Top Ad

الأحد، 27 فبراير 2022

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

السياسة عندما تتعبنا وتصدمنا وتخيب آمالنا؟

منذ وعينا وعلى الدوام.. يبدو أن السياسة هي الفاعل الوحيد الأكثر تسلطا على شؤون البلاد ورقاب العباد.. والأكثر خسة.. خيبة وإفلاسا على جميع الأصعدة.. من ناحية الكرامة.. الحرية والتنمية.. العدالة الاجتماعية والمجالية.. إن على الصعيد الدولي أو القومي أو حتى المحلي؟، ولا أدري من أين لهذه العجوز الشمطاء بكل هذا السحر الزائف والجذب الزاحف،  بأسماء ومسميات ظاهرها الديمقراطية والتنمية وتحقيق التقدم والازدهار والرخاء..، وباطنها من قبلها العذاب والمآسي والسيطرة والتفرقة والتخلف والصراع الطاحن، إنها حقا لعبة.. لعبة خسيسة بين المسؤولين والشعوب..، "يوريوها من الربح قنطار ويديوا لها راس مالها".. هم الراكبون على ظهورها، يعلقون أمامها جزرة الوهم التنموي والديمقراطي..، فلاهم يصلون إليها كطعم، ولا هم رغم عذابهم يتوقفون عن السير المضني في طلبها.. تكررت بين القوم مأساة حمار الطاحونة والأطرش في الزفة؟.

 

هل كانت سياسة تلك التي عبدت طريق الاستعمار إلى بلداننا الإسلامية  لعقود وعقود  من مسخ الهوية وضرب المرجعية وحرب الحدود ونهب الثروات؟، هل كانت سياسة تلك التي خيبت آمال الشعوب المجاهدة وهي لا تلو جهدا للحفاظ على مصالح الاستعمار الذي طردته هذه الشعوب الإسلامية من الباب وأعادته المصالح والنحب المهجنة من النافذة؟، هل كانت سياسة تلك المستلبة الخائنة المهزومة التي كانت ولا زالت لا ترى نهضة شعوبها المحررة إلا في اتباع الغرب المستعمر شبرا بشبر حتى لو دخل جحر ضب لأدخلونا إياه؟. أية سياسة دولية تلك التي اغتصبت منا ارض فلسطين السليبة لتمنحها على طبق من ذهب للكيان الصهيوني الغاصب وهي تستقدمه إليها من الفيافي؟، بل وتعمل على تأمين عيشه فيها ولأزيد من قرن من الحروب المأساوية وكوارثها؟، هل غزو العراق وأفغانستان وسوريا واليمن والسودان وليبيا..، كان بدون ضحايا، فقطع ظهر التنمية وأبقى لنا من السلام سلاما؟.

 

أية سياسة وطنية تلك التي تتولد مؤسساتها صورية عاجزة عن أداء مهامها ومبرر وجودها، وتأتي هياكلها المخزنية والحكومية والجماعية بطرق هجينة ضعيفة في الاعتبار الديمقراطي الكوني، لا جهوية حقيقية فيها ولا مركزية، ولكن تحريكها وكأنه فوق القومية واشتغالها سبق الكونية؟. أية سياسة وطنية تلك التي تتولد فيها بعض الأحزاب والنقابات بملاعق من ذهب على غير امتدادها الشعبي ونضالها الوطني وإنجازها الميداني، وتوضع برامجها الانتخابية ومحطاتها النضالية على غير هامشها القطاعي ومردودها الخدماتي، وكأن ليس بينها وبين المواطن إلا مواسم صناديق البرقوق؟، تنادي بالإصلاح ومحاربة الفساد والحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة..، وهي مجرد استمرار لكل من كان قبلها  وتراكمه المرفوض في اضطراب القيم وتجميد الأجور ورفع المديونية والتهاب الأسعار وضرب القدرة الشرائية وتحرير المحروقات.. وتكريس كل الملفات السوداء في التعاقد والتقاعد والهشاشة الصحية والتعليمية والاحتقان الاجتماعي المطرد. إن السياسة لا تتغير فقط بتغيير الأشخاص بل بتغيير الرؤى والبرامج وقبل ذلك المؤسسات والصلاحيات؟.

 

وقبل أن يتحقق للشعب شيء من انتظاراته المشروعة على الصعيد الوطني، هل تحقق له منها شيء قبل ذلك على الصعيد الجهوي والمحلي وطالما وعد بأنه سيكون سيد مجاله الترابي ومبادرته التنموية إن سياسيا أو مدنيا أو حتى مواطنا عاديا؟، كثيرون يرون أنه لا شيء ذي جدوى قد تحقق  غير المشاركة في انتخابات كل طبخاتها ليست في يده لا قبلها ولا بعدها.. أما حاجته الماسة من الكرامة والتنمية فدونها مشاريع وميزانيات، وأما هواؤه من الحرية والعدالة الاجتماعية فدونها أساليب سفسطائية وعقليات، وهكذا جل الأمور تسير دون رأي المواطن ولا إشراكه ولا الاستماع إليه ولا حتى لممثليه وبرلمانيه  ولا.. ولا.؟، كم يشتكي المسكين المغلوب على أمره من رداءة الخدمات في العديد من المؤسسات فمن يستمع إليه؟، كم يشتكي المطحون بالبطالة من ضعف قدرته الشرائية والتهاب الأسعار، من حاول فك طلاسيمه ؟ أفضل ما يقع وأسوؤه مقاربة أمنية سيئة السمعة ومنع الوقفات وقمع الاحتجاجات وصرخاتها ودماؤها السيالة لا زالت تلطخ كل الشوارع والشاشات؟.

 

كيف لا يصاب بالهم والغم، من يستمع إلى شباب اليوم وهو يشكو بالدمع الحزين والشيب قد استباح نضارته قبل الأوان،  يشكو المسكين المطحون كيف حرمته السياسة من اجتياز مباراة التوظيف لتسقيف سنها؟، وحرمته من السفر وقضاء بعض أغراضه الإدارية لعدم توفره على جواز التلقيح المجدد وهو "اختجباري"؟، وحرمته حتى من جر عربة مشروبات ومأكولات خفيفة يجاذبها  كل يوم في طواف ماراطوني السيد القائيد والباشا والمخازنية والباندية؟، كيف تحرم الشابات القرويات من المنحة الجامعية على هزالتها ليستقرن المسكينات في قريتهن بعد عقود من الدراسة البيزنطية، ويبدأن مشوارهن العبثي في انتظار الذي قد يأتي ولا يأتي، ولكنه يقحم بهن في تعليم "الروندة" و"سانجير" باسم مشاريع الشباب، أو تربية الأرانب والدجاج باسم التنمية البشرية؟،  ورغمها فلا بديل عن السياسة إلا السياسة، والسياسة ما ينفع الناس ولو لم ينزل به وحي ولا قال به رسول، ولكن، كيف يمكن أن تكون كذلك؟، لابد لها من أن تكون:

 

1-    سياسة وطنية مبدعة لا سياسة سخرة تابعة.

2-    سياسة مؤسسات و صلاحيات.. حكامة ومحاسبة.

3-    سياسة كرامة و حرية.. تنمية وعدالة اجتماعية ومجالية.

4-    سياسة ديمقراطية تشاركية تضامنية تستوعب الجميع من اجل الجميع.

5-    سياسة واقعية وأخلاقية تستجيب لحاجيات المواطنين بمؤشرات واضحة.

6-    سياسة اجتماعية متكاملة ومندمجة مع غيرها من سياسات الاقتصاد والتربية والثقافة..

7-    سياسة رفع الهيمنة والتضارب بين الفاعل الرسمي وغيره من الفاعلين التمثيليين والمدنيين..

8-    سياسة القوانين والمراسيم التنظيمية التي تكون فوق الجميع ويحتكم إليها الجميع لا إلى غيرها.

9-    سياسة جودة الخدمات وتيسير ولوج الجميع إليها على قدم المساواة من حيث القرب والاستطاعة.

10-  سياسة القضاء المستقل والاعلام الوطني الحر والمبادر والمتضامن مع القضايا الكونية العـــادلة.

 

        ترى ما هو رصيد سياستنا المبجلة وإنجازاتها في هذه المجالات، وقد يقبلها القابلون.. ويرفضها الرافضون.. ويتحفظ بشأنها المتحفظون، لكنها تظل بالنسبة للأغلبية المسحوقة الصامتة والصارخة على السواء.. سياسة متعبة.. صادمة.. غير ضامنة للعمل ومخيبة للآمال..، فعبر الحكومات المتعاقبة ما هي الملفات التي تمت تسويتها لفائدة المواطن أو على الأقل تقدت في اتجاه ذلك بشكل مقبول.. التعاقد؟.. التقاعد؟.. حقوق الإنسان؟.. المرأة والطفولة؟.. الشباب والأسرة؟.. التغطية الصحية؟.. دعم القدرة الشرائية؟.. تخفيض البطالة والبطالة المقنعة؟.. العدالة الضريبية؟.. تخليق الإدارة وتنمية القيم المواطنة والسلوك المدني؟.. تشاورية المجالس الترابية.. الشفافية الجمعوية  من حيث منح الوصولات والفضاءات والمنح والشراكات..؟، وكم يدعم هذا التعب المحبط والصدمة الموجعة كل تلك المؤشرات الذيلية التي ما فتئت تحتلها سياستنا في الترتيبات الدولية.. التنمية البشرية(121/189).. الحرية الإنسانية(134/165).. الأمن الصحي(108/195).. جودة التعليم (101/140).. مؤشر الفساد(87/180).. مؤشر الديمقراطية(95/140)../ ترتيبات 2021 إن صح ضجيج أرقامها؟.

 

         مراتب فوق المائة وبالعشرات أحيانا ترتبنا لا في المراتب الديمقراطية والتنموية الصافية.. ولا في المراتب المعيبة.. ولا حتى في المراتب الديكتاتورية.. ولكنها في المراتب الهجينة.. لا من هؤلاء ولا من هؤلاء.. فإلى متى.. وكيف.. وبماذا.. ستكون حياتنا السياسية والاجتماعية أفضل؟، تتبع السياسات هكذا و التنبيه إلى عيوبها وقصورها وانتقاد انحرافاتها.. و.. و..، ضروري، ولكنه لن يجدي في أمر العلاج والتقويم والنهوض بالبلاد والعباد شيئا، ما لم يبادر كل منا هو ذاته من مكانه وحسب إمكانه إلى استيعاب الأعطاب والاختلالات الموجودة وأسبابها وإلى المساهمة في التغييرات والإصلاحات المنشود ومداخلها وحواملها، لا في أفق الجهد والخلاص الفردي وهو السائد، بل في أفق الجهد والخلاص الجماعي، وبكل تلك المقومات السابقة للسياسة والعمل الوطني، وفي مقدمتها أدوات التعلم وبناء معرفة التغيير التنظيمي والمبادرة المؤسساتية وتراكم جهود الإصلاح والتعاون الذاتي، فالأسري، فالمجتمعي الديمقراطي التنموي التشاركي القيمي والتضامني ككل.. والله الموفق؟.

الحبيب عكي


اقرء المزيد

الأحد، 20 فبراير 2022

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

الشباب و سؤال الغزو الفكري.. ما العمل؟

ذكرنا في المقالة السابقة حول "آفات التراجع الثقافي عند شباب الأمة"، أن تراجع الاهتمام الثقافي بشكل عام وفي المؤسسات الشبابية بشكل خاص، يعود بالعديد من الآفات الخطيرة عليهم وعلى المجتمع، لعل أسوأها حالة الالتباس والضبابية والسطحية والغثائية التي يحدثها عند ضحاياه، فلا يعرفون من الأفكار الصائب من الخاطئ، ولا يميزون بعض السلوكات السوية المتينة من غيرها المعوجة المضطربة، ولا يفرقون في تعاملهم ومواقفهم – إن كانت لهم مواقف – بين الصديق الحميم والعدو اللئيم..، وكل ذلك ربما لاضطراب  مرجعيتهم  الفكرية وفقدان بوصلتهم القيمية واختلاط اتجاهاتهم وتوجهاتهم، مما يجعلهم - بلا شك - لقمة سائغة لدى أي طرف مستهدف لهم ومنظومة متربصة بهم، تستطيع موجتها جرفهم بيسر حتى وإن هاجت عاتية ضد أنفسهم ومصالحهم أو مصالح وطنهم وأمتهم؟.

 

من هنا، فإن الاهتمام بالشأن الثقافي الذي ندعو إليه وغيرنا من الغيورين والمهتمين، هو الشأن الثقافي الصحيح.. البناء.. وليس المنحرف.. الهدام.. خاصة وأن الساحة الثقافية والفكرية عندنا كما في كل العالم، تعج بكل شيء تنظيرا وتفكيرا.. ممارسة وتنشيطا، من أقصاه الجدي الهادف البناء إلى أقصاه السلبي العبثي الهدام. كما أن هذه الساحة الواسعة الفسيحة، ملغومة في الشأن السياسي والثقافي وحتى في الحقل التربوي والديني، ولا يحتطب من غابتها بسلام كل من يفتقد مفاتيح الولوج وأدوات الاحتطاب البيئي السليم، و من خانته الرؤية البصيرة والعزم والحزم لا يخرج  من أدغالها بسلام، لأن فيها من الحلقيات الفلكلورية والجوقات السوقية والكلاليب والخطاطيف والفوقعات الهلامية والفرقعات الصورية، ما يجعل المرء لا أرضا يقطع ولا ظهرا يبقي؟.

 

وكيف يبقي الظهر التربوية ويقطع الأرض الثقافية:

1-    من يعود من تعاطيه الفكري وممارسته الثقافية بمجرد الخجل والاستحياء من انتمائه الديني  ولا يجرأ على الإعلان عن هويته وانتمائه فبالأحرى أن يدعو ويدافع عنهما؟.

 

2-    من يرى دينه لا يصلح إلا أن يكون تابعا لا متبوعا.. وبالتالي فهو يختفي عنده بسهولة أمام كل فلسفات ونظريات وقوانين وهرطقات الآخرين، ولا يصلح أن يكون بديلا كما قال رسول الله لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "والله لو كان عيسى بن مريم حيا بيننا لما وسعه إلا أن يتبعني"، أو كما قال هو ذاته رضي الله عنه:" لقد أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله"؟.

 

3-    من يرى دينه على غير حقيقته.. جزء بسيط لا كل متكامل.. أو لا يراه شريعة ربانية ذات مراجع وإجماع، بل انحراف من الانحرافات الوضعية من أقصاها البدعي الطرقي.. إلى أقصاها الداعشي الوحشي، هل كتب على الإنسان في اعتقاد هؤلاء ألا يكون مسلما إلا إذا كان متوحشا.. إرهابيا.. متطرفا.. فاشلا.. شبقا.. متخلفا..؟

 

4-    من يلبس دينه كل الدعوات السمية المتطرفة والشبهات الاستشراقية الكيدية المغرضة وهي لا تفتىء تنال من قائدنا الأعظم ورسولنا الأكرم  الذي برأه الله تعالى من فوق سبع سموات وكفاه وأعلاه وارتضاه لنا قدوة وأسوة حسنة، فقال: "وإنك لعلى خلق عظيم"، وقال:" لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ".

 

5-    من في كل الساحة الدينية الشاسعة لم تستهويه إلا المسالك الضيقة الخانقة للتقليد والجمود والاختلافات الفقهية والصراعات المذهبية والفرق الكلامية التي تلزم أهل عصرها ولا تلزم غيرهم، باعتبار ديننا دين التجديد والاجتهاد.. دين الابداع والإقناع والإمتاع لا دين الاتباع والجمود خاصة في ما استحدث للناس من أمور دنياهم.

 

6-    من يخوض غيره في أعراض المسلمين وقاداتهم وعلمائهم وزعمائهم، ولا يجد غضاضة في الاستماع إليه وإقراره على ذلك، بل ربما خاض مع الخائضين دون بينة ولا تحقيق ولا تأكد من مصادر الأخبار ومدى ثقة ومصداقية المدعين أفرادا وهيئات، والتي ربما كان لهم بوق دعاية بكل ما أوتي من صفحات وتطبيقات ولا يبالي..

 

إنه الغزو الفكري ومثالبه المقيدة قيد خيوط العنكبوت.. تخنق ضحاياها في مثالب دين عاجز على غير حقيقته ولا واقعه ولا تاريخه الوضاء وحضارته العريقة التي لا تزال شمسها تسطع رحمة وأخلاقا وإبداعا وإمتاعا على كل العالمين، فهل تستطيع مؤسساتنا الدعوية وجمعياتنا المدنية وقطاعاتنا الحكومية الشبابية والتعليمية والتربوية والتكوينية أن تعيد تربية شبابنا إلى سكتها الآمنة الوسطية بعيد عن كلاليب ومخالب الغزو الفكري وتطرفه الثقافي وفولكلوريته الفرجوية وعبوديته البحثية للغرب وفي مواضيع لا تسمن ولا تغني من الواقع في شيء؟، هل يستطيع شبابنا أنفسهم أن  يتبصروا بحقائق الأمور،  ويتملكوا بأنفسهم مفاتيح أبوابها وعوالمها؟، بلى، إنهم يستطيعون، فقط، بتصحيح بعض المفاهيم الفكرية وبعض الممارسات السلوكية التي تعيد للتدين في حياتهم وهجه وحقيقته.. وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت ؟.

الحبيب عكي


اقرء المزيد

الأحد، 13 فبراير 2022

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

بعد ريان.. كيف ومتى سنخرج نحن من آبارنا ؟

لا أدري، مع رؤية الطفل "ريان" – رحمه الله – يتحرك بين الحياة والموت في قعر بئر معطلة غارقة ضيقة خانقة، لم يستطع كل العالمين إنقاذه منها حيا رغم ما بذلوه من مجهودات جبارة ورفعوه من دعوات صادقة وصلوات خاشعة، لا أدري، كيف تناهت إلى ذهني الكسيحة.. الجريحة.. الشريدة.. في تلك اللحظات الخاطفة، كل تلك الصور القاتمة التي قرأتها عن الآبار ومآسيها ومغانمها ومن بينها: "البئر الأولى".. "البئر العجيبة".. "البئر والأرانب".. "أنا وأخي والبئر".. "بائع البئر والقاضي".. "بئر يوسف".. "البئر القديم".. "البئر الجديد".. "بئر العفاريت".. "بئر القطط".. "بئر الحرمان".. إلى "بئر العمر والأيام".. إلى "ثعلب الصحراء وآبار النفط"..، وكلها حكايات تمكن أبطالها وضحاياها من الخروج من البئر الخانقة إلى حياة أفضل، ومنهم طبعا، من تعثر ولا زال يتعثر في ذلك، رغم كل الإمكانيات المسخرة والجهود المبذولة؟.

 

فحتى لا يتعثر خروجنا من البئر أحياء، هل نستمع إلى ثقافة الآبار، وهل نأخذ بشيء من حكمتها نستضيء به عتمة الحياة؟، فتحكي الأسطورة، أن أول بئر وجدت في الدنيا كانت لقوم خزن سلطانهم قطعة ثلج  في الأرض تحسبا للجفاف أن يصيب مملكته، انصهرت القطعة وشربت الأرض مائها، أفاق القوم وخوفا من السلطان، أخذوا يحفرون عليها أكواما وأكواما من التراب، إلى أن فاض عليهم ماء الأعماق، فتوقفوا ظنا منهم أن قطعة الثلج قد أينعت (طاعة وعمل جماعي). ومقابل ذلك تحكي الحكاية أن أرانب كسالى كانت لهم بئر طالما أمرهم جدهم بالعناية بها وحفر مثلها حتى لا ينضب الماء عندهم فلم يبالوا إلا باللعب، ابتعد عنهم الجد وحفر بئره، أما البئر الأولى فقد تعطلت وشرد الجفاف الأرانب وهجرهم على وجوههم في الصحراء، لولا أن كلب الجد الوفي قد بحث عنهم وردهم إلى جدهم ينعمون ببعض ماء بئره الجديد (الكسل والعصيان)؟.

 

 وحتى لا يتعثر خروجنا من البئر أحياء، هل ندري بواقع رجل تعليم لا حول له ولا قوة، طحنته القوانين والمذكرات، حتى أن حلمه طوال حياته كان - كما تحكي الحكايات - مجرد التمكن من الانتقال من مقر عمله في "البئر القديم"، وبعد طول انتظار وسنوات من العمل دون استفسار، كان كل ما تحقق له أنه تمكن من الانتقال إلى مقر عمل آخر في "البئر الجديد"، نعم، من "البئر القديم" إلى "البئر الجديد"، أمطري أو لا تمطري فكل خراجك إلي، وانتقلي أو لا تنتقلي فالبئر منتهى حدودك، روضتك وابتدائيتك أو إعداديتك وثانويتك، ومن يدري ربما يوما، كليتك وجامعتك؟. الاكتظاظ والفرنسة.. سؤال الجودة والحكامة.. معضلة الإصلاح.. وإصلاح الإصلاح.. آبار التعليم والصحة والنقل والسكن.. سحيقة ساحقة ماحقة، ترى، ونحن قد رفضنا بعض التأخر القهري في إنقاذ "ريان" وقلنا لم يكن في صالحه، هل كل هذا البطء والتبطيء في هذه المصالح الحيوية التي يصطدم بها المواطن كل يوم، ولعقود وعقود، هل هذا سيكون في صالح العباد والبلاد؟.

 

وحتى لا يتعثر خروجنا من البئر أحياء، فإن إخراج "ريان" كان لنا سيرة ونبراسا، اهتمام جماعي بكل الناس ولو في الهوامش، رصد كل الحالات الكبيرة والصغيرة بالكاميرا الرقمية وليس بأعوان السلطة، إزالة كل الحفر والآبار في حياة الناس وما أكثرها، تحرك وتلاحم الجميع من أجل ذلك سلطات وهيئات ومواطنين، كل من مكانه وبإمكانه، تضامن الجميع وطنيا ودوليا من أجل الجميع وليس من أجل فئات معينة فحسب، الوطن يسع الجميع ويحتاج إلى جهود ومبادرات الجميع، إحياء القيم الحضارية لهذا الوطن وامتداده الكوني العريق عبر الأمة العالمية، عمل جماعي جبار وفي حينه حرك الجبال من أجل مواطن، إطعام جماعي (التويزة) .. ترتيل آي القرآن الكريم ورفع الدعاء الخاشع بإيمان وتوكل لا تواكل.. التحميس بالنشيد الوطني.. ضغط إعلامي هادف بالإرسال الشامل المباشر ليل نهار من عين المكان..، هذه أسباب مادية للبشر كانت كفيلة بتحقيق المعجزات، ولكن، تبقى حكمة الله قائمة وإرادته سارية وهو الأعلى والأعلم والألطف في ما قدر وأنزل؟.

 

وحتى لا يتعثر خروجنا من البئر أحياء، هل نحن واعون بأنها آبار في حياتنا وليست بئرا واحدة، وبأنهم أطفال وأطفال وليس طفلا واحدا، ويظل الطفل "ريان" طبعا، سفير الطفولة في المشرق والمغرب بشكل عام، وسفير الطفولة المغربية والقروية منها بشكل خاص، لقد سموه "ريان" ليروي عطشهم وعطش الريف والوطن، وها هو قد قضى ولازال كثير من الوطن في عطش على عطش؟. أطفال الواحة والجبل بدون مستشفيات ولا طرقات..، يتفشى فيهم الهدر المدرسي لغياب وسائل النقل وقلة دور الإقامات..، تحاصرهم الثلوج في الأعالي بين قلة المؤونة وانعدام التدفئة..؟، لا ملاعب ولا مخيمات فبالأحرى دور الشباب والمراكز الثقافية؟، إن كنت تريد ملاقاة الأصدقاء فعبر الهاتف أو انتظر السوق الأسبوعي، وإن كنت تريد إنجاز الوثائق ففي السوق الأسبوعي، هذا السوق الذي يركب رأسه أحيانا فينقلب هكذا بدون مقدمات من المحلي إلى الجهوي والوطني، ومن الأسبوعي إلى السنوي وإن كانت فيه مواسم الزواج والطلاق؟.

 

وحتى لا يتعثر خروجنا من البئر أحياء، كم يلزمنا من الصدق والإرادة خاصة مع إمكانياتنا المتواضعة، وإن كانت متواضعة فهذا ليس عيبا، فنحن قادرون أن نحرك بها جبلا من أجل طفل، بل وحركناه. لكن كيف يجازى هذا الشعب الجبار عندما يطل عليه مسؤول يدعي حزنه على قضاء "ريان" وينسى أن بسياسته العرجاء يسقط كل الوطن في كل الآبار، وها هو المواطن متعبا مصدوما يستنكر دون جدوى: توقيف التنمية في جهة بأكملها.. العمل مقابل الجرعة.. والنقط مقابل الجنس.. و"التقاشير"..  و"الباصاصيص"..  و"الكراريط"..  و"الشكاليط".. ودخان التهاب الأسعار..  و حكاية 17 مليار..؟. هذا النوع من المسؤول كيف يأمنه المواطن أن يكون هو القابض على حبله في "بئره العجيبة" المسكونة وهو في عمقها، حتى إذا صعد منها ما يطرده منها من "عفاريت" أو "تماسيح" وأطلق الناس من الحبل خوفا وهرعوا، أحكم هو الإمساك لأن الأمر يتعلق بأخيه المواطن.. وبوطن المواطن؟. بل ويا عجبا، ألم يصبح مثل هذا المسؤول صاحب البئر الذي باع بئره الغازي واشترط على الشاري المواطن ألا يسقي منه لا الماء ولا البنزين إلا مقابل الدفع والدفع غير المشروط كما أراد، بدعوى أنه باع البئر وحده ولم يبع ما بداخله، أي قاض سيحكم عليه بالعدول عن ذلك، أي قاضي القضاة  سينصف منه ومن جشعه وتسلطه الوطن والمواطن، أبو "تقاشير"؟.

 

أيها الناس، لولا قصر النظر لأدركنا أن كلنا في بئر من الآبار، ولولا ذلك ما كانت الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، فلا يغرنكم بئر الحياة الدنيا وما فيه من اللهو واللعب والزينة والتفاخر بينكم والتكاثر في الأموال والأولاد، فإنه كمثل غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شديد، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور"؟. ورحم الله صاحب "كليلة ودمنة" وهو يضرب للإنسان مثلا في بئر الحياة الدنيا "بئر الأيام والحرمان" فقال: "التمست للإنسان مثلا فإذا به كمثل رجل خاف من هائج إلى غصن تحته بئر عميقة وقعت بها رجلاه فأمسك بحبلها معلقا، نظر في عمقها فإذا بتنين له أربعة رؤوس ينتظر بفحيحه سقوطه، وفي الأعلى جرذان أبيض وأسود يقرظان باستمرار في الحبل، وهو في مأساته لم يلهيه إلا خلية وجدها بالقرب منه في جدار البئر وبها بقية عسل مهجور، يلحس منه بين الحين والحين إلى الحين؟، فأما البئر فالدنيا وآفاتها، وأما التنين برؤوسه الأربعة فالأخلاط الأربعة في جسد الإنسان، التراب والماء والنار والهواء أو السوداء والبلغم والدم والصفراء، إذا هاج بعضها على بعض كان فيه طبعه وحاله، حياته أو هلاكه، وأما الحبل فالعمر القصير لبني الإنسان، والجرذان الأبيض والأسود هما الليل والنهار يعملان فيه ولابد هما قارضاه ومفنياه يوما، والعسل قليل الحلاوة التي في الدنيا وتشغلنا عن شأننا وأمر مصيرنا في الآخرة"، فرحم الله من كان في الدنيا كأنه غريب أو عابر سبيل، ورحم الله من كان بصيرا بزمانه مقبلا على شأنه؟.

 

الحبيب عكي


 

اقرء المزيد

الاثنين، 7 فبراير 2022

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

فضاء الفتح للتربية والتنمية يعزي في وفاة الطفل ريان .

      على إثر الحدث المأساوي الذي ذهب ضحيته الطفل المغربي "ريان أورام" ذي الخمس سنوات، والمتمثل في سقوطه العارض في بئر ضيقة بعمق 32 متر، في قرية "إغران" بمنطقة "تمروت" في مدينة شفشاون، لم تنجح كل جهود الإنقاذ الجبارة وعلى مدى خمسة أيام متواصلة ليل نهار في الوصول إليه حيا، فقدر الله ما شاء فعل، وله ما أعطى وله ما أخذ.

 

1-    بهذه المناسبة الأليمة، فإننا في جمعيتنا فضاء الفتح للتربية والتنمية (جمعية طفولية وطنية)، نتقدم بتعازينا الحارة إلى والدي الفقيد وأسرته وقريته وكل المغاربة وكل المتضامنين معه عبر العالم على كثرتهم أفرادا وهيئات.

 

2-    نحيي كل هذا التضامن الوطني العربي الإسلامي والدولي الواسع مع البرعم الملاك "ريان" في قدره، تضامنا أحيا فينا قيم حب البراءة والتضامن الإنساني من أجل عالم جدير بأطفاله دون تمييز بين اللون والدين ولا اللغة والمكان.

 

3-    نثمن كل المجهودات الجبارة التي بذلتها كل السلطات والدرك الملكي والوقاية المدنية والمجتمع المدني وكل الأفراد والهيئات التي ساهمت في هذه الملحمة الوطنية التي جرفت وفي ظرف قياسي جبالا من الأتربة من أجل الطفولة.

 

4-    نحيي عاليا كل ما ظهر في الميدان بل عبر كل التراب الوطني والأجواء الدولية من أصالة المغاربة وقيم الوطنية، وما حظوا به تضامنا وتآزرا.. تضحية وتطوعا.. إطعاما جماعيا.. إرسالا للنشيد الوطني.. واسترسالا للدعوات...

 

5-    نحيي حضور المجتمع المدني وصموده فاعلين وخبراء وهيئات، ونشكر لهم كل مساهماتهم في الاقتراح والمساعدة والتنظيم واستثمار وسائل التواصل الاجتماعي رغم ما كان من البعض من التلاعب بمشاعر المشاهدين.

 

6-    ندعو الجهات المسؤولة والأسر والجمعيات وكل من يهمه الأمر، إلى تحمل مسؤوليتها في ضرورة التعامل الإيجابي اللازم والمستمر والفعال مع ما أعاده إلى الساحة هذا الحدث الوطني الدولي من أسئلة حارقة وعلى رأسها:  "أية حماية للطفولة في ظل تتالي فواجعها"؟، وسؤال "العالم القروي، أية تنمية اجتماعية وعدالة مجالية"؟.

 

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل

الرشيدية في 5 رجب 1443 موافق 6 فبراير 2022.

 

إمضاء رئيس المكتب الوطني للفضاء:

                                                                                         ذ. عبد العالي طلبي


اقرء المزيد

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

المشاركات الشائعة