Top Ad

الأربعاء، 31 مارس 2021

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

حتى لا يكون المجتمع المدني أول ضحايا التطبيع؟؟

        قبل التطبيع الواضح الفاضح، كان المغرب – كما هو معلوم – ضد غزو العراق للكويت، وضد نظام "صدام حسين" وسياسته القمعية أو عبثيته البعثية إن صح التعبير؟، ولكن ما أن غزت أمريكا دولة العراق الشقيق، وبدأ جنود "جورج بوش" الأرعن تحطم فيه كل معالم التاريخ والحضارة، بكبرياء وشماتة، حتى هبت المسيرات التضامنية المليونية في مختلف شوارع المملكة الشريفة، وسمح النظام بذلك رغم مواقفه المعروفة والمتصلبة في الموضوع، ورغم عنجهية أمريكا وشعارها الجهنمي أنذلك: "أنت معنا أو مع الإرهاب"؟؟، ورغمها كانت المسيرات وكانت المهرجانات والتظاهرات، إنها حرية التعبير، و واجب النصرة والتضامن اللذان كان يكفلهما نظام المرحوم الحسن الثاني رغم كل شيء؟؟.

 

واليوم بعد التطبيع الواضح الفاضح، منعت مثل تلك المسيرات الشعبية الحاشدة الغاضبة، التي كان سيعبر فيها الشعب المكلوم عن رأيه الرافض لما أقدم عليه النظام من فضيحة التطبيع مع الكيان الصهيوني المستعمر الغاصب، كان من الضروري أن يقول الشعب فيها رأيه، خاصة وأنه قد مس في قضية طالما اعتبرها قولا وفعلا قضيته الوطنية الأولى لا تقبل المقايضة، وبالمقابل من ذلك، ورغم أن النظام المطبع مع الصهاينة لازال يقول أنه مع فلسطين، كيف تقوم الأجهزة المخزنية الآن بمنع المسيرات الأولى، وبإنزال بعض البلطجية المدنية في مسيرات "زروالية" للتعبير عن الفرح المزعوم والذي لم تعبر عنه أي من الهيئات المسؤولة والمعتبرة، بما في ذلك المجالس العلمية والمجالس التشريعية والأحزاب السياسية والنقابات، التي يبدو أنها لم تستشر في الأمر أصلا؟؟.

 

        والآن، ماذا سيقول المجتمع المدني لرواده ومتعاطفيه والرأي العام الوطني والدولي، وكيف ستبني جمعياته المناضلة دفوعاتها ومرافعاتها في قضية طعنت من الخلف غدرا وخيانة ومن طرف الأشقاء والمقربين، المشارقة والمغاربة على السواء؟؟، وعلى من ستقترح هذه المنظمات المدنية العتيدة قوتها الاقتراحية وتقدم بدائلها الإصلاحية أو تفتح حوارات أملها وهي اليوم بقدرة قادر أصبحت مخنوقة، كيف لا، وقد جاءت الثقافة التطبيعية تنقلب على كل مكتسباتها الحقوقية، في حرية التعبير والمساهمة في التغيير، وتنسف كل لبناتها التشاركية في الإصلاح، وتعتصر صدور عامليها اعتصار جائحة "كورونا" لصدور ضحاياها الأبرياء، كان الله في عوننا و عونهم وحتى التنفس الاختراقي قد أصبح لا يسعفهم إلا بمشقة الأنفس؟؟.

 

         ماذا سيبقى من ثقافة المجتمع المدني وكل المفاهيم قد أصابتها "كورونا" التطبيع والتركيع والتضييع، فإذا مجرد الكيان قد أصبح دولة، والدولة دولتين، والعاصمة عاصمتين، والكيل مكيالين، وبيت المقدس ربما بيت الهيكل، وتل الربيع تل أفيف، واغتصاب الأرض استيطان، وعدو الأمس صديق اليوم، والاستسلام صلح، والهزيمة سلام، والمقاومة إرهاب، والشهيد انتحاري..والمهجر لاجىء..؟؟. ماذا تحقق من مطالب الشعب الفلسطيني وماذا رفع عنه من المظالم حتى تتبدل المواقف وتنفلت تكتلات المقاومة؟؟، هل حررت الأراضي؟، هل وقف الاستيطان؟، هل أقيمت الدولة؟، هل عاد المهجرون..وهل..وهل..لا شيء؟؟.

 

         لاشيء من ذلك تحقق، ولا غرابة في ذلك، فدولة الكيان اللقيط لم تعرف يوما شيئا اسمه ثقافة أو مجتمع مدني، لم يعرف guetto صهيون غير الصواريخ الباليستية والدبابات المدمرة والقنابل الانشطارية العنقودية منها والفوسفورية..، ولا زالت المشاهد المؤلمة للعدوان الصهيو-أمريكي على غزة تدمي القلب والوجدان، إذ بنيرانها احترق الأطفال الأبرياء، وهدمت عليهم منازلهم، واستشهدت أمهاتهم، وأسر إخوانهم وهجر من بقي حيا من أبائهم..، باسم السلام الذي بمثل هذه الأعمال الإجرامية لم يكن يوما ليأتي ولو في المنام، مهما حرص على ذلك المطبعون، واستسلم من أجله المستسلمون، وحاول تلميع وجه المأساة والبشاعة المحاولون، فشاربوا الدماء الصهاينة يوم يكفون عن ذلك يهلكون؟؟.

 

       ولكن الأن، هل بمجرد التطبيع الفوقي والأفقي للأنظمة المغلوبة على أمرها، سيكون هؤلاء المجرمون من الصهاينة أصدقاؤنا؟، وهؤلاء المغتصبون لأراضينا سياحنا؟، وهؤلاء المهجرون لأبنائنا من أراضيهم مستثمرونا؟، والطاردون لأشقائنا الفلسطينيين من منازلهم ضيوفنا وجيراننا الذين كانوا يوما في بلادنا؟، وغيرهم من العابثين بمقدسات الأمة هناك زوارنا؟، وهؤلاء الخبثاء من مجرمي الموساد متعاونونا ؟، وفي ماذا؟، في نسف جهود المجتمع المدني الذي طالما صدقنا أنه أصبح شريكا للدولة في مشاريعها التنموية ومقارباتها الإصلاحية الحاضرة والمستقبلية، فإذا به وكأنه لا شيء..لا شيء؟؟، في تكميم أفواهه التي طالما صدحت في محاضراتها ومهرجاناتها الفنية والمسرحية بأن التطبيع خط أحمر من أحمر؟؟، وإذا بكل الخطوط عند المطبعين خضراء في خضراء لا وجود فيها للأحمر أصلا، يقولون بشكل رسمي نحن مع فلسطين وإذا بهم يطبعون، كمن يقول لفلسطين:"معاك..معاك" ولإسرائيل:"وراك..وراك" ههييهه؟؟.

 

         وأخيرا، قد يسكت الساكتون أو يطبل المطبلون خوفا أو طمعا، جهلا أو تجاهلا، ولكن لا عذر للفاعل المدني في شيء من هذا، أولا لأنه لا يطمع في مقاعد برلمانية أو جماعاتية لا يستحقها ولا يترشح لها، ولا يتهرب من ضرائب اقتصادية تخفف عنه بعض الأزمات أو توثره ببعض المشاريع والصفقات يكون غيره أولى بها ؟، ثانيا، لاعتبارات ذاتية وموضوعية، ذاتية، لكون الفاعل المدني طليعة الشعب ولسانه الذي ليس في سكوته عن تبيان الحق غير الخراب وطغيان الاستعلاء؟، وموضوعية، لارتباط شيوع التطبيع في حد ذاته بقمع الحرية وهدر الكرامة التي لن يمر إلا على جثتها، وضمنها جثة الاستبداد بالمبادرة في اتجاه سلطوي واحد هو الخدمة المجانية للصهاينة وللمطبعين معهم؟؟، لذا تبقى مناهضة التطبيع أشرف معركة ينبغي الانخراط فيها بكل وعي ومسؤولية وبذل وتضحية، وذلك:

1-     بالوعي بخطورة التطبيع..ومنطلقاته التوسعية المدمرة.

2-     بحجم خرابه في الدول المطبعة..وخيبة أملها في السلام.

3-     بالالتفاف والتعاون مع الهيئات المقاومة وتعضيد رموزها.

4-     برصد المخططات الميدانية لهذه الآفة المعضلة والتصدي لها في مختلف المجالات.

5-     بالدفاع عن الحق الدستوري في التعبير عن الرأي وتنظيم المسيرات التضامنية التي بدأت تمنع وتقمع الآن.

6-     بالترافع من أجل الحق في رفض قوانين التطبيع وما يغترف منها في الحريات العامة والأنشطة الجمعوية والمقررات الدراسية والمهرجانات الفنية..؟؟.

 

7-     بالانخراط الفعال لجمعيات المجتمع المدني في مقاومة التطبيع عبر برامج تربوية وثقافية وفنية..لكافة روادهـا، ووفق خطها الأصيل الذي لا يشوه الحقائق التاريخية ولا يتستر على الفضائح التطبيعية التي تاهت وتتيه بالقضية، دون إغفال الشبهات المستجدة اليوم في الموضوع كالربط التعسفي للقضية الفلسطينية بالصحراء المغربية، أو قولهم" تازة قبل غزة"، و"مصالح المغرب مع إسرائيل"، وهناك "المكون العبري في الدستور"، وحق"اليهود المغاربة في إسرائيل"..، وأعتقد أن للحركة الإسلامية أرشيف ثري في الموضوع يستحق النبش فيه أنشطة ومواقف ومرافعات؟؟.

 

8-     بالاهتمام بالقيم التضامنية واليقظة لبرامج وأنشطة التطبيع المخربة اتجاه الدين والقيم والسياسة والاقتصاد، وإفساد طاقات الأمة من الطفولة والمرأة والشباب، ونخب السياسيين والمثقفين والمستثمرين والفنيين والرياضيين..، بما يراد من تقبل قلب الحقائق لديهم وتشويه المفاهيم والجبن على الخوض في المأساة كما هي، فإذا العدو صديق، والاستسلام سلام، وحتى حل الدولتين دولة، والمقاومة إرهاب...، والوحدة الوطنية انقسام رغم أنف الشعب و"ياسين" و"القسام"؟؟.

 

9-     بمناظرات إعلامية مع المطبعين من السياسيين والمثقفين والفنانين والسينمائيين والرياضيين والسياحيين..،لفضح هرولتهم وأنشطتهم وصهينتهم وخبث مبادراتهم..، واستثمار بعض المواقع الفعالة في ذلك كالفضاء الجامعي والمتاح من المؤسسات، والعالم الرقمي والافتراضي بما يمكن أن يستوعبه من الأنشطة التواصلية والإشعاعية والوقفات الاحتجاجية والعرائض الإلكترونية..، و غير ذلك مما بدأ يمنع في الواقع والساحات والشوارع العامة، نعم ينبغي الإبداع في سبل المقاومة، ولا يغلق المطبعون بابا إلا فتح الله بدله أبوابا؟؟.

 

10-باعتماد كافة سبل المقاومة السلمية المتاحة والمشروعة والقانونية في المعركة وضمنها المقاربات المدنية العلمية والثقافية، الفنية والسياسية..، الوطنية والدولية..، كما ساد في وقت مضى في الثمانيات والتسعينات من المحاضرات والمهرجانات والأسابيع الثقافية والمسرحيات "المسرحيات"، وتأليف الكتب والروايات وتنظيم المعارض ومسابقات النصرة وحملات التضامن؟؟.

 

     وإذا كان للدولة إكراهاتها واصطفافاتها عن جبر أو اختيار أو ابتزاز أو احتيار، فللمجتمع المدني اختياراته والتزاماته إلى جانب الشعوب ومصالح الأمة كما ظل على ذلك دوما وطوال تاريخه العالمي، الضمير الفكري لشعوب الأمة، صاحب الرؤية الثاقبة والرسالة الواضحة، يأمل إذا يئس الناس، ويبادر إذا عجزوا، ويتكلم إذا صمتوا، ويستقيم إذا انحرفوا، وينهض إذا تعثروا..وينجح إذا فشلوا؟؟، فإن ينحرف اليوم - تحت أي طائل كان - فعلى نفسها وشعوبها جنت "براقيش"، يوم تأتي عليه محطات وسياسات تطبيعية لا يستطيع فيها وبسببها حتى تأسيس إطاراته المدنية، ولا الحصول على حقه من المتاح من الفضاءات العمومية، ولا ممارسة المعتاد من أنشطته التربوية والتكوينية، فبالأحرى أنشطته الترافعية والاحتجاجية والتضامنية..الوطنية والدولية..؟؟، لأنها عند المطبعين والمتسلطين لها علاقة بشكل ما، واحتمال ما، محتمل أو غير محتمل، بمقاومة التطبيع وهو ممنوع؟؟، صحيح أن المجتمع المدني لا يكون إلا في إطار الدولة والمشروعية، وتقويتهما وتكاملهما، ولكن أيضا في ترافعه ضدهما وترشيدهما عند اللزوم، وحق له أن يمكن من ذلك، وإن لم يكن وإن تقاعس عن ذلك مهادنة أو مداهنة أو جبنا أو متاهة، فلن يؤدي الأمر إلا إلى طغيان الفساد السياسي وانحراف قراره لخدمة مصالح وأجندات باسم الشعب وهي بالتأكيد ليست مصالح الشعب؟؟، فمزيدا من الوعي واليقظة، مزيدا من الحرص والمواكبة، وعسى بشيء من الصمود والتصدي أن تعود الأمور يوما إلى طبيعتها وأفضل، أوعلى الأقل إيقاف الممكن من قطارات التطبيع الداهسة وحدتها،"والله غالب على أمره وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" يوسف/21.

الحبيب عكي 


اقرء المزيد

الأربعاء، 10 مارس 2021

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

الأسئلة الحقوقية والتنموية في الشريط السينمائي كيليكس دوار البوم.

  

1-     سؤال الدراسة والمدرسة:

 ففي الوقت الذي عادت فيه "وفاء بنت سعيد" من المدينة بعد تخرجها متحمسة لتدريس أبناء قريتها، اصطدمت مع واقع متخلف من العادات والتقاليد التي لا زالت ترفض تدريس البنات خاصة، كما عبر عن ذلك "الكبران أحمد" الذي رفض السماح لابنته الصغيرة الذهاب مع المعلمة "وفاء" إلى المدرسة كي تدرسها فقال لها في وجهها: "أنا ما قاريش..وكنحكم في اللي قارييين..اسمعي يا أستاذة..البنت لدارها ..والقراية غير الخوا الخاوي"؟؟. وقد عبرت نساء القرية أيضا عن ذلك وهن يحوشن أبنائهن عن "وفاء" وهي تسعى ورائهم لتحملهم إلى المدرسة، كما عبر عن ذلك "الفقيه" أيضا وهو في طريقه ينبه الأطفال الذين لا يأتونه إلى "المسيد" و يحضهم عل المجيء إليه ليعلمهم؟؟.

 

 ليذكرنا الشريط في مشاهد درامية جميلة بشيوع ظاهرة قديمة حديثة لازالت تعشش في أوساط الرجال والنساء القرويين خاصة وهي الأمية، وكثيرا ما يأتي إليه بعضهم ليكتب أو يقرأ لهم رسائلهم من وإلى أبنائهم؟؟. ليبقى السؤال لماذا كل هذه الأجواء القاتمة والرافضة للمدرسة والدراسة؟، ليجيب النقاد بأن ذلك ليس بريئا ولا عفويا بل جراء ما تفشى في القرية من الفقر والتسلط والقمع بالدرجة الأولى، لأن أيادي الغدر والاختطاف والفقدان التي أنشأت القلعة السجن في القرية وما تمارسه فيها على النزلاء من فظاعات التعذيب خارج القانون، أدركت ألا استمرار لها إلا في سيادة الجهل والخوف وغياب الوعي والمعرفة بالحقوق، ومن تمة ضرورة غياب المدرسة التي تتيح ولاشك ذلك بل وأكثر منه كالمطالبة بالحقوق والاحتجاج من أجلها؟؟.

 

كما أن هناك أمرا آخر في غاية الأهمية يطرحه الشريط وهو سؤال الجدوى من الدراسة والعمل أيضا، وقد تفجر به كاتب السجن العسكري "حميدة ولد الحرام"، لحظة ضعفه بين يدي "الفقيه " وهو يبث إليه بمشاعره المحبطة ويشكو إليه لواعجه، و"الفقيه" يواسيه ويمدحه بأنه الشاب المتمدرس الوحيد في القرية، فما كان رده غير: "وباش نفعتني هاذ القراية..ولاش داتني..أن أكون كاتبا عموميا في السجن..أرقن على الآلة الصماء أقوال النزلاء وأحلامهم..ما كان منها وما لم يكن"، هل من العمل أن يهتك الإنسان بأخيه الإنسان لمجرد أن له بدلة أوسلطة أي سلطة؟. لنخلص في الأخير ونحن نستقريء الشريط، ألا نهضة في التشغيل ولا إصلاح للتعليم في غياب النظرة الحقوقية والمقاربة التشاركية، و بالأخص وبالأخص في غياب سياسة المعنى و بيداغوجية الجدوى؟؟.

 

2-  سؤال معضلة الخوف والتعذيب:

              وما بينهما من علاقة جدلية وأزلية، وأيهما ينتج الآخر، وماذا يفعلان كليهما بضحاياهما؟، فالإنسان يعذب حتى يخاف، ويخاف ليحمي نفسه من التعذيب فيسقط فيه أو عليه يسلط، وكيفما كان الحال فحراس السجن القلعة متوترون..مرهقون..مضغوطون من أسيادهم، وتوخزهم ضمائرهم إلى درجة لا يرون فيها النوم، وإذا كان وحدث فبالكوابيس الرهيبة؟؟. والعاملون في المعتقل من البسطاء كالبقال والسائق والساقية..، أيضا معذبون..مرعوبون.. قامعون ومقموعون.. بما تعرضوا له من أصناف التخويف والابتزاز من طرف الكبار، ف"البقال" يسكت عن مستحقات بضاعته القليلة ل"الكبران أحمد" مقابل وعده بالتدخل له لنيل وسامه في الترقية؟، والعسكري الشاب الجديد "عبد السلام" كان عليه مقابل الاستمرار في عمله أن يستضيف نهاية كل شهر كبار العساكر في ملهى القلعة على نفقاته الخاصة، مما لا يترك له من أجرته الهزيلة ما يرسله إلى والديه؟؟.

 

وساقية الملهى من كثرة ما تحرش بها الزبناء الأراذل خرجت بابنها الوحيد "حميدة ولد الحرام"، فكان ذلك عقدة حياته ورفضه العاطفي والاجتماعي الذي لازمه في شعوره المرير بالعذاب؟. كما أن أخذ القلعة من ساكنة القرية وهي التي كان يبني مثلها الأجداد لتكون دار الجماعة ومخزنها أو مسجدا أو مدرسة قرآنية أو زاوية تأوي عابري سبيل وحفظة القرآن القادمين إليها من القصور القريبة والبعيدة، وإذا بها تحول رغما عنهم إلى معتقل سري لا يعرفون من حكايته وأسراره غير فظاعة التعذيب الذي يمارس بداخله..ولا يأمنون منه حتى على أنفسهم في أي لحظة من اللحظات أن يصبحوا هم أيضا بداخله و وسط جحيمه، نموذج الرجل المسن "بوزكري" الذي يحكى أنه كان من أشد من رفضوا تسليم القلعة إلى أي كان أو التفريط فيها تحت أي مبرر كان، ليجد نفسه داخل أسوارها وأقببها يتذوق فيها أصناف العذاب، ولم يخرج منها إلا مخبولا؟، تائها بين الفيافي، كالغربان يسكن أعالي الجبال،محروما من اللباس والطعام إلا ما كان من "باروك" الناس للضريح والهوام؟؟.

 

وإذا كان "بوزكري" رغم كل ما وجده من العذاب، قد رفض أن يهاجر القرية، فإن غيره من الناس قد هجروها إلى حيث الذي قد يكون أو لا يكون من فتاة الحياة، وذلك عذاب آخر جماعي أشد وأنكى؟؟.  ليبقى السؤال الحقوقي الملح حول سراب و وهم الخطاب الاستهلاكي للعناية بالعالم القروي، هل تمكن هذه العناية في غياب أوتغييب المرجعية الدستورية والحقوقية؟، في ترويع المواطن والقسوة عليه أكثر من قسوة الطبيعة وبالإضافة إليها؟، أو في غياب الشرعية وعدم احترام المشروعية التي أراد البعض الانقلاب عليها نزاعا على السلطة؟، أوغياب المقاربة التشاركية في تحقيق التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان؟؟. أو في غياب الإنسان المسؤول الذي لا يكون مثل كبير العسكر "الكولونيل" الذي كان يتفنن في تعذيب النزلاء من البشر، ودفن من قضوا منهم تعذيبا وحشيا همجيا في مقبرة جماعية دون هوية ولا شاهد ..، فلما ماتت كلبته "لايكا" حن قلبه وبكى عليها وحملها ليدفنها في مسقط رأسه، حتى يتمكن من زيارة قبر المرحومة؟؟.

 

3-    سؤال معاناة الشباب القروي:

و المتمثل أساسا في "حسن ولد الفقيه" الشاب البطالي الذي لا يرضى بحرفة أبيه القصاب والفقيه فلا هو يساعده في صناعة القصب ولا في تعليم الأطفال وأشغال المسجد، ولا هو يجد غيرها عملا  ولا أملا  في قفار القرية وقساوتها التي يحاول بين الحين والحين نسيان عذاباتها بما يتعاطاه من أم الخبائث، وهي لا تزيده فوق همومه غير الهموم؟. كما يتمثل هذا الشباب في "وفاء بنت سعيد" المعلمة الشابة التي بعد تخرجها من المدينة عادت إلى قريتها وكلها حماس لتتطوع بتعليم أبناء قريتها، لتصطدم بواقع متخلف من العادات والتقاليد التي تحتقر الدراسة وخاصة دراسة البنات وقال لها أحد الآباء في وجهها:"أنا ما قاريش وكنحكم في اللي قاريين..البنت لدارها..والقراية غير الخوا الخاوي "، لتجد نفسها محشورة في بيت أبيها دون شغل ولا مشغلة ككل بنات القرية؟؟،

 

وكشابين يافعين في ظل فراغ القرية توطدت بينهما علاقات الألفة والمحبة وهما يمنيان النفس بالزواج بينهما وألا تفرق بينهما الظروف ولا الأشخاص، خاصة بعدما ما أبداه أبوها "حسن" من معارضة في البداية، أو ما أبداه "حميدة" من رغبته في الارتباط بها بأي ثمن؟، ورغم انعدام الشغل في القرية، ورغم قتامة أجوائها على العموم، فأنفاس الحياة جعلت الشباب لا يستسلمون لها، بل بالعكس دب فيهما عشق الحياة و التشبث بأحلامهما الجميلة رغم كل شيء، فأخذا يخرجان في نزهات إلى بعض مناطق القرب يكتشفان ما بها من المناظر الخلابة، ويمارسان في بعض مآثرها السياحية لعبة الانزلاق عبر ما أبدعه "حسن" من نعش الموت الذي حوله إلى عربة ذات عجلات حملتهما من أعلى الجبل إلى حافة اليم في السفح في مغامرة جنونية ممتعة أوقعتهما في يم الحياة والتراشق بينهما بمياهه الرائعة لعلها تزيل عنهما بعض الكآبة التي كانت تلفهما من كل جانب؟؟.

 

لن يبقى الشباب على الدوام هم تافها، وبقدر ما يتيهون في السفاسف يوما، ويغرقون في المشاكل والأوهام أو يستسلمون للعادات والضغوطات عقودا، بقدر ما يصبحون هم عدة كل المدلهمات وأدوات التغيير والنهوض إذا ما وعوا واستيقظوا ؟، وهكذا كان :حسن" و"وفاء" المقعدين المحبطين، أصبحوا هم وقود النضال الحقوقي لانقاد القرية وإنهاء كابوسها وإطفاء نار الجحيم في حجرها..، وهكذا بعد اكتشاف قضاء "أمين" أخو "حسن: وابن الفقيه الثاني، بعد اكتشاف قضائه في القلعة وهي التي ما فتىء المسؤولون يروجون أن ليس بها إلا الغرباء أعداء الوطن، جاؤوا من بعيد ليخربوه، فإذا بها ابن القرية "أمين" وليس غريبا ولا بعيدا ولا عدوا للوطن، فقد رباه أبوه الفقيه أحسن تربية، وأشبعه من علمه وفقهه ودينه و قيمه، ومن أجل الوطن سافر إلى المدينة ليتم دراسته؟؟.

 

جاء أصدقاء "أمين" وعلى رأسهم المناضل "ياسين" ليربط في الخفاء علاقة ب"حسن" سرعان ما تطورت في الاتجاه النضالي، ليرسموا خطة لتهريب سجل النزلاء من داخل السجن، ساعدهم على تنفيذها العسكري "حسن" أبو "وفاء" بعد عدم تحمله فظاعة قضاء ابن صديقه الحميم"أمين"، ثم قضاء الفقيه ذاته جراء ذلك؟، لقد تمكن "سعيد" من تهريب سجل السجناء من القلعة وأوصله خفية إلى "حسن" الذي أوصاه به كما أوصاه بابنته "وفاء" التي رافقته في عملية التهريب والهرب من القرية، قبل أن يداهمهما الفيلق العسكري الذي طاردهما،  لكن لدغة أفعى رقطاء غيبت "حسن" على حافة اليم المعبر المهرب الوحيد من الجحيم، لتتمكن "وفاء" وحدها من إيصال السجل إلى "ياسين" الذي كان ينتظرها بسيارته على مشارف الجسر المحادي للقلعة، وما أن علم الخبر من طرف الدوائر العليا واحتمال إيصال السجل إلى المنظمات الحقوقية الدولية، حتى أعطيت أوامر رسمية بإخلاء القلعة وحرق كل ما بها من وثائق؟؟.

 

كل صعب على الشباب يهون.. هكذا همة الشباب تكون..

قدم في الثرى و فوق الثريـــا..همة قدرها هـنـاك مكين..


فلصالح من لا زالت تهدر طاقات الشباب وهم حماة وبناة الوطن؟، لا دراسة عالية في مواطنهم، ولا شغل مناسب بعد تخرجهم، لا زواج ..لا استقرار..لا مشاركة سياسية..لا ثقة ولا كرامة اجتماعية؟؟. وهل يمكن أن يكون مثل هذا في بيئة معقدة مثل بيئة شريط "كليليكيس دوار البوم":

1-    فقيه على نيته وفطرته وطيبوبته يتورط في لعبة سياسية قذرة، طالما رفعت شعار:"لا للدين في السياسة..ولا سياسة في الدين"، فإذا بها غارقة فيهما؟؟.

2-    "سعيد" مخزني طالما أمعن في حرق رسائل الأمهات المكلومات حتى لا تصل إلى المحتمل من أبنائهن المفقودين في السجن،وله مشاكل معقدة ومزمنة مع زوجته لم يستطع حلها فكيف بحل مشاكل الآخرين؟؟.

3-    "الكبران أحمد" صاحب:"أنا ما قاريش وكنحكم في اللي قاريين، القراية غير الخوا الخاوي"،أدمن الابتزاز بدل القناعة، وإذا به في وضع زوجته لم يجد بدا من أن يحملها في نعش الموتى إلى طبيب القلعة لعله يسعفها؟؟.

4-    "السكريتير حميدة" مجهول النسب، المحبط الفظ الذي طالما عاقر الخمرة وعذب السجناء وكتب لهم وعليهم؟؟.

5-    "الكولونيل"الذي تفنن في تعذيب السجناء وترهيب العاملين في السحن فلما ماتت كلبته بكى عليها وقطعت قلبه؟

6-    "البقال" الذي همه ما يحرزه من مبيعات وترقيات ولو من داخل جحيم السجن وعلى حساب ما يقع فيه من فظائع؟؟

7-    الجندي "عبد السلام" والذي تشبثا بعمله يرضى أن ينفق على كباره كل أجرته الهزيلة ولو لم يصل منها شيء إلى والديه؟؟.

 

عبثا ينتظر المنتظرون أن يكون شيء من هذا التقدم والازدهار ولا زالت في حياتنا كل هذه الشخصيات المعقدة، رغم تجاوز مأساة القلعة المعتقل وهدمها عبر التجربة الرائدة للإنصاف والمصالحة وجبر الضرر الجماعي لأبناء المنطقة، فلا زال فينا :

1-      لا زال فينا الفقيه وهو يقول للتائهة بحثا عن ابنها الطيار المفقود: "ما كاين هنا يا لالة غير قلوب الحجر"؟؟.

2-      ولا زال فينا الكبران "أحمد" وهو يقول: " القراية غير الخوا الخاوي، واللي قرا كاع أش بغا..آش كايسال للدولة"؟؟.

3-      لا زال فينا العسكري البسيط "عبد السلام" وهو دائم الامتثال والشكوى من قلة الأجرة و حجم الابتزاز ويقول:" إلى عرضت عليهم كاملين.. كاع ما يبقى لي ما نصيفط للدار"؟؟.

4-      لازال فينا المسؤول "الكولونيل" وهو يقول لسكرتير السجن "حميدة" الذي اعتذر له عما بدا منه من بعض الضعف العاطفي والتجاوز في الشرب والكلام غير الواعي ويعده ألا يعود إلى ذلك، :"والله وتعاودها حتى نعاود لك الختانة "؟؟.

5-      ولا زال فينا..ولا زالت فينا..ولا زال فينا..لكن بارقة أمل أن لا زال فينا مثل المخزني "سعيد " وهو الذي عاش طوال حياته مهزوزا ممتثلا متجاوزا غير واثق في شيء ويقول: " الحقيقة ما كيعلمها غير الله..أنا لا أستبعد أن أكون يوما داخل هذه القلعة"، وها هو في يقظته يغامر بحياته من أجل "السجل" بعدما عاد إلى وعيه العقدي وفطرته الدفينة وتحرر من الخوف وطلب الحقيقة وهو ينتفض وسط القلعة ويضرب قبعته الحديدية كالكرة ويقول: "ينعل بوها الدنيا..الله اللي كيحيي..والله اللي كيقتل"؟؟.

6-      بارقة أمل لازالت فينا "وفاء" التي من شدة خيبتها وإجهاض حلمها وقوة صدماتها صرخت تستنهض الوعي في قومها:"الدنيا كذابة..ولا حنا اللي مقلوبة علينا القفة"؟؟. وبارقة أمل أن لا زال فينا أيضا الشاب "حسن" وهو يواجه العساكر (السلطة) بمنطقهم بعدما منعوه من المرور عبر الجسر لزيارة قبر أخيه :أمين" فقالوا له وهم يثنونه على الرجوع:"ارجع بحالك..داك الشي اللي كادير.. راه ماشي معقول"، فرد عليهم بمنطقهم:"وأنتما داك الشي اللي كاديروا.. معقول"؟؟.

 

إنها الرائعة السينمائية ل"عز العرب العلوي المحرزي": "كيليكيس دوار البوم"(2018)،رائعة السينما الحقوقية وحفظ الذاكرة الوطنية..رائعة المغرب المتعثر أيام سنوات الرصاص والصراع الدموي وهدر الزمن الحقوقي والتنموي والديمقراطي..رائعة التجربة الرائدة للإنصاف والمصالحة في المغرب المعاصر وعلاقتها بالسؤال الفلسفي والحقوقي والتنموي في الجنوب الشرقي وفي كل المغرب الناهض؟؟.

تحياتي: الحبيب عكي


اقرء المزيد

الأربعاء، 3 مارس 2021

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

كيليكيس دوار البوم، أو السينما عندما تكون هادفة وفي خدمة قضايا التنمية.

       فلتة سينمائية هذه الليلة، على القناة الأولى لقطب الإعلام العمومي، بما أذاعته على شاشتها وفي ذروة سهرتها ليومه الجمعة 19 فبراير 2021، للتحفة السينمائية المغربية: "كيليكيس دوار البوم"، لمخرجه ابن الجنوب الشرقي، دارس السينما ومدرسها في الجامعة، الدكتور "عز العرب العلوي المحرزي"، صاحب كتاب "المقاربة النقدية في الخطاب السينمائي المغربي"، ومخرج العديد من الأفلام الوثائقية للتلفزة المغربية عن رواد التجديد والإصلاح الوطني القدامى والمعاصرين: كالشيخ ماء العينين، ومحمد عابد الجابري، والمهدي المنجرة، و الشيخ المكي الناصري، ومحمد بن العربي العلوي، وعمر بن جلون، ومحمد بن عبد الكريم الخطابي...؟؟.

 

1- معلومات عامة عن الشريط:

·        العنوان: "كيليكيس دوار البوم"

·        سيناريو وإخراج: عز العرب العلوي المحرزي

·        تصوير: اندرياس سينانوس الذي جعل منه تحفة ماتعة.

·        الموضوع: سينما حقوق الإنسان وحفظ الذاكرة الوطنية.

·        مدة الشريط: 115 دقيقة، حافلة بالمشاهد الدرامية والرسائل الترافعية.

·        التمثيل: نخبة من الممثلين المغاربة الأكفاء، كمحمد الرزين وأمين الناجي وكمال كاظمي وراوية ونعيمة المشرقي..

·        مدة الاشتغال على الشريط: حوالي 5 سنوات، و تم إصداره سنة 2018.

·        الشراكات : المجلس الوطني لحقوق الإنسان + الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة  المغربية+ المركز المغربي السينمائي.

·        القيمة الأخلاقية: شريط نظيف خال من مشاهد الميوعة ويحترم المشاهد ويستحث ذكاؤه.

·        عدد المهرجانات الدولية التي شارك فيها الشريط : حوالي 64 مهرجان في مختلف بقاع العالم.

·        عدد الجوائز التي حصدها الشريط: 17 جائزة مختلفة، من صربيا - وهران - كندا - أمريكا - إيطاليا - فرنسا - ألمانيا - مصر - هولاندا - المكسيك - بنجلاديش – جنوب أفريقيا...

ورغم كل ذلك فلم يحتفى بالشريط وطنيا، إلا بعد إجازته دوليا بما حطمه من الأرقام القياسية في المشاركات وحصد الجوائز؟؟.

 

2- الحكاية باختصار:

            هي حكاية حارقة - كانت ولا زالت - عن قرية شبح في عزلة صحراوية قاسية على جبال الأطلس في الجنوب الشرقي المغربي، كانت تعاني من كل خصاص الدنيا والآخرة، وبدل الاهتمام بذلك وإيقاف ما يمكن إيقافه من نزيفها الدامي، استنبت فيها يد القهر أخطر معتقل سري في المغرب خلال ما اصطلح عليه بسنوات الرصاص، وهو معتقل "تازمامارت" أو"غوانتانامو" المغرب (1971 – 1991)، فأرخى بظلاله الكالحة ونيرانه الحارقة على الجميع، فما كان من سكان القرية إلا أن هاجر المستطيعون منهم إلى حيث الممكن والمحتمل من فتاة الحياة، ومن بقي منهم وجد نفسه يتطوع للتعاون مع العساكر في التناوب على حراسة القلعة السجن التي قيل لهم أن بها "أعداء الوطن" جاؤوا من بعيد لتخريب الوطن، وأن من حسن المواطنة سجنهم وتعذيبهم وقطعهم عن بقية العالم، فأخذ الجميع عن وعي وبغيره يجتهد في ذلك؟؟،

 

            حكاية سمجة ومؤلمة فرضت نفسها حتى على الأطفال الذين لم تعد لديهم من لعبة يتسلون بها - كما يحكي "عز العرب" وهو من أبناء المنطقة - غير "لعبة السجناء والحراس" وحكاياتها الفظيعة وفواجعها المتتالية التي يسمعونها من أفواه الآباء، حكاية فتاة متعلمة (وفاء بنت سعيد) عادت من المدينة بعد تخرجها لتعلم أبناء قريتها، لتصطدم بواقع متخلف من العادات والتقاليد التي ترفض التعليم وتمجد الجهل والتسلط كما أجابها (الكبران أحمد) وهو يرفض تسليمها ابنته الصغيرة لتذهب معها إلى المدرسة:"أنا ما قاريش و كنتحكم في اللي قاريين..القراية غير الخوا الخاوي"؟؟. حكاية حراس مرهقون متوترون يتألمون مرعوبون من هول فظائعهم مع السجناء (المغيبون في الشريط) وهول قدرهم أن وجدوا أنفسهم في هذا المستنقع وأبطالا لهذه المهمة واللعبة القذرة، فما بالك وقد أدرك بعضهم أنها فوق كل ما قيل لهم وعلى غير ما قيل لهم، مما زاد من توترهم و وخز ضميرهم الذي أشعرهم أنهم هم والسجناء وجميعهم مسجونين إلى إشعار آخر، مما أدى في الأخير بعد هذا الوعي إلى تمرد بعضهم بل وتمنيهم لو أنهم كانوا مكان السجناء (الضحايا..القضايا..أبطال الحكمة والتحرر المحترمين) بدل الحراس (البلطجية والانتهازية والتسلط.. المغضوب عليهم بدون قضية ولا حكمة ولا روية)؟؟،

 

 حكاية طافحة بالرمزية على مستوى العديد من التيمات كما يذهب إلى ذلك "الكبير الدادسي" في مقال له في الموضوع: رمزية الموقع وبيئته الصحراوية القاسية - القلعة المغلقة على الجحيم -  الجسر المعلق بين القلعة والقرية أو بين الموت والحياة - النافذة الكوة في المعتقل وما يلف داخلها من الظلام والظلمات -  التابوت النعش المزين بالزهور المرسومة عليه وكأن المرء يفرح بأن يحمل عليه ميتا بدل أن يبقى حيا في المعتقل الجحيم - البوم رمز نذير الشؤم والخراب عند العرب ورمز الحكمة والنبل كما عند الغرب - تمر الفقيه ودفؤه الاجتماعي - كيليكيس شفرة التواصل السري بين النزلاء - المفتاح الحديدي الثقيل - الأفعى الرقطاء - الكلبة لايكا - الأطلال المهجورة...رمزية العسكري (السلطة) الذي لا يألو جهدا في التنكيل بالضحايا مقابل لاشيء غير ما يعتبره القيام بالواجب وما يمارسه من حق ابتزاز الناس مقابل التوسط لهم في نيل الأوسمة والترقي (بقال القلعة) أو البحث عن ذويهم من المختطفين والمفقودين وزياراتهم، أو الفساد الليلي مع ما يجلب لهم خصيصا من فرق "الشيخات"، اللواتي يستسلمن لهم ولأمزجتهم وشهواتهم المريضة، في حين أن الحرائر من البنات والنساء يرفضن الارتباط بهم ويعيرنهم بكونهم مجرد "بيادق" في يد أسيادهم (العسكري "حميدة" ولد الحرام نموذجا وقد رفضته "وفاء")؟؟،

 

ورمزية الفقيه التي تطرح عليها في الحقيقة أسئلة من حيث ازدواجية أدواره بين المقبولة والمرفوضة، فهو من جهة يؤذن للصلاة ويؤم الناس في المسجد ويعلم الصبيان و يواسي المضغوطين والمفجوعين في المعتقل..، ولكنه أيضا يرضى بالدور التعاوني مع السلطة الظالمة في الدخول إلى القلعة والقيام "بروتينه اليومي" هناك من غسل الموتى وتكفينهم في غطائهم وحملهم على النعش في جنازة بئيسة ومنفردة هو وصديقه (سعيد) و دفنهم في مقبرة جماعية دون هوية ولا شاهد، إلى أن اكتشف يوما ما داخل المعتقل جثة ابنه الثاني (أمين) الذي كان يظنه غاب في المدينة من أجل الدراسة ومن أجل الوطن، وإذا به جثة هامدة وسط المعتقل تعرف عليه بواسطة رسالة كان يضمض بها جرح صدره النازف، ما كشف زيف ما قيل لهم بأن المعتقلين غرباء أعداء الوطن، وحمل البعض على إعادة ترتيب الأفكار والمواقف، انتهت بالتمرد وتمكن العسكري (سعيد صديق الفقيه، وهو الذي طالما أحرق استهتارا صور ورسائل الأمهات إلى أبنائها النزلاء حتى لا تصل إليهم ولا يتعرفن عليهم طيارين مختطفين ومفقودين) تمكن من سرقة وتهريب سجل السجناء مع من ساعده على تهريب السجل الحجة من جيل الأمل ابنته (وفاء بنت سعيد) و صديقها (حسن ولد الفقيه) الذي لقي حتفه في الطريق عبر القارب النعش العربية وقد غيبته لدغة أفعى على حافة اليم النهر المعبر، لتوصل (وفاء) وحدها في منتهى الخوف والعياء سجل السجناء إلى المناضل الحقوقي (ياسين) صديق المرحوم (أمين) وعبرهم إلى المنظمات الحقوقية الدولية، مما عجل بإعطاء أوامر عليا بفض المعتقل الجحيم وإحراق كل وثائقه المتبقية قبل أن تحل به أية رقابة دولية وتطلع على فظاعته المستورة؟؟.

 

3- ورغم كل شيء تستمر الحكاية:

            صحيح أن السينما أداة فعالة في التغيير والإصلاح، خاصة بمثل هذه الأفلام الناجحة وما ورائها من حيثيات وسياقات مجتمعية مغربية إصلاحية رائدة، وما استطاعت بعمقها وجودتها أن تجوب به أكثر من 64 دولة و مهرجانا دوليا، وتقوم به من دعاية فنية لتجربة البلاد على مستوى "الإنصاف والمصالحة" وتطور ملف حقوق الإنسان والقطع مع انتهاكات الماضي، ربما بالشكل الذي لم تستطع أن تقوم به بشيء من ذلك حتى الديبلوماسية الرسمية، وكان حصده ل 17 جائزة دولية قيمة، كان ينبغي أن يمنحه ذلك على الأقل اعترافا وتثمينا وطنيا يدخله بكل ترحاب كل المؤسسات الإعلامية والقاعات السينمائية والجمعيات والهيئات ويحظى فيها بالنقاش الواسع، وكان بموجب ذلك أيضا أن يكون له أثر جلي على أرض الواقع والقرار السياسي والاجتماعي على خلفية الموضوع القضية التي رافع بشأنها ألا وهي تجربة "الإنصاف والمصالحة" والقطع مع انتهاكات الماضي في مجال حقوق الإنسان؟؟،

 

وأخيرا، وبغض النظر عن رأي النقاد والسينمائيين الذين يرى بعضهم في الشريط رغم كل شيء أنه :"انتصار للسجانين (الجلادين) على حساب المسجونين (الضحايا) المغيبين، وهذا حسبهم مرفوض لأنه "لا ينبغي تقزيم شيء مما جرى" وهو أفظع من فظيع، بل لا ينبغي بشأنه غير الإنصاف والمصالحة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وهو ما غيبه الشريط بدء من عدم الكشف عن المرافق الداخلية، إلى تغييب أنواع التعذيب الفظيع الذي ارتكبت فيها، فبالأحرى كل من كان وراءه ذلك ولم ينله حساب ولا عقاب؟؟.

            بغض النظر عن كل هذا، في نظري، هناك أسئلة موضوعية تفرض نفسها على الشريط وسياقاته الوطنية العامة وحيثياته الحقوقية ومن ذلك كما يقول بعض المهتمون:

 

1-     من هم أعداء الوطن؟ ومن هم خدامه؟؟

2-     كيف حدث أن العسكر سير بحسه العسكري الأمني القتالي معتقل سجني بدل المعهود من هيئات القضاء والداخلية؟؟

3-  ماذا تغير في منطقة الأحداث وجسر الموت الذي كان معلقا فوق الوادي، ورغم كونه تهدم ولم يعد اليوم كذلك، إلا أنه لا زال هو وغيره من وديان المنطقة وفي غياب جسور مناسبة، فهي تحصد أرواح نساء قرويات وفلاحين وأطفال أبرياء وتعطلهم عن مدارسهم كلما غشيت الأودية فياضانات شتوية وحملات رعدية؟؟.

4-  أين نحن من مخرجات "الإنصاف والمصالحة" التي قضت بجبر الضرر الجماعي للمنطقة و جهة الجنوب الشرقي ككل، ماذا تحقق منه خاصة على ضوء ما زال يعرفه هذا الجنوب اليتيم المسكين من "البلوكاج التنموي" على مستوى مجلس الجهة وكذا العديد من مجالس الجماعات المحلية؟؟.

5-  أين الإنصاف والمصالحة في غياب مجمل المرافق والبنيات التحتية في الجهة الفتية، من طريق سيار و سكة حديدية ومستشفى جامعي وكلية متعددة التخصصات ومعامل ومرافق الشباب..، ومجمل الخدمات فيها لازالت مركزية وما تحرر منها تحت سلطة الوصاية المخزنية، لا تحت القرار الديمقراطي لممثليها وأبنائها الفاعلين، إلى متى ستبقى هكذا مجرد جهة بالاسم لا بالصفة والصلاحيات؟؟.

 

على أي، لقد أدى الشريط دوره الترافعي بحق وعلى أوسع نطاق وبأجمل اللغات والتصريحات وأعمق الرموز والتلميحات، لكن نتمنى ألا يكون ذلاك مجرد دعاية مجانية وتسويق لخطاب حقوقي عجز بشكل ما أن يجد له بصمة على أرض الواقع وعلى إنصاف الضحايا وجبر الضرر الجماعي لمناطقهم المهمشة؟؟، لقد وفى المخرج بمبدئه واختياره الفني الذي رسمه لنفسه في خدمة القضايا الوطنية والإنسانية، وهو القائل:" على الفنان أن ينحاز إلى الطبقة التي لا صوت لها، ولا تصلها أضواء الدولة"، إنه الفن السينمائي عندما يكون هادفا وفي خدمة قضايا التنمية و حقوق الإنسان وحفظ الذاكرة الوطنية، وكما استمتعنا بسحره وآسرنا شغفه وقلقه فقط نتساءل، متى سنسعد ببصمة بعض رسائله وترجمة بعض خطابه على أرض الواقع؟؟.

الحبيب عكي


اقرء المزيد

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

المشاركات الشائعة