Top Ad

الأحد، 27 نوفمبر 2022

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

المدونة التي نريد.. المدونة التي نرفض ؟.

        نرفض المدونة.. نريد المدونة.. مدونة قديمة.. مدونة جديدة.. مدونة معدلة مصلحة.. مدونة جدرية جندرية.. من يرفضها.. من يريدها.. من مع ومن ضد.. كل شيء نسبي.. وإذا كان من الطبيعي أن يرفض الناس ويعارضوا ما يجهلون (م. القديمة).. فإن الغريب أن يريد الناس أيضا ويتطلعوا إلى ما لا يعلمون (م. الجديدة).. فهل هي مدونة الجهل التي تفشت أو تريد أن تتفشى بيننا؟. ماذا نعرف عن المدونة القديمة.. بموادها الأربعمائة (400 مادة) حتى نرفضها؟. وماذا نعرف عن المدونة الجديدة ومرجعياتها الدولية والحقوقية المطلقة حتى نتشوق إليها؟. هل حال أسر نحلها وأطفال مللها أفضل حالا من أسرنا وأطفالنا وهم الذين يصرحون بلا شرعية أطفالهم ويصرخون بدمار أسرهم، فكيف تكون جيدة أو لا تكون؟.

 

         صحيح، أن أحوال الأسرة المغربية التي وضعت مدونة الأسرة من أجل حمايتها واستقرارها وتماسكها، يمكن أن تكون أفضل مما هي عليه الآن، وكثير من الصراعات والنزاعات التي يملأ بها الأزواج ردهات المحاكم، ما كان لها من دواعي حقيقية لذلك؟، ولكن ما ذنب المدونة القديمة وما ذنب البخاري ومسلم؟. هل ستتمكن المدونة الجديدة من حلها فعلا؟. لا أظن، وكيف لا أظن، إذا بقيت لدينا عقلية الصراع بين الأزواج والعائلات موجودة؟.. وعادة السعي إلى المساواة المطلقة بين الذكور والإناث بدل التكامل؟،.. وعقلية التحايل على القوانين متفشية، والتفلت من الأحكام الشرعية والقضائية سائدة.. وكره البعض بوعي أو بغير وعي لشريعة الإسلام واضحة، رغم ما ندعيه من كوننا مسلمين محترمين ولا نرضى عنه بديلا؟.

 

         يقول المتحاملون والمتحاملات على مدونة الأسرة القديمة، أنها ينبغي أن تتحرر من جلبابها الإسلامي وحجابها المذهبي المالكي إلى غيرها من الفساتين الكونية الجميلة والقبعات الحقوقية الرشيقة.. ويكون أكبر معالمها المساواة المطلقة بين الزوج والزوجة؟.. والمساواة - لو يعلمون - حق.. ولكن قد يراد به باطل؟.. نعم للمساواة في الحقوق والواجبات.. في الرعاية للأسرة والحماية للأبناء.. في تلقي النشء للخدمات وتولي المسؤوليات.. وقضاء نفس الأجر على نفس الأتعاب.. لكن أن تصل إلى تجاوز الفوارق البيولوجية بين الذكور والإناث.. فهذا تغيير لخلق الله وفطرته في الخلق.. وهي ضد كل ما تقره الشريعة في مجال الأسرة من القوامة والتكامل والتضامن.. والخيرية والعدل والإنصاف.. والمودة والرحمة والتكارم والسكينة..؟.

 

            إن المادة الأخيرة من المدونة والتي تحمل (رقم 400) والمتعلقة بضرورة إخضاعها لأحكام المذهب المالكي في ما ليس فيه نص من النوازل، والذي ينادي الحداثيون والحداثيات بحذفه.. لو يعلمون هي مادة تعمل في اتجاههم وبعملهم كما يعملون وأكثر مما يعملون، خاصة عندما تمنع هذه المادة الزواج العرفي.. وزواج المتعة.. أو ما يسمونه هم بزواج "الفاتحة"، وهم الذين ينظمون حملات وحملات من أجل التحسيس بخطورته ومعالجة مخلفاته؟، لكن في نفس الوقت لا يعمل في صالحهم عندما لا يقر لهم بالعلاقات الرضائية ويسميها فاحشة "الزنا"، أو يحرم عليهم ما ينادون به من الحق في جريمة الإجهاض التي تزهق على إثرها حياة الأجنة دون ذنب ولا ضمير حي يشفق أو يرحم، قال تعالى: "وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت"؟. 

 

            وتلك المدونة الحداثية المرتقبة - في مخيلة البعض على الأقل - ولو بمقدار، ألا تكون بشائرها الوهمية واضحة من مرجعياتها الكونية والحقوقية المطلقة.. والتي لا تعترف بشيء اسمه الدين والهوية أو الخصوصية الثقافية.. بل حتى الأسرة التي تدعي حمايتها أصلا، فهذه الأسرة التي تعتبر في الدين هي الخلية الأولى في المجتمع وعلى الجميع تضافر الجهود لحمايتها، هذه الأسرة تعتبر في هذه المرجعيات مجرد شراكة توافقية.. يمكن أن تكون بزواج أو بغيره (علاقات رضائية) .. كما يمكن أن تكون بين أزواج من جنسين مختلفين (ذكر وأنثى).. أو أزواج من نفس الجنس (مثليين).. أو حتى بين زوج واحد وغيره ولو كان حيوانا قطا أو كلبا شرف الله قدركم؟. ومبدأ  كل هذا أن الزواج.. والأسرة.. والأبناء.. والقوامة.. في هذه المرجعيات، إنما هي ثقافة لقهر المرأة واستغلالها الجنسي.. لذا ينبغي تحريرها من كل ما يؤدي إليه.. فكانت المعاشرة عندهم على أسس العلاقات الرضائية.. والزواج المدني.. والمثلي.. وحتى البهائمي شرف الله قدركم؟.

 

            هل هذا هو الذي تبشر به المدونة الحداثية الجندرية؟، أعتقد نعم، ولما لا أعتقد، وهم يرفضون زواج القاصرات حتى في بعض الحالات التي يمكن لهن فيها الزواج كما يأذن به القضاء لظروف وملابسات، ولكن في نفس الوقت يسمحون للقاصرات بممارسة العلاقات الحميمية من منطلق الحاجة البشرية والحريات أو مجرد الغواية والدعارة.. وإذا ما نتج عنها حمل غير شرعي، حظيت هؤلاء المراهقات الحاملات خارج إطار الزواج بكل أنواع الرعاية والصحة الإنجابية.. التي لا تحلم بعشرها الراشدات المتزوجات من ذوات الأزواج والبيوت؟، فكانت من هنا، قرى وحدائق الأمهات العازبات (Single Mother) وتنافست في إعالتها والانفاق عليها كل المنظمات الدولية.. بتنشيط تربوي ترفيهي وطني محموم؟.

 

            وكل هذا، لا يعني في شيء أن المواثيق الدولية ليس فيها من المكاسب والإيجابيات ما ينبغي اعتباره والاستفادة منه في التشريع، أو أن ليس هناك إشكالات حقيقية مزعجة في ردهات المحاكم.. وقضايا أسرية مصيرية مفزعة، تعبر عنها الأرقام والإحصائيات في مختلف المجالات الأسرية.. عزوف عن الزواج.. ارتفاع نسبة الطلاق.. هشاشة وتفكك أسري.. تهرب من النفقة.. نزاع الحضانة.. أهلية الحاضن.. زواج القاصرات.. حرمان من الإرث.. المناداة باقتسام الممتلكات.. سكن المطلقة.. بطالة المطلق وغيابه.. تحدي العالم الافتراضي.. ولكن، ليكن الجميع على يقين أن لا المدونة الجديدة ولا المدونة القديمة ستستطيع فعلا شيء أي شيء اتجاه هذه الأوضاع الأسرية المزرية، رغم كل قوانين الدنيا.. وصرامتها.. لأشياء بسيطة وحاسمة ومنها:

 

1-  ما دمنا نغيب مرجعية القوم وقيمهم الأخلاقية عن الموضوع: فذلك يسحب منهم حق أذن الله به لهم، وذلك مما سيحملهم على التمسك به ولو انطبقت السماء بالأرض.. تعدد الزوجات وزواج القاصرات البالغات.. حياة الجنين والحق في الإرث كما هو في شريعتهم الإسلامية نموذجا؟.

 

2-  ما دمنا نفرض المرجعية الكونية والحقوقية بشكلها المطلق: والفج والذي لا يراعي لا دين الأمة ولا خصوصيتها الثقافية.. التي سمحت بمراعاتها هذه المواثيق في حد ذاتها.. وكذلك دستور الأمة، وسمحوا بالتحفظ اتجاه بعض موادها.. ولكن زبنائها كونيين ولاشك أكثر من الكونية؟.

 

3-  ما دمنا نغيب المقاربة التربوية والأخلاقية في الموضوع: كما قلت في بداية المقال وما يطبع المتنازعين من طباع يستحيل معها بناء أسرة فبالأحرى استقرارها وتماسكها.. كعقلية الصراع.. والتماثل.. والاستقواء.. والاستغناء.. والاحتيال.. والتفلت.. إلى غير ذلك من مدمرات الأسرة؟.

 

4-  وأخيرا، ما دمنا نغيب المقاربة الشمولية في معالجة الموضوع: وفي مقدمها عناصرها الأساسية كدور السياسات العمومية في إنتاج أو محاربة هذه الكوارث الاجتماعية.. ففلسفة الصراع بين الأزواج حتما تعني التصدع.. وبطالة الزوج أو الزوجة عن العمل حتما يعني التهرب اضطرارا من الإنفاق وما يرتبط به من المسؤوليات.. وغياب التأهيل للزواج ذكورا وإناثا حتما يعني الصدام.. وعدم القدرة على القيادة إن لم يكن فقدان البوصلة وسط المخاطر والأهوال.. وهذا أخطر.. هذا أخطر.. فمن لنا بمدونة هذه أسسها وأعمدتها؟،.. من لنا بفلسفة تربوية أسرية تتجاوز أية مدونة صارمة كانت أو مترهلة.. تقليدية أو حداثية؟.

الحبيب عكي


اقرء المزيد

الأحد، 20 نوفمبر 2022

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

المدونة وحماية الطفل وسؤال المرجعية والممارسة؟.

يحتدم الصراع والتدافع من جديد بين مختلف الأطراف حول المرتقب من تعديل مدونة الأسرة في المملكة الشريفة، بعد حوالي عقدين من الزمن من وضعها موضع التطبيق. وما أبانت عنه من عيوب ونقائص لم تكن في صالح الأسرة المغربية عكس ما وضعت من أجله وكان منتظرا منها إصلاحه؟. وإذا كان أمر التعديل عاديا ومطلوبا ودوافعه منطقية ومقبولة، فإن السؤال لازال مطروحا وبقوة حول دوافعه ومسالكه وتدبيره وزمانه وبالأخص تأمين سيره في الاتجاه الصحيح مبرر الدعوة إليه.. خاصة في علاقته بالسلم الاجتماعي وحماية الأسرة المغربية واستقرارها وتماسكها بكافة أطرافها أفضل ما يمكن أن يكون فعلا؟. 

 

سؤال وجيه، وهناك أكثر من مبرر منطقي على طرحه، خاصة عندما ينادي البعض بمجرد التعديل والإصلاح، في حين ينادي البعض الآخر بتغيير ثوري جدري وشامل ينتج مدونة جديدة بكل المقاييس؟. وعندما يريد البعض اعتماد المرجعية الإسلامية واجتهاد العلماء وخبرة الخبراء في إطار القانون الدستوري والمذهب المالكي الذي حفظ لحمة المغاربة وتدينهم قرونا وقرونا؟. في حين يصر البعض الآخر على ضرورة تجاوز كل ذلك إلى مرجعة المواثيق الدولية وحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، والتجرد من جلابيب الفقهاء وبلاغيهم وعمائمهم أصابوا أم أخطأوا، وكأن هذه المدونة توضع لغير المسلمين؟.

 

وحتى لو سلمنا جدلا أن هذه المواثيق الدولية يمكنها أن تأتي ببعض الحلول الناجعة لمشاكل الأسرة المغربية، وتعمل على حمايتها وضمنها وعلى رأسها قلبها النابض وقضيتها المركزية التي هي حماية الطفل، فماذا يمكن أن تقدم لنا هذه المواثيق في هذا الصدد؟:


1-     قبل مرحلة الزواج:

· هل تحمي هذه المواثيق الطفل عندما تفتح حرمانه من أسرة حاضنة وحانية على مصراعيه و تقر بأن الزواج ليس هو الوجه الوحيد للعلاقات الحميمية وتكوين الأسرة بين الأفراد.. بل يمكن أن يحدث هذا بمجرد التوافق ومن غير زواج؟.

· هل تحميهم عندما تتحدث عن أنواع مختلفة من الزواج.. عرفي.. رضائي.. مدني.. مثلي لواطي وسحاقي.. بين زوجين مختلفين أو زوجين مثليين.. أو حتى زوج واحد يكون طرفه الآخر مع حيوان قطا أو كلبا كان شرف الله قدركم؟.

· هل تحمي هذه المواثيق الطفل وهو من بين أهداف الزواج عندما تكون أمه عازبة ( ).. أو يكون الشارع له أسرة، أو يضيع نسبه في ما تقره هذه المواثيق من الخيانة الزوجية.. بل وتمارسها حتى أن نسبة رهطها قد بلغ في بعض الدول الغربية أزيد من 45% ؟.

 

2-     أثناء مرحلة الزواج:

· أين هي حماية هذه المواثيق للطفل عندما تعتبره في هويته مجرد كل مولود لم يبلغ بعد سن 18 سنة؟، وعلى عكس الشريعة الإسلامية تضرب عرض الحائط كل مرحلته الجنينية، ومن ثمة تقر بما قد يستهدفه من جريمة الإجهاض يزهق روحه دون ذنب؟.

· هل من الحماية لفطرة الطفل عندما تطالب هذه المواثيق بالمساواة المطلقة بين الذكور والإناث ومحو كل الفوارق البيولوجية بينهما بدل بعض مراعاة الفطرة وبعض الخصوصية والتكامل؟.

· هل من حماية الطفل اعتبار تدخل آبائه في بعض شأنه الخاص تأديبا أو توجيها أو تربية وحماية.. تدخل سافر في خصوصيته و وصاية تمنعه من حرية التعبير عن أرائه وميولاته ومشاعره واختياراته وقراراته؟.

· أين هذه الحماية عندما نعتني بالطفلة القاصرة التي قد تحمل من السفاح وهي مراهقة، غاية العناية، في حين نصر على رفض زواجها الشرعي المباح بدعوى أنها قاصرة.. قاصرة عن الزواج وغير قاصرة عن الغواية؟.

 

3-     ما بعد مرجلة الزواج أو عندما يقع  الطلاق:

· إذا كان الآباء لا يزالون على قيد الحياة.. حيث تستمر وتصبح لابنهم عليهم حقوق أخرى لا تهتم ببعضها المواثيق الدولية ومنها الحضانة.. والنفقة.. والسكن.. والرعاية الصحية والتربوية.. وحق اللعب والترفيه.. والتزويج عند البلوغ.. والإرث عند الوفاة.. تحريم التبني وإجازة الكفالة.. إسقاط الحضانة على الأم إذا فقدت شروطها.. لا لشيء إلا لضمان أجود وسط تربوي ينشء فيه الطفل؟.

 

خلاصة القول، أن هذه بعض المواثيق الدولية التي يريدنا البعض استنباتها في مدونة الأسرة، ظنا منه أنها الأفضل للأسرة والطفل المغربي، أو خدمة لأجندة خارجية ومعتقد إيديولوجي متهالك، أو فقط لما ورد في الدستور المغربي في تصديره من أن المغرب يعترف بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا.. وأن المعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب تسمو على التشريعات الوطنية التي ينبغي ملائمتها مع التشريعات الدولية؟. وهذا صحيح من حيث ورود النص، وغير صحيح من حيث أنه مشروط بمقتضى النص دائما بوجوب عدم تناقضها مع الثوابت الدستورية والقوانين الوطنية ومقتضيات الهوية(الفصل 19)؟.

 

أضف إلى ذلك ما ورد في نص الدستور ذاته من مكانة الصدارة التي احتلها فيه الإسلام ومنها: "هذا الدستور الذي يؤكد على تعميق أواصر الانتماء إلى الأمة العربية والإسلامية(تصدير ).. وما ورد فيه من أن الأمة تستند في حياتها العامة على ثوابت جامعة تتمثل في الدين الإسلامي السمح (الفصل 01).. ومن أن الإسلام دين الدولة (الفصل 3).. وأن الأحزاب السياسية والجمعيات لا يجوز أن يكون هدفها المساس بالدين الإسلامي (الفصل07)؟. وأعتقد أن جلالة الملك كان دائما إلى جانب المرجعية الإسلامية في العديد من المواقف والمحطات الوطنية الحاسمة.. نذكر منها محطة دستور 2011 وتبويء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيه.. لجنة ملكية لتدارس موضوع الإجهاض.. الاعتراف للمرأة بحق ممارسة مهنة العدلية.. قانون البنوك التشاركية.. كل ذلك باعتماد فتاوي المجلس العلمي الأعلى.. وهو القائل باعتباره أمير المؤمنين حفظه الله: " أنا لا أحلل حراما ولا أحرم حلالا"؟.

 

وكل هذا لا يعني في شيء أن الأسرة المغربية لا تعاني من العديد من الإشكالات الحقيقية والتحديات الكبرى بالأرقام الضخمة والإحصائيات المفزعة؟، ولا يعني في شيء كذلك أن المواثيق الدولية خالية مما يمكن الاستفادة منه في التشريع الأسري وجودة الخدمات المجتمعية ودمقرطتها؟، ولكن  هناك أسئلة جوهرية بين يدي هذه المعركة التشريعية والقانونية المرتقبة، هل نعرف حقا هذه المدونة بموادها (400).. أم مجرد بعض الفصول التي يساء فهمها ويساء تطبيقها أكثر.. وأكيد بعض التحايل على نصوصها والتفلت من أحكامها.. فتنتج نتوءات مجتمعية لا تعمل أكثر إلا على تصدع الأسرة واضطرابها بدل تماسكها واستقرارها؟.

 

هل نعرف مفهوم الأسرة التي نريدها وفي علاقاتها بين مختلف أطرافها من الأزواج والزوجات والأبناء والأقارب وكل المحيط والمجتمع؟.. ما هي مداخلنا وحواملنا التربوية والتشريعية لنشيع فيها المطلوب من المودة والرحمة والسكينة والتماسك؟. هل ما ينادي به البعض من التعديلات الضرورية انطلاقا من المرجعية الكونية - كما أسلفنا - ستصلح حال الأسرة المغربية وستسعفنا في ذلك فعلا؟، أم أنه كما قال أحد الظرفاء في الموضوع:" مجرد تحسين مظهري لظروف الصراع والتفكك واستدامته والتطبيع مع كوارثه المكلفة.. كمن يدبر ظروف تحمل المرض المزمن الفتاك ببعض المسكنات وبعض الأقراص غير الفعالة.. بدل معالجة مرضه وأسبابه من جذورها كما ينبغي ولو بعملية استئصالية لكل ما هو غريب عنه جرثومي ملفق فاسد؟.

 

الحبيب عكي


اقرء المزيد

الاثنين، 14 نوفمبر 2022

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

كيف تستفيد المدرسة من محيطها الجمعوي الحيوي؟.

من الملاحظ، أن المدرسة المغربية، وفي الوقت الذي ترفع فيه شعار:" ضرورة الانفتاح على محيطها الخارجي.. والتعاون في أداء مهامها مع الأسرة والجمعيات.. والجماعات وغيرهم من الفاعلين"، نجدها في الغالب منغلقة على ذاتها وعلى جمعيات المجتمع المدني خاصة، وربما، إلى درجة لا تستفيد فيها حتى من الجمعيات التي يفرضها عليها القانون وتقوم هي بتأسيسها.. كالجمعية الرياضية.. وجمعية الآباء.. وجمعية مدرسة النجاح.. التي قد تكون علاقتها بها محسورة في مجرد بعض الجبايات من التلاميذ وبعض التدخلات المناسباتية على بساطتها ونذرتها؟.

 

والواقع أن هذا خلل تدبيري تتولد عنه العديد من الاختلالات التربوية والتي كلما حاولت المدرسة حصرها ومعالجتها إلا وتفاقمت واستفحلت، وطبعا أثرت بشكل سلبي على سيرها ومردوديتها؟، ترى، ما هي أسباب انغلاق المدرسة على جمعيات المجتمع المدني في محيطها الحيوي؟، أي دور لهذه الجمعيات لتنمية التربية والمدرسة؟، وهل بإمكانها النجاح في ما قد تفشل فيه الدولة وغيرها من الأحزاب والنقابات؟، ما هي معوقات وعراقيل الممكن من التواصل السلس والطبيعي بينهما؟، وها هي مقترحات تدابير الحلول والمعالجة لتحقيق الممكن من الانفتاح والتعاون والشراكة التي ستخدم تمدرس النشء قبل كل شيء؟.

 

1-  جزء أساسي من الإشكال تصوري وهو خاطيء: عندما يتصور السيد المدير المحترم مثلا، أن مؤسسته التعليمية ليست في حاجة إلى الجمعيات، وأنها يمكنها أن تؤدي رسالتها التربوية والاجتماعية بمفردها، وأن دخول الجمعيات إلى المؤسسة إنما هو إضافة "صداع الرأس" هو في غنى عنه.. وربما معارك إيديولوجية وأسئلة وتقارير أمنية غير مرغوب فيها في الوسط التربوي على الأقل؟، ومن تمة تقوم الدوائر الإدارية العليا من مديرية وأكاديمية وغيرها بتعقيد بروتوكول التواصل مع جمعيات المجتمع المدني أو طيف منها، وتأويل مواده حسب هواها والمتنفذين في مكاتبها.. بل وتجاوز ما ورد في الموضوع من مذكرات وزارية شاملة (1992/28) ناهيك عن دورية الوزير الأول بشأن الشراكة والمناولة (2003/7) والفصول الدستورية بشأن الديمقراطية التشاركية (12 و26 و33 و34  و170.. )؟.

 

2-  وجزء من الإشكال أيضا تأهيلي ويمكن تجاوزه: صحيح أن العديد من الجمعيات ليس لها أطر متخصصة في التربية والتكوين وتمتلك فيها رؤية واضحة وذات قيمة مضافة، ولكن جل الجمعيات إن لم نقل كلها لها أطر يمارسون داخل المنظومة، ولديهم خبرة طويلة ومعتبرة في العديد من المجالات الهامة التي تحتاجها المدرسة، في التنشيط التربوي والتعليم التفاعلي.. في التعليم الأولي وبيداغوجيا الامتاع.. في محو الأمية وإعطاء دروس الدعم والتقوية.. في التربية غير النظامية.. في تنمية المهارات والدورات التكوينية.. في المخيمات الصيفية.. في المشاريع المدرة للدخل.. في الحملات التحسيسية لمحاربة التدخين والمخدرات.. في الأمسيات والمسابقات والدورات والدوريات.. في تعبئة رؤوس الأموال الوطنية والدولية عبر المشاريع والشراكات.. في بناء بعض الفضاءات التربوية وتجهيزها بلوازمها من أدوات ومعلوميات.. في توفير بعض وسائل النقل الفردية والجماعية..؟، وكل هذا وغيره كثير، يمكن أن تستفيد منه المدرسة بمقتضى شراكة بينها وبين الجمعية المؤهلة، طبعا، شراكة تحدد فيها طريقة العمل الجمعوي داخل المؤسسة التربوية.. أوقاته.. ملفاته وبرامجه ومؤشراته.. التربوية والاجتماعية وغيرها؟.

 

3-  وتظل جمعيات المجتمع المدني توزع الفرح رغم العراقيل: لعل أبسطه هذه الأدوار التأطيرية والتنشيطية.. الاجتماعية والخدماتية التي عجزت المدرسة بانغلاقها وتوجسها أن تستفيد منها حتى، ومن باب التجربة، كم كانت أسرة تفرح لأن في حيها وبجوارها جمعية تربوية تستوعب فراغ أبنائها وتصقل مواهبهم بمتعة وإفادة؟، وكم كان معلم يفرح لأن أطفال التحضيري كانوا يأتونه من روض جمعية مجاورة وهم قد تجاوزوا الكثير من إشكالات القراءة والكتابة عكس غيرهم؟، وكان أستاذ يفرح كلما كثر عنده تلاميذ من رواد جمعيات لأنهم يمتلكون الكثير من المهارات والسلوك المدني ولا يجد معهم من إشكالات السلوك والانحراف الذي يشين غيرهم؟، وكم كان مدير مؤسسة يفرح عندما يجد جمعية مدنية متطوعة تفك له ما أشكل عنده من الحالات الاجتماعية للتلاميذ والتلميذات أدوات وحملات..، ربما أكثر جدوى وأسرع تنفيذا حتى من المديرية المعنية؟، وكم كانت هذه المديرية ذاتها تفرح عندما تجد من يمثلها في المنافسات المسرحية والرياضية والقرائية وغيرها، مبدعي ومؤطري أنشطتها من الأطر الجمعوية التي ألفت الإبداع في الجمعيات والمخيمات ولا تتأفف من مشاق التأطير ولا مجانية التطوع؟.

 

          ويبقى دور المجتمع المدني اتجاه المدرسة أجل وأكبر، أجل وأكبر من هذه الخدمات البسيطة على أهميتها، ومن ذلك مثلا:

1-     ضرورة اقتحام مجالات عمل معاصرة تستدعيها حالة المدرسة: كالعمل على تطهير محيط المؤسسة من كل ما يمس بالتربية والقيم والأخلاق؟. والعمل داخل المؤسسة في محاربة المستجد من الظواهر التي تهدد تمدرس التلاميذ وأخلاقهم: الاكتظاظ ونقص في الفضاءات.. ظواهر العنف والغش.. والتحرش والابتزاز.. والتدخين والمخدرات.. صعوبات التمدرس بمختلف أشكالها.. ترك الصلاة وتراكمها طوال اليوم.. وغيرها من مظاهر ضعف الحافزية والتحصيل والمردودية بشكل عام.

 

2-   العمل حسب الإمكان على نمذجة الفضاء المدرسي واستكمال مرافقه: لا أقول تعويض الدولة أو القيام بمهامها أو إعفائها من ذلك ولكن حسب الإمكان، وذلك باستكمال اللازم من القاعات.. وبستنة الساحات.. ورسم الممرات.. وتدوير المتلاشيات.. وتزيين الفصول والمداخل والمآرب والواجهات.. ونظافة المرافق الصحية.. وتنظيم الملاعب الرياضية وتزيينها.. وتجهيز المختبرات.. والمكتبات وقاعة العروض والندوات.. وكذلك توفير الممكن من اللوجستيك الثقافي والفني والرياضي.. وسائل النقل وفضاء الإقامة لمحاربة الهدر المدرسي خاصة في العالم القروي..، ويكفي أن نعطي مثالا على إمكانية ذلك، فكم جمعية غيورة بنت مؤسسة ابتدائية أو إعدادية في قريتها وزودتها المديرية الإقليمية بالأطر التربوية اللازمة، فحققت حلمها في تمدرس أبنائها دون تنقل ولا إقامة مكلفة خارج بيئتها.. ولا انتظار الذي قد يأتي ولا يأتي؟، وكم جمعية تدخلت تدخلا ناجحا في توفير وسائل النقل وإدارتها أو إقامة الفتاة القروية ومطعمتها؟، ومؤسسة "زاكورة" للتربية غير النظامية والقروض الصغرى(وبغض النظر عن ماهيتها وممارساتها) فقد تمكنت من تأسيس 419 مدرسة للتربية غير النظامية ومحو الأمية وتعليم الفتاة القروية، استفاد منها 22 ألف مستفيد(ة)، وهي اليوم  - حسب أرقامها - تعمل مع 50 ألف طفل في التعليم الأولي ومع 500 جمعية وألفين مؤطر(ة)، وقد راكمت 94 مشروعا إدماجيا مدرا للدخل بدعم من القطاع الخاص والرأسمال الأجنبي؟.

 

3-   الترافع القوي والجماعي لدى الهيئات المعنية حول الرؤية الأسلم للتربية والتعليم: ومخططات الإصلاح المتعاقبة، حول المدرسة في العالم القروي وبدعة الأقسام المشتركة ومآلاتها.. حول قضايا الفئات المحددة ممن تحتاج مثلا إلى وسائل النقل.. فضاء الإقامة.. توفير الاطعام الصحي الجيد والمتوازن للمحتاجين والنضال عليه منحة وكمية ومسؤولين مؤتمنين.. جودة وكيفية.. الاستمرار في الدراسة عند التعثر ولو في مسالك أخرى جديدة.. إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم.. بعض الظواهر غير الحقوقية التي قد تحط رحالها في هذه المؤسسة أو تلك، إلى غير ذلك مما لن تستقيم دراستنا إلا به شئنا أم أبينا؟.

 

4-   الدفاع عن التعليم المدني وضرورة نيل المتمدرسين حظهم منه: وذلك عبر نيل المتمدرسين حظهم منه داخل وخارج المؤسسات، وتثمين الخريجين عبره باعتبار ما اكتسبوه من المهارات وصقلوه من المواطنة والسلوك المدني وأتقنوه من الثقافة التطوعية، خاصة في هذا الزمان العابر للقارات والذي أصبحت فيه المعاهد والأكاديميات المدنية وبرامجها الراقية في التنمية الذاتية والمجتمعية أغلى ما يطلب في السوق الاقتصادية ويدعم الاستقرار النفسي والسلم الاجتماعي، وأهم ما يرفع بشأن متملكيه ويتيح لهم الاشتغال بشواهدهم وتدريباتهم عن بعد وعن قرب؟. يقال أن أكبر الجامعات في العالم "السوربون" في فرنسا و"كامبريدج" في بريطانيا و "بادوفا" في إيطاليا، ومكتبة "نيورك سيتي" وهي أكبر استثمار معرفي تشغل اليوم أزيد من 3000 موظف، بنتها الفعاليات المدنية من طلاب وأساتذة ومحسنين مدنيين متطوعين، ولما نذهب إلى أوروبا وأمريكا، وتاريخنا الوطني وحضارتنا الإسلامية لا زالتا تحدثنا بمثل هذا مشخصا ومجسدا في جامعة "القرويين" التي بنتها امرأة صالحة أم المؤمنين فاطمة الفهرية.. بنتها بكل ما يتطلبه الصرح التعليمي من فضاءات.. وسائط مكتبات وكراسي علمية.. وقف وإقامات.. تمويلات وخدمات.. تأليفات وابتكارات.. استضافات.. طلبة خارجيين..؟.

 

          وأخيرا، لابد من فك الاشكال القانوني والتشريعي في الموضوع، بما يسهل تواجد جمعيات المجتمع المدني في الأوساط المدرسية بقوة القانون لا بمجرد المن والصدقة وعراقيل بيروقراطية وعصبية الانتماء وتهافت الاستقطاب، تواجد تعاوني تشاركي على طلب عروض ودفتر تحملات وبروتوكول تنظيمي يضمن الحقوق والواجبات لجميع الأطراف، وقبل هذا وذاك المشاركة الفعلية في صنع القرار التربوي الذي يدعم المؤسسة.. يواكبها.. يقيم مردودها.. ويقوم سيرها..، أولا، لأن أمر التربية أمر الجميع وأكبر من أن تنهض به جهة بمفردها مهما كانت قوتها، ثانيا، لأن المجتمع المدني لا يدخل الأوساط التربوية إلا بقيم مضافة فريدة ومتعددة، ثالثا، لأن أبناء المدارس أبناء الجميع، فلا داعي لادعاء أي جهة ما الحرص عليهم دون غيرها أو أكثر منها، رابعا، لأن أمر التربية هو تأثير الجميع في الجميع ويستحيل إبعاد الجمعيات عن المدارس وهي التي تحتضن النشء خارج الدوام ربما أكثر مما تحتضنه المدارس خلال الدوام؟.

الحبيب عكي



 

اقرء المزيد

الأحد، 6 نوفمبر 2022

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

كيف نحمي مؤسساتنا التعليمية من محيطها الخارجي؟

من الاختلالات الخطيرة التي تعاني منها منظومتنا التربوية، غياب النموذج المعياري للمؤسسة التربوية وأهم مرافقها.. مكان تواجدها.. محيطها الخارجي.. إطارها البشري.. إلى غير ذلك، وبالتالي، فإذا بمؤسسة وسط الأحياء.. وأخرى خارجها وبعيدة عنها.. وإذا بمؤسسة في ساحة ذات امتداد أفقي.. وأخرى ذات الامتداد العمودي في عمارة.. وإذا بمؤسسة ذات سور يحميها وأخرى بدون سور ولا حماية 3 أو 4 عقود مضت.. وإذا بمؤسسة ذات حدائق وملاعب وقاعات وساحات وأدوات.. وأخرى قد تكون في مجرد مأرب مخنوق، خاصة إذا تعلق الأمر بكتاتيب لتحفيظ القرآن الكريم والتعليم الأولي قبل أن تتحول بعض مآربه الآن إلى داخل المؤسسات. وهكذا نملأ الفراغ بما كان وكيف ما كان لنجني بعدها نتيجة كل ذلك في الاضطراب والهشاشة ومؤسسات يؤثر عليها من طرف المحيط الخارجي بدل أن تؤثر هي عليه.. ومؤسسات تصنعها وتوجهها الظروف الاقتصادية والظواهر الاجتماعية بدل أن تصنعها هي وتوجهها؟.

 

في هذه الظروف المخلة، كثيرا ما تجد مؤسسة تربوية محاطة ببعض العربات ذات المبيعات المتنوعة والممنوعة.. في الظاهر حلويات.. بياع الشمس.. مكسرات.. وفي الخفاء، سجائر بالتقسيط.. وربما مخدرات.. "جوانات".. كحوليات رديئة (ماحيا) بالكأس والنصف كأس والعبوة والنصف عبوة.. أقراص مهلوسة بمختلف الجرعات.. وغيرها من الممنوعات..  يتعود التلاميذ على التبضع من هذه العربات بالدفع المباشر وبالسلف ومذكرة الديون.. ليملئوا الفصول بأزبال مقتنياتهم بلا خجل، ويشوشوا على الحصص الدراسية بلحظات استراق المأكولات وتناول المشروبات والممنوعات  خاصة في مراهقة الإعدادي وعناد الثانوي، ضاربين عرض الحائط بكل القوانين الداخلية للفضل والمؤسسة، ناهيك عما يترتب عليهم من الديون التي قد لا تؤدى إلا بالعراك أو مقابل غواية؟، عربات وصناديق قد تجد عند القدامى والمتنفذين منها كل شيء حتى أوراق الدخول عند الغياب، حقيقية أو مزورة المهم أنها للسمسرة، وتجد عندها نسخا من التمارين والفروض والنسخ المصغرة للغش حسب الدفع والطلب والمواد، ناهيك عن التلاميذ في الأوساط الحضرية وهم في طريقهم إلى المؤسسات قد يمرون على كل أنواع المحلات والملاهي التي تحاول المدرسة إثارة انتباههم إلى ضرورة تجنبها والابتعاد عنها والحذر من الوقوع في حبائلها؟.

 

أبواب العديد من المؤسسات، محج للعديد من الغرباء والمغرضين، يتصيدون التلاميذ والتلميذات الذين أغلق في وجههم الباب، أو ينتظرون حصة دراسية بعد مرور الأولى أو الثانية، هناك تحدث كل الاستقطابات والإغراءات والتهديدات..، ساحة لاستعراض العضلات.. وأقبح العادات كالتدخين والتحرشات..  كرنفال الموضة وغريب التسريحات والأزياء التي تنتقم من الوزرة وحشمتها.. محطة لسيارات الذئاب كل نهاية الدوام في المساء، وكم من تلميذة مغفلة كانت بداية ضياعها ما استحلته طيشا وتغريرا من ركوب مع غريب لم يقد بها إلا نحو متاهات الضياع.. لا دراسة ولا عمل.. ولا حب ولا زواج..؟، ورغم حضور شرطة الآداب اليوم في دورياتها - مشكورة - بأبواب المؤسسات، فإن المراقبة ليست دائمة، ثم إن عناصر العصابات لها أساليبها.. وللتلاميذ الضحايا المنحرفين الذين قد يشتغلون معهم ويروجون لهم وسط المؤسسة، لهم أيضا أساليبهم المضادة؟. حدث مرة في مؤسسة تعليمية أن بعض التلاميذ والتلميذات يتغيبون عن الدراسة كل مساء السبت.. يعني آخر الأسبوع.. فلما بحث في الأمر، وجدوهم يذهبون إلى قفص (حفرة) وهناك يظلون طوال المساء على الرقص والغناء في طقوس شيطانية ماردة؟، بل تطور الأمر إلى أن سافروا مرة بمبادرة مجنونة منهم إلى مدينة أخرى بعيدة، دون علم المؤسسة ولا إذن الآباء، فقامت القيامة وأخذ الجميع يبحث عنهم والكل يعتقد أنهم مختطفون ينبغي التصريح بهم في برنامج مختفون، لعل وعسى؟.

 

ظواهر خطيرة إذن، وتصرفات مجنونة تهدد دراسة التلاميذ.. براءة وعفة التلميذات.. قيمهم ومستقبلهم.. وأصلها من محيط المؤسسة.. ونوعية المؤسسة.. إذا لم تكن بدون سور ولا باب ولا بواب، أو تراخت أو ربما فقط غلبت إدارتها في حفظ هيبتها وحماية روادها، وأحيانا قد تطال هذه الخطورة حتى المعلمين والمعلمات، حينما يقطع الفياضان طريقهم أو تحتجزهم الثلوج وسط البرد القارس أو يعترض "مشرمل" طريقهن أو يهجم على إقامتهن المدرسية المهجورة ليلا أو نهارا في حضورهن أو غيابهن؟، وهكذا وعلى كل حال، تظل الأخطار قائمة والتربية مهددة فما العمل؟:

 

1-  لابد من الادراك الجماعي لحجم وخطورة الظاهرة، والتجند الجماعي أيضا لمحاربتها أسرة ومدرسة.. أساتذة وتلاميذ.. فاعلين ومتدخلين.. شركاء ومسؤولين...، شعار الجميع: " يدا في يد لحماية مدرستنا وقيم ناشئتنا".

2-  ضرورة استثمار جميع أشكال التدخل الممكنة والمسعفة والتنسيق بينها وبين أعضائها، وعلى رأس ذلك:

1.  تجنب طرد التلاميذ من الفصول ما أمكن، إلا لضرورة قصوى، وبالطرق القانونية المسؤولة.

2.  ضرورة حفاظ الإدارة بالمطرودين في قاعة المداومة، ومع مرشد اجتمــــــــــــــــــاعي نفسي إن أمكن.

3.  تجنب استعمالات الزمن ذات ثقوب بينية، وتعويض الأستاذ عند الغياب ولو بحصة الدعم.

4.  قيام جمعية الآباء وغيرها من جمعيات المجتمع المدني خاصة ذات البعد الوطني أو التي في محيط المؤسسة، بحملات التحسيس والتوعية وإرشاد التلاميذ إلى حسن التصرف والسلوك.. وحمايتهم من عصابات المنحرفين وسيارات الذئاب، وفتح حوار عمومي وترافع وطني في ذلك (تشخيصا ومحاربة واقتراح قوانين ومشاريع تربوية واجتماعية) بل وتقديم عرائض تنديدية جماعية ووقفات احتجاجية - عند اللزوم - على مستوى المؤسسات والمديريات والأكاديميات وغيرها.. فالظاهرة موجودة وتستفحل أردنا الاعتراف بها أو إنكارها الذي لا يجدي.

5.  تفعيل خلية الانصات و فرق اليقظة والطوارىء والشرطة المدرسية من التلاميذ النظراء والإدارة.

6.  التعاون مع شرطة الآداب المدرسية، والتبليغ عن العناصر المهددة للأمن والسلامة المدرسية، وكذلك التعاون مع الإعلام المحلي والوطني التقليدي والافتراضي.. الذي يمكنه بلورة العديد من برامج التحسيس والتوعية.. وروبورتاجات المواكبة من عين المكان وحوارات مع المسؤولين والمختصين في شتى المجالات التي تهم الظاهرة والتربية والقيم والصحة والقانون والنشء...

7.  قيام الجماعة المحلية بدورها بالعناية بمحيط المؤسسة، وإضاءته حتى لا يكون نقطة سوداء.

8.  مراقبة الآباء لأبنائهم والتواصل معهم ومع المؤسسة بشأنهم كلما ظهرت عليهم أعراض غير عادية.

 

        إن المدرسة وعلمها وأخلاقها، هي من ينبغي أن تقود المجتمع والشارع والإعلام وليس العكس، ولكن لن يكون هذا بمثل هذه المحيطات المدرسية الموبوءة، ولا بغيرها من المحيطات الإعلامية الفاسدة (المروجة للتفاهة) ولا السياسات العمومية المستهترة بقضايا الشباب وقيم المواطنة. بل بالعكس، كل ذلك سيزيد من خطورة هذه الجرائم، كما يحدث الآن، إذ يقوم هؤلاء المراهقون بتصوير مغامراتهم الوقحة بهواتفهم ويضعونها في مواقع التواصل الاجتماعي، كي تصبح الفضيحة بجلاجل؟. حدث في أمريكا أن آباء في ولايات منعوا بناتهم من الذهاب إلى المدرسة نظرا لما يتعرضن له في محيطها الموبوء من عنف وتحرش وابتزاز وإجبار على تعاطي المخدرات والدعارة..؟. وحدث في أمريكا أيضا أن رفع العسكريون الاستراتيجيون ناقوس الخطر غير ما مرة ربما آخرها سنة 2014 إذ وجدوا أن 70% من الشباب الأمريكي لا يصلح للتجنيد التطوعي الذي سنه "نيكسون" سنة 1969، بسبب السمنة و تاريخه الإجرامي و المشكلات الجسدية لتعاطي المخدرات وفتور ألعاب الفيديو ومواقع التواصل الاجتماعي أو عدم الحصول إطلاقا على شهادة الثانوية العامة..؟، فحذار من التلاعب بقيم الأطفال والشباب وصحتهم النفسية والعقلية، فإنها قيم وصحة هذا الوطن وهذه الأمة، وصدق من قال: "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا"؟.

الحبيب عكي


اقرء المزيد

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

المشاركات الشائعة