Top Ad

الخميس، 24 أكتوبر 2019

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

أطفالنا بين المسجد والمدرسة.

         كثيرة هي مؤسسات التربية والتنشئة الاجتماعية التي أصبحت تنافس المؤسسة الأولى والأساسية بعد الأسرة ألا وهي المسجد،فهناك الروض والمدرسة،وهناك النادي والجمعية،وهناك المخيم وفضاءات الألعاب الترفيه والإعلامية والشبكات والمواقع والتطبيقات وصفحات التواصل الاجتماعي،وهناك ..وهناك..،مما يطرح على المجتمع سؤالا جوهريا ألا وهو:ما هي العلاقة التي ينبغي أن تسود بين المسجد وما جاء بعده من مؤسسات التربية والتنشئة الاجتماعية ووسائلها؟،هل هي علاقة إلغاء بحكم الحداثة والتجاوز وضرورة نقض الغزل وبناء اللاحق على أنقاض السابق؟،أم علاقة تكامل بحكم الهدف و وحدة المشروع وحتى المستهدف؟،ولماذا تتعدد المؤسسات والقطاعات إذا كان تدخلها واحد وإن بوسائل مختلفة؟،أو على الأصح كيف يمكن التنسيق بين تدخلات كل القطاعات بشأن المستهدف الواحد الذي هو النشء كما هو الشأن في حالة الطفولة المغربية والعديد من القطاعات المعنية بها دون الإيفاء بالغرض؟؟.

         الواقع أنه مهما تعددت المؤسسات التربوية ومهما استجدت وجادت وأجادت وأبدعت وأمتعت في اهتماماتها وبرامجها وأساليبها،فإنها لا تعوض المسجد ولا فلسفة المسجد ولا روحه وطابعه العلمي العملي الميسر والشامل والمتكامل..،بل ربما تعثر العديد من هذه المؤسسات التربوية الحديثة وضعف مردوديتها إنما من مخالفتها وأحيانا مصادمتها للروح التربوية للمسجد،كالمدرسة والجمعية والإعلام في بعض من جوانبهما وبرامجهما وأساليبهما وغير ذلك؟؟.الروح التربوية للمسجد تكمن كما قلنا في كونها المؤسسة التي تربط النشء بربه والعبد بخالقه وكل شيء فيها يربي الرائد على مبدأ واضح وراسخ ودائم وشامل يكفيه ما دونه،ألا وهو أن "أمر الله تعالى هو كل شيء وعليه يبنى كل شيء"،ومبدأ ألا خير في علم لا يرتبط بعمل بل وبعمل نافع:" لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ"النساء/114،فتجد كل حياة المؤمن المسلم المتقي المحسن تنتظم في منظومة علمية عملية يسيرة واحدة ديدنها الخشية من الله والعلم والعمل بما يرضاه،ديدنها البحث عن مفاتيح للخير مغاليق للشر،يطمع فيها المرء في رضا الله وثوابه ويخاف من سخط الله وعذابه،وليس ذلك حسب الزمان والمكان والحب والهوى بل مجسدا في سيرة الرسول القدوة صلى الله عليه وسلم وهي المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك؟؟.

         فيؤتى هذا العبد في ارتياده للمسجد والله يكتب له بكل الخطوات الحسنات ويمحو عنه الخطايا،يؤتى الإيمان والإسلام ويتعلم التقوى والإحسان وحسن المعاملة..،ويتعلم الصلاة والقرآن ويتفقه في ما تيسر من الحديث والسيرة..ويكتسب العديد من مهارات الحياة والتعامل مع الخلائق والكائنات..آداب المسجد..أحكام الوضوء والصلاة..آداب المجلس و طلب العلم وفضله..احترام الصغار وتوقير الكبار..وغير ذلك مما تفتقر إليه المؤسسات الأخرى ولا تعلمه روادها بما فيه الكفاية وبما في ذلك المدرسة رغم كل موادها وبرامجها وبهرجتها؟؟.ولكن،لا أحد يحلم بأن تصبح المدرسة مسجدا،ولا أن تكون في كل مؤسسة قاعة للصلاة كما يسمح بذلك القانون،ولا أن تصبح التربية الإسلامية هي المهيمنة،ولا أن يعاد توقيت الدوام الدراسي وفق أوقات الصلاة،ولا..ولا..غير ذلك،لكن فقط يبقى السؤال كيف يمكن للمدرسة وغيرها من مؤسسات التربية والتنشئة الاجتماعية أن تستفيد من هذا العمق التربوي والاجتماعي للمسجد،وفيه أهم الحلول لمعضلاتنا التربوية والاجتماعية..كتدني المستوى التعليمي..وتراجع القيم والأخلاق..احتقار ملكة الحفظ ومهارة الكتابة أمام ثقافة الصورة،غياب تعلم العديد من مهارات الحياة التي لا تعطيها المدرسة..الانغلاق على المحيط والفاعلين..ظاهرة الشغب وعدم الانضباط..الغش في الامتحانات..بعض الانحراف السلوكي والفكري..العنف الجسدي والنفسي المتبادل..إدمان بعض الفئات على المخدرات وغيرها..شيوع الميوعة والاستلاب عند البعض الآخر..الضحل اللغوي العام..اضطراب القدوة..وكل ذلك ربما لأن هذه المدرسة لا زالت تتنكر في تدريسها لتربتها وعصرها وهوية وكينونة نشءها؟؟.

         كما أن الفكر التربوي الإسلامي يتفوق على غيره في معالجة المعضلة التربوية الخطيرة التي تعاني منها غيره من المدارس والمؤسسات التربوية ألا وهي معضلة الانفصام بين العلم والإيمان والمعرفة والسلوك والثقافة والأخلاق،بحيث لا يقر الإسلام بالأساس غير العلم النافع،علم التزكية والاستقامة وعلم الانتفاع والاعتبار،فجعل العلم مقرونا بالعمل وقال:"..إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات"،وقال:"..ما وقر في القلب وصدقه العمل"،وقال:"..كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"؟؟، كما يطرح نفس السؤال الملح وهو كيف يمكن للمسجد ومرافقه التعليمية أن تستفيد من المستوى التفاعلي المشرف الذي وصلت إليه بعض المدارس في تحديث وعصرنة بعض برامجها ووسائلها..سواء من حيث الانفتاح على بعض المواد الضرورية كتعلم المنطق والفكر الإسلامي والفلسفة وعلم النفس والعلوم الإنسانية،أو من حيث الرقمنة وإدخال بعض التقنيات الحديثة في تدريس بعض المواد وهي أدوات العصر التي لا تزال المساجد عنها متخلفة ومنغلقة دون مبرر معقول،خاصة ما يرتبط منها ببعض المناهج والفروع التعليمية كالكتاتيب القرآنية والتعليم العتيق الذي يلقى في  التعليم الخصوصي إقبالا كبيرا ومتزايدا من لدن المغاربة،ربما لأنه الأنسب لأبنائهم حتى يجمعوا بين علوم الدين وعلوم الدنيا،فلا يغادر التلميذ المستوى الابتدائي حتى يحفظ ما تيسر من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف بل ربما القرآن كله وبعض متن اللغة،ويكون ذلك أكبر دافع لاستقامته الأخلاقية ونباهته الدراسية،كما يشهد بذلك أساتذة التعليم العتيق على تلاميذ تهم في مختلف المستوىات الابتدائي والإعدادي والثانوي،وما يجمعونه على العموم من النباهة والاستقامة ومزايا الاجتهاد ومهارات المعرفة وفضائل السلوك؟؟.
الحبيب عكي

اقرء المزيد
http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

نعمة الولد،كيف نشكرها ونؤدي حقها؟؟

          في الحقيقة،كم هي نعمة كبرى أن يمن الله عليك بالولد والولد الصالح،بل ويزوجهم لك ذكورا وإناثا ولا يجعلك لو شاء عقيما،محروما قنوطا ميئوسا تسعى في طلب الخلف ب"الطبة والطلبة والريق الناشف"وبكل مال الدنيا دون جدوى أو أمل؟؟.فالولد كما يقول الخطيب يحيى بن موسى الزهراني في خطبة قيمة له في الموضوع:"الأولاد ثمار قلوبنا،وعماد ظهورنا،وفلذات أكبادنا،وأحشاء أفئدتنا،وزينة حياتنا،كما في قوله تعالى:"المال والبنون زينة الحياة الدنيا"الكهف/46،الأولاد قرة العين،وبهجة الحياة،وأنس العيش،بهم يدب الحبور والحيوية في البيت،بهم يحلو العمر ويرتاح البال،وعليهم تعلق الآمال،وببركة تربيتهم يستجلب الرزق،وتتنزل الرحمة،ويضاعف الأجر،ويستمر الثواب بعد الموت كما في الحديث:"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث:"صدقة جارية،أو علم ينتفع به،أو ولد صالح يدعو له"رواه مسلم؟؟.

         وغير خاف،أن أطفال اليوم هم شباب الغد ورجال المستقبل،ومستقبل الأمة رهين بحاضر أطفالها وقوة شبابها وحكمة شيوخها ويقظة علمائها وعدل سلاطينها وقادتها،وأضاف الخطيب:"إن الشباب عماد الأمة،وعزها المجيد،ومجدها التليد،قوة الشعوب وحصنها الحصين،ودرعها المتين،هم رائدي الجوامع والجامعات،وحاملي الشهادات والديبلومات،وسواعد الإبداعات والاختراعات،جند الله في الفتوحات،وقوة الشعوب في الانتصارات،ورفع الرايات في مختلف المسابقات،وكسب الرهانات والتحديات،يدافعون عن الأعراض،ويتمسكون بالدين،ويتبعون السنة ويبتعدون عن البدعة،في صدر الإسلام كانوا لجيوش المسلمين قائدين،ولبلاد الكفر فاتحين،وعن بلاد الإسلام مدافعين،وعن عقيدتهم منافحين،ومن شراستهم تهاب وتفر الأعداء،حماة الأوطان وحفظة القرآن وشورى السلطان"؟؟.

         هذا وقد تساءل الخطيب:"ولكن،ما بالنا اليوم مع الأسف،عندما يقلب الحصيف بصره،وينقل اللبيب عينه،لا يكاد يجد مثل هؤلاء الأطفال والشباب،بل مثل هؤلاء الرجال والنساء،الموظفين والموظفات،والمسؤولين والمسؤولات،هل أوهنتنا في الغالب حمى الغرب،وضربتنا شمس تقدمه الزائف،وطغت علينا بهرجة حضارته المادية،هل رضينا بأن نطبع مع الخوالف والتخلف والمخالفات،هل رضينا أن نهجر القيم الدينية القيمة،بل ونهجر حتى الوطن مسقط رأسنا وفضاء عيشنا،اسألوا البيوت عن ساكنيها من سرق منهم الفرح،اسألوا الأسر عن أبنائها والأبناء عن أبائها كيف احتدم بينهم الصراع،اسألوا المساجد عن روادها،والمدارس عن طلابها،والأعمال والمكاتب والمؤسسات عن موظفيها،واسألوا بالمقابل أيضا المقاهي والملاهي والملاعب والمسارح والحدائق والشواطئ عن مرتاديها،فعند جهينة الخبر اليقين"؟؟.

         الحقيقة،أن هناك شرائح من الشباب صائبة في أفكارها،موفقة في اختياراتها،طيبة في سلوكها ومسالكها،ناجحة في أعمالها،تسر الجميع أحوالها،زادها الله توفيقا ونجاحا.لكن يضيف الإمام:"هناك شرائح أخرى لا تهتم إلا بسفا سف الأمور،تتنكر لدينها وتخرج عن عقيدتها،وتتبرأ من أهلها وعشيرتها،منسلخة من مروءتها وعاداتها،تغدو وتروح إلى المدرسة،لكنها لا تنكر منكرا ولا تعرف معروفا،فسدت طبائعها وقلدت أعدائها،همها التسكع في الطرقات،والمبالغة في المشوه من القصات والموضات،والقلائد والقبعات،والصاخب من الموسيقى والسهرات والحفلات،والقاتل من السجائر والمخدرات،هيئات مريبة وأشكال حائرة محيرة،من العادي عندها الجلوس في الأرصفة على الطرقات،وتدمير الكراسي والممتلكات،وسياقة المركبات بسرعة جنونية،واعتراض طريق الناس وانتشال أغراضهم،"مشرملون"يعتدون على المارة بالضرب والجرح، ويزهقون أرواح الأبرياء حتى من الأصول والأقارب وكانهم الأفاعي السامة والعقارب،حتى إذا حل الليل أتوا البيوت من ظهورها،والسيارات من زجاجها،والمحلات من تكسير أبوابها،ولا يسلم من أذاهم بعيد أو قريب،فلان أو علان"؟؟.

         وليس حال شرائح واسعة من الأطفال بأحسن من هذا،أطفال الأسر المفككة والطلاق،أطفال الشوارع من رهط الأمهات العازبات،أطفال عصابات النشل والمخدرات،أطفال الهدر المدرسي والدعارة،أطفال الاستغلال الجنسي والإقتصادي،أطفال الحروب والمناطق المتوترة،أطفال الشغب الرياضي والهجرة القسرية التي تقضي قواربها في الأعالي،أطفال الآباء الغائبين والأمهات العاملات،أطفال العقوق والعنف ضد الأصول،أطفال اللعب في الطرقات ولو في أوقات الصلوات،وأطفال..وأطفال..،أطفال سالت دماؤهم،وانتفخت أوداجهم،وتشوهت ملامحهم الآدمية وفطرتهم الإنسانية،يخافون من خيالهم،ويهربون من ظلهم،ويتوترون بلا سبب،فكيف لا يكنون العداء لأمتهم والبغضاء لأوطانهم؟؟.

         نعم،لقد وعى الكل بالمعضلة ويجيد تشخيصها بل ويبحث عن حلول ناجعة لها،لكن في هذا البحث عن الحلول،لقد جرب السياسيون سياستهم،والاقتصاديون اقتصادهم،والعسكريون والأمنيون أمنهم وعسكريتهم دون جدوى،بل ما لبثت المعضلة إلا في استفحال،فلماذا لا نعود إلى الأس والأساس في التغيير والإصلاح ألا وهي التربية،وبناء الإنسان أولا؟؟،وطبعا،لابد من سؤال أي جيل نريد،وأي تربية نحتاج،ماذا نربي وكيف نربي ومتى،ما المقصد والغايات،ما الوسائل وما المنهاج،ما التحديات والاتجاهات وكيف هي الفضاءات؟؟،فقط قبل هذا والدافع إليه،لابد من القناعة التامة بأن:"أمر التربية كما يقال هو كل شيء وعليه يبنى كل شيء وبه يتحقق كل شيء"؟؟،
1- وهي أمر رباني:"يوصيكم الله في أولادكم"النساء/11.
2- وهي مسؤولية كما في الحديث:"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"متفق عليه.
3- وهي التي تجعل الولد قرة العين تسعد أهله لا فتنة ومصيبة وعداوة تشقيهم:"وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا"القصص/9.
4- وهي التي تحافظ على الفطرة:"كل مولود يولد على الفطرة،فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"رواه البخاري.
5- وهي أفضل الفضائل كما في الحديث:"ما نحل والد ولده أفضل من أدب حسن"رواه الترمذي.
6- وهي سبب استمرار الأجر بعد الموت والدعاء لهم في الدنيا والآخرة كما في الحديث:"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث:صدقة جارية،أو علم ينتفع به،أو ولد صالح يدعو له"رواه مسلم؟؟.
7- وهي سبب دخول الجنة:"مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَــــــابِعَهُ "رواه مسلم.
8- واستعن على كل الأمر بالصلاة والدعاء:"رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ"إبراهيم/40.

         فعلموا أبنائكم حب نبيكم وآل بيته وعلموهم القرآن،علموهم الصلاة والذكر ومخافة الله واليوم الآخر،والرماية والسباحة وركوب الخيل،علموهم التكاليف الشرعية والخطأ من الصواب والحلال من الحرام وطرق التفكير ومهارات الحياة،علموهم المرجعية والهوية والانتماء والمسؤولية والتعلم الذاتي،ففي الأثر:"لاعبه سبعا،وأدبه سبعا،ورافقه سبعا،ثم اترك أمره لله"،واحذر أخي المسلم أن تطمع في صلاح الأمة وأنت لم تصلح نفسك وبيتك،أو تطمع في رقي ابنك ونجاحه وقد فسدت تربيته وأخلاقه،أو تطمع في دعائه لك في حياتك أو بعد مماتك وأنت قد كفرت نعمته ولم تحسن تربيته،أو كما قال عمر رضي الله عنه لمن جاءه يشكو عقوق ولده وقد أحضره وعنفه أمامه،فقال الابن:" يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه ؟ قال عمر رضي الله عنه: بلى،قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه،ويحسن اسمه،ويعلمه الكتاب(أي القرآن الكريم)، قال الولد: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئا من ذلك،أما أمي فإنه اختارها عبدة كانت لمجوسي، وقد سماني جعلا أي(خنفساء)،ولم يعلمني من الكتاب حرفا،فالتفت عمر رضي الله عنه إلى الرجل وقال له:"جئت إلي تشكو عقوق ابنك،وقد عققته قبل أن يعقك،وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك"؟؟.
الحبيب عكي


اقرء المزيد

الخميس، 17 أكتوبر 2019

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

حتى يستوعب فضاء المسجد ناشئتنا.

       أتذكر في مسجد قصرنا العتيق،وكنا نسميه بمسجد الموحدين،ليس لأن هذا اسمه،ولكن لأن من شدة عتقه كان الإمام الخطيب يدعو في كل جمعة من على المنبر بنصرة جيوش المسلمين وعساكر الموحدين؟؟.كان مسجدنا هذا الذي يحكى أن الشيخ محمد بن العربي العلوي رحمه الله قد خطب فيه أيام زمان،كان كغيره من مساجد تلك الساعة يتوفر على العديد من المرافق المتكاملة،محراب واسع للصلاة،طبق أرضي وآخر فوقي،غرفة لتسخين ماء الوضوء في صحن نحاسي كبير أسود معلق فوق الموقد بسلسلة حديدية متينة تمتد إلى السقف،وكان الجميع يساهم في حطب وجريد التسخين بجلبه ما تيسر منه،غرف مظلمة للاستنجاء والطهارة والاستحمام،بهو مفتوح فسيح وعريض للوضوء في دلاء صغيرة فلزية عديدة،بئر عذبة لسقي الماء كثيرا ما كانت ملجأ الساكنة عند انقطاع الساقية وتعكر مائها بفعل حملات الأمطار،غرف للمرتبين من وافدي القصور المجاورة والبعيدة ممن يحفظون القرآن الكريم بنظام الرتبة العجيب،قاعة فسيحة بمثابة كتاب لتحفيظ القرآن الكريم والأدعية والأذكار والمتن النحوية والسيرة والأشعار للأطفال،وكانوا يحيون فيها بعض المناسبات الدينية كليالي المولد النبوي الشريف،مكتبة مملوءة بالمخطوطات يجد فيها الطلاب والباحثون والمحققون حاجتهم العلمية،بعض غرف الزوايا يرتادها المريدون من الطوائف المختلفة لتلاوة أورادهم على موقد محمر من الجمر وكؤوس معتقة من الشاي الأخضر المنعنع،سطح فسيح لقراءة الحزب القرآني في الصيف تسمع قراءته بعشرات القراء على مسافات ومسافات،وأصوات البراعم من القراء تزيده رقة و روعة وترصعه جمالا وبهاء،وفوق هذا كان المسجد ككل المساجد آنذاك يملك أوقافا كثيرة من حقول تكترى أراضيها وأشجار مثمرة بالتمر والزيتون تباع غلتها كل موسم بنظام السمسرة التي تشرف عليه نظارة الأوقاف؟؟.وهكذا كان هذا المسجد كغيره من مساجد ذلك الزمان،بمثابة مؤسسة حية وحيوية ومحورية لعبت أدوارا تربوية واجتماعية وإشعاعية بارزة حتى أن بعض ساكنة القصور وضمنهم قصرنا وإلى يومنا هذا لازال يلقبهم الكثيرون من شدة ارتباطهم بعمقهم ألمساجدي وتاريخه التربوي والإشعاعي  وما أكسبهم من الصدق والأمانة وطيب المعاشرة والأخلاق بأولياء الله؟؟.

         أتذكر هذا في هذا الحين الذي تسود فيه كالفطر بعض المساجد بالاسم عبارة عن مآرب للصلاة أو حتى منازل في طور البناء مسبلة في سبيل الله بأسفلها وأعلاها وليس لها من المرافق اللازمة للمسجد شيء؟؟.أو حتى في هذا الحين الذي تسود فيه العديد والعديد من المساجد الفاخرة ذات المرافق الواسعة والأنيقة ولكنها مفرغة من كل شيء أو تكاد إلا الصلاة في وقتها والحمد لله على كل حال،والغريب أنه في الوقت الذي يعتاد الناس فيه هذه المساجد على هذه الحالة من الاختزال الشديد،فإن هناك حالة من الهجران لها خاصة من طرف الناشئة والشباب الذين لا تستهويهم ولا تستقطبهم كغيرها من الفضاءات الترفيهية مثلا، وربما يكون ذلك رد فعل على كونها خالية من أنشطة الشباب،أو ربما وعيا عميقا منهم بما يفرض عليها من حالة التضييق على أدوارها ورسالتها التربوية والاجتماعية والإشعاعية،و كيفما كان الحال فالناشئة والشباب في كثير منهم لم يعودوا يجدون في هذه المساجد مرافق تستوعبهم وأنشطة تلبي حاجياتهم وتعطشهم للأمن الروحي والفكري والثقافي والفني والرياضي..،فلا كُتاب ولا كِتاب ولا مكتبة لحفظ القرآن وتنمية العرفان،ولا حلق للفقه والسيرة واللغة والمناظرة،ولا مسابقات وحملات ولا رحلات ودوريات..،في الوقت الذي تسعى فيه كل المؤسسات إلى الانفتاح على المحيط والفاعلين والشركاء وعلى رأسهم النشء والشباب؟؟.

         أعتقد أن للأوقاف من الوقف والأوقاف ما يكفيها لتدبير أوقافها وزيادة،لا من حيث المرافق والبنايات ولا من حيث الموارد البشرية وفقهائها ولا من حيث التسيير والتدبير والسياسات،ولكن علينا أن نحدد معايير واضحة لبناء المساجد ومرافقها ونحرص على تجسيدها على أرض الواقع حسب المواقع وبالموازاة مع تدبير تسييرها وسياستها،مساجد للصلاة نعم وعلى الرحب والسعة وتلك أولوية الأولويات،ولكن كونوا على يقين أن هذه المساجد  لن تستوعب طفولتنا وشبابنا ومستقبل أجيالنا في غياب سياسة تدبيرية للمسجد لا يجدون فيها ذواتهم:كتاب معاصر لتحفيظ القرآن والبحث في علومه بالوسائل والتقنيات الحديثة،تعلم الكتابة والقراءة  والأخلاق والاندماج الاجتماعي للأطفال بالطرق والوسائل التربوية الحديثة،وفي ذلك تشجيع لهم على حب المسجد وأهله وفلسفته وعلى التعليم الأولي وكلنا يعلم عائده التربوي على التعليم الابتدائي على الأقل؟؟،مكتبة تفاعلية متعددة الوسائط يجد فيها الشباب ضالته في الترفيه وطلب العلم والمناظرة،ويتشربون فيها هموم الأمة والوطن والتضامن مع القضايا الكونية العادلة،ما يمكن أن يحصنوا به أنفسهم ضد السائد من أفكار العنف والتطرف والإرهاب؟؟.حملات في نظافة المسجد والحي..في الاهتمام بالبيئة والتشجير والمساحات الخضراء..في العمل الاجتماعي وتفقد المحتاجين والمحتجات من ساكنة الحي..مسابقات في حفظ وتجويد القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف..أمسيات فنية لإحياء المناسبات الدينية والوطنية..دوريات رياضية ورحلات استكشافية..،على غرار طفولة وشباب العديد من الجمعيات والمؤسسات،ألم يكن رسول الله (ص) يصلي بالناس وهو يحمل أمامة بنت زينب والحسن والحسين يلعبون حوله،وإذا امتطيا ظهره الشريف أطال في سجوده حتى يستمتعوا بمركبتهم؟،ألم يكن يخفف في الصلاة إذا سمع بكاء طفل رحمة بأمه ولم يكن يأمرها بالخروج أو التأخر عن المسجد؟،ألم يكن السلف يضعون عودا من الحلوى بباب المسجد ينال منه من صلى في المسجد من الأطفال؟،ألم يكونوا يسمحون بالطفل المكلف والشاب اليافع أن يؤموهم في صلاة التراويح..؟،إلى غير ذلك مما لا تعرف مساجدنا اليوم منه في الغالب إلا نهر الأطفال وتكرهيهم في المسجد وطردهم منه،حتى لو كانوا مكلفين وغير مزعجين؟؟.

         وشرف كبير أن تقود المساجد والقيمون عليها والفاعلون والشركاء كل هذا حتى تعيد للمساجد أدوارها المجتمعية الحقيقية وتجسد بحق أنها المنطلق الأساسي للنهضة والإقلاع ..وأنها على حد قولهم:"محراب للصلاة وجامعة ثقافية وجمعية خيرية وآصرة أخوية..و أول ما ينبغي الاعتماد عليه في الاستثمار في الإنسان وبناء الأجيال؟؟. وفي الختام طبعا،على الجميع أن يساهم ويشارك في هذا..الأئمة والفقهاء..الأساتذة والعلماء..الوعاظ والخطباء..الأسرة والآباء..المحدثين والقضاة..الجمعيات المتخصصة والفاعلين والشركاء..ولنا خير مثال في المشروع الناجح لتنظيم دروس محو الأمية في المساجد(حوالي 3 مليون مستفيدة)،فلماذا لا يكون محفزا على التعاطي مع غيره من المشاريع المجتمعية والتنموية الأخرى،وكلنا يشكو من تخلف واضطراب الأحوال في المجتمع،وتراجع القيم والأخلاق في صفوف الأجيال،وتفشي العنف والتطرف والهجرة القسرية ومآسيها..،ألا يستحق كل هذا تجديد المشروع الديني..والخطاب الديني..والفضاء الديني..،إلا تفعلوا تستفحل كل الظواهر السلبية في المجتمع،أو نأتي معالجتها من غير مآتيها؟؟.
الحبيب عكي

اقرء المزيد
http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

وأساتذة يرسل لهم التلاميذ من الشكر رسائل

       ولعل ما استرعاني هذه السنة بمناسبة اليوم العالمي للمدرس 05 أكتوبر 2019،وبعيدا عن احتفالاتها الرسمية الباردة التي لم تستطع رغم بهرجتها رفع ولو بعض الصمت والتجهم عن وجه الأستاذ فبالأحرى بعض المعاناة،ما استرعاني هي بعض المنشورات في الفايسبوك،كان ورائها بعض قدامى التلاميذ من مختلف المؤسسات العتيدة بالمدينة على مختلف مستوياتها،يطلب فيها الناشرون إرسال رسالة شكر أو بطاقة تهنئة إلى أحد الأساتذة الذين أثروا في حياتهم الدراسية وكان لهم الفضل في نضج شخصيتهم وتحسن مستواهم الدراسي بل وربما حصولهم اليوم على منصبهم المهني وما يتمتعون به من النجاح في حياتهم العامة،وفعلا كان التفاعل مع المنشور قويا وتمخضت عنه لائحة بأسماء العديد من الأساتذة الفضلاء،لا أدري كيف كنت ضمنهم و- لا فخر- بل ضمن الأوائل منهم والمجمع بشأنهم،هذا وقد ذكر أصحاب رسائل الشكر من التلاميذ أسماء الأساتذة الذين شكروهم ولماذا كانوا يستحقون شكرهم والتفاتتهم الصادقة والإنسانية هذه،وهم الذين لم يقطعوا في الحقيقة صلتهم بهم ولا زياراتهم لهم حتى بعد مغادرتهم مؤسساتهم وفصولهم الدراسية؟؟.

         والمثير في لائحة الأساتذة المؤثرين في التلاميذ وحياتهم الدراسية بل وفعاليتهم المجتمعية هو عموما:
1- أنهم يغطون مختلف المستويات الدراسية وعلى امتدادها،الابتدائي والإعدادي والثانوي.
2- أنهم من جميع الحساسيات الفكرية والسياسية،وعلى الخصوص الإسلامية واليســارية.
3- أنهم رساليون في المجتمع من نشطاء الجمعيات والنقابات والأحزاب الوطنية لا الإدارية.
4- أنهم فعلا أكفاء ومتمكنون من تخصصات موادهم الدراسية،ولهم أساليب تدريسية وتواصلية حية وفعالة.
5- أنهم يجمعون بين التدريس والتوعية الفكرية وهموم التربية والإصلاح والأنشطة الموازية الفنية والرياضية..
6- أنهم ظلوا مناضلين حقيقيين،ولم يستسلموا لكل الظروف المزرية التي عرفتها وتعرفها الساحة التعليمية وكلها تدعو إلى اليأس والانسحاب.
7- أنهم كانوا يضحون بأوقاتهم وينفقون منها بسخاء كما كانوا ينفقون من أموالهم الخاصة لتوفير بعض النقص من الوسائل التربوية و تزيين الحجرات الدراسية وتجهيزها بل وحتى المساعدة المادية لبعض الحالات الاجتماعية من التلاميذ دون من ولا صدقة.
8- أنهم متواصلون ومتعاونون بقدر كبير مع الزملاء،ولم يكونوا يعنفون التلاميذ ولا يتلقون منهم العنف،بل حتى الإدارة لماما ما قد يدخلونها فيما قد يتعرضون له من المشاكل،بل كثيرا ما تستفيد الإدارة من خبرتهم وسمعتهم لحل بعض معضلاتها والاحتجاجات ضدها.
9- أنهم في الغالب قدوات سلوكية،لم يثبت عنهم أي تمييز بين التلاميذ من حيث الاهتمام أو التنقيط أو المحاسبة،أو أي استغلال لأي تلميذ أو تلميذة بما لا يليق من الناحية الأخلاقية أو حتى الاستقطاب الحركي أو الحزبي إلا ما كان عن رضا وقناعة.
10- لا يبخلون عن الدعم النفسي للتلاميذ وتصحيح المفاهيم والتصورات ومعالجة الحالات اللاتربوية داخل الفصول وخلال الأنشطة،كما أنهم كانوا متعففين يبتعدون في الغالب عن استغلال التلاميذ في الساعات الإضافية للدعم والتقوية.

         وأتذكر أحد الأساتذة في تلك اللائحة المكرمة من طرف التلاميذ و كيف تخرج على يديه العشرات والمئات من التلاميذ وأصبحوا اليوم طاقات خلاقة في الفنون والأداء لما كان يمارس معهم من أنشطة موازية إبداعية ساحرة؟؟.وأحد الأساتذة وكيف توجه بفضله العشرات والمئات من التلاميذ إلى التوجهات العلمية والمنطقية فأصبحوا اليوم أطباء ومهندسين ومحامين وفلاسفة،لما كان يتقن معهم من كثرة التجارب الشيقة والسلسة والتي علمتهم عمق السؤال وأهمية البحث؟؟،وأحد الأساتذة وكيف توجه بفضله العشرات والمئات إلى عشق اللغة الانجليزية وإتقانها بل وإدماجها في  حياتهم المهنية إلى درجة أن العديد منهم قد احترف مهنها في السفارات والسياحة والإعلام بل وهاجر بعضهم للعمل والاستقرار في بعض الدول الأنجلوساكسونية؟؟،وأحد الأساتذة في السلك الابتدائي وكيف أنقد بفضل الله العشرات من التلاميذ والتلميذات في العالم القروي،وقد كانوا مهددين بتوقف مسارهم الدراسي رغم نبوغهم،لا لشيء إلا لدواعي مادية أو وثائقية أو فقط عادات وتوجسات اجتماعية كادوا أن يصبحوا لها ضحايا،ولكن الله ألطف والآن أصبحوا موظفين مرموقين وناجحين أعتقوا أنفسهم وأسرهم بل أحيائهم و وطنهم؟؟.

         وأستاذ وأستاذة..،ممن لم تستهويهم يوما متاهات المقاهي والملاهي،ولا فراغ القيل والقال حول الزيادات والاقتطاعات،والإضرابات وصراع النقابات،رساليين وعصاميين تكونوا من مالهم الخاص في كل ما كانوا يحتاجون ولم تكونهم فيه الوزارة،وتملكوا العديد من البيداغوجيات و من التقنيات والتكنولوجيات..،سمعتهم الطيبة شائعة ومكانتهم الرائدة محفوظة،عليهم يتهافت التلاميذ وبهم يوصي لأبنائهم الآباء،مرض وغياب الواحد منهم خسارة ويأسه وتقاعده ألف خسارة وخسارة،هم من يبقون للتعليم ما تبقى له من الشرف،و مثلهم رغم نضالهم على العديد من الواجهات،من يزيل حسابات الوزارة الضيقة من أدمغتهم حتى لا تفلسها،اكتظاظ الأقسام في عهد قانون الإطار،فرنسة المناهج ضدا على الجميع،واقتطاعات من الأجور الهزيلة في اليوم العالمي للأستاذ،وتدبير مفلس من الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد إلى الذين فرض عليهم التقاعد..؟؟،فتحية لهم ولتلاميذهم الذين أبقوا للمدرس والمدرسة بعض المعنى وبعض المبنى،هنيئا لهم الصفاء والعطاء،وهنيئا لهم التكريم والاعتراف والوفاء والسخاء،في وقت قد تتقاعد فيه هذه الطيور وتغادر أوكارها بعد عقود وعقود من وجع التربية والتغريد وآثاره على النفس والصحة،دون حتى كلمة شكر من أحد أو شهادة تقدير أحسنت هذه الطيور أو أساءت،لم تكن تجد طوال مسارها المبدع وصياحها المضني حتى كلمة أو شهادة فبالأحرى وبالأحرى،ولكن هنيئا لهم بتلاميذهم وفلذات أكبادهم الذين يحتفظون لهم ببعض الذكرى..ذكرى المودة والوفاء والأستاذية والعطاء؟؟.
الحبيب عكي

اقرء المزيد

الجمعة، 11 أكتوبر 2019

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

ناشئة في رحاب المسجد

        وتحكي السيرة العطرة في القديم عن ناشئة في رحاب المسجد وما تعلموه فيه من صلاة وقرآن وتربية وسلوك حياة،وتحكي عن ابنة بائعة اللبن وهي ترفض لأمها الغش في اللبن بإضافة الماء وتقول:"إذا كان عمر لا يرانا،فأين الله"؟؟،وكان عمر رضي الله عنه قد سمعها بالليل فجائها في الصباح يخطبها لابنه "عاصم"؟؟،وتحكي عن الغلام راعي الغنم وهو يرفض أن يمنح عمرا رضي الله عنه ومرافقه وهو يجهلهما شاة باعتبارها ليست له بل لمولاه،فيقولان له:"ولكن مولاك غير موجود"،فيرد عليهم:"ولكن الله موجود"؟؟،وكان ذلك مما حرره من مالكه واشترى له رعيا خاصا به كما يحكي مرافق عمر رضي الله عنهما عبد الله بن دينار؟؟،وتحكي عن طفل ست سنوات ابن أسماء بنت أبي بكر وعمر بن العاص،وقد فر الأطفال من عمر بن الخطاب وهيبته في الطريق إلا هو فلما سأله لما لم تفر مثل زملائك أجاب بثقة:"ليست الطريق ضيقة فأوسع لك..ولست جانيا فأفر منك"؟؟. هكذا ناشئة العقيدة تعرف أول ما تعرف بأن الله موجود،وتجعله رأس كل شيء في حياتها فكفاها كل شيء،بما رزقها الله البصر والبصيرة والعلم والإيمان والصدق والأمانة والقوة والشجاعة والرضا والقناعة..؟؟.

         وغير خاف أن أول وأهم ما يربط النشء بربه والعبد بخالقه هو المسجد،لأن فيه تقام الصلاة ويتلى القرآن ويتعلم الدين والأخلاق رغبة ورهبة فيما عند الله سبحانه وتعالى،طمعا في رضاه وثوابه وخوفا من سخطه وعذابه،ولهذا رغب الله تعالى في بنائها وعمارتها فقال:"  نَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ"التوبة/18؟؟،ورغب الرسول صلى الله عليه وسلم في ارتيادها فقال:"ألا أَدُلُّكُمْ عَلى مَا يمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلى يَا رسولَ اللَّهِ. قَالَ: إِسْباغُ الْوُضُوءِ عَلى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخطى إِلى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بعْد الصَّلاةِ، فَذلِكُمُ الرِّباطُ، فَذلكُمُ الرِّباطُ "رواه مسلم عن أبي هريرة؟؟،ففي المسجد يتعلم النشء معنى الوضوء والصلاة ويتدرب عليهما،وفي كتابه يتعلم حفظ القرآن وتلاوة الأذكار والأدعية،وفي حلقه يتعلم الفقه والأحكام والحلال من الحرام والسنة من البدعة والخطأ من الصواب والطاعة من المعصية، وفي جماعته يحرص على الأجر والثواب والانتظام والاقتداء،وفي جمعته يتعلم فن الخطابة وفنون الآداب والاهتمام بهموم الأمة والوطن والقضايا الكونية العادلة،وفي حجه وفي رمضانه وفي كافة مناسباته،يحقق جماع أمنه الروحي وسلامته الفكرية وطيبوبة معاملاته السلوكية؟؟.

          ورأس كل ذلك في الإيمان والعمل والعقل والتفكير،يتساوى فيه الكبار والصغار،ومعين كل ذلك في فضاء المسجد والأسرة بالأس وبالأساس،فيحكي أحد الآباء المعاصرين أنه كان يرافق ابنه الصغير إلى المسجد،وفي طريقهما كانا يتناغمان ويتجاذبان أطراف الحديث من هنا وهناك،ومرة سأل الأب ابنه:"أيهما أكبر النجوم أم القمر"؟،أجاب الابن بكل عفوية:"القمر طبعا"،قال الأب:"لا،بل النجوم أكبر ولكنها أبعد".قال الإبن:"ولكن ما نراه في الواقع رأي العين عكس ذلك". وبعد أيام وكأن الابن بذل جهده في التدبر والتفكير جاء أباه فقال له مفحما:"كيف تقول النجوم أكبر والله تعالى يقول:"فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي هذا أكبر"؟، وفرح الأب بجواب ابنه لأنه أعمل فيه العقل والتفكير والتدبر والمرجع القرآني،ولم يصوب له إلا فيما بعد؟؟.

         ويحكي أحد المعلمين،كم يكون فرحه شديدا عندما يستقبل في الصف الأول ابتدائي أطفالا قد سبق لهم وأن كانوا في كتاب المسجد أو روض الجمعية،لأنهم يكونون مهذبين مؤدبين ولديهم رصيد لغوي وقرآني مهم،ولا يجد معهم صعوبات كبيرة لا في تعلم القراءة ولا الكتابة أو حتى الحساب،على عكس غيرهم ممن كانوا محرومين من ذلك؟؟.كما تحكي أمية عجوز عن سعادتها بابنتها الصغيرة وقد أرسلتها إلى كتاب المسجد فتعلمت منها العديد من أذكار الصباح والمساء ما كانت تعرفها،بل والعديد من أدعية الأحوال أصبحت تدعو بها فتمنحها ما لا يتصور من الراحة والطمأنينة،بل وصورا من القرآن الكريم أصبحت تصلح وتجبر بها صلاتها؟؟.ومما زادها فخرا بصغيرتها وحرصا على تربيتها ومصادقاتها أن صداقاتها من رائدات المسجد المواظبات المجتهدات وطالما تقربت منهن ومن أمهاتهن بالاحتفاء بهن في بيتها وفي مناسبات أو غير ما مناسبة؟؟.

         كما يحكى في القديم أن أما مسلمة أرادت أن تفصل ابنها وتأخذه من المسجد من عند الفقيه الذي كان يحفظ الأطفال القرآن،فسألها الفقيه:"لماذا تريدين أن تحرمي ابنك من تعلم القرآن وفي الحديث :"خيركم من تعلم القرآن وعلمه"،قالت:أريد أن يتعلم شيئا من أمور الدنيا تمكنه من مرافقة السلطان،قال لها فاتركيه وسترين فليس هناك شيئا يبلغه ذلك من تعلم القرآن،في الأخير،تركت الأم ابنها فتعلم القرآن وحذق علومه وكان ذا صوت جيد ورأي سديد،فما أن بلغ ذلك إلى علم السلطان حتى استدعاه يشنف مجالسه بتجويد القرآن الكريم ويتقدم رجاله عند الشورى في التفكير والرأي السديد وهو يافع شاب"؟؟،وكذلك اليوم نشاهد العديد من الشابات ممن تتصدرن مسابقات تجويد القرآن الكريم ويفزن بجوائزها العالمية،و أولائك الشباب اليافع نجوم المساجد في رمضان يؤمون الناس في صلاة التراويح،وغيرهم من براعم المسجد يزينون قراءة الحزب الجماعي الراتب بأصواتهم الندية الطرية،إنهم ناشئة في رحاب وبركة المسجد؟؟.

      هذا هو المسجد كما يقول أحد المشايخ حفظه الله:"محراب للصلاة،وجامعة ثقافية،وجمعية خيرية،وبرلمان شعبي،ورابطة أخوية بين المسلمين"؟؟،وهذه هي ناشئته التي ترتوي من ينابيعه الوسطية المعتدلة الصافية وتترعرع على سنيته في المرجع والنهج والمنهج والمنهاج،فكيف يمكننا أن نربي أبنائنا المكلفين على ضرورة الحفاظ على حظهم من ارتياد هذه المساجد والاستفادة من زادها التربوي والاجتماعي؟؟،وكيف يمكننا أن نقتنع أن ما يتلهون به في البيت أو في الشارع أوفي..أوفي..ليس خيرا مما يضيع منهم من بركة المسجد، نعم من حقهم أن يلعبوا وأن يمرحوا وأن تداعب أرجلهم الكرة في المباريات وأناملهم الحواسيب واللوحات ويعانق خيالهم الرسوم والحكايات وتتفتق مواهبهم عن أغاني ومسرحيات..،ولكن فقط ليس في أوقات المسجد وصلاة الجماعة،فإلى متى سنظل وسيظلون نستبدل ويستبدلون الذي هو خير بالذي هو أدنى،وأية بيداغوجيا تربوية وتدريبية نمتلكها من أجل ذلك سواء في البيت أو في المسجد أو في غيرهما من مؤسسات التنشئة الاجتماعية؟؟.
الحبيب عكي

اقرء المزيد

الخميس، 3 أكتوبر 2019

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

المساجد و حكاية طفل هوايته يوتوبرز.

        "محمد أمين"،طفل مغربي يافع،له هواية تبدو شيئا ما غريبة،لكنها هوايته والهوايات أذواق واهتمامات وممارسات،هوايته أيها السادة وهي أن قلبه معلق بالمساجد،وعلى عكس كثير من أقرانه،فهو لا يكاد يسمع آذان المسجد في أي وقت من الأوقات،إلا وترك زملائه في لعبهم يلعبون في الشارع وأطلق الخطى إلى مسجد الحي قصد الصلاة في وقتها ومع الجماعة،حتى إذا انتهت الصلاة بركوعها وسجودها وتكبيرها وتسليمها ودعائها وخشوعها،تملى كثيرا في أوجه المصلين وما تلوه من آي الذكر والقرآن وما نهلوا منه من الراحة والاطمئنان،وتملى أكثر في هندسة المسجد وكيف بالمنبر في محرابه،وكيف امتلأ بالأعمدة على طوله وعرضه وفي الأعلى تشابكت وتعاضدت على ثقله أقواسها،وكم بالسقف من ثريات نحاسيات مضيئات متلألئات نورهن يملأ كل المكان،وعلى الأرض سجاد طالما تعبد عليه العابدون وسجد عليه لربهم الساجدون،وكلما خرج "أمين" من المسجد رفع عينيه إلى السماء نحو المأذنة الشامخة وقال:"شموخا أيتها المآذن"؟؟.

         سأله أحدهم يوما وهو يعرف صلته الوثيقة بالمسجد وقربه من كل جماعة المؤذن والفقيه والواعظ  والخطيب والمحفظ والمحاسب،وحرصه على التقرب منهم والاستئناس بهم و خدمتهم ومساعدتهم والاستفادة منهم،فقال له:"لا شك أنك ستصبح إماما عالما عندما تكبر ويستفيد الناس منك كثيرا إن شاء الله"؟؟،فرد عليه اليافع وكأنه يعرف أن الواقع لن يسعفه في ذلك فقال:"لا أعتقد،أن الأئمة العلماء سيبقون إلى ذلك الحين،ثم إن مهمة الإمام العالم تتطلب كثيرا من الجهد في التفقه في الدين والتعلم في الحياة..في القراءة والكتابة والفهم والحفظ..في الشجاعة والجرأة في الخطابة..أنا لا أطيق كل ذلك،لذا قررت أن أصبح فقط "يوتوبرز".."يوتوبرز" شاب مغربي؟؟.

         نعم،طفل يافع "يوتوبر" مغربي،وسأفتح قناتي على "اليوتوب" وأضع فيها المحتوى الذي أريده،وأوجهه إلى الفئات التي أريدها،دون قيد أو شرط أو رقابة إلا من نفسي،دون إتباع الهوى أو الخروج عن المذهب والإجماع ولكن إذا صح الحديث وحسن فهو حسن صحيح،سأصبح مشهورا بإذن الله كالنار على الهشيم،وفوق ذلك سأربح الكثير من النقود من Google Adsns أضعاف ما يربحه الأئمة والفقهاء،هذا إن كانوا يربحون شيئا في الأصل،لأنني رأيتهم اليوم قد تدفقوا على شوارع العاصمة يجوبونها بجلابيبهم البيضاء ولحاهم السوداء احتجاجا من عدم الاكتفاء،وفوق ذلك وهو الأهم سأقوم بمهنة أحبها،ودعوة عامة تخترق أسوار المساجد وتتحرر من رقابتها ككل القنوات والفضائيات في هذا الشأن،ولا شك أن الله تعالى سيبارك فيها؟؟.

         وفعلا،بدأ "يوتوبرز" أمين ممارسة هوايته وأخذ هاتفه الذكي المتواضع،وبدأ التجوال في المساجد يصورها،بابها وبوابها..بهوها ومحرابها..فنائها وسقفها..نقشها و زخرفتها..قببها ومآذنها..حزبها وإشعاعها..وكل معالمها وأنشطتها دون أن يقرب إلى خطبائها ووعاظها ليأخذ منهم كلمة حرة أو فتوى معلومة أو أي ارتسام،وإن كان شديد التقليد لهم،لكن بطريقته الفكاهية المعهودة وفي مواضيعه الشبابية الخاصة،التي يراها هو تخدم وتستهوي الأطفال والشباب،بما تتناوله من مواضيع خاصة بهم وبواقعهم المغيب في عالم المساجد والخطباء أو تكاد،وكأنه بذلك قد أخذ على عاتقه أن يكون لهم داعية نظيرا،لا يريد منهم غير ما يزورون قناته وينخرطون فيها ويشاهدون ويعجبون ويعلقون ويتقاسمون محتواه التربوي الظريف،في أفق دعوة تشاركية على غرار الثقافة التواصلية والإعلامية المعاصرة،الكل فيها يأخذ ويعطي والكل فيها يؤخذ من رأيه ويترك؟؟.

         المساجد المحلية فالجهوية فالوطنية،كلها جاب عنها الحواضر والبوادي وقطع من أجلها الصحاري والفيافي،عبر الحافلات والشاحنات وفي مختلف الجولات والرحلات،يصبح في هذا ويمسي في ذاك،وكم صادف مناسبة في هذا أو قصعة طعام في ذاك،وكان مما يثلج صدره على الدوام أنه ما يكون في ظهر شاحنة أوقلب حافلة أو جوف قاطرة إلا ورأى شيئان متلازمان..شامخان لا يفترقان على امتداد السهول و ضفاف الوديان وفي ربى التلال وأعالي الجبال،ألا وهما المسجد والمدرسة،مساجد شامخة هنا وهناك في كل مكان،ومدارس مربعة هنا وهناك عبر كل زمان،هنا العلم والإيمان،هنا أركان الإسلام،هنا الكينونة والهوية والعمق الحضاري،هنا زوارق التنمية الحقيقية للأنام والتقدم بالبلاد والعباد إلى الأمام،فلا خوف في هذا الوطن عليك أيها الإنسان،لا خوف عليك مهما حاول الجالبون جلب شيء من سقط الغرب أو عبث الشرق فهو أمام المآذن والمدارس وهم وبهتان؟؟.

         مساجد وجوامع تاريخية عظيمة،بدأ "أمين" بيبلوغرافيتها ومونوغرافيتها وتاريخها وجغرافيتها بأسمائها ومساحاتها..وبناتها وحكايات بنائها..وعلمائها و زعمائها و عهودها المتوضئة وتاريخها الوضاء: من مساجد الأدارسة الفاتحين..مساجد المرابطين..مساجد الموحدين..مساجد المرينيين..مساجد السعديين..إلى مساجد العلويين الشرفاء،كتبها وكتابها ومكتباتها..علومها وعلماؤها وكراسيها العلمية وخدماتها الاجتماعية وحملاتها الجهادية..أشهر المساجد وأقدمها..أكبرها وأنشطها..الخصوصية الحضارية لمآذنها الأندلسية المربعة،في مسجد القرويين بفاس..ومسجد حسان بالرباط..ومسجد الكتبية بمراكش..والمسجد الأعظم بوجدة وسلا..والمسجد العتيق بطرفاية والمسجد الجديد ومسجد أهل فاس ومسجد القدس و المستقبل..؟؟.

         ويبقى مشروع الطفل ال"يوتوبر" المغربي  "محمد أمين" حول المساجد واسع الأفق لا ينضب،وأنجز فيه العشرات من الفيديوهات الوثائقية والتسجيلية الشيقة،حظيت بمئات الآلاف من المشاهدات،وكثيرا ما تربع بعضها على "التوندونس"،وهو يفكر الآن في تطوير برنامجه  ليشمل ويغطي أعظم المساجد في العالم:المسجد الحرام بمكة..المسجد النبوي بالمدينة..المسجد الأقصى بفلسطين..مسجد الحسن الثاني بالمغرب..مسجد الشيخ زايد بالإمارات..مسجد بوطرجايا بماليزيا..المسجد الأزرق بتركيا..مسجد كريسطال..ومسجد فيصل بإسلام آباد..مسجد مسالك الجنان بالسينغال..،و دور كل هذه المساجد في وحدة الأمة الإسلامية،في أمنها الروحي ونهضتها المنشودة،وما دور الطفولة والشباب في هذه النهضة وماذا يمكنهم أن يقدموا للمساجد وأول ما يقدم المواظبة على عمارتها:" إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ"التوبة/18.؟؟.

         ولأن محتوى القنوات على "اليوتوب" لابد له من شيء من الإثارة والتشويق..والجرأة في الطرح والشمولية في التغطية والاختصار في المضمون والمهنية في الإخراج،فقد فكر صاحبنا "محمد أمين" في كل هذا ولديه منه الكثير مما يمكن أن يحصل عليه في برنامجه الشيق "أخبار الجوامع"؟؟،من أقفلوه ومن رمموه؟..من أوقفوا خطيبه ومن عوضوا إمامه؟..من يمنعون محاضريه ومن ملؤوه بمحو الأمية؟..من ينظمون فيه مسابقة قرآنية ويغلقون روضه وكتابه؟..من تقام رواتبه في مرآب وتراويحه في الشارع..من داع إشعاعه ومن هو مغمور في الحفرة..من لا زال مسجدا لله ومن أحكموا عليه السيطرة..من بقي مسموح فيه بالاعتكاف ومن لا تجمع فيه الزكاة..ومن..ومن..ومن..؟؟،كل هذا أكسبه فريقا من المراسلين الشباب في مختلف الأمصار والأقطار وفتح لهم ولغيرهم فرصة المشاركة في القناة عبر العديد من المسابقات والإبداعات،ودائما حول موضوع الشباب وخدمة بيوت الله،ولعل الجميع يجيب يوما عن سؤال أبدي محير ألا وهو:"لماذا يصر اليهود الصهاينة على هدم المسجد الأقصى واستنبات الهيكل المزعوم مكانه"؟؟.

الحبيب عكي

اقرء المزيد

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

المشاركات الشائعة