ولا يقف عند حدود الله؟؟.ترى ماذا فقد هؤلاء الشباب بهجرهم ثقافتهم الإسلامية الأصيلة وازدرائهم بعض لغتها العربية الجميلة،وماذا يمكنهم أن يسترجعوه إذا ما بذلوا بعض الجهد الذي سيحررهم ويعود بهم إلى محاضنها اللغوية العربية الثرية والثقافية والدينية الطبيعية والآمنة ؟؟.

         وإذا كانت الثقافة بمعناها الأنتروبولوجي هي كل ذلك المركب الكلي من الأفكار والعقائد والعادات والعبادات والقيم والسلوكات...التي تطرأ على المرء في بيئته وكل ما يكتسبه ويتصرف به بعد ولادته في أبعاده التربوية والعلائقية،فإن اللغة ركن من أركانها الأساسية وموردا من مواردها الثرية،ويسجل السوسيولوجيون أن استلاب هذه اللغات الغريبة اليوم قد ذهب بشباب العصر كل المذاهب وتاهت بهم كل المتاهات:"...انخراط في عصابات الإجرام والمخدرات..وشبكات الدعارة و"الدعشنة" والتطرف والإرهاب..عنف غير مسبوق ضد المواطنين الأبرياء في الشارع..وحتى في البيت ضد الفروع والأصول..وجرأة غير مسبوقة في ممارسة الشذوذ وطقوسها الشيطانية..ومن ذلك المناداة بالإفطار العلني والجماعي في رمضان...وكأن شبابنا لم يعد محصنا ضد أي شيء،وهكذا وحتى قبل أن يجد نفسه في ديار الغربة أو بين شباب المهجر،يستلب بعضهم في لغته ويتحلل من قيمه ويتخلى عن دينه وثقافته،بل وقد يعاديهما ويحاربهما في العالم الواقعي والافتراضي ويتزعم ضدهما المعارك والغزوات في عقر داره نيابة عن الأعداء وبالمجان"؟؟.

         لقد وصلنا مرحلة من الغزو الفكري والاختراق الثقافي غير مسبوقة،خاصة مع انتشار العولمة المتوحشة وما يسمى بالفوضى الخلاقة والتي عنوانها البارز هو التحلل من القيم وازدراء الأديان..،مرحلة وكأن الأمة لم تعد فيها تجتمع على شيء أو تكاد،حتى كلياتها الخمس والمقاصد المعلومة من الدين بالضرورة،حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال،الولاء والبراء وغيرها من مبادئ العقيدة وأحكام الشريعة،وإذا بالإخوة الأشقاء يشنون الحرب على الإخوة ويتحالفون ضدهم مع الأعداء،ويختلفون حول التطبيع مع الكيان الشيطان،ويسمون المقاومة تطرفا والحراك العربي من أجل التحرر والإصلاح فتنة..،وكل يوم يبتلعون لسانهم على مستوى اللغة حتى انتقلوا من تدريس بعض اللغات الأجنبية في مدارسهم إلى التدريس بها وعلى حساب لغتهم العربية التليدة،ومن يدري ربما تدينوا بها يوما بما عرب أو عجم؟؟،ولا يزالون رغم كل ذلك يدعون بكل وقاحة أن لغتنا العربية هي أجمل اللغات،صدقوا وهي لغة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وعبادة الذكر وجلال الدعاء،وباعتبارها لغة الفكر والسلوك وليست لغة الكلام من أجل الكلام فحسب،وباعتبارها لغة الهوية والسيادة وليست لغة الاستلاب والذوبان المجاني في الآخرين،وأن اللغة العربية بهذه المعاني الجليلة والشاملة يمكنها أن تكون بل هي ولاشك حبل النجاة للطفولة والشباب بل حبل الأمن الروحي والثقافي والسلوكي للأمة ككل،اللسان وللإنسان؟؟،

ولكن ورغم كل شيء،فحقا وصدقا يبقى اللسان العربي هو اللسان العربي،لا يزال كما هو معروف عند الجميع،لسان صدق وحق ورفق وعدل،لسان فصاحة وبلاغة واشتقاق وبيان،ويمكنه ومن موقع القوة بحمولته وإسعافه للعلماء والباحثين والمبدعين..،أن يساهم في علاج مشاكل الطفولة والشباب ويضمن أمنهم الروحي والثقافي باعتباره:
1-    يحدد الهوية والمرجعية والانتماء،
2-    يضبط المفاهيم ويحدد حكمها حسب هذه المرجعية،
3-    يصحح السلوك وفق هذه المفاهيم وأحكامها،ويبين المقبول منها وغير المقبول.
4-    يحل لنا العديد من الإشكالات التي طالما تخبطت فيها حياة الشباب حسب تصوراتهم وتصرفاتهم ومنها:
1-    مسألة العقل والنقل.
2-    مسألة القضاء والقدر.
3-    مسألة حب أو كره الآخرين والتعايش معهم.
4-    الموقف من ثقافة الآخر،ما يؤخذ منها وما يترك.
5-    أسبــاب التوتر والقلق ومداخل الهدوء والسكينة وحواملها.
6-    مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة والسلوك المدني.
7-    مسألة تجاوز الذاتي والمحلي إلى الارتبـــاط بهموم الوطن والأمة.
8-    مسألة الإيجابية والتفاؤل والأمل و حب العمل و تشجيع المبـادرة والفعالية.

         إن في لغتنا العربية الجميلة يا شباب ما يستحق التبني والحذق وتشجيع الاستعمال،وما به يتم الإتباع والإبداع والأنسنة والمؤانسة والإمتاع،وقد ورد عن ابن تييمية معنى قوله:"ما خالطت العربية لسان امرئ إلا أثرت عقله وخلقه ودينه إثراء قويا قد يبلغ أو يشابه ثراء رجال صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين والسلف الصالح"؟؟،أو كما يقول عملاق الأدب العربي والإسلامي مصطفى صادق الرافعي:"ما ذلت لغة قوم إلا ذل،سجن لغتهم في لغة غيرهم سجنا مؤبدا،والحكم على ماضيهم بالمحو والنسيان،وتقييد المستقبل في أغلاله،وهمومهم في همومه،وأمرهم في أمره"؟؟.أو كما قال عمر الفاروق رضي الله عنه:"لقد كنا أذلاء فأعزنا الله بالإسلام(ولغة الإسلام)..فإذا ابتغينا العزة في غيره (أو غيرها) أذلنا الله"؟؟.
الحبيب عكي

اقرء المزيد

الجمعة، 13 ديسمبر 2019

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

الأسرة المغربية والتحديات التربوية المعاصرة

 

كثيرة هي التحديات التي تواجه الأسرة المغربية بمختلف أطيافها،و كثيرة هي الرهانات التي تنتظرها بمختلف ألوانها،حتى تتجاوز معيقات الأمن والاستقرار والسكينة والازدهار،وتتحرر مما يراد لها من أن تكون مجرد حظيرة للأكل والشرب والنكاح أو فندق للنوم والإيواء،لا تفيد المجتمع بشيء يحرره من وضعية أخطر تجعل منه مجرد غابة للتهتك والإباحية باسم الكونية والحرية أو غيرها؟؟.تحديات تقليدية مزمنة كالفقر والأمية والتحدي القيمي والأخلاقي والاجتماعي،نتجت عنه بالتبع تحديات تربوية معاصرة،تقتحم الأسر بدرجة أو أخرى،تهدد الأبناء وتعظم المسؤولية على الآباء،وسنورد منها ما يلي بشكل عام دون ترتيب الأولويات التي قد تختلف حسب الظروف والفئات:
1- تحدي الهوية:
         والكينونة وروافدهما المتعددة،والتي يحتار فيها الطفل أي منها يختار ومتى وكيف ولماذا؟،مسلم العقيدة،مغربي الوطن والهوى،عربي أو أمازيغي اللسان،شمالي أو جنوبي السحنة والقبيلة،وربما كوني القيم والمواثيق..،هل تصبح أو تبقى الأسرة "الرضائية" شرعية؟،ألا يهدد رهط الأمهات العازبات هويتها؟،تكرر بين القوم تقليد الغراب للحمامة فلا هو بقي غرابا ولا هو أصبح حمامة،كنهر دخل في البحر،فلا هو أصبح بحرا مالحا أجاجا ولا هو بقي نهرا متدفقا رقراقا؟؟.
2- تحدي الخدمات:
         رغم بعض البرامج الاجتماعية المحدودة في الكم والكيف والوتيرة والفئات،فلا زالت الخدمات التي تتلقاها الأسرة متدنية ورديئة وفيها الكثير من العنت والمشقة في مختلف المجالات،الحقوقية والتربوية والصحية والاجتماعية،من شيوع البطالة وصعوبة الولوج إلى سوق الشغل أو السكن الخاص واللائق،أو حاجة أفراد الأسرة إلى مأكل وملبس كافيين أو تعليم وصحة محترمين..،مع ارتفاع المتطلبات وانخفاض القدرة الشرائية في ظل التباهي و التماهي الاجتماعي وغياب المساعدة،مما يهدد تكوين الأسرة من أصلها بالمطلق أو على الأقل يؤخر تكوينها و يحدد إنجابها أكثر من اللازم،مع ما ينتج عن ذلك من العنوسة والضغوطات والانحرافات؟؟.
3- تحدي القيم و المواطنة:
         وما أصبح يتلقاه بشأنها الوطن من سهام الاستخفاف القاتلة،بدء بتراجع قيم الصبر والوفاء والإخلاص وتحمل المسؤولية والاحترام المتبادل وغير ذلك من أعمدة تماسك الأسرة،مما يفتح الباب واسعا على ظهور الاختلالات والمخالفات الشرعية التي دبت رذائلها في الأسرة والمجتمع،أما عن المواطنة،فهناك لعن الدين والوالدين والوطن والمسؤولين على لسان الأبناء،بما يعني أكل الغلة وسب الملة دون خجل ولا حياء،وهناك استخفاف بالمناسبات الوطنية التي يكاد يكون الاحتفال بها رسميا فقط،إلى تخريب المرافق والمنشئات وتكسير الممتلكات العمومية في الملاعب والحافلات وتلويث الحدائق والشواطىء،بل وأحيانا تمزيق الشباب الساخطين لبطائق وجوازات الهوية والارتباط،فأين نشؤنا من قولهم:"حب الأوطان من الإيمان"؟؟.
4- تحدي التفكير المنطقي:
         وكأن أجيالنا اليوم لا يعرفون الخطأ من الصواب،ولا الحق من الباطل،ولا حتى النافع من الضار،ولا مرجعية أو منهجية لهم إلى ذلك،يطرح على بعضهم في أسرته لماذا فعلت هذا أو لماذا أردت ذاك وهو مشين فيجيب لأن الآخرون يفعلونه ولأنهم يريدونه؟،ويطرح على بعضهم في فصله الدراسي سؤال:"أجب بصحيح أو خطا"،فيؤشر على كلتا الخانتين أو يتركهما معا؟؟،ويطرح على بعضهم حدد الشكل الهندسي للجسم،مربع أو مستطيل أو مكعب،فيجيب:"إنه مربع مستطيل يشبه المكعب"؟؟.
5- تحدي التربية والثقافة:
         التحدي الثقافي ويتمثل في تسطيح الوعي وتفاهة الفكر وضحالة المعرفة واختلاط الحابل بالنابل،وقلق المواطن يعيش في عمق بلده بثقافة الآخر،وبتمنع تربوي يفصل العلم عن الإيمان والمعرفة عن السلوك،مما يجعل القيم الأسرية كالانتماء والتعاون والسكن والمودة والحوار والاحترام والتوقير والصدق والأمانة والمسؤولية...في واد والواقع الأسري في العديد من الأسر في واد آخر ربما لا تؤثر فيه الأسرة إلا قليلا أو لا تؤثر فيه مطلقا؟؟.
6- تحدي  Connexion:
         والتي تنيخ على بهو الأسرة بصمتها الرهيب،وتأسر أفرادها إلى عوالمها الافتراضية،وتقطع بينهم أواصر الحميمية والسمر وأشكال النقاش والتواصل،وهي في غياب التربية والتكوين لا تعدو أن تكون في مجملها غير سلاح العولمة السياسية والاجتماعية، ثقافتها ثقافة الشارع بحابلها ونابلها،تسوق لنموذجها الكوني الغربي الغريب، وتحاول القضاء على خصوصيات الشعوب وثقافاتها،وتكبيل الضعفاء من الناس في قرية استعمارية استهلاكية عالية الأسوار شائكة الأسلاك،كل الإبحار فيها لا يساوي عشر معشار جلسة أسرية حميمية يتحلق فيها أفراد الأسرة حول شأنهم بين المائدة والفائدة؟؟.
7- تحدي اللامبالاة:
         ضحاياه أجيال اللامبالاة واللامسؤولية واللانتماء واللامشاركة في شيء أي شيء في المنزل أو خارجه،وهو انطباع عام معلق على قمصان الجيل الناشء،وربما يغذيه صراع الأجيال واختلاف العقليات والاهتمامات والمصالح والأولويات،ولكن كيف لا يكون واقعيا عندما تجد ضمن هذا الجيل اليوم من لا يهمه أكان كلا على أسرته أو عدلا،عرف أو جهل،نجح أو سقط،وقح أو مؤدب،مستقيم أو منحرف..،كل الأمور عنده سواء ولا يبالي بأي شيء،وشعار طلعته البهية وبوصلته المفقودة السنية:"حمار وبخير"؟؟.
8- تحدي الإدمان:
         يعني الانحراف و الإدمان بكل أشكاله وأخطاره،وخاصة في المدن الكبرى حيث فرص الانفتاح أكبر وظروف الحياة أعقد،مما يجعل التطبيع شيئا عاديا مع الإدمان على الموضة واستلابها والهاتف وتباهيه والاستهلاك وتناميه،وعلى القمار والمخدرات والمسكرات وغيرها من متاهات عالم الانحراف،وما تتذوقه الأسرة جرائه من عنف و تفقير وتمزيق لأواصر المحبة والرحم قد يصل إلى "تشرميل" الأصول والفروع،وتحريك عقارب العلاقات بين الأقارب ومع الأباعد إلى ما تحت الصفر؟؟.
9- تحدي التبعية:
         التبعية الفكرية والحقوقية والسلوكية،بدل الاستقلالية وقوة الشخصية،وهو نتيجة الدلال الزائد أو القسوة المفرطة في التربية،ونتيجة هذا قد يتبع النشء في الخطأ والصواب،والديه أو أصدقاؤه أو قبيلته أو الشارع أو القدوات الرياضية والفنية والإعلامية على عللها،أو أي طائفة أخرى في الشرق أو في الغرب،متطرفة "داعشية" كانت أو غربية "شيطانية"،وفي كل ذلك استلاب وضعف الشخصية وهو أمر هالك ومهلك لا يسمح بالوسطية والاعتدال في التفكير والتدين والسلوك والمعاملة،ولا بالتعايش والاندماج واحترم الآخرين في معتقداتهم وحقوقهم؟؟.
10- تحدي Boy Freind:
         وهو اضطراب صارخ للعلاقة بين الجنسين،بحيث تطبع بعض الفئات بجرأة ودون عقدة مع معظم أشكال العلاقات المنحرفة بين الفتيان والفتيات، كزمالة الدراسة البريئة وصداقة المراجعة المشتركة ،إلى Boy and Girl Freind الرحلات والحفلات و"السيلفيات" والمكالمات والمراسلات والمواعيد والمقابلات..،ويصبح الغريب الشاذ والمنغلق التحفة المعقد هو من لم يجرفه الواد ولو إلى مستنقع الهزات العاطفية والمشاكل الاجتماعية لأبناء الشوارع ورهط الأمهات العازبات المتخلى عنهم في ملاجئ الأيتام على قيد الحياة؟؟.
11-تحدي التعلم الذاتي:
         وما أصاب به غيابه معظم الأسر من هوس الساعات الإضافية،واعتماد الأبناء على الآباء اعتمادا كليا  في حل واجباتهم المنزلية،رغم كل الوسائل الورقية والإلكترونية والسمعية البصرية للبحث عن المعلومة والتعلم الذاتي،ولا أدري كم بين أسرنا وقولهم:"لا تعطي ابنك كل يوم سمكة،ولكن علمه كيف يصطادها"؟،ولا أدري كم بين أبنائنا وما يشيع بين فئات متزايدة منهم من الغش في الامتحانات،لا لشيء إلا لفقدانهم الثقة في أنفسهم واعتمادهم على غير ذواتهم"؟؟.
12- تحدي الهشاشة:
         يعني الهشاشة بشكلها العام،فقر وبطالة،ومعيل واحد في الأسرة من أحد الجنسين أو لا معيل،أمية وجهل،تفكك وطلاق عاطفي أو فعلي،هدر مدرسي وعنف سلوكي وهجرة قسرية،ضحالة لغوية واستهتار أخلاقي يساءل فيه الاحترام والتوقير والعفة والحياء والصدق والأمانة وغيرها من القيم الأسرية الخلاقة وعلى رأسها الوازع الديني الذي يحمل الناس على الرضا بأحكام الله وامتثالها ورؤية الانحراف والتعاسة في مخالفتها،وهي أمور لا يمكن التعافي منها بغير مزيد من التماسك والتضامن والتعاون الأسري ومساهمة المجتمع المدني في ذلك مساهمة فعالة،بالإضافة إلى مطالبة الدولة بالتفعيل الجاد لبرامجها الاجتماعية بما يكفي؟؟.
13- تحدي الترفيه والإعلام:
         الإعلام الذي سوق للناس صورة مادية نفعية استهلاكية ضارة لكنها ساحرة أخاذة قلما يستطيع الناس الزيغ عن بؤرها الفكرية التسطيحية والسلوكية التمييعية والتي طالما سوقت باسم الحداثية والكونية؟؟،أما عن الترفيه،فكثيرة هي الأسر التي قد لا تستغني عن حقها المشروع في استهلاك الفن والرياضة والترفيه عموما،ولكنها تستغني عن سفاسف الساقط الموجود دون الاهتمام ببدائل الغائب المنشود،لا تربية وممارسة ولا برمجة وإبداعا..رغم حجم الخصاص الكبير بحكم تعدد الفنون والفئات والأذواق،لتحصد الأسرة الحصاد المر في الأخير،قد يسقطها و أبنائها في ما هب ودب من الأذواق والبدائل التي تعج بها الساحة الإعلامية المهيمنة حتى ولو كانت مستلبة الأفكار والمعتقدات، شيطانية الطقوس والإيقاعات بذيئة الكلمات خليعة الحفلات؟؟.
14- تحدي الصراع العربي الإسرائيلي:
         هذا الصراع وما يعنيه من فساد القرن الذي ينبغي أن يجتث من جذوره،وما يستوجبه ذلك من غرس هموم الأمة في أذهان النشء و واجب نصرتها،وما يعتري ذلك من جهل أو تجاهل أو تشويه لذاكرتها،وعلى رأسها القضية الفلسطينية،التي ظلت على الدوام قضية الوطن والمواطنة،لا ينبغي أن تخبو جذوتها في الأمة،بدء من الأسر والمدارس والجمعيات،فيقصر الجميع في محاربة ما يعتقد به من الفساد والعدوان و في تحقيق ما يتوجب عليه من الأمن والسلام،قضية آن لها أن تصبح قضية فردية وأسرية داعمة بمختلف الوسائل وحسب الإمكان،لا مجرد قضية حزبية احتفالية أو رسمية موسمية بروتوكولية دون جدوى،فأين أسرنا من حمل هموم الأمة وماذا تقدم لقضاياها وعلى رأسها قضية الشعب الفلسطيني المجاهد؟؟.

         ويبقى طيف آخر من الأسر المغربية - والحمد لله - متوضئ وضاء،حريص على أصالة الأسرة المغربية واستقامتها،وكرمها وكرامتها وتكريمها،وتماسكها وتضامنها،ودفئها ومودتها وسكنها واستقرارها،وأمنها الروحي والاجتماعي،بصيرة بزمانها مقبلة على شأنها وحسن تربية لأبنائها الذين خلقوا لزمان غير زمانها،ولكن بحكم العدوى يخشى أن تتعادى مثل هذه الأسر الناجحة وقد بدأ تعادي بعضها فعلا،ليس على مستوى الأزمة المادية والنفسية أو السكنية والتساكنية،أو التعليمية أو الصحية أو التشغيل والسكن والزواج والاستقرار فحسب،بل ربما على مستوى أخطر مثل فساد بعض الذوق والقيم الأخلاقية،وظاهرة الإدمان والشذوذ والتحلل والتفسخ والإلحاد والعياذ بالله؟؟.
الحبيب عكي

اقرء المزيد
http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

دور المساجد في تنمية الرصيد اللغوي للنشء

     أخطاء تربوية جسيمة،هي التي نتج عنها كل هذا الضحل اللغوي والمعرفي والتعبيري والنفسي والسلوكي الذي تعاني منه اليوم أطياف من أجيالنا الناشئة،ومدارسنا الابتدائية والإعدادية والثانوية تشكو من ذلك وتصفه بالكارثة دون مبالغة؟؟.أضف إلى ذلك هذه الفرنسة التي فرضت اليوم من جانب الوزارة الوصية وحدها على المدرسة المغربية والتي لم يطالب بها أحد لا من التلاميذ ولا من الأساتذة ولا من الإداريين والتربويين أو السياسيين والاقتصاديين والآباء والخبراء؟؟،مما جعل الأساتذة في فصولهم اليوم يعانون معاناة شديدة ويبذلون كل جهدهم فقط في اللغة بدل المعرفة والعلوم،وفي الأخير تكون كل مشاركة التلاميذ أو تكاد هي الجواب على الأسئلة المطروحة بمجرد Oui أوNon إن لم تكن بالحركات والإيماءات؟؟.

         صحيح أن على التلميذ أن يبذل مجهودا ذاتيا في تعلم اللغة بل اللغات الحية كلها،وأن يهتم بكل المواد التي تساعده على ذلك،من مواد اللغة العربية واللغة الفرنسية والأنجليزية وغيرها لمن يدرسها،إلى الاهتمام بقراءة القصص والنصوص القصيرة وكتابة الخواطر والمقالات المختصرة..إلى استعمال المنجد الورقي والإلكتروني..إلى الاستفادة من آلاف الدروس اللغوية والشيقة التي يمتلأ بها "اليوتوب"،إلى برمجة كل وسائطه التكنولوجية باللغة المستهدفة تعلمها..إلى الممارسة العملية لهذه اللغة مع الزملاء في الأحاديث اليومية والمناقشات البينية والأنشطة الموازية..وهكذا؟؟،لكن أنى لطفل ناشء بكل هذا الجهد الجهيد المضني والذي يعجز عنه حتى الكبار بل ويفشل معه حتى المضطرين أيضا؟؟.

         يفرح أساتذة المستويات الابتدائية كثير كلما علموا أن التلاميذ الذين سيدرسونهم إنما قد جاؤوا إلى مدرستهم من روافد الرياض والجمعيات والكتاتيب القرآنية،ولديهم رصيد معتبر من المفردات اللغوية ..رصيد مسعف من مهارات القراءة والكتابة والحفظ..رصيد من الأذكار والأدعية والآداب الاجتماعية للتعامل مع الآخرين..رصيد من الأناشيد التربوية والألعاب الترفيهية..وغير ذلك مما يسهل اندماجهم والرقي بهم وتنمية معارفهم وشخصياتهم بما يؤهلهم ويدفعهم لحب الدراسة والمدرسة أولا ثم لتسلق المستويات فيها عن جدارة واستحقاق دون تعثر أو هدر مدرسي أو بالمقابل دفع عبثي ومجاني لتسلق المستويات دون اكتساب المهارات ولا تحقيق الكفايات؟؟.

         ويحكي الدكاترة عن الجرائم التربوية غير المغتفرة التي يرتكبها الآباء في حق الأبناء حين يسجنونهم ويهجرونهم بمفردهم في غابات الوسائط الإلكترونية بكل أنواعها..عرضة لكواسرها ومخالبها وأنيابها..من تلفاز وحاسوب..وهاتف و لوحات..وأنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي..وكلها تزرع الصمت القاتل والكآبة المدمرة في الصغار،وتحول بينهم وبين القدرة الطبيعية على تعلم اللغة وكتابتها ومهارة التواصل وجمالية أساليبه،وتحرمهم من حقهم في الدفىء الإنساني الطبيعي..والتربية الوالدية الإيجابية،وشتان شتان بين قصة يحكيها التلفاز الجامد البارد العنيف القاصف وبين قصة تحكيها الأمهات الحانيات الحاضنات والجدات الحنونات الحاميات؟؟.

         هذا وقالت الدكتورة "سهير السكري" بجامعة جورج طاون بنيورك عن هذه الجريمة التربوية أن الطفل الغربي في عمر 3 سنوات قد يمتلك 16 ألف كلمة،ورغمها يعيش في حدود ضيقة وأفق لغوي مغلق،وأضيق وأغلق منه الطفل العربي يتحدث اللغة العامية وهي لا تتجاوز 3 ألاف كلمة فقط؟؟،بينما الطفل العربي المسلم يكون في بحبوحة لغوية لا مثيل لها هي وراء قوته ونضجه وهو أنه لا يكاد يتجاوز 3 إلى 6 سنوات إلا وقد حفظ القرآن الكريم في المسجد وفيه 50 ألف كلمة،هذا بالإضافة إلى متن ألفية ابن مالك وفيها 7 ألاف بيت شعري،نعم من واجبنا أن تترك الأطفال يلعبون ويمرحون ولكن ليس على حساب أزهى فترة لتعلم اللغة وهي السنوات ما بين 3 و6 إلى 12 سنة؟؟.

         فهل نتادرك أمرنا التربوي،ونعمل فعلا على تشجيع التعليم الأولي برياض الأطفال برياض الجمعيات وخاصة بالكتاتيب القرآنية وهي واسعة الانتشار في المدن والقرى..سهلة الولوج وبدون تكلفة مادية تقريبا..مع فرادة عطائها وأصالته..حفظ القرآن الكريم والأذكار والأدعية..تعلم الوضوء والصلاة والآداب والأخلاق..الاطلاع على السير والمغازي المتن الفقهية  والنحوية والأشعار والحكم وغير ذلك من أوجه الثقافة التربوية والتنشيطية المعاصرة والثقافة الإسلامية وما يربط النشء بربه والعبد بخالقه وعلمه بخلقه وعمله،كمنطلق أساسي في الحياة الفردية والجماعية هو كل شيء وعليه يبنى كل شيء،إلا تفعلوه يكن عليكم ذنب كل من يعاني من الضحل اللغوي في صباه أو يرافقه بعد صباه،ويكون عليكم ذنب كل من تجاوز الستين والسبعين ولا زالت في معتقداته خرافات أو لا يعرف كيف يؤدي عباداته على الوجه الصحيح،فافعلوه فهو منطلق كل شيء وعليه يبنى كل شيء وبه يتحقق كل شيء؟؟.
الحبيب عكي    

اقرء المزيد

السبت، 7 ديسمبر 2019

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

الأسرة متى تصبح حقا فعليا لجميع الأطفال؟؟

       كثيرة هي الحقوق التي يحرم منها الأطفال المحرومون،من الأمن الجسدي والاستقرار النفسي،من التغذية والصحة والتعليم،من اللعب والترفيه والانتماء والمسؤولية،من المشاركة وإبداء الرأي واحترام الخصوصية أو تقدير الفوارق والقدرات..،وتبقى حقوق الهوية والكينونة والخصوصية،من أهم ما بدأ يحرم منه الأطفال،بحكم عوامل متعددة تفشت في واقعنا المعاصر الدولي منه والقطري على السواء،هي حقوق الهوية الأسرية والتربية الدينية والممارسة الثقافية،حتى بدأت العديد من أجيال اليوم وتحت أسماء ومسميات تتصرف كالموائع لا لون لها ولا طعم ولا رائحة ولا فخر بالانتماء ولا اعتزاز بالمواطنة،ناشئة يغلب عليها التدني في اعتقادها وفي تصرفاتها بعيدة عن الدين بل ربما ضده،مواطنة في مولدها وفي مواقفها بعيدة عن الوطن وخصوصيته الثقافية واختياراته التنموية ولوازمه النهضوية؟؟.

         وننسى أو نتناسى أن الأسرة بالنسبة للأطفال الأبناء هي الوالدية الشرعية أولا، وهو مكسب لا يضاهى ولا يعوض،وتحته تكاليف حقوق و واجبات في الدين متبادلة بين الأباء والأبناء والأسرة والمجتمع،والأسرة هي حضن الحب والحنان الفطري المتدفق الصادق،هي المدرسة الأولى للرعاية والروضة البهية للحماية،هي التوجيه والإرشاد في أحسن وأخصب سنواته المثمرة الزاهرة،هي الأمن النفسي والاطمئنان الروحي،هي الحوار والإشراك في التعبير والرأي واتخاذ القرار،هي الحقوق والواجبات في السكن والإيواء،في المأكل والملبس والمشرب وما يحفظ الأبدان والأديان،في حفظ العرض والنسب كما في حفظ الصحة والتعليم وما ينمي الأجساد والأذهان،هي الشرنقة التي يتنفس فيها النشء القيم والأخلاق،والعقائد والعبادات،والأحكام والتكاليف،والمواقف والسلوكات في أزهى مراحلها المثمرة،إذا أصيبت بتلوث ما هوياتي فكري أو سلوكي،يخشى على نشئها من الاختناق كما يخشى على الكون من اختناقه جراء معضلة التلوث؟؟.

         فما حال الأطفال اليوم مع ما أصبح يجتاح العالم اليوم من أشكال الأسر وأنواعها وأسمائها ومسمياتها مما ليس له من الأسرية والحضن الدافئ إلا الاسم،أنواع من الأسر تنافس الأسرة الشرعية بل تتجاوزها أحيانا ويطبع معها بعض الأوساط الفكرية والشرائح الاجتماعية،ومن ذلك ما يسمى بالزواج المدني(قد لا يحفظ الحقوق)،والعلاقات الرضائية (وهي فحش وزنا)،و زواج المتعة(ميسار ومتعة)،وزواج المثلية(سحاق ولواط وسفاح)،الزواج المختلط (قد لا يراعى فيه عنصر الدين خاصة عند الإناث)،أسر التبني(واختلاط الأنساب)،أسر بدون أب زوج(أطفال الأنابيب)،وأحيانا معاشرة الحيوانات من الكلاب والحمير والعياذ بالله؟؟.أضف إلى ذلك العديد من أنواع الأسر الشرعية ولكنها بعيدة كل البعد عن تحقيق مقاصد الأسرة في الأمن والاستقرار وحفظ العرض والنسب والتربية والرعاية..،أو لها صعوبات في ذلك على الأقل،ومن ذلك:الأسرة المفككة ماديا أو علائقيا،والأسرة المطلقة فعليا أو عاطفيا،والأسرة التي تعمل فيها الزوجة على حساب البيت والأبناء،الأسرة التي يغيب فيها الزوج اعتبارا أو فعليا،وأسرة التشتت الوظيفي بين الزوج والزوجة،والأسرة اليتيمة جزئيا من أحد الأزواج أو كليا،الأسرة البديلة في الملاجىء والجمعيات،والأسرة..والأسرة..؟؟.

         إن الأسرة كما يقال هي آخر القلاع المحصنة ضد الغزو الفكري والانحراف السلوكي،ضد تغول الدولة عندما يصبح همها أن تطلب من الناس واجباتهم ولا توفيهم حقوقهم،ضد طغيان العولمة التي تصر على محو الهويات والخصوصيات وجعل العالم مجرد قرية صغيرة تفرض عليه التبعية الإجبارية للنظام الدولي الجديد ونمطه الثقافي الغربي الاستهلاكي،فيها يجد كل الأعضاء الرعاية والاهتمام والتماسك والتضامن والإنفاق المادي على كل الأعضاء الصغار والكبار،الأصحاء والمرضى والعاملين والعاطلين،أي مؤسسة تنفق على كل المراحل الدراسية للأبناء في الداخل والخارج،على كل الكوارث والمعضلات والأزمات العائلية للأحداث والمسنين والمرضى والأصحاء،فيكون فيها أحب الأبناء كما قال الأعرابي:"أصغرهم حتى يكبر،ومريضهم حتى يصح،وغائبهم حتى يعود"،ودارسهم حتى يتخرج،ومعطلهم حتى يعمل،ومعسرهم حتى يتيسر،وأعزبهم حتى يتحصن،ومدينهم حتى يؤدي،وسجينهم حتى يفرج عنه...و...و...؟؟،والأسرة هي التي تعوض نقص غيرها من مؤسسات التربية والتنشئة الاجتماعية كالمدارس والجمعيات والإعلام،بل وتساعدها وتنفتح عليها في مقاربة تواصلية وتشاركية بناءة،وهي من حافظت على هوية الشعوب من قهر مستعمريها في الخارج وطغيان أعوانهم وأذنابهم في الداخل،كما حدث في الجمهوريات الروسية أو في تركيا العلمانية التي أبقت فيها الأسر على جذور ومعالم هويتها الإسلامية وطقوسها بعد 70 عاما من اعتقاد المحاربين بأنها ماتت وانتهت؟؟.

         لذا فلا مناص من الحفاظ على هذا الصرح الأسري الاجتماعي المتين،وبالتعاون مع كل المهتمين،ومن أجل ذلك:
1- لابد من تثمين الحفاظ على الأسرة بشكلها الشرعي،وعدم التطبيع مع النتوءات من أشكالها المنحرفة/.
2- مساعدة المحتاجين من المقبلين على الزواج،وتكوينهم في فهم الزوجية والتربية وقيادة الحياة الأسرية/.
3- سن سياسة تنموية وطنية تنظر إلى الأسرة ككل وتخطط لصالحها بدل النظر والتخطيط لمجرد الفرد وحده/.
4- إحداث كراسي علمية في المساجد وتخصصات أسرية في الجامعات،تبحث في مجال الأسرة وتحدياتها المعاصرة/.
5- دعم التأليف والنشر والبحث الميداني والمسابقات في القصة والرواية  والإبداع السمعي البصري في مجال الأسرة/
6- محاربة كل ما يسبب في تنمية الظواهر التي لا تخدم الأسرة كالفقر والبطالة والجهل والأمية وغلاء المهور والأسعار
7- دعم جمعيات وتعاونيات وفضاءات النساء والأطفال لصقل المواهب والترويح ومحو أمية مهارات الحياة بكل أشكالها
8-  محاربة ظاهرة أطفال الشوارع وكل ما يسبب فيها بشكل استراتيجي كمحــــاربة التفكك والفقر والعنف و الهجرة../.
9- تحقيق الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والمجالية في مجال الأسرة كما في غيرها،وفي مجالات التشغيل وخدمات السكن والتعليم والتطبيب اللائق والبنيات التحتية والمرافق../.
10- دعم القدرة الشرائية للأسرة المغربية،وتشجيع ترافع المنظمات والجمعيات بشأنها،بمشاريع وطنية واقعية من أجل دعم تمـاسكها واستقرارها وتجويد حياتها وبالتالي حياة المجتمع../.
الحبيب عكي

اقرء المزيد
http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

حكاية إمام غيور من الجنوب

       يحكى أنه عندما دخل المستعمر الفرنسي إلى المغرب،وما أن بدأ يحكم قبضته الحديدية على البلاد،وما أن بدأت تصرفاته القمعية الرعناء تخنق العباد،وتتمظهر على عكس ما ادعاه من الحماية والمساعدة على التمدن،وخاصة تلك التصرفات التي تفننت في الضرب السافر في الدين الإسلامي ورموزه والهوية الوطنية وأبعادها،وإظهار كل ذلك بمظهر التخلف الذي حاول المستعمر الغاشم رفضه وفرض عاداته الغريبة بدلها وبقوة السلاح؟؟،ما أن وعى الإمام الخطيب بهذا المخطط الاستعماري الذي يهدد الوطن والمواطنين،ويرهن حاضرهم ومستقبلهم في أتون ثقافة وسياسة استعمارية تصادم هويتهم وكينونتهم و إجماعهم على ملكهم و وحدتهم،حتى عاد الفقيه الإمام إلى بلدته في الجنوب وعمل إمام مسجد في مدشره،يجمع أطفال منطقته ويحفظهم القرآن في المسجد ويعلمهم العلوم الشرعية في مدرسته العتيقة التي أسسها بمعية المحسنين؟؟.

         امتلأت المدرسة فعلا بالطلبة "المرتبين" المحليين والوافدين من القصور المجاورة،وأمن لهم في نفس الوقت المؤونة والإقامة والدراسة،يحفظون القرآن الكريم ويدرسون العلوم الشرعية..من حديث نبوي شريف وسيرة عطرة..ومتن لغوية وفقه ودعوة وفن خطابة..،ولم تمر شهور معدودة حتى تضلع الطلبة في إتقان ما درسوه،وسهر الإمام على إرسالهم ل"الشرط" في العديد من مساجد المنطقة التي كانت تشكو الفراغ والهجران،فأخذوا يصلون بالناس الرواتب والجماعات ويخطبون فيهم الأعياد والجمعات،ويعلمونهم ما صح من الدين و ويبصرونهم بما طغى من الخرافة وبهموم الوطن وتحدياته وحقيقة المستعمر وجرائمه،و يحرضونهم على مقاومته وجهاده،مما كانت منه حركة جهادية عارمة ضد المستعمر،انطلقت من الجنوب والتفت بالحركة الوطنية المباركة،ولم يهدأ لها بال حتى خنقت أنفاس المستعمر وطردته مندحرا من البلاد؟؟.

         واليوم،وبعد كل هذه الدعة والتراخي والصراعات الإيديولوجية العالمية العلنية والخفية وما نتج عنها من انحراف في السياسات المتعاقبة،أصبحنا نعاني جرائها من معضلات خطيرة تهدد حياة الوطن والمواطنين في القيم والأخلاق وفي الهوية واللغة،الأمية والبطالة والعنف والتطرف والإدمان والهجرة..،أفلا يليق بكل الأئمة والفقهاء أن يكونوا مثل فقيهنا وإمامنا في التربية والتعليم والدعوة والمقاومة والإصلاح؟؟،ألا يمكن أن يفعلوا مساجدهم وفق القوانين واختيارات المغاربة في التدين الوسطي المعتدل،أو يؤسسوا لهم مؤسسات وجمعيات للفعل التربوي والاجتماعي،لا يمكن أن ينتج عنها في الأول وفي الأخير إلا تقدم الوطن وتلبية احتياجات المواطن،إذا صلحت النوايا والأفعال؟؟.لصالح من كل هذه القيود المفرطة على الفقهاء والأئمة والأساتذة والعلماء؟،بل لصالح من كل هذا التشويه الذي تتعرض له هذه الفئات وكل ما يتصل بها أو بما ترمز إليه من التدين الذي طالما تفننت الصحافة والأدب و السينما والإعلام في تشويهه والنيل منه؟؟.

         لا نهضة ولا معالجة لمعضلاتنا التربوية والاجتماعية إلا بتحرير الفقهاء والمساجد،نعم في إطار وحدة المذهب والنموذج الديني الوسطي المعتدل،وفي ظل الإجماع الوطني،ولنا نموذج في الحركة الإسلامية المعاصرة التي حررت فهمها وفكرها وممارستها من كل هذه القيود السالفة الذكر،فاندمجت في المجتمع تفعل وتتفاعل كطرف مدني ولكن بمرجعية دينية وفي ظل الاختيارات الفقهية السابقة والإجماع الوطني،فحاربت في صفوف شبابها وغيرهم من المواطنين فكر البدعة والخرافة وصلافة التطرف والإرهاب،ورسخت فيهم روح المواطنة والاستقامة والمبادرة،وساهمت في التنمية من موقعها بالعديد من أعمالها التربوية والاجتماعية والفكرية التي لها قبول واسع لدى مختلف الفئات والفاعلين في المجتمع؟؟.لا ينبغي للهواجس من أي نوع أن تقيدنا وتفوت علينا الكثير من أعمال الخير مجتمعنا في أمس الحاجة إليها،ومن هذا المنطلق فالمسجد لا يمكن أن يكون إلا مسجدا أو لا يكون،جزءا من الحل لا جزءا من الإشكال..والفقيه لا يمكن أن يكون إلا فقيها أو لا يكون،مفتاحا للخير مغلاقا للشر؟؟.

         وفي الأخير،لماذا كل هذا الحجر على الفقيه الإمام كأنه ليس مواطنا أو لا يهمه أمر المواطنين،لماذا يتعرض هذا الكائن دون غيره لكل أنواع الترهيب والتعسف،فهذا يمنيه بالتعيين ..وهذا يهدده بالعزل..وهذا يطمئنه بالاستقامة..وهذا يهدده بالوشاية..وهذا يريد منه تحمل جميع أصناف الناس،من يريد تعجيل الصلاة وغلق المسجد،ومن يريد تأخيرها وفتحه،ومن يريد..ومن يريد..وهذا ينتظر من خطبه مواكبة مواضيع العصر ومستجدات الحياة..و هذا يمنع عنه السياسة والترشيح والخوض في الانتخابات..وهذا يستكثر عنه حتى رخصة المرض والدراسة والإجازة..وحتى أبسط غياب لمعايدة الأهل في المناسبات والأعياد..وهذا يستكثر عنه أبسط السفر في الداخل أو الخارج..أو الاستمتاع في الصيف كغيره من الناس ببعض البحر والتجوال..وهذا..وهذا..وهذا يمنع عنه الاحتجاج ضد إجحاف الوزارة في شوارع الرباط،ويصر على "بهدلته" من طرف الجميع وعدم الإصغاء لمطالبه حتى لو تعلق الأمر بأبسط متطلبات الحياة التي تتوفر للجميع،أو فقط بمرافعة لصالح مسجد غني بالأوقاف ولا يملك دلاء للوضوء ولا حصائر للصلاة..فبالأحرى ..وبالأحرى..؟؟،وننتظر من أمثال هؤلاء تبليغ الرسالة التي جاءت هدى و رحمة للعالمين،ارحموهم فالراحمون يرحمهم الرحمان،ارحموهم فالمرحومون وحدهم من يقودون حركة الوعي والنهوض كفقيهنا الإمام الوطني المجاهد في الجنوب و في الشمال؟؟.
الحبيب عكي

اقرء المزيد

الخميس، 28 نوفمبر 2019

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

سؤال الثقافة المغربية بين الخصائص والتحديات

       لقد كثرت تعاريف الثقافة،ولعل أشملها ذلك التعريف الأنتربولوجي الذي يقول بأن الثقافة هي ذلك الكل المعقد الذي يشمل كل معارف الإنسان وعقائده وقيمه وعاداته وتقاليده في كل مناحي الحياة الفردية والجماعية في معزل وبتفاعل مع الحضارة باعتبارها الجانب المادي للثقافة. ويقال أن الثقافة أيضا هي كل ما يغرس في الإنسان بعد ولادته وما يكتسبه خلال حياته،وهو الذي ولد ولا يعرف شيئا مما يحكم معارفه وميولاته و تصرفاته ولكنه يتربى عليها ويتشربها بحكم الثقافة،كما يقال أن الثقافة هي ما يتذكره الإنسان دون عناء ويتصرف به بسجية وعفوية في مواقف ووضعيات الحياة بعد نسيانه كل شيء لأن ذلك يكون عمق وهوية شخصيته أو معتقده وعادته وثقافته. هذا وتتجلى أهمية الثقافة في كونها تصنع الإنسان وتنمي قدراته وتوجه ميوله وتصرفاته في حياته وفي مختلف جوانبها الفكرية والجمالية والروحية معرفتها وتذوقها والتعايش بها،فوظيفتها بمثابة وظيفة التهذيب والتشذيب للشجرة والرعاية والعناية بها حتى تحيى وتنمو و تزهر و تثمر في أحسن الظروف،ويمكن أن ترقى الثقافة بالإنسان كما في الدول الراقية حيث القيم والأنظمة الراقية،أو تتقهقر به كما في الدول المتخلفة حيث القيم والأنظمة المتخلفة،إلى درجة تجد فيها شعوب هذه الدول تتصرف على طرفي نقيض اتجاه نفس العادات والمعتقدات والمواقف والقضايا؟؟.

         ومعلوم أن في الثقافة ما هو فطري عام بين جميع الشعوب والقبائل كفطرة الأكل والشرب واللباس والتعبد والزواج وإن اختلفت طرائقها ومقاصدها،وفيها ما هو خاص تفرضه عناصر و ظروف معينة حسب الزمان والمكان. وفي حالة المغرب كما يقول الدكتور "عباس الجيراري" في محاضرة قيمة له في الموضوع ما معناه:"أن الثقافة المغربية عبر التاريخ قد حددتها ثلاثة عناصر أولها عنصر الموقع بين أفريقيا و أوروبا..ما جعله جسر التواصل والإشعاع بينهما وصاحب رسالة حضارية،ثانيها عنصر السكان وتعددهم الإتني والعرقي واللساني وما نتج عنه من تعدد العادات وثراء العطاء جعل مشاعا للجميع(حفل إبراز العروس مثلا)،وثالثها عنصر الزمان باعتباره عامل التطور والتغيير والبناء والتراكم كما بين العهود السلطانية من تطور وتراكم،رغم ما ميز ذلك من توازن عام بين الأصالة والخصوصية وبين الانفتاح والمعاصرة"،ويضيف الدكتور أن الثقافة المغربية لها خصوصيات وأبعاد أورد منها:
1- البعد الديني والمعتقدي الإسلامي: وهو روحها الذي تنطلق منه وإليه وله تخدم وهو عنصر حاكم وناظم.
2- البعد اللغوي: ويتمثل في اللغة العربية،لغة القرآن الكريم،بكل حمولاتها العقائدية ودلالاتها وثرائها الفريد.
3- بعد التراث الوطني: وكل اجتهادات وإبداعات المواطن المغربي الثرية والحضارية داخل الزمـان والمكان،
4- بعد الألوان والأشكال: التي شملت كل شيء في العلوم والآداب والعقيدة والفقه،وفي القصة والشعر والزجل،والغناء والرقص،والطبخ واللباس،والعمارة والزخرفة..،ولم تترك الثقافة المغربية للمغربي شيئا أي شيء يستجدي فيه غيره فبالأحرى أن يعيش فيه عالة على غيره.
5- بعد الكتابي والشفوي: خاصة فيما يتعلق بالثقافة الشعبية وما تخر به من تعدد وغنى في العادات والتقاليد والطقوس في مختلف الأفراح و المآتم ومناسبات التعاون والتآزر بين الناس،فكان الفلكلور وكان الملحون والشعبي وكانت مختلف الأهازيج والرقصات الشعبية الأمازيغية وغيرها.
6- بعد الوسائط والأعلام: كوسائط المسجد والدعوة والخطابة،ووسائط النظم والتأليف والحفظ والإقراء،وأعلام كالحسن الوزان الذي عرف الغرب بالخزانة العربية،والشيخ عبد الله كنون صاحب النبوغ المغربي،ومحمد المنوني المؤرخ الذي عرف بالمغرب الحضاري،ومحمد المختار السوسي سجين الصحراء وصاحب المعسول، وعلال الفاسي صاحب النقد الذاتي،وعبد الرحمان بن زيدان المسرحي الذي عرف بمعالم وتاريخ أهل مكناس و عاداتها وفنونها...هذا على سبيل المثال لا الحصر.

         هذا وقد ميزت الثقافة المغربية معطيات وخصوصيات أطرتها على الدوام نذكر منها:معطى الوحدة في التعدد،ومعطى الأصالة في الانفتاح،ومعطى الحفاظ على الذات رغم الوافد الآخر وحملاته الاستتباعية،مما جعل للثقافة المغربية في الحقيقة وظائف أجملها الدكتور المحاضر في ما يلي:
1- وظيفة الحفاظ على هوية المواطن المغربي.
2- وظيفة خدمة القضايا الوطنية كالتحرر مثلا.
3- وظيفة المنافسة في المجالات الثقافية وإبداعاتها.
4- وظيفة مواجهة التحديات كمواجهة الاستعمار مثلا.
5- وظيفة الوحدة والتضامن مع القضايا الوطنية (كالفيضانات) والقضايا القومية(كفلسطين).

         واليوم وقد أصبحت ثقافتنا المغربية بإجماع المتتبعين والدارسين والمهتمين المنصفين،قد اختلط فيها الحابل بالنابل،وتجاوزتها مشاكل الواقع وانحرافاته وتحدياته المستعصية والمستفحلة،ذلك أنها تواجه تحديات جمة إن على المستوى الداخلي أو على مستوى محيطها الخارجي،نذكر من ذلك:
1- تحدي التغريب والعولمة: التي لا تبالي بإسقاط الهويات وتجاوز الخصوصيات،وإعطاء الأولويات للمواثيق الدولية والنمطية الكونية الأحادية،خاصة فيما يناقض المرجعية ويخالفها،ويمحو خصوصية الزمان والمكان والتراكم التاريخي.
2- تحدي الفرنكفونية المفروضة: التي لا زالت تحكم مخالبها على الثقافة المغربية وحياة المغاربة بشكل واسع ومؤثر،في السياسة والاقتصاد،وفي التعليم والثقافة العالمة،مع التناقض الصارخ للثقافتين فيما يتعلق بالمفاهيم والقيم،يظهر ذلك كما يقول الدكتور "محمد بريشي" في البرامج والمراحل التعليمية بين برنامج  عربي يمجد الصلاة وبرنامج فرنسي يسخر منها (La prière de tartuffe)؟؟.
3- تحدي التدريج والتهريج والأعلام المهزوزة: بل والمنسلخة عن الخط الثقافي للمغاربة،ولكن هم من يطبل لهم إعلاميا ويمكن لهم تمثيليا في برامج ومهرجانات،ويغدق عليهم في ملتقيات ومشاريع وهمية هي أقرب للريع منها إلى الثقافة، وهي التي لا تلبث "عيايشها" من السخرية من كل ما هو ديني و محاربة رموزه طقوسا كانت أو فقهاء؟؟.
4- تحدي مؤسسات التسيير والتدبير: التي عجزت إلى اليوم حتى عن وضع رؤية ثقافية مغربية جامعة مانعة،وعجزت عن تعميم دور الثقافة عبر التراب الوطني وتقريب خدماتها من المواطن(75 مركز فقط)،واكتفت بديل ذلك ببعض البرامج الثقافية - على أهميتها - كدعم الكتاب ولكن أي كتاب،وبعض المهرجانات وأية مهرجانات،وبعض الجولات المسرحية وأية جولات، وترميم بعض القصبات والتراث المعماري؟؟.
5- تحدي الإبداعية والتنافسية: إذ على عكس "النبوغ المغربي" أيام زمان،فأن أكثر ما يروج له اليوم بما في ذلك كثير مما يفوز منه بالألقاب والسعفات المشبوهة،هو تعريف ثقافتنا بالفلكلور باعتباره بعض الشطحات الموروثة والرقصات المحنطة والبسيطة والجاهزة،أو بعض المهرجانات الدولية التي يزداد رفض "سخافتها" وقلب "موازينها" بشكل واسع،لا يبذل معها وفيها العارضون أي جهد ولا ينالون عنها غير بعض الفرجة المشوهة والتصفيق الساخر؟؟،كما هناك تعريف بالتبعية الثقافية رؤية ومجالات و وظائف وتقنيات،ولا ندري كما يقول أحدهم هل تريد ثقافتنا ومثقفيها أن يلعبوا مع الآخر(هواية) أو ضده (احتراف ومهنية) أو له وبدلا عنه (نخاسة وعمالة)،وشتان شتان بين ممارسة الرياضة لتجزيه الوقت وبين ممارستها لتخريج الأبطال والأبطال العالميين،فأين معاهدنا وبرامجنا لتخريج مثل هؤلاء المثقفين المبدعين والمنافسين الأبطال؟؟.
6- تحدي الجدل بين الثقافي والسياسي: ومن ينبغي أن يقود من، ومن ينبغي أن يؤسس لمن،ومن يمن على من، ومن  يعترف بمن، ومن يرخص لنشاط من،أو يثمن مردودية من،ومن يستثمر حصاد من،ومن يسمح بريع من،ولا يكون هذا الجدل العقيم في الأول وفي الأخير،إلا على حساب الثقافة والسياسة معا،ولهذا لا نستغرب أن كثيرا من البرامج السياسية الآن والتي كانت منفردة في سيرها،فلا أرضا قطعت ولا ظهرا أبقت،بل لم تزد معضلاتها إلا استفحالا،أخذت الآن تنادي بضرورة العودة إلى الاستثمار في التراث اللامادي للشعوب،كاهتمام برامج التنمية البشرية اليوم بالاستثمار في مشاريع الطفولة المبكرة،بما تعنيه الاستثمار المبكر في التربية والتعليم واللعب والترفيه والفنون والآداب والاندماج،وكلها اهتمامات ثقافية بالدرجة الأولى،نعود إليها بعد هدر عقد ونصف من الزمن التنموي بشكل ما،ولكن لا بأس فهذا توجه كوني،وأن تكون على الطريق خير من أن تفقده،وأن تصل متأخر خير من ألا تصل على الإطلاق؟؟.

الحبيب عكي

اقرء المزيد

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

المشاركات الشائعة