Top Ad

الأحد، 12 يناير 2020

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

مامادو أو حلم طفل أفريقي

         "مامادو"يافع من بوركينا فاسو أو السينغال،سمعته يستظهر القرآن الكريم ويجوده بروعة عبر السادسة،ويتحدث اللغة العربية بمهارة كواحد من أبنائها بل وأفضل،سأله المذيع المحترم:"ما الذي جاء به إلى المغرب وحمله على ترك بلده رغم حداثة سنه"؟، فقال له:"إنما يريد حفظ القرآن الكريم وتعلم علومه الشرعية في معهد محمد السادس لتكوين الأئمة الأفارقة والمرشدين"؟،وأضاف وسأله:"ما هو حلمه المستقبلي بعد تخرجه من المعهد"؟،فأجاب: "طبعا أن يعود إلى بلده ويصبح إماما هناك يؤم الناس في أعظم المساجد،يصلي بهذا..ويحفظ هذا..ويفتي هذا..ويرشد هذا..ويساعد هذا..ويزور هذا..ويصلح بين هذا وهذه..ويشارك هذا وهذه في فرحهما أو مأتمهما..في صومهم وحجهم وأضحاهم..والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه..ومن دل على خير فله أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة"؟؟.

         تذكرت هذا،وأنا أرى اليوم جحافل كل أولئك الأطفال والشباب الذين أصبح كل حلمهم كيف يهاجرون إلى ديار الغرب،وهم يبذلون من أجل ذلك الغالي والنفيس ولمرات ومرات ومحاولات وأخرى،بل ويعرضون أنفسهم لكل المآسي قد تبلغ حد الاحتيال عليهم بملايين الدراهم التي تؤخذ منهم خداعا،ولم يتدبروها إلا بمشقة الأنفس والقروض المعسرة،و بعد دفعها يمكن قضاء العديدين منهم غرقا في أعالي البحار؟؟،بل وحتى أولئك الذين يهاجرون من أجل طلب العلم واستكمال الدراسة وهو أمر مشروع،قد يستقرون هناك في ديار المهجر بعد إتمام الدراسة،لا من أجل الدعوة أو الإمامة،ولكن فقط من أجل تحسين أحوالهم ببعض دنيا يصيبونها أو جميلة يتزوجونها أو سيارة رباعية يقتنونها أو إقامة فاخرة يسكنونها؟؟،وقد يتشبثون بعدها بهويتهم وجنسيتهم وقد ينسلخون منها فكرا وسلوكا؟؟.

       وتذكرت هذا،وأنا أستمع إلى أحد رؤساء المجالس العلمية المجدين والمنصفين في المغرب الشرقي،وهو يرد ويوقف أحد الواشين بأحد الأئمة عند حده،فقال له:"أترضى أن يكون ابنك إماما"؟؟،قال له الرجل:"لا"،قال له العالم:"إذن هذا يكفي الأئمة،فلا تزيدوا حياتهم تنغيصا فوق تنغيص"؟؟.الإمام فوق أنه في الغالب فقيه وحافظ..وصابر وقانع..ومواظب وعلى رأس أهم مؤسسة تربوية واجتماعية،ويدخل في حياة كل الناس بالتي هي أحسن..يفرح لأفراحهم ويحزن لأحزانهم..ويساعد ويرشد ويعلم ويفتي..ويقضي ويصلح في ما بينهم..ولكنه لا يسلم من أذى البعض..والأذى المنظم والدائم والواهي،فهذا يوشي به..وهذا يهدده..وهذا يقرر بشأنه ..بقبوله أو إيقافه وعزله..دون قانون توضيحي ولا مجلس تأديبي..ولا..ولا..؟؟.

         إن لدى فقيهنا من الأوضاع الاجتماعية ما يكفيه،سكن متواضع وليس في ملكه..أجر أو شرط متواضع لا يكفيه..دلائل إمامة و وعظ وإرشاد وخطابة هو ملزم بها ولا يتوفر عليها..ولم يتلقى عليها أي تكوين..وكالة أعمال اجتماعية لا يدري بها إلا بالسماع ..وسائل التواصل الاجتماعي والإلكتروني تجاوزت كل وسائله التقليدية في التبليغ وصناعة المحتوى،وهو يخوف بالدخول إليها،وتحصى عليه كل أنفاس استثمارها..لا ضمان اجتماعي ولا تغطية صحية التي طالما بشر بها..ولا إجازة ولا أسفار حتى لمعايدة الأهل في الأعياد والمناسبات..وكأنه إنسان ليس من طينة من يصلي بهم؟؟.مسجد مفتوح فقط للصلوات ومغلوق ما بينها..وممنوع فيه.. وممنوع فيه..وإمام تجرأت عليه أوضاع الاشتغال..وتجرأ عليه الواشون والمهددون..بل تجرأت عليه حتى الصحافة والإعلام والأدب والسينما..باتهامه بالتخلف وبالجمود تارة..وبالتناقض والغربة..بالتطرف وبالتحرش تارة..و ب..و ب..تارات أخرى؟؟،ألا إن الإمام من طينتكم،وعبثا تحاولون  تشويه صورته في المجتمع وكسر رمزيته في النفوس..ولن تتمكنوا من ذلك ما دام بفضل الله ل"مامادو"والآلاف من أمثاله حلما لهم،وما دام في هذا البلد الطيب المبارك معاهد مباركة تحيي عمق إشعاعنا الديني الحضاري الوسطي المعتدل نحو أفريقيا وأوروبا وغيرهما من القارات؟؟.
الحبيب عكي


اقرء المزيد
http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

التربية الوالدية أو الفرصة التربوية الأخيرة

     كثيرة هي المهن المرموقة التي لا يحبها الأطفال،فقط لأنها في العمق أخذت منهم أبائهم واستحوذت عليهم في كل شيء،وليس على حساب صحتهم وتوازنهم فحسب،بل أيضا على حساب أبنائهم وأسرهم بالطبع،فهذا تلميذ قيض له أبوه المحامي والسياسي الكبير،والساكن على الدوام في ردهات المحاكم وقبة البرلمان،قيض له أستاذا للمراجعة والساعات الإضافية،وسائقا خاصا وطباخا ومحاسبا مكلفين بذلك وبكل شؤونه،وما أن اعتاد التلميذ على الأستاذ شيئا ما،حتى بدأ يتمرد عليه،وبقدر ما يجتهد الأستاذ في دعمه وتقويته وتحفيزه وإفهامه شتى المواضيع الدراسية والحياتية وبشتى الطرق،بقدر ما يتمرد عليه التلميذ ويتيه به في مواضيع جانبية وأسرية يبوح له فيها بأشياء غريبة ورغبات سخيفة،من الأكيد أنها لا تحضر على بال والديه؟؟.

         كل رغبة التلميذ ألا يتلقى ساعات إضافية وألا يجتهد في الدراسة بل وألا يصبح لا ناجحا ولا موظفا على الإطلاق،لأنه حسب رغبته يريد الابتعاد عن المحاماة وعن السياسة والانتخابات التي أخذت منه سعادته،وقمة رغبته حسب تعبيره أيضا هي أن يتعلم العود والكمان و"الدربوكة والبندير"،ويصبح مطربا مشهورا في الفن "الشعبي" يحيي السهرات الهائجة والمائجة "الطايح فيها أكثر من النايض"،كل رغبته أن تكون له دراجة هوائية مزرية دون منبه ولا حصارات، لكنها تحمله ليروج بها الممنوعات في مؤسسات المدينة،ويصطاد منها فتاة أو فتيات يقنعهن أو يغريهن حتى يكن له مساعدات وراقصات في سهراته،ولعله يقع يوما بين أيدي العدالة ويكون لأبيه ملفا دسما ينصب نفسه محاميا عليه،فيرشي القاضي في المحاكم ويؤدي للأطباء في المصحات،أو يتركه مرميا في السجن ولا يظنه يفعل ذلك،لأن سجن بيته أقسى عليه من كل السجون؟؟.

         يعني،بأي حال من الأحوال،لا ينبغي للآباء أن يفرطوا في تربية أبنائهم وفلذات أكبادهم،ولا أن تكون تربيتهم لهم تربية هامشية وغير إيجابية،ولا أن يفوتوها لغيرهم من الأفراد أو المؤسسات،فيتركوهم يتامى على قيد الحياة على قول الشاعر:
ليس اليتيم من مات أبواه وخلفاه في الحيــاة ذليلا
إن اليتيم هو الذى تلقى له أما تخلت أو أبا مشغولا
نعم،ولا غرابة أن يعلق أحد السوسيولوجيين على أن الطفولة عندنا قد تكون كلها من ذوي الاحتياجات الخاصة،على الأقل فيما يتعلق بمدى تواجد أبائها معها روحا وجسدا،قولا وفعلا،تربية واهتماما،حبا وعطفا،ولكن مع الأسف فهذا قد يتركهم للخدم والخادمات،وهذا للهواتف واللوحات والمواقع والفضائيات،وهذا للسمسرة في بعض الأندية و المؤسسات،وهذا في الشارع بين العصابات،وهذا..وهذا..وهذه..وهذه..حتى كان من عالم الطفل عندنا اليوم ما كان؟؟.

         لا بديل عن تواجد الأسرة في حياة الطفل،والاهتمام بتربيته تربية إيجابية سليمة ومتكاملة،فالأسرة كما قلنا هي المدرسة الأولى،والآباء فيها هم المربون الأولون،وما غيرها وما غيرهم لن يكون في أقصى الحالات غير امتداد أو مكمل تربوي،لا ينبغي الاعتماد عليه في غياب التربية الأساسية،كما لا يمكن الاعتماد على المكمل الغذائي في غياب التغذية الصحيحة التي تضمن حياة الطفل ونموه وتوازنه،لا للاعتماد على مؤسسات غير البيت بالدرجة الأولى،روضة كانت أو مدرسة أو جمعية،فلنحذر كل الحذر فشخصية الطفل كما يقال تتكون %90 منها في السنوات الست الأولى ولا يتاح له هذا إلا في البيت ومع والديه وأقاربه،وفي البيت ضيعت اللبن؟،والطفل مطبوع على القبول والمحاكاة والتقليد والاستجابة والتبني الفطري للتصرفات والآداب والقيم والعقائد والأخلاق التي تكون فيما بعد كنه شخصيته العامة،ولا يتاح له هذا إلا في الأجواء الأسرية التربوية الآمنة والمتواصلة،وفي هذه الأجواء - مع الأسف - كانت ولا تزال تتنامى الاستقالة والإهمال؟؟.

         إن التربية "الوالدية" حق لجميع الأطفال،كما في الحديث:"إن لولدك عليك حقا"،وهي الفرصة الأخيرة لبناء أطفال أسوياء وأقوياء نبهاء وأذكياء،وهو المدخل الحقيقي لإصلاح المجتمع،و وقايته من العديد من الظواهر المشينة التي يعاني منها خاصة في صفوف النشء كالاضطراب النفسي والسلوكي الذي يتمظهر بعدة مظاهر سلبية،كالاستهانة بالقيم،وإهمال العبادات،وسب الملة والدين،وتحقير المواطنين وتدمير الممتلكات العمومية في المدارس والملاعب وتلويث الحدائق والشواطىء..،العنف والتطرف والإدمان،التحرش والانحراف والغش والانجراف..؟؟.غير أن التربية "الوالدية" الصحيحة ليست أية تربية على الغارب،بل لابد لها من أن تكون لها خصائص ومقومات وأهداف ومرتكزات تجعل منها في الأول وفي الأخير تربية إيجابية وسليمة،سلمية ومتكاملة،ومن أجل ذلك:

1- لابد أن تكون تربية ذات مرجعية ورؤية وأهداف تربوية واضحة و وسائل مسعفة.

2- أن نحذر فيها من قولهم:"في الصيف ضيعت اللبن"وقولهم:"لقد عققته قبل أن يعقك".

3-أن تراعى فيها مراحل النمو عند الطفل،وقدراته على التحمل والاستيعاب وحاجاته النفسية والجسدية،والحس حركية..،فما بالك بحاجته في العقائد والعبادات والآداب والأخلاق،وفي الأحكام الشرعية،وغير ذلك مما يلزمه؟،كما أن هذه التربية تشمل كل المراحل وكل الفئات والأجناس لكن بأساليب مختلفة كما في الأثر:" لاعبه سبعا،وأدبه سبعا،ورافقه سبعا،ثم اترك أمره لله"؟؟.

4- تأهيل الآباء والأقرباء لكذا تربية على أوسع نطاق ممكن،وأن يكون الروض والمدرسة والجمعية والإعلام يتناغمون مع هذه التربية الإيجابية في توجهاتها واختياراتها،القيمية والوطنية والحضارية لا أن يناقضوها ويهدموها ويقصفوها وينسفوها على القوم وأبنائهم نسفا؟؟.

5- واعلم أن الآباء وبحكم التربية والظروف قد يكونون متسلطين أو ديمقراطيين أو مهملين،فاحذر أن تكون متسلطا أو مهملا،وديدنك كما يقول المربون:"شدة من غير قسوة،ولين من غير ضعف"والله يعطي على الرفق واللذة والحوار والتوافق ما لا يعطي على الشدة والألم والإجبار؟؟.

6- وتذكر أن روائنا من الإرث التربوي للماضي لا يغني عن ضرورة الانفتاح على الإبداع في الحاضر والمستقبل،فأبناؤنا كما يقال خلقوا لزمن غير زماننا،وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون هو وأبناؤه بصيرا بزمانه مقبلا على شأنه،من هنا سؤال ملح الأسرة والبدائل التربوية؟؟.

         ولنتذكر أن تربية اليوم هي حصاد الغد،وكما يقول المربون:"من يزرع التسلط والانقياد حصد الرفض والعناد،ومن يزرع الحقد والكراهية حصد العدوان والتدمير،ومن يزرع السخرية والتعيير حصد عقدة الاضطراب والتقصير،وبالمقابل من يزرع التسامح والتعايش حصد الصبر وتقبل الآخرين،ومن يزرع التقدير والتشجيع حصد الثقة بالنفس والمبادرة والإبداع،ومن يزرع العدل والإنصاف حصد الوفاء بالحقوق،ومن يزرع الرضا والقبول حصد الثقة والتوكل،ومن يزرع الصداقة حصد المحبة،ورأس الأمر كله في مشاعر المحبة والحنان،فازرع ما شئت فكما يكون الزرع يكون الحصاد؟؟. كما أن هذه التربية "الوالدية" الإيجابية أو التربية الأس والأساس أو الفرصة التربوية الأخيرة،لابد لها من لمسة إنسانية كما يقول الدكتور "محمد بدري" في كتابه القيم "لمحات في فن التعامل مع الأبناء"،لمسات ضرورية حتى لا تكون التربية سوطا يلهب الظهور لكنه لا يزكي النفوس ويرقق القلوب،لمسات تربوية عميقة لخصها في 10 عناصر نذكر عناوينها ولكم البحث عن تفاصيلها في الكتاب،يقول الدكتور:"من تريد تربيته،فلابد:"استمع إليه - احترم مشاعره - حرك رغبته - قدر جهوده - مده بالأخبار- دربه - أرشده - تفهم تفرده - أتصل به - أكرمه...،إلى أن يقول ولابد لكل هذا من جو تربوي مفعم ب: الأمن والأمان - الحرية والمشاركة - مراعاة الفروق الفردية - رسالة ورؤية تربوية واضحة - المرونة - الاحترام - الرعاية والتشجيع - المتعة والإثارة"؟؟، والله الموفق .
الحبيب عكي 

اقرء المزيد
http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

قراءة في مشهد المجتمع المدني المغربي لسنة 2019


       لا شك أن المجتمع المدني المغربي قد سجل خلال هذه السنة الآيلة للانصرام 2019،استمراره في الحيوية والفعالية منقطعتي النظير،وعلى مختلف الأصعدة التي ينشط فيها،من خدمات القرب المتنوعة والمعتادة،إلى الاهتمام المتزايد بالفئات الاجتماعية الهشة،إلى الشراكة مع الدولة في مشاريع التنمية البشرية وغيرها من مشاريع القطاعات الحكومية، ولو كانت المعلومة الرسمية متاحة في هذا الصدد لرأينا العجب العجاب،إذ أن كثيرا من السلطات - كما تحكي عن نفسها - أصبحت لا تشتغل إلا مع الجمعيات وإشعاراتها وتراخيصها،ومما جعل المجتمع المدني يستحق لقب هيئة السنة بامتياز،هو ترافعه القوي على قضايا وملفات نجح في جعل بعضها قضايا رأي عام وذات بعد وطني استأثر باهتمام الساسة وصناع القارار،وإن ركب البعض على موجاتها العاتية في الاتجاه المعاكس؟؟.

         لقد نجح المجتمع المدني كجمعيات و وداديات وكتنسيقيات و فعاليات،منتمية كانت أو غير منتمية،في سحب كثير من البساط تحت أقدام الوساطات التقليدية المترهلة والخانعة والطامعة عند الكثيرين، سواء كانت هذه الوساطات من الأحزاب أو النقابات أو الفعاليات المسترزقة في المجال والتي حرقت التزلفات والخيبات مصداقيتها وأوراقها،وممارسة لحق المجتمع المدني في الضغط والاقتراح وقيادة الشعوب ومعانقة همومها،ورغم المحاكمات القاسية والمعاكسة للحريات العامة للمواطنين،فقد تزعمت بعض فعالياته نضالات الحراكات الشعبية في الشمال وفي الجنوب،والعديد من التظاهرات الجماهيرية في الساحات والملاعب،كتنسيقيات أطباء الغد وأساتذة التعاقد وغيرهم من الفئات،ومختلف التجمعات والمسيرات الاحتجاجية في المدن والقرى،والعديد من التظاهرات الفنية والرياضية بشعارات غير مسبوقة قوية وصاخبة تبتك الأذان،وقد أسمعت لو نادت حيا ولكن ربما لا حياة لمن تنادي؟؟.

         ولكن ربما ليس هذا استثناء ولا ميزا فريدا في المجتمع المدني المغربي،فغيره من المجتمعات المدنية في بعض الدول العربية،نجحت في إحياء حراكات الربيع العربي في موجاته الثانية وبأنفاس جماهيرية عاتية أربكت كل الحسابات،بل إن المجتمع المدني في الدول الغربية نجح بعضه في الصعود إلى البرلمانات،ليس طمعا في طلب السلطة وممارسة الحكم،ولكن لإرغام الحكومات على تبني توجهاته المدنية في سياساتها،وتحقيق الشراكة الفعلية وتنافس السياسات وتكامل الديمقراطيات التمثيلية والمدنية وغيرها،ومارس ضغوطه وتوازناته من أجل ذلك،خاصة في تشكيل الحكومات وضمان الأغلبيات والتوافق على التوجهات،فأصبحت بذلك ألمانيا مثلا بفضل "الخصر" تهتم بالبيئة والمسنين أكثر،وأصبحت بريطانيا دلالة على تقدمها تهتم ب"الكلاب" بالدرجة الأولى حتى قبل النساء والأطفال؟؟.

         ولكن بقدر ما كان طيف من المجتمع المدني عندنا يرتبط بالوطن والمواطنين وفي الاتجاه البنائي المنتج الذي يحرر الممكنات و يعبىء الإمكانيات،فإن طيفا آخر لا يزال - مع الأسف - مستعبدا بالهموم الدولية ومنخرطا في الأجندات الكونية، وإن على حساب خصوصيات الشعوب وهمومها الحقيقية، وهكذا وموازاة مع أسياده وأولياء نعمته ومنحه وقبول مشاريعه أو نيابة عنهم ففقد خاض بشكل مقصود وغير مفهوم ولا موفق في مواضيع شائكة كالحريات الفردية واللغة العربية والعلاقات "الرضائية" وحرية الإجهاض..،وقال فيها بل ودعم التشريع ضدها بما يخالف الهوية والمرجعية والانتماء،مدعيا أن ذلك من دواعي التقدم والحداثة،وإن كان من الأبواب المشرعة للتخلف والإلحاق؟؟.

         غير أن الملفت للنظر أيضا خلال هذه السنة المدنية 2019، هو أنه رغم كل الحيوية والفعالية التي قد تميز بها المجتمع المدني المغربي،ورغم كل الحلول الميدانية القيمة التي ساهم بها في تنشيط الساحة الحقوقية الترافعية والتنموية التشاركية (حراكات شعبية و مشاريع وطنية) والساحة الاجتماعية (قوافل طبية و ألبسة وأضاحي ومساعدات) والساحة الثقافية والفنية والرياضية (دوريات دولية وإبداعات وجوائز قيمة ومتعددة ومهرجانات دولية أيضا في نسخ عشرية وعشرينية)،فإن علاقته بمجمل السلطة متوترة وغير مفهومة ولا تؤطرها  في الغالب القونين المعمول بها في الحريات العامة،فبالأحرى الأدوار الدستورية الجديدة 2011، وهذا بدء من:

         1- بدء من تخلي الدولة وضعفها في ممارسة أدوارها الأساسية ومسؤولياتها الجسيمة في قطاعات خدماتية اجتماعية أساسية كالصحة والتعليم والتشغيل والسكن،ليجد المجتمع المدني نفسه منحشرا فيها يملأ الفراغ ويداوي صداع الرأس بالكي والمسكنات والرقية غير الشرعية،لأن الأمر فوق طاقته وليس من تخصصه ولا ينبغي أن يملك اتجاهه أكثر من إثارة الانتباه إليه والترافع بشأنه،وقد تفجرت عن هذه الاختلالات المتغافل عنها كل الحراكات الشعبية الهادرة ذات المطالب الاجتماعية المحرجة؟؟.

         2- وبدء أيضا من عدم امتلاك الحكومة - على ما يبدو - لسياسة مدنية مندمجة ومستمرة،إذ تم التراجع عن حقيبة العلاقات مع المجتمع المدني في النسخة الحالية للحكومة،و بعض المبادرات المدنية الجيدة تذهب بذهاب وزرائها والمبادرين بها، كتجميد مخرجات الحوار الوطني مع المجتمع المدني،وتبهيت يومه الوطني للوزير"الشوباني"،وكذلك غموض مسار السعي لدعم التكوين والشراكة والاقتصاد التضامني والتشغيل الجمعوي للوزير"الخلفي"،وقبلها إبداعات الجامعة الشعبية ومخيمات القرب للوزير الاشتراكي"محمد الكحص"؟؟.

         3- إلى الحيف والريع الذي لا زال يعشعش في الواقع المدني،إذ أن حتى فتاة المنح الجماعية والوزارية لا تمنح للجميع والشراكات والمشاريع التنموية والثقافية لا تقبل من الجميع رغم حرفيتها و وضعها من طرف مختصين وخبراء،وصفة المنفعة العامة وتنظيم الإحسان العمومي وتعبئة الرأسمال الداخلي والخارجي لا تتاح للجميع ولا تتساوى فيه الجهات،إذ نجد جهات متخمة بهذا الصنف من الجمعيات وجهات لا تتوفر على أكثر من جمعيتين أو ثلاثة من هذا الصنف؟؟.

         4- إلى تسييس ما لا يسيس من الأعمال والأنشطة الجمعوية،مما يؤدي إلى السماح بها للبعض وحرمان البعض الآخر منها،والسماح بها في وقت ومنعها في أوقات (كأوقات الانتخابات مثلا)،وقبولها من البعض بمجرد إشعار السلطات بها،وفرض الترخيص عليها للبعض الآخر والترخيص المماطل،وكذلك السماح بالأنشطة في الفضاءات المفتوحة للبعض على مرآى ومسمع الجميع،وحرمان البعض الآخر منها بل وحتى من القاعات العمومية حتى لو كان مؤطروها من الوزراء في الحكومة المسؤولة؟؟.

         5- إلى المعضلة الكبرى والمزمنة والتي تتمثل في تعسف بعض السلطات في حرمان بعض الجمعيات من حق تأسيسها وتجديد مكاتبها واختيار أعضائها وطاقاتها المتطوعة والمتعاقدة،وحق وضع ملفاتها القانونية بوثائقها المطلوبة،والتوصل بوصولاتها النهائية في تواريخها المحددة؟؟،ناهيك عن حق ممارسة أنشطتها وامتلاك مقراتها وممتلكاتها ومشاريعها التي تستعين بها على أنشطتها وتكاليف تدبيرها، ففي كل هذا لا زال الخرق والتضييق يسجل في مواقع دون أخرى وضد حساسيات دون غيرها؟؟.

         مما يجعل العديد من الأسئلة الحارقة مطروحة على الجميع، والتي ولاشك أنها وراء كل هذه الإشكالات المزمنة،من مثل: بين الدولة والمجتمع المدني تكامل أم صراع؟، ثقة شراكة وتعاون أم ريع واستيعاب وأدلجة؟،مسايرة في التوجهات أم معارضة في السياسات؟، ألهذا الحد أصبحت الجمعيات مزعجة؟،إلى متى التعامل معها بالأمزجة والأهواء بدل القوانين والمؤسسات؟،لماذا التفاضل في القوانين والتشريعات بينها وبين التعاونيات والمقاولات وهي مجرد مقاولات ثقافية مدنية؟،هل استنفذت السلطة أغراضها من الجمعيات؟،هل سيكون مصير الهيئات المفضلة الآن عند السلطة مثل مصير الجمعيات والأحزاب ولو بعد حين؟،هل قدر الفاعل المدني "دونكيشوطي" يحارب طواحين التخلف والبهدلة الإدارية،ويحكم عليه حكما "سيزيفي" بسوء النية والمؤامرة في أي مبادرة مهما كانت سلمية وقانونية؟،أين ما نشرعه في دساتيرنا و قوانيننا ودورياتنا من المفهوم الجديد للسلطة،ومن المقاربة التشاركية وسياسة القرب،والديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان..؟؟.ختاما،رغم كل الفسحة الموجودة عندنا بالمقارنة مع الآخرين من أمثالنا،فحبال البعض تلتف حولها وتصرفاتهم تسيء إليها،والإشكال ولا شك كان وسيظل تدافعيا وترافعيا،ولكن،نرجو أن يكون النموذج التنموي الجديد والسنة القادمة 2020 وما بعدهما مما يخفف من هذه الإشكالات المعضلة المزمنة المكبلة المتفاقمة في الحقل المدني المغربي لما فيه خير البلاد والعباد، نرجو ذلك؟؟.
الحبيب عكي

اقرء المزيد

الجمعة، 3 يناير 2020

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

نشؤنا والذكاء اللغوي أية مقاربة ؟؟

       أتذكر أياما حلوة عذبة مرحة وممتعة،كنت أتعلم فيها لغة أجنبية حية واسعة الانتشار،وكنت أساعدني بالبحث على شبكة الأنترنيت فأبهرتني الجهود الجبارة والقيمة التي يبذلها أهل هذه اللغة من أجل العناية بلغتهم والعمل على نشرها في كل العالم وما يزخر به من كل وسائل الاتصال وتقنيات التواصل،وفعلا نجحوا في جعلها اللغة المشتركة الأولى في العالم (تنطق في أكثر من 100 بلد وبأكثر من مليار ونصف نسمة)وفي شتى مناحي الحياة:الاتصالات والعلوم (95 % من المقالات العلمية بها تنشر) والتجارة والترفيه والدبلوماسية والإعلام،حتى أن مجرد ذكرك أنك تتقنها شفويا وكتابة في نهج سيرتك الذاتية يقوي ولاشك حظوظك للظفر بوظيفة أحلامك؟؟.نعم هكذا في هم مجتمعي شمولي أبدع فيه الجميع وبأساليب ديداكتيكية بسيطة وأخاذة سرعان ما تتجاوز بك مجرد تعلم اللغة إلى عشق أهلها وثقافتها والبحث عن الاندماج في حضارتها ولو عبر الخيال والوجدان وبدون مقابل؟؟.

         ثراء هائل من الثقافة اللغوية الشيقة،من المستوى البسيط إلى المتوسط إلى المتمكن،منه المقروء ومنه المسموع ومنه المرئي،الصور والقصص والحكايات والمقالات والأفلام والمسلسلات،الرحلات والزيارات والمقابلات والمحادثات والاستجوابات والامتحانات،المربون المتخصصون الأكفاء وأشهر المغنون والخطباء،بل وحتى أنجح رجال الأعمال وأشهر رؤساء الدول يساهمون،ناهيك عن جيش إلكتروني من التلاميذ والتلميذات والطلبة والطالبات وكلهم متمكنون ومتحمسون ومعتزون بلغتهم،يشاركون ويبدعون في سلسلاتهم الترفيهية ومسلسلاتهم التعليمية، لتعليم لغتهم من منطلق همومهم ومغامراتهم ومستوياتهم وعفويتهم؟؟. كل ذلك جعلني أجزم أن هؤلاء هم من يتشبثون حقا بلغتهم وينشرونها،وأن ما نصبوا إليه نحن اتجاه لغتنا الجميلة لا يعدوا أن يكون مجرد أحلام عاطفية وإن كانت مشروعة وأماني طيبة، ولكنها لا تسمن ولا تغير من الواقع في شيء ؟؟؟.

          أخلص وأقول أن الذكاء اللغوي كما يقول المهتمون والدارسون هو أن يكون الطفل/التلميذ يمتلك ناصية اللغة ويفهم أسرارها ويستطيع التواصل والإبداع بها، وفي ذلك نوعية اهتمامه وقوة شخصيته وتجويد حياته،الذكاء اللغوي هو قوة التمتع والاستمتاع بذاكرة قوية ومهارة الكتابة ولباقة الحديث ومتعة القراءة وحبكة الحكاية وحسن الاستماع وعبقرية حل الألغاز والكلمات المتقاطعة ومنهجية التحليل والتركيب والإجابة والمناقشة...،الذكي لغويا هو مستمع جيد للآخر،متحدث ساحر يأسر القلوب،مرح يمتلك الحكم والاستشهادات ويجيد الطرائف والمستملحات،يتعلم اللغات الأخرى حتى المعقد منها بسهولة وحماسة،يسعف في الترجمة والتواصل،يبدع في المقالات الصحفية والإعلامية،ويقنع في المناقشات البرلمانية والمرافعات الحقوقية فيرد الحق إلى أهله بقوة الكلمة وحجتها وسلطتها التي لا تضاهيها سلطة،قاضي القضاة،محامي فقيه وخطيب، شاعر زجال وأديب ومسرحي،روائي سيناريست ومؤلف بارع،كثير القراءة وهو مرجع في معرفة الكتب القيمة والمؤلفين المبدعين في أمتع تجارب الحياة وغيرها ؟؟.
         من يكره مثل هذه العبقرية لا في نفسه ولا في أبنائه وأبناء وطنه،ومن يكره هذه التمكن في لغته الأصلية وغيرها من اللغات الحية بل وحتى اللهجات المحلية؟؟،ولكن دونه ودون ذلك جهد مستمر وإتقان مقنع لبناء متين تراكمي مرصوص،لبناته الأولى ربما تبدأ منذ صرخة الولادة وغيرها من صرخات الغيظ والتشكي،وغيرها من "نغنغات" الفرح والابتسامة الشفهية، خاصة في مرحلة الطفولة المبكرة من (2 - 6  سنوات) و التي يعتبرها خبراء النمو أنها من أزهى مراحل تكون اللغة بمختلف ألوانها وتعابيرها وإيحاءاتها عند الطفل،وتتسم هذه المرحلة الحرجة بكثرة أسئلة الطفل وحاجته إلى الحوار والمناقشة والاحتضان العاطفي والقبول الاجتماعي،وكل ترك له لقيطا أمام التلفاز لصيقا به أو أسيرا لدى اللوحات والهواتف الذكية لألعاب فردية باردة يعتبر إهمالا له وإجراما في حقه ويشكل خطورة بالغة على رصيده اللغوي ونموه العاطفي والاجتماعي؟؟.
         ولئن كان الناس في مسألة النهوض باللغة العربية ينادون بالعديد من الجهود الرسمية والقومية والقانونية والمعلوماتية...،فأنا أرى أن الجهود المدنية أكثر جدوى،وأنادي بتحمل الجمعيات التربوية والثقافية وغيرها من الأسر والمدارس لمسؤوليتها التاريخية في الموضوع،لابد من جمعيات وطنية تهتم خصيصا بالموضوع وتناضل فيه بشكل جماعي غاية النضال،وبشراكة فعالة مع الأسرة والمدرسة ومع جميع القطاعات وخاصة التي لها صلات مباشرة بالطفولة والشباب وهي كثيرة رغم قلة انفتاحها؟؟.إن مثل هذه الجمعيات اللغوية هي التي يمكن ليس أن ترافع عن الحقوق اللغوية للمواطن وجودتها فحسب،بل وأن تقدم خدمات القرب والتحسيس والتخطيط والمنهج للأسر والمؤسسات وغيرها من المواطنين حول المسألة اللغوية عامة واللغة العربية خاصة،كيف تنمو عند الإنسان،ما مراجعها المثرية،وكيف يمكن أن تساهم التقنيات السمعية البصرية الحديثة في رفع تحدياتها؟؟،لابد من مشاريع لغوية في الجمعيات والأسر والمدارس،وتظهر فيها الخطط والبرامج والمؤشرات المسعفة لنقل المتعلم من البسيط إلى المركب،ومن المحسوس إلى المجرد؟؟.و دور كل ذلك في تنمية الذكاء اللغوي عند طفل الروض والمدرسة وتلميذ الإعدادية والثانوية وطالب المعاهد والكليات؟؟.
         أي دور للأناشيد والمسرحيات ومختلف الإبداعات في ذلك؟؟.أي خطاب يناسب الطفولة المبكرة في البيت أو المتأخرة والمراهقة وهي التي تحب التعبير عن الذات وخطاب الخيال وتجارب المغامرة؟؟.أي تقييم للدرس اللغوي والإنشائي في الابتدائي والإعدادي؟؟.إلى أي حد تؤدي المطالعة والمحادثة ودروس الترجمة والتواصل دورها في التعليم الثانوي؟؟.كيف نفعل القراءة والكتابة وتعلم اللغات في كل المراحل التعليمية دون ملل وتثاقل؟؟.أين نحن من تحديات القراءة الغزيرة وأندية الكتابة المتواترة للخواطر والمقالات حول الحياة والأحداث وغيرها؟؟،حول النشر في المجلات الحائطية والأدبية والعلمية والصحف اليومية والمواقع الإلكترونية المتاحة؟؟.أين طلبتنا من ارتياد المكتبات والخزانات والقدرة على البحث العلمي  والاجتماعي والانخراط في الشأن المحلي ومناقشة المشاكل الأطروحات واجتياز الامتحانات والمقابلات المهنية بجدارة ؟؟.لا يسعفنا في كل هذا الأمر المعقد والهام غير الذكاء اللغوي الذي ينبغي أن نشجعه في أبنائنا وندعمه في مجتمعنا،ذكاء لغويا متينا قد تنضاف إليه بقية الذكاءات الأخرى أو بعضها العلمي والاجتماعي والفني والرياضي وغيرها،فتكون لصاحبه ومجتمعه منقذا من هذه الرداءة الفظيعة وهذا الهجين اللغوي الضحل الذي يجتاحنا كل يوم بلا هوادة ؟؟.                                                  
الحبيب عكي

اقرء المزيد

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

المشاركات الشائعة