Top Ad

الأربعاء، 30 مارس 2022

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

حروب أخرى وأهم.. تلك التي نسيها العالم؟

       يبدو والله أعلم، أنه رغم كل التقدم والتطور الذي يعرفه العالم المعاصر، فإنه لا زال هناك – مع الأسف – من يرى أن بعض المشاكل مهما كانت بسيطة - إن لم تكن متوهمة - لا يمكن حلها إلا عبر الحروب والحروب الضارية، فيجهزون لها كل ما في حوزتهم وحوزة حلفائهم، من العتاد المدمر والأسلحة الفتاكة، فيخوضونها هم ومرتزقتهم بطرق هوجاء، وكأن شعارهم: "علينا وعلى أعدائنا أو نحن ومن بعدنا الطوفان"، ناسين أو متناسين أن الطوفان إذا حل بقوم لا يبقي منهم ولا يذر، وكذلك الحرب لا يربحها أحد لا المعتدي ولا المعتدى عليه ولا حتى العادي بينهما المتفرج عليهما، مصداقا لقولهم: "من لم يطفئ النار في بيت جاره أحرقت داره"؟.

     لا أدري كيف لا زال العالم المعاصر، يصر على خوض الحروب الفتاكة بشكلها التقليدي البشع .. أسلحة ودبابات.. طائرات وغواصات.. جنود ومليشيات وطيارين ومشاة.. إبادة الأبرياء.. تهجير اللاجئين .. حرق الغابات والجامعات.. وتحطيم المباني والمنشآت. حتى تصير منطقة التوتر حطاما وكأنها لم تكن يوما في العمران والرونق شيئا مذكورا؟. هل هي عقلية الجنرالات وأبنائهم من النخب والمسؤولين وهم لا يحيون إلا في التوترات والصراعات باسم الهيبة والبطولة التي ينبغي أن يخوضوها على الدوام حتى لا يموتون في السكون أو يفنوا في السلام؟. هل هي سياسة بعض الحكام الذين لا يعتدون بحكم ما لم يستعدوا شعوبهم على غيرها أو حتى غيرها على شعوبهم؟.
 
       لقد قيل في الأمثال: "خير الحروب ألا ترى العدو ولا يراك"، ولكن إذا كان ولابد فلا أقل من خوض نوع من الحروب المعاصرة كالحرب النفسية.. والمقاطعة الاقتصادية.. والعزلة الديبلوماسية.. والحرب الإعلامية والهجوم السيبراني.. وكل واحدة منها لا تقل فتكا بالعدو فما بالك بإضافة بعضها على بعض أو الجمع بين كل شرورها؟، إنها فعلا أخطر الحروب تفتك بالعدو حتى ييبس جلده على عظمه دون تكسير عظام ولا إراقة دماء، وتحاصر العدو حتى في عقر مضجعه دون تكسير أبواب ولا اقتحام مباني؟. كان الله في عون روسيا على عنجهية "بوتينها" وجنرالاته وهم يواجهون بها من العقوبات الغربية والأمريكية ما قد يحولها إلى أشباح موتى وكرنفال جياع؟. هل يدرك الجنرالات معنى أن يكون للشعب أموالا دون أن يستطيع إخراجها ولا صرفها ولو في طوابير المئات والآلاف وانتظار الأيام تلو الأيام؟، أن تكون له سلع ولا يستطيع تصديرها، أو حاجيات ولا يستطيع استيرادها؟.

       لا أحد يقول بقبول الاستعمار مهما كانت ضراوته وبلغ طغيانه، ولكن فقط أريد الوقوف على حقيقة شبه تاريخية وهي أنه ما من دولة فرضت عليها العقوبات الدولية إلا وكسرتها وعزلتها وأدخلتها في متاهات النضال العبثي والمجاني على مختلف الجبهات والأصعدة لمحاولتها رفعها رفعا لا يتم - إن تم - إلا بعد عقود وعقود من المعاناة والمآسي، لا تنتهي إلا بقبول الدولة المعزولة بكل ما كانت ترفضه وزيادة، نموذج " إيران.. كوبا.. كوريا الشمالية.. والسودان التي تم تقسيمها.. وتغيير نظامها.. والزج بها في أتون التطبيع المجاني مع الكيان الصهيوني مقابل مجرد إزالتها من اللائحة السوداء للإرهاب ومنع الاستثمارات والمساعدات التي لم تأتيها رغم كل التنازلات؟.

       إن هناك حروبا أخرى وأهم، تلك التي نسيها العالم، وكان الأولى به ألا يتناساها، وكان الأجدى به أن يتعاون على خوضها والبلاء فيها حتى يربحها الجميع من أجل الجميع، بغض النظر عن اللون والجنس واللسان والدين والزمان والمكان، وفي ذلك عربون صدق ومحبة وتعاون إنساني كوني طالما ادعاه وتشوق إليه الجميع. أين العالم مثلا من:

1- معركة محاربة الفقر والهشاشة والمجاعة عبر العالم (124 مليون فقير) و 500 مليون عاطل عن العمل، ومليار جائع يموت منهم كل يوم 26 ألف بسبب الاحتكار وسوء توزيع الثروة بين دول العالم بل وفي الدولة الواحدة؟
2- معركة فتح الحوار والتواصل والتعارف والتعاون بين شعوب العالم والذي ينشأ من ضعفه وغيابه وانحرافه وتشنجه كل هذه الحروب المدمرة والدائمة ذهب ضحيتها إلى حد الآن في العالم حوالي 754 مليون قتيل منهم حوالي 20% من الأطفال، رغم أنف كل هيئات السلم العالمي العاجز؟.

3- معركة الحرية والكرامة في الدول القطرية والحد من الهجرة منها إلى دول اللاجئين (280 مليون لاجئ ) تضطرهم ظروفهم وظروف بلدانهم إلى الإقدام على ذلك والقبول به رغم ما فيه من ضياع حقوقهم في دول الاستقبال؟.

4- معركة محاربة المخدرات (مليار ضحايا) وتلوث البيئة و التطرف والإرهاب وهي ظواهر ضد الفطرة الإنسانية كل يوم تفتك عواقبها بالبشرية بأعداد مخيفة تفوق ضحاياها كل ضحايا غيرها مما تهتم به بعض الدول المترفة والمهيمنة.

5- معركة القيم ومناصرة الأقليات المحاصرة عبر العالم وهم على الدوام يعانون الأمرين مع بلدانهم التي تضيق عليهم بسبب عرقي أو ديني..، وتعجز على الدوام على تنمية بلدانهم وكل قومياتها تنمية مستدامة وعادلة مجاليا.

       أسوأ ما في الحروب - كما قيل - أننا نستخدم أجمل ما عندنا لنحقق أسوأ ما يمكن أن يكون لدينا، وقد يحقق فيها نصر فردي لكن السلام لا يمكن أن يتحقق بغير توافق جماعي، الحرب تنشأ أول ما تنشأ في الأفكار والعقول (د.المنجرة) وتغذيها الأسلحة ، وكلما صنعتها الشعوب فلتنتظر الحروب ودمارها، يقول "د.مهيب صالحة" من السويداء: "تبدأ الحرب ولا ندري متى ستنتهي، وهل تنتهي بسلام عادل أم بكراهية مستدامة تعيد إنتاجها، قد يشعلها جاهل أو حاقد أو متعجرف أو مجنون عظمة ذو مصلحة، لكن من المؤكد أن من يشعل الحرب وهو قوي لا يعطيه أحد السلام وهو ضعيف، الحرب هي الوجه البشع للسياسة تقوم على المصالح لا على المبادئ، بل إن من يقاتل فيها على مبادئ يذهب ضحية المصالح. في الحرب يتساوى الموت والحياة، لكن أية حياة لأرواح منكسرة ..وقلوب مدماة.. وآمال محطمة.. وكيف سيتساوى آلام الميت ولو بطلقة رصاص بآلام من تسببت له الحرب في إعاقة.. في تشريد.. في تهجير..، بل في آلام انتظار الموت في كل لحظة في جو من الخوف والجوع والعطش والبرد والتشرد والعراء والقهر والدماء والدموع بكل الأحزان؟.

        قال عنترة بن شداد: "الحرب أولها شكوى.. وأوسطها نجوى.. وآخرها بلوى"، بلوى قد ينتصر فيها جيش من المقاتلين النظاميين العقديين والمرتزقة المدججين، ليخلفوا ورائهم جيوشا وجيوشا جرارة من الأرامل و اليتامى.. من المعوقين جسديا و نفسيا.. من اللصوص وتجار الحرب ومصاصي الدماء.. وأيضا جيوشا ممن يدفعون عرقهم لإعادة بناء ما هدمته الحرب وقد دفعوا قبلها دمائهم ضريبة ما فرض عليهم من خوضها ومقاومتها في نفس الوقت، الحرب جحيم لا يتولد منها غير "نيرون" كلما أحرقت "روما"، ولكن، كم مرة علينا حرق "روما" وكم من "روما" ينبغي حرقها حتى لا يكون الإنسان أقل من المصالح، و حل المشاكل بالطرق السلمية غير مقدم على حلها بالحروب، لأن السلام مهما كان هزيلا ولا يعطي لأي طرف ما يريد، فهو أفضل ألف ألف مرة من الحرب، الحرب حوار المدافع لا أداب فيه ولا أخلاق، والمدافع والدبابات صنعت لأطلاق الرصاص ونشر الموت، وعبثا يتوهم المتوهمون أنها ستطلق لهم يوما جميل الأزهار وعبق الحياة"؟.

الحبيب عكي

اقرء المزيد

الأحد، 27 مارس 2022

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

روسيا.. هل تاهت لجنتها العلمية في أوكرانيا؟

      لا أريد أن أكتب في كل شيء، ولست محللا جيوستراتيجيا يفهم في كل شيء، ولا عسكريا متخصصا في أي شيء، ولا شأن لي بالسياسة البزنطية التي اعتادها العالم ولا يزال، ولكن فقط، وككل العالمين الأحرار، صدمنا هول الأحداث الرهيبة للعدوان الروسي البربري الهمجي المجنون على جارتها أوكرانيا السعيدة الشهيدة المجيدة، وفي عز موسم الشتاء القارس وعز الجائحة الوبائية التي اجتاحت العالم ولا زالت تعدد من خسائرها ومآسيها، وكم كثر الحديث خلالها عن اللجنة العلمية ومنظمة الصحة العالمية وتتالي النسخ المتحورة للفيروس التاجي اللعين، ولماما ما أجدت معه كل الإجراءات الاحترازية ولا حتى اللقاحات الطبية التي أقرتها اللجنة الموقرة وطبقتها مرغمة كل دول العالم؟.

 

         قلت، كم كثر الحديث عن تلك اللجنة العلمية التي كسر بها الإعلام الببغاء رؤوسنا، وفجر أدمغتنا، وأهلك أرواحنا المتعبة قبل أجسادنا العليلة، وهي في كل مرة تصور لنا الأمور علمية ومحسومة لا جدال فيها، في حين أنها وإلى اليوم لا زالت لغزا محيرا لكل ذي لب ألقى السمع وهو شهيد، فالمنصفون لا زالوا يتلمسون فيها الحقائق والجميع يقر أنهم طالما خلطوا المتمنيات بالأوهام واليأس بالأحلام؟، وكما إن البعض قد ركب على هذه اللجنة ليروج للأخبار الزائفة فأسوأ منه من ركب عليها ليقرر في حق الآخرين سياسات تضييقية غير حقوقية، هي أبعد ما تكون عن محاربة الجائحة أو حتى محاصرتها لا من قريب ولا من بعيد، وكم غضبت منظمة الصحة العالمية آنذاك لذلك دون جدوى؟.

 

         أين اختفت هذه اللجنة العلمية ومنظمة الصحة العالمية ومجلس الأمن الدولي، والدب الروسي الإرهابي الكاسر المجنون قد انفلت من عقاله وهاج في صقيعه يغزو جارته أوكرانيا، ضاربا بعرض الحائط كل ما فرضته الجائحة على الناس من احترازات التباعد الاجتماعي، وارتداء الكمامة، والنظافة بالمعقمات، والتلقيح بالجرعات والجرعات؟، هل كان كافيا أن "بوتين" أخذ جرعة من تلقيح بلاده السريري وأعطى أخرى ابنته الخرساء حتى يحدث كل هذه الفوضى الحربية العارمة؟، هل بلغ التلقيح في روسيا حد المناعة الجماعية وهو لم يتجاوز 40%، هل أخذت عهدا من الجائحة بنهاية النسخ المتحورة من الفيروس الفتاك ولم تعد تعلن عنها وتحذر منها منظمة الصحة العالمية؟، أم أنها هي الفيروس المتحور الجديد "بوتينوس" التي أصاب العالم وهو لا يدري؟.

 

         ما ذنب الصغار والكبار وهم يحشرون رغما عنهم في الأقبية تحت الأرض وفي الملاجئ دون تباعد ولا معقمات ولا مشروبات ولا مأكولات ولا.. ولا.، وهم في كل لحظة ينتظرون قصفا عدوانيا يسوي بهم الأرض أو يحرق بهم الخيام؟. ما ذنب الطلبة الأجانب يفزعون ويهرعون كل يوم في الفيافي وهم يمتطون الحافلات بالمئات(150) وحمولتها لا تتعدى العشرات(50)، والمحظوظ المحظوظ منهم من يقذف به خارج الحدود محروما من كل شيء في رحلة مع المجهول لا ربط ولا هاتف ولا مؤونة.. لا دراسة ولا إقامة ولا عودة؟، أهذا هو السلم العالمي وحقوق الإنسان التي يقيم الدب الكاسر المسعور بشأنها الدنيا ولا يقعدها لماذا لا يعترف له بها العالم؟. أية حماقة هذه، أن تخاف روسيا من "الناتو" فتضرب أوكرانيا؟، أن تتضامن مع الصين في استعادة "تايوان" ضدا على أمريكا فتضرب أوكرانيا؟، أن تحن إلى الأحلام القيصرية في الاتحاد السوفياتي اللينيني الستاليني البائد فتضرب أوكرانيا؟، أن لا يكون عندها ولا عليها شيء فتضربها والحرب علي وعلى أوكرانيا.. مع العلم أن الحرب لن تربحها روسيا ولا أوكرانيا ولا أحد؟.

 

         في الحقيقة، لا شيء من كل هذا مستغرب، لأن الدب االروسي وحش صقيعي كاسر اعتاد طوال حياته ألا يعيش إلا على الجوارح و الولغ العدواني في دماء الجمهوريات الإسلامية القوقازية سابقا و المستقلة والمجاورة لروسيا حاليا ( أذربيجان - أوزبكستان - طاجيكستان - تركمانستان - كازاخستان - قيرغيزستان - جورجيا - أرمينيا - الشيشان..)، والتاريخ يشهد أنها قد كتمت أنفاسها ومنعت دينها 70 سنة مضت قبل أن يمن الله عليها ويفك أسرها من عضته الخانقة خلال انهيار الاتحاد السوفياتي نهاية الثمانينات. بل إن عدوان روسيا الفاشستية قد امتد إلى غيرها من البلدان الإسلامية المجاورة في أفغانستان وغير المجاورة في سوريا وليبيا لتثبيت أنظمة القمع المتهاوية والاسترزاق عنترية في ذلك، ناهيك عن مواقفها المخزية في مجلس الأمن كلما تعلق الأمر بمناصرة قضايا الدول الإسلامية المعتدى عليها؟.

 

وكارثة الكوارث اليوم أن ننتظر منها غير هذه "الدعشنة البوتينية" الرهيبة أو ننتظر من مجلس الأمن منعها وهي فيه عضو لها حق "الفيتو" أو حق الظلم كما تشاء وعلى من تشاء دون مبررات ولا حتى مساءلات؟. هذا المجلس الذي يحاول اليوم التحرك ما لم يتحرك في الحرب على اليمن وسوريا وليبيا وفلسطين والعراق.. إنه الكيل بمكيالين.. كارثة الكوارث هو كل هذا الصمت الرهيب والعجز  والفرجة الجماعية من طرف الجميع، رعاة سلام أمنيون وأوصياء حقوق دوليون ومسلمون معنيون..، وكأن أبناء أوكرانيا و خيراتها ومنشآتها وجامعاتها وكل أراضيها "كييفها" و"قرمها" حق مستباح أو هي دولة مستلقة ولكنها تحت الوصاية الروسية الغادرة؟، إنه اختفاء اللجنة العلمية والضمير العالمي بعيدا عن أوكرانيا.. فأي متحور تاجي جديد هذا الذي أصاب العالم.. إنه المتحور "بوتينوس" والعياذ بالله؟.

الحبيب عكي


اقرء المزيد

الأحد، 20 مارس 2022

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

فرنسة التعليم في المغرب، الحصيلة والاستحالة.

       والمكونة الفرنسية تستقبل السادة الأساتذة المستفيدين من تكوين "تدريس المواد العلمية بالفرنسية" في المغرب، والذي نظمته مؤخرا عن بعد، مديرية التربية الوطنية والرياضة بإحدى المديريات بشراكة مع مهد تكويني فرنسي خاص بإحدى المدن، وهي عبر منصة "ZOOM" تحاول كسر الجليد بينها وبين السادة الأساتذة  سألت أحدهم: "هل درست مادتك العلمية بالفرنسية"؟، أجابها الأستاذ، ويظهر من جوابه أنه مشرف على التقاعد، فقال: "نعم، درستها بالفرنسية، ثم بالعربية، ثم الآن أيضا بالفرنسية، وأتمنى قبل تقاعدي القريب - إن شاء الله - أن أدرسها أيضا بلغة أخرى، إنجليزية أو صينية أو حتى بيزنطية، ولكنها ليست فرنسية"؟، وكأن السيدة المكونة قد صدمت وابتلعت "اللغم" ولكنها تجلدت وقالت :" ولماذا...أو لا.. لا.."!!، قال الأستاذ: "أولا، لأن هذا الشعب المسكين ليست له لغة وطنية يدرس بها - حسب المسؤولين -، ثانيا وهو الأساس، لأن التلاميذ لا يحبون الفرنسية ولا يفهمونها"؟، والدليل أننا على مشارف التقاعد وجئتم بنا تعلموننا كيف نجعلهم عكس ذلك؟.

 

         بدأ التكوين، وأخذت المكونة الرصينة المتزنة تخوض جاهدة في طلاسيم اللغة وفلسفة تدريسها والتدريس بها.. من تخصص غير لغوي يعني علمي مفاهيمي (Discipline Non Linguistique D.N.L)، إلى تخصص لغوي تعبيري تواصلي (Discipline Linguistique D.L)، وفيها نوعان أولهما لغة الأم مع أبنائها في المنزل(Langue Maternelle L.M)، ولغة يتعلمها التلميذ مع معلمه في القسم (Apprentissage L.A Langue)، ثم دخلت في فلسفة التكوين العميقة فأشارت أننا: " لا نهجر لغة من أجل أخرى، ولا نستبدل لغة بأخرى، ولا نترجم حتى لغة إلى أخرى، ولكن يمكن أن ننفتح على لغة ما .. وأن نثري تعلم التلميذ ببعض أو عدة لغات، وفي إطار هذا الاثٌراء تأتي الفرنسية التي يمكن أن نحدث بها انتقالا عفويا سلسا وقصيرا(Micro alternance M.A)، كأن يطرح التلميذ سؤالا بها أو يجيب جوابا مختصرا بها،  أو انتقالا تعلما تيا مقصودا(Alternance Circonstancielle  A.C)، كأن يبرمج الأستاذ مفهوما أو فقرة أو تمرينا في الدرس بالفرنسية".

 

         وهذه المقدمة وحدها، كافية لتبين اضطراب الأمر كله واستحالة بلوغ مقصده أو مقاصده المعلنة وغير المعلنة، "لا نهجر لغة من أجل أخرى.. ولا نستبدل لغة بأخرى.. ولا حتى نترجم لغة إلى أخرى"، فما فائدة التعليم إذن؟، وما فائدة تعلم اللغات أيضا؟، وما معنى الذكاء اللغوي أصلا؟، وهل لغة الأم (L.M) في منازل المغاربة لم تعد عربية عامية ولا أمازيغية وأصبحت فرنسية حتى نستثمرها في بعض التواصل مع التلاميذ؟، أليست لغة التدريس الوطنية (L.A) الرسمية هي اللغة العربية، فلماذا إضرارها بالفرنسية بل ونحاول استبدالها وتجاوزها بها؟، لماذا لا ينبغي أن نترجم من لغة إلى أخرى، هل لتفادي شحن التلميذ بكثرة المفاهيم والمعلومات ونحن نتحدث عن الإثراء؟، أم لتبقى عادة التحدث بالفرنسية وحدها هي السائدة، ومن كثرة التحديد يصبح الجميع حداد ماهرا على قولهم (à Force de forger on devient forgeron)؟، ثم، ما المعمول مع تلاميذ السنة السابعة إعدادي وهم طوال الابتدائي يدرسون النشاط العلمي والرياضيات والتفتح التكنلوجي بالعربية، ليبدؤوا دراسة المواد العلمية في الإعدادي بالفرنسية، أليس من الأفضل أن نترجم لهم بما يفهمون بدل أن ندخل معهم في متاهات الإيماءات والرسومات المتحركة كما تحثون على ذلك؟.

 

         استراتيجيتكم - منطقيا -  خاطئة.. منحرفة.. بل ومغرضة رغم ما قد يكون قد غلفها من نوايا قد تكون حسنة، وكان الأولى أن تلتزموا فقط بما جاء به " قانون الإطار" الذي أصبح -على كل حال - خريطة طريق تلزم الجميع، وهو يتحدث عن "المناولة اللغوية" وليس الفرنسة،  المناولة تعني الانفتاح على بعض اللغات الأساسية في تدريس بعض المجزوءات في مقررات المواد العلمية؟. و"قانون الإطار" يتحدث عن تعدد المسالك العربية والدولية وحرية الاختيار وتكافؤ الفرص وضمان كل المسارات، ويتحدث عن ضرورة تقوية تدريس اللغات الحية كما تحدث الدستور قبله وبعده عن ضرورة حماية اللغتين الوطنيتين الرسميتين العربية والأمازيغية وتنميتهما، هل بهذه الفرنسة المفروضة في التعليم والاقتصاد سنذهب في هذا الاتجاه؟. والغريب أن لا أحد طالب بهذا، لآ تلاميذ ولا أساتذة ولا إداريون ولا تربويون ولا أحزاب ولا نقابات..، كان الجميع مستئنسا بالتدريس باللغة العربية وكانت لها مردودية تربوية وقيمية، فلماذا الإجهاز عليها دون أية مقاربة تشاركية؟، ولمصلحة من تعملون على سخرة مجانية غايتها أن تخرج الأستاذ من مدرس العلوم و الابداع والإقناع والإمتاع إلى مجرد مدرس للفرانكفونية المفلسة لغة الخضوع والخنوع والاتباع؟.

 

         لكن، هيهات هيهات، إن للعربية في هذا البلد عمقا وامتدادا أكبر أضعاف مضاعفة من أي لغة أجنبية أخرى مهما كانت زاحفة وماكرة أو حتى حالمة وساحرة، وضمنها اللغة الاستعمارية وعقليتها الاستيطانية، فما طردها المغاربة من الباب لتعود إليهم من النافذة، لا نافذة التعليم.. ولا نافذة المقاولة والاقتصاد.. ولا نافذة التشغيل والإدارة.. ولا.. ولا..؟، عبثا يحاول المحاولون إعادة استنباتها في أرض لفظتها ولا زالت، وهذا التكوين نموذج لذلك:

 

1-     لماذا لم يكن هذا التكوين قبل إقرار الفرنسة أو في بدايتها؟.

2-     أين جهود الإشراف التربوي طوال هذه السنوات في تتبع التحول وتشجيع تبادل التجارب بشأنه بين الأساتذة؟.

3-     ماذا سيجني الأساتذة المشرفون على التقاعد بهذا التكوين وهم قاب قوسين أن يتحرروا من مزارعكم الخاصة، خيرها وشرها؟. كان الأولى بالتكوين أن يستثمر في الشباب الحيوي أم أنهم الآن يملؤون الشارع في إضراب مفتوح؟

4-     أليس الأمر مجرد صفقة ريعية أبعد ما تكون عن التكوين، ذلك أنها برمجت توقيتها والأساتذة ملزمون بأقسامهم، ولو كان تكوينا حقيقيا لفرغوا من أجله ومن حقهم، أما أن يضعوا أرجلهم في الأقسام وآذانهم على الهواتف، فهذا استهتار وقهر وإجبار و"ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه"؟.

5-     ماذا سيفيد تكوين الأستاذ إذا كان التلميذ لا يمتلك اللازم من أبجديات ومهارات وسلوكات التعلم، ولا يبذل الجهد المطلوب لتحسين مستواه لا في اللغة و التواصل ولا في غيرهـا؟.

 

إن تردي التواصل الفصلي بفعل اللسان الفرنسي المفروض دون رؤية استراتيجية واعية ولا إعداد بيداغوجي رصين على الأقل، فرض واقعا تعليميا آخر على الأستاذ والمتعلم، اختاروا فيه لغة بديلة ومسعفة إلى حد ما، لا هي بالفرنسية المهيمنة ولا بالعربية الخالصة، ولكنها لغة هجينة ومزدوجة يشرح فيها الأستاذ فقرة من درسه بالفرنسية المقررة أولا فلا يفهمه التلاميذ، ويكون الصمت والوجوم هو سيد الموقف أو إيماءات وأجوبة(Oui) و(Non) في أحسن الحالات، يضطر عندها الأستاذ لإعادة الشرح بالعربية أو العامية في نفس الغلاف الزمني للحصص ونفس كثافة المقررات واكتظاظ الأقسام..،  أليس هذا عبئا إضافيا على الأستاذ، يضيف شرحا على شرح، ولغة على لغة، وكأنه أستاذ اللغة الفرنسية والترجمة بدل أستاذ مادته العلمية من رياضيات أو فيزياء أو تكنولوجيا وإعلاميات أو علوم الحياة والأرض؟.

 

إن مثل هذه التكوينات لن تزيد المستفيد إلا قناعة بعبثية استبدال الذي هو خير بالذي هو أدنى، ولن تهدد مكانة اللغة العربية لا في المدرسة المغربية ولا في المجتمع المغربي، لكن الذي يفعل كثيرا من ذلك وتضافره سيفعل أكثر وأكثر، هو:

 

1-     لسان الأم المغربية مع أبنائها في البيت عندما يكون مفرنسا دون دواعي؟

2-     هي لغة الروض والحضانة والمدرسة الخصوصية عندما تفرنس البراءة عن قصد واستلاب أو سذاجة وانبهارا؟.

3-     هي الدراسة الجامعية التي تحرم المسالك المعربة من التواجد داخلها وتجعل المسالك الدولية كلها مجرد فرنسية؟

4-     هي المقاولة الأجنبية وغير المواطنة التي تنحاز في تشغيلها وفرص عملها إلى كل مفرنس(ة) اللسان إفرنجي اللباس بغض النظر عن الكفاءة وقيم الاستحقاق؟

5-     هو الإعلام الذي يقذف كل يوم مواطنيه الأبرياء بالفرنسة عقلية وأخلاقا مستلبة، ضيوفا وحوارات بيزنطية، قبل البرامج والأفلام المدبلجة، ضاربا بعرض الحائط دفتر التحملات؟.

6-     هو الإغراق في الحديث العامي والهجين الذي يجمع بين كل الرداءة "الزنقوية" دون معنى ولا ذوق، إلى درجة تصبح فيها لغة القوم لغة غريبة منفرة وكأنها لغة "كفار قريش".

7-     هي الثقافة التي تقطع قومها عن مصادر العربية الأصيلة من قرآن كريم وحديث نبوي شريف وحكمة التراثي الأدبي الجميل الذي جعل منها لغة الروح والجسد والقيم والأخلاق والإقناع والإمتاع. 

 

      إنها سياسة الفرنسة الشمولية في مختلف المجالات، وفي جميع المداخل وعبر كافة الحوامل، وكذلك ينبغي أن يكون التصدي والممانعة، لأنها نهضة أمة وما نهضت ولا ستنهض أمة – طال الزمن أو قصر – بغير لغتها.. دينها.. وقيمها الوطنية و عمقها الحضاري، لا وقت لدينا للتجارب الفاشلة حتى في عقر دارها، وكفانا من التيه ومطاردة الأحلام والأوهام وخيوط العنكبوت؟.

الحبيب عكي


 

اقرء المزيد

السبت، 12 مارس 2022

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

التهاب الأسعار في ضوء حديث السفينة

ما أضيق أفق العديد من الصحف الورقية والمواقع الإلكترونية، وهي تدعي الاهتمام بخدمة الوطن والمواطن، ولكنها كثيرا ما تتخلف عن مواكبتهما في كثير مما يحدث فيهما ويطرأ عليهما من الآفات الصعبة، كما نعيش اليوم مع تداعيات تدني القدرة الشرائية للمواطن والتهاب الأسعار، التي تصطلي بنيرانها المتقدة المحرقة مجمل الفئات الاجتماعية عبر ربوع كل الوطن، هذه الصحف والمواقع التي ترفض نشر أبسط مقال تتوصل به في الموضوع، وهي التي طالما اعتبرت نفسها منبر من لا منبر له و رفعت شعارها في صفحتها الأولى وبالبند العريض: "ما ينشر هنا لا يعبر إلا على رأي صاحبه".. رأي صاحبه وليس ناشره؟.

 

إضرابات واحتجاجات.. وقفات ومسيرات.. تدوينات  ومقاطعات.. تصريحات نارية على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو برحيل من كان السبب.. فوضى غير مسبوقة للنهب دون موجب شرع في بعض الأسواق.. توقف السيارات والشاحنات والحافلات.. كل هذا من التهاب الأسعار بشكل غير مسبوق في ظرفية من الصعوبة بمكان، ارتفاع في أثمنة المواد الغذائية الواسعة الاستعمال.. في المواد الاستهلاكية اليومية.. في المواد الطاقية وفواتيرها.. في النقل والخدمات.. الأدوية والتحليلات.. في العقار ومواد البناء... ارتفاع حتى في الضرائب والقروض والمديونية.. مع شيوع البطالة وفقدان الشغل وتجميد الأجور..، ولا حياة لمن تنادي؟.

 

الصحف والمواقع.. الأحزاب والنقابات.. النخب والمثقفين.. العلماء والخطباء.. الاقتصاديين والإعلاميين.. نواب الأمة والحكومة..، الكل سقط  في لغو الروتين اليومي خارج الملف الحقيقي الذي هو هموم المواطن، وبالتبع سقطوا  في مجرد مسؤولية تمثيل صوت المواطن.. فبالأحرى تبني مطالبه المشروعة والنضال من أجل التخفيف من معاناته مع معضلة الأسعار الملتهبة. ثم يتساءل الجميع لماذا يفقدون المصداقية ويفشلون في الوساطة بين الدولة والمجتمع؟. ويتساءلون لماذا الشعب ينظم حراكاته بكل عفوية ويقود معاركه بكل نضالية دون انتظار أحد؟. ألم يتساءل الملك قبل الجميع "أين الثروة ؟، لماذا لا تظهر في حياة المواطن؟، لماذا المغرب يسير بسرعتين"؟. فأين جواب كل من يدعي أن برنامجه هو الاشتغال الفعلي والفعال في هذا الأفق الوطني الملكي المجتمعي؟.

 

يدعي المدعون بعض التبريرات وهي منهم مرفوضة وعليهم مردودة.. وبعضها مغرض وملتبس وإن كان صحيحا، يقولون أن ارتفاع الأسعار عندنا مرتبط بالظرفية الدولية الصعبة وما طرأ فيها من الحرب الروسية الأوكرانية، فهل لم يكن هذا الارتفاع قبل هذه الحرب؟، وهل كان احتياطنا الوطني من كل المواد المرتفعة صفرا على صفر.. لا شهرا ولا حتى أسبوعا؟. كما يقولون أنه مرتبط بالجائحة الوبائية لكوفيد 19 ومخلفاتها على الاقتصاد الوطني، وإبان الجائحة رأى الجميع أن الدولة قد أبلت البلاء الحسن بما قدمته من مساعدات اجتماعية للمحتاجين، لكن، وكأن الحكومة بغلائها تسحب منهم باليسار ما أخذوه من الدولة باليمين؟. كما يقولون أن المسألة مرتبطة بالجفاف وكأنه طارئ على البلاد والعباد ولم يكن مزمنا في حياة الناس؟، أو كان احتياط سدودنا من المياه قد نفذ على آخر نقطة؟. ثم كيف نقدم على رفع الأسعار  بارتفاعها في العالم ولا نقدم على نفس خدمات هذه الدول لمواطنيها، من دخل مرتفع.. من عمل متوفر.. من منحة البطالة.. من مساعدات اجتماعية مباشرة؟.

 

على أي، أسعارنا ملتهبة.. مستوى عيشنا مرتفع.. فوق القدرة الشرائية للمواطن.. لا يتناسب اضطرادا مع دخل الموظف حتى.. فما بالك بغيره من المياومين؟. السياسات العمومية بكل تأكيد مسؤولة على ذلك، ولكن بكل موضوعية أيضا، ليست لوحدها، بل كل الأطراف أيضا مسؤولة، ولا يمكن معالجة المعضلة إلا بهذه الشمولية وفي إطارها:

 

1-    اعتماد سياسة إنتاجية وطنية بقدر حاجيات الوطن والمواطن.. فلاحية.. صيد بحري.. تشغيل.. مواد طاقية على امتداد كل صحارينا الشاسعة وغذائية على امتداد كل سهولنا الخصبة و واحاتنا المعطاءة.

 

2-    حكامة في التدبير تمنع الاحتكار والسمسرة والريع وسوء التوزيع، بل والتلاعب بالأسعار بين جهة وأخرى وإقليم وآخر؟. كما أن هذه الحكامة ضرورية لتعزيز التعاون القومي والدولي، ولما لا تحويل أسواقنا إلى دولة كالسودان تعاونا واستثمارا وهو قادر على ضمان كل الغذاء العربي بدل الارتهان إلى أسواق أوروبا وأمريكا وهي أكثر كلفة؟.

 

3-    تفعيل الدعم الاجتماعي للمعطلين والمحتاجين وعدم الجرأة على التقشف كلما تعلق الأمر بلقمة عيش المواطن المسكين على عكس غيرها من مشاريع الترف وتظاهرات التبذير، التي تجد لها دعما من صناديق لا يفتحها إلا هي؟

 

4-    تفعيل حماية المستهلك بشكل حقيقي وممتد من مجرد الجمعيات المدنية بأدواتها المتواضعة إلى غيرها من الأحزاب والنقابات وكل من له علاقة بالمواد المستهلكة والخدمات العمومية؟.

 

5-    دعم الاجتهاد التشريعي والحقوقي في اتجاه الترافع القوي لمعالجة ظواهر الفقر والهشاشة والعوز الاجتماعي بقوانين تشريعية وسياسات حكومية ناجعة على غرار غيرها من البرامج  الاجتماعية ك"تيسير.. وأرامل..".

 

6-    احتياط المواطن لنفسه وهو المسؤول عنها قبل غيره، وذلك بضرورة ترشيد إنفاقه وتفاديه عادات الاستهلاك المفرط حد الاسراف ومجرد التباهي الاجتماعي، فمن اشترى ما لا يحتاج أتى عليه يوم يبيع فيه ما يحتاج؟.

 

7-    تقوية الوازع الديني "ما منع قوم الزكاة.. ما أشاع قوم الفاحشة.. ما نقض قوم عهد الله.. ما نقص قوم المكيال.."، والاستثمار في قيم التضامن الاجتماعي والعائلي للمغاربة عبر الصدقات والزكوات وأداء الميسورين على المعسرين.

 

8-    تدخل المجتمع المدني وتيسير ظروف اشتغاله بتنظيم قفة الحي.. وتفقد المحتاجين.. والوساطة للحالات الاجتماعية.. تطوعا عبر المساعدات والكفالات.. ورسميا عبر صناديق الأرامل والمطلقات..؟.

 

9-    تأهيل الأسر المعوزة والحالات المحتاجة إلى الاندماج حتى ينتقلوا من مجرد متسولين متكلين إلى أفراد منتجين مكتفين، على قولهم : "لا تعطيني سمكة بل علمني كيف أصطادها"، وليكن ذلك بخطة استراتيجية تقدم الشباب.

 

10-    الحاجة الماسة إلى الاستفادة من تجارب ومقاربات الدولة الاجتماعية عبر العالم، يبحث فيها المفكرون والعلماء ويعمل على أجرأتها الفاعلون من السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين وغيرهم.

 

         هذه بعض المقترحات، بطابعها الشمولي والتكاملي، باعتبار معضلة الغلاء تهم الجميع معاناة ومعالجة، ولكن لا شيء من كل ذلك كائن أو سيكون، ما لم يؤسس له بنظرة فكرية علمية عن معنى الدولة الاجتماعية وأية مقاربة لها أكثر واقعية، وأية ممارسة سياسية تناسبها وتكون أكثر مردودية وإقناعا؟. مسألة ثانية لا تقل أهمية وهي مدى اقتناع المسؤول والمواطن على أن المسؤولية المواطنة ليست شيكا على بياض، من أراد أن يرفع فيه الأسعار فليرفعها.. ومن أراد تجنب الاهتمام بها تجنب؟، إن المواطن مسؤول على الإصلاح وجزء منه وشريك فيه من أي مكان كان وبأي إمكان؟. تكرر بين القوم حديث السفينة، قوم أصابوا قيادتها ومسؤوليتها فأرادوا أن يرفعوا الأسعار.. وقوم أصابوا أعلاها ومقاعد راكبيها.. فإن هم منعوهم من الرفع نجوا ونجوا جميعا، وإن هم تركوهم يخرقون و"يخربقون" هلكوا وهلكوا جميعا؟.

الحبيب عكي

 


اقرء المزيد

الأحد، 6 مارس 2022

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

نفحات ربانية في شعبان.. فاغتنمها أيها الإنسان

شعبان شهر الخير والبركة.. شهر بين رجب الحرم و رمضان الفضيل.. نفحة الإيمان التي يغفل عنها الناس، ولو يعلمون فهو شهر الفضائل والمكرمات، شهر عظيم المكانة عند الله سبحانه وتعالى كما يخبرنا بذلك الحديث: "إن الله تعالى يطلع على خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن"؟، ترى هل نتعرض لهذه النفحات الربانية والفضائل الإيمانية في شعبان اقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم، لكن بماذا وكيف؟. ما هي القيم والسلوكات التي ينبغي الحرص عليها بشكل تعبدي وتدريبي صحيح حتى تمكننا من ذلك؟.

 

1-  كثرة الصوم خاصة في نصفه الأول: فقد روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما رأيته (ص) أكثر صياما منه في شعبان"، ولما سئل عن ذلك (ص) قال: "ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم". رواه أحمد. يعني ان رسول الله (ص) كان ينتبه إلى غفلة الناس وينبههم إلى الوعي واليقظة، كان يحاسب نفسه ويقدم بين يدي أعماله خير العبادات وهي الصيام، يستثمر أفضل الأوقات كشهر ترفع فيه الأعمال إلى الله.. شعبان.. وأيام ترفع فيها الأعمال إلى الله الإثنين والخميس فيصومهما، و أوقات ترفع فيها الأعمال إلى الله صلاتي الصبح والعصر فيحرص عليهما..، حتى يضبط الناس أنفسهم فيهما.. وبينهما.. وبعدهما لمن استفاد من زادهما؟.

 

2-  عبادة قراءة القرآن الكريم ولوازمها: فقد روي عن الصحابة رضوان الله عليهم، أنهم كانوا يغلقون دكاكينهم وهم يستعدون لرمضان أشهرا عدة قبله ويعيشون بأفضاله عليهم الباقية الباقية  من أشهر العام، وكانوا يعيشون خلال هذا الاستعداد مع القرآن الكريم تلاوة وحفظا ومراجعة وتدبرا، وطبعا، مع أخلاق وفضائل القرآن، ومع ما يصاحب القرآن الكريم من الصلاة والقيام وعمارة المساجد، والذكر والدعاء، وبالذكر تحيا القلوب والدعاء مخ العبادة، ومن أدعيتهم بالمناسبة قولهم: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان"، وما أحوجنا إلى نفحات شعبان لتجديد الصلة بالذكر والدعاء ومنها سيد الاستغفار و مأثورات الصباح والمساء، التي ولاشك يفتر عنها الكثيرون؟.

 

3-  فضيلة الصيام والقيام في شعبان: باعتبار شعبان استعدادا لرمضان وتهيء لأجوائه الربانية، من هنا فأول رسالة هي إعادة طرح السؤال حول عبادة الصيام، ما حقيقتها ومقاصدها.. ما فضلها وفوائدها.. ما فقهها وأحكامها.. كيف نحن معها في جانبها التربوي.. الاجتماعي.. الدعوي.. إلى غير ذلك، أو على الأصح كيف ينبغي ونريد أن نكون نجن ويكون رمضاننا وما بعده؟. رمضان الإخلاص والتقوى.. رمضان الصيام والقيام و القيام أنس العبد بربه في جوف الليل لا يعرف حلاوته إلا من ذاقها.. رمضان الكفارة والاستجابة.. رمضان الصبر وصيام الجوارح.. رمضان الإمساك عن المعاصي والاقبال على الطاعات.. العمل الثقافي والتضامني.. ألا يستحق منا كل هذا دورة تدريبية شعبانية تسلمنا إلى رمضان على أحسن حال، حال يجنبنا أو يخفف عنا كل تلك النتوءات التي تفسد علينا صيامنا وتجعله عند البعض مجرد شهر للفتور والعياء وسهر مجاني والتوتر في المعاملات ونوم ثقيل والكسل عن العمل والعبادة..، بلى نحتاج، إلى صيام نفل نستعد به للصيام المفروض في رمضان، ولعل أولى الصيام في شعبان أن تقضي النساء ما بقي عليهن من دين صيام السنة الماضية؟.

 

4-  ضرورة الاقتصاد وعدم الإسراف في الاستهلاك:  خاصة وقد جرت العادة والمواطنون في كل شعبان واستقبالا لرمضان - في اعتقادهم - يتنافسون في تهيء الأكلات الخاصة بالشهر الفضيل وبكميات وكميات في البيوت والمحلات، ويتسابقون في اقتناء العطور والبخور والهدايا وتفصيل الألبسة الخاصة والمكلفة لهم ولأزواجهم وأبنائهم، وبشكل محموم تفاخري أحيانا، حتى أن رمضان – كما يقال – تساءل يوما هل أصبح الناس كلهم أغنياء ولهم من السيولة المادية ما يكفي؟، فأخبره شعبان في الطريق بأنهم إنما يستدينون من أجلك يا رمضان العزيز من الأبناك، ويرهنون ممتلكاتهم لدى وكالات القروض، ومجوهرات نسائهم لدى المجوهراتيين، والجميع يوهمونهم بالتوسيع عليهم شهرا ليلفوا على أعناقهم وأرزاقهم  حبال الضيق والهموم بقية الشهور كلها؟. ألا يمكن أن يكون مدخلنا لعلاج هذا الاسراف الموغل في الاستهلاك حد الاستدانة والبدانة، أن نجرب صوم النفس والهمة قبل الجوارح والمتاع، وأن نبحث في صومنا عن قولهم "صوموا تصحوا" بدل تسرفوا وتتخموا، و نريح ونرتاح في قوله (ص): "ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه...بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه"؟.

 

5-  فكيف نستعد لرمضان نفسيا واجتماعيا: لابد من التخلص من هذا العبث الاستهلاكي إلا بالقدر الضروري الذي يخلص المواطن من هموم الاستدانة والاستهلاك المفرط حد التباهي الاجتماعي ؟. بما يفرغه للعبادة في شهر العبادة، عله يتوب في شهر التوبة، وينال الغفران في شهر الغفران؟، بالتدرب نفسيا وعلميا وعمليا على التصدي لما قد يتعرض له المرء في رمضان من توتر واستفزاز وسباب وشجار إن رد عليه بالمثل أفسد عليه صيامه؟، بالجرأة على التخلي على الضغائن والشحناء والغيبة والنميمة التي تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب؟، بالتعود على تفقد أحوال المساكين والمحتاجين والتكافل معهم قدر المستطاع، خاصة في هذه الظروف الوبائية الحرجة وما سجلته من الخصاص الاجتماعي؟، بالمشاركة في مشروع قفة رمضان وكسوة العيد وإفطار الصائم في بيوتنا أو مع أصحاب المقاهي أو جمعيات المجتمع المدني الخبيرة؟، بالتفكير في أشكال صلة الرحم المعلقة بالعرش تقطع من يقطعها وتصل من يصلها، إلى غير ذلك مما يجعل شهر رمضان فعلا، شهر الجود والكرم والخير والبركة، على سنة رسول الله (ص)، وقد: "كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان" متفق عليه؟.

 

 6- وكيف ننمي ممارسة الدعوة الحكيمة والمحكمة: من إرشاد الناس إلى الخير، والعمل لهذا الدين والتمسك به، وهو واجب شرعي فردي وجماعي حسب العلم والفقه والموقع والإمكان، وينبغي أن يكون لهذه الدعوة حظ في شعبان ورمضان كما في غيرها من الشهور، وحتى ينجح الداعية في دعوته اليوم لابد من أن يطرح على نفسه أسئلة ملحة ويجد لها من الأجوبة الواضح المقنع، ما هي أهداف الدعوة المعاصرة؟، ما هي مواضيعها؟، ما هي وسائلها وحواملها؟، ماذا يملك و يتقن الداعية من ذلك؟، أو على الأصح كيف له أن يمتلك و يتقن بعض ذلك واللازم منه؟. أية كتب قرأها وأية محاضرات سمعها و فهمها حق فهمها، من أية كلية تخرج وأية أبحاث علمية وأنشطة اجتماعية أنجز أو ساهم في إنجازها؟، ماذا أعد الداعية المعاصر من خطب للمساجد المتاحة؟،ومن مواعظ للولائم المنتظرة؟، ومن نصائح للفصول المسندة، ومن رسائل تواصلية وحملات تضامنية مع المحتاجين؟، ومن مقالات تربوية وفكرية للمواقع الإلكترونية، و"ليفات" تفاعلية لصفحات التواصل الاجتماعي، ومن جلسات تربوية ترفيهية مع أسرته ومع الشباب والزملاء، و من خلوات إيمانية وعلمية مع نفسه ومن.. ومن.. ومن..؟، وبأية جودة وحرفية، وبأية حمولة فكرية ورؤية إصلاحية يمكنه تنزيلها؟.

 

كل هذا مما يمكن أن يكون موضوع برنامج فردي.. أسري.. جماعي أو جمعوي، فقراته صيام وقيام.. ذكر ودعاء.. قراءة وحفظ القرآن.. تكوين علمي وتدريب خيري عملي.. في جو من النفحات الربانية والفضائل الإيمانية، يتم غرسها في شعبان علها تولوجنا مدرسة رمضان فنرتوي بروائه في غرس الإيمان في القلوب و زرع المحبة في النفوس وبذر الأخلاق في الطباع، والمساهمة في بناء الأجسام الصائمة القوية، والنفوس المطمئنة الأبية، والأرواح التقية الزكية، وصلة الأرحام والمسامحة عند الخصام، في موسم تجارة نيل الحسنات ومحو السيئات، يقبل عليها الجميع بكل قوة وطمأنينة وتلقائية يتسابقون في الخيرات ويقبلون على الطاعات، لعل الله تعالى يجزيهم بوعده: "ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا" متفق عليه.

.

الحبيب عكي

 


اقرء المزيد

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

المشاركات الشائعة