Top Ad

الأحد، 26 مارس 2023

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

رمضان شهر الفرص العظيمة فكيف نغتنمها؟.

لعل من أهم صفات الموفقين الناجحين، أنهم يتوكلون على الله ويعملون، يجتهدون بجد ويثابرون..، وأنهم أيضا يقظون وجاهزون دوما يستغلون الفرص ولا يفوتونها، بل يصنعونها فكيف إذا أتيحت لهم وعلى طبق من ذهب رخصا وجوائز من الله، والفرصة كما يقال هي الحصة كحصة المرء في الماء، هي الدور  كدور الحصان في السباق ليبرز قوته وكفاءته، هي الوقت المناسب لفعل شيء مرغوب مع احتمال كبير ومؤكد لنجاحه وضمان عائده الإيجابي على أصحابه أفرادا وجماعات. وما أخذ فقه الفرص هذا حظه في حياة فرد أو أمة إلا ارتقى بها ونهض بشؤونها الدينية والدنيوية، وما ابتليت أمة بتضييع الفرص وعدم تكافئها إلا أخلفت موعدها و وعدها مع ذلك. وفي الحديث: " بادروا بالأعمال سبعا، هل تنتظرون إلا فقراً مُنسيًا، أو غنًى مُطغيًا، أو مرضاً مُفسدًا، أو هَرَماً مُفنِّدًا، أو موتاً مُجهِزًا، أو الدجال، فشر غائب ينتظر، أو الساعة، والساعة أدهى وأمر "رواه الترمذي عن أبي هريرة، وقديما قيل: الفرصة تأتي مرة، الفرصة لا تعوض، في الصيف ضيعت اللبن، أو على قول المثل الدارج: " فاتك الغرس قبل مارس"؟.

 

مناسبة هذه المقدمة أننا اليوم في هذه الأيام الطيبة المباركة، يستقبل الناس في مشارق الأرض ومغاربها شهر رمضان الفضيل، شهر الفرص الذهبية العظيمة، شهر العبادات والطاعات والخيرات والبركات، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار كل يوم وليلة، شهر ليلة القدر ومضاعفة الأجر بما قد يساوي 82 عاما أو يزيد، وبطبيعة الحال، فكل عاقل يفكر كيف سيغنم في هذا الشهر الفضيل ولا يخسر، كيف يكون رمضانه عبادة خالصة لله عزل وجل لا مجرد عادة استهلاكية هالكة وطقس تراثي فاسد. كيف سيحيى شهره الكريم بمقاصده التعبدية الصرفة من الصلاة والقيام والرحمة والمغفرة والسكينة والمودة والمراقبة والصدقة والتبتل والدعاء والاستغفار..، وكل جماع التقوى بعيدا عما يعكرها ويفسدها ويتجاوز بها إلى منطقة رمادية مكتوب على بابها بالبند العريض:" رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش" و في بهوها الفسيح:" وإن صل وصام وزعم أنه مسلم"؟.  ترى ما هي أهم الفرص التي يحفل بها رمضان؟. وكيف ينبغي أن نغتنمها بعيدا عن المشوشات والمفسدات؟.

 

إن رمضان في الحقيقة، كله فرص سنوية عظيمة ومتعددة، وفي مختلف المجالات الفردية والجماعية.. التعبدية والاجتماعية.. النفسية والفكرية.. الروحية والجسدية.. العملية والتنظيمية.. التربوية والدعوية.. الشعورية والتوحيدية.. البدلية والعطائية..، وسنقتصر على بعضها، خاصة في مجال التربية والتزكية والتوبة والإنابة وهي أس وأساس غيرها من الأعمال، ومن ذلك:

1-  في مجال الإخلاص لله تعالى: وهو نقطة البداية وعليها تدور الدوائر، حيث يجدد الصائم نيته وعزمه على الصيام لوجه الله وحده، وابتغاء مرضاته وتمثلا لتقواه بمختلف مظاهرها وفي مختلف مجالاتها، ويتحمل من أجل ذلك ما يتحمل وهو راض.

2-  في مجال العبادات والطاعات: حيث يكون الصائم على موعد مع تجديد شعائره التعبدية وتنظيمها والحرص عليها بحماسة، كالسعي إلى المسجد وصلاة الجماعية، تلاوة الورد القرآني وحضور الدروس والمواعظ، قيام الليل والتراويح، الدعاء والتبتل والاستغفار..

3- في مجال السلوكات والمعاملات: حيث تنضبط معاملات الصائم لشرع ربها فتكون رحمة وثوابا عليه وعلى عباد الله الصالحين، حيث التحكم الكبير للصائم في النفس وضبط نوازعها، فلا تؤذي غيرها بل قد تتحمل منه الأذى : " فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله فليقل: إني صائم" متفق عليه.

4-  في مجال العلم والفكر والدعوة: حيث تنشط دروس الوعظ والإرشاد في المساجد، والمحاضرات والندوات في دور الشباب، والخيام الثقافية والمسابقات والدوريات والأمسيات في الجمعيات، والبرامج الحوارية والمحورية في الفضائيات، وكلها مظهر من مظاهر الاحتفاء الجماعي والاجتماعي بشهر الصيام وإحياء فقهه القرآني وطقسه الروحاني.

5-  في مجال الأنشطة الاجتماعية: حيث الإفطارات الجماعية والصدقات للمحتاجين، قفة رمضان للأرامل وكسوة العيد للأيتام، على سنة رسول الله وهو أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان وهو كالريح المرسلة.

6-  في مجال الاهتمام بقضايا الأمة: حيث ينمو الشعور بوحدة المسلمين وأن أمتهم واحدة وقضاياهم واحدة، وعلى رأسها قضية فلسطين المسلمة وما زالت تعانيه من الاستيطان الصهيوني الغاشم، وتماما كما أن صيام المسلمين وقيامهم وصلاتهم وقبلتهم وإمساكهم وإفطارهم واحد، فالمحظوظ المحظوظ من تتاح له فرصة الصيام ولو مرة واحدة مع شعب من الشعوب الإسلامية ليطلع على عاداتها الإسلامية العريقة وعلى ثرائها الحضاري.

 

   وتظل كل هذه المقاصد الرمضانية ذات عائد تعبدي كبير أساسي وحاسم في تجويد حياة الأفراد والجماعات والأمة والإنسانية ككل، وتنمية قيمها الفردية والجماعية، الروحية والجسدية، الوحدوية والتضامنية. ويظل لها أجر كبير وثواب عظيم يحقق للصائمين المخلصين الرحمة والمودة والمغفرة والرضوان والتهذيب والتأديب والخشوع والتشوق إلى نيل الأجر المضاعف والشفاعة ودخول الجنة من باب الريان. ولكن، يظل تحقيقها بأي قدر كان رهينا بضرورة تجنب بعض المفسدات والمشوشات وضرورة توفر بعض الشروط الأساسية والمحفزات التفاعلية ونذكر من كل ذلك:

 

1-  ضرورة الإيمان: فعن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال: " مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه" متَّفق عليه. أي من صام شهر رمضان إيمانا بالله، مصدقا بوعده، محتسبا ثوابه، قاصدا به وجه الله تعالى، لا رياء ولا سُمعة في صيامه ولوازمه، غُفِر له ما تقدم من ذنبه وفي معنى حديث آخر أن الصائم يدخل الجنة من باب الريان وهو باب خاص بالصائمين. وإيمانا يعني يؤمن بفرضه وبركنه، وبمصدره الرباني، وبقصده التعبدي، وكل هذا مما ينبغي أن يحرر صيامه مما قد يعلق به من طباع العوائد الفاسدة على كثرتها وتعددها، قديمها وحديثها، وقد أشارت بعض الأحاديث إلى بعضها من مثل: عن أبي هريرة عن رسول الله وهو يروي عن ربه قال: " كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنَّه لي، وأنا أجزي به، والصيام جُنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله فليقل: إني صائم" متفق عليه.

 

2-  ضرورة الاحتساب: يعني احتساب الصيام لله تعالى، لأن المرء الصائم قد يجد في صيامه بعض العنت، ومن رحمة الله تعالى بعبده أن ذلك العنت مقدور عليه، ثم إن احتسابه لله تعالى سيجزل له الثواب الأوفى، وغير المقدور عليه فهو مرخص بفطره مع القضاء أو غير القضاء إذا استمر العجز، وكل هذا دافع أساسي ليتحمس العبد للعبادات وفعل الخيرات وترك المعاصي والتزام الطاعات، فلا يقعده عنها عجز أو فتور أو صحبة متراخية ولا يقعده مثلا برنامج إذاعي أو تلفزي أو لعبة ترفيهية أو حتى بيع أو شراء عن القيام للصلاة في وقتها.. عن تلاوة القرآن. عن السعي إلى المسجد.. عن صلة الرحم والصدقة.. عن الانفاق والخدمات الاجتماعية.. عن الإخلاص في العمل والصدق في المعاملات.. عن.. عن.. وعن، وهذا من شأنه أن يصحح العديد من الطقوس والعادات "المترمضنة" على صيامنا من .. ومن.. ومن..، وكلها مشوشة ولابد من ردها إلى حجمها وحكمها ووقتها إذا كان لها في الأصل وقت؟.

 

3-  تجنب المبطلات وموانع الربط: على قول إحداهن أن الصوم ارتباط وثيق بالله تعالى وهو أقوى من مجرد الارتباط بموقع إلكتروني باللغة الرقمية، ورغم ذلك هذا الارتباط لا يتم بمجرد الخطأ في كتابة العنوان أو نسيان حرف أو مجرد نقطة وما شابه، وكذلك المبطلات و المفطرات المادية والمعنوية التي تبعد الصائم عن أركان الصوم وشروط صحته ومقاصده وآثاره التربوية والاجتماعية، إلى درجة قد تجعل منه ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، كما جاء الحديث: " الصيام جُنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله فليقل: إني صائم" متفق عليه".

 

4-  تجنب إغراء التفاهة الإعلامية: من فضائيات وهواتف ذكية ولوحات وتطبيقات وغيرها من المنصات التي لا تلبث تقصف الصائمين بكل التفاهة أشكالا وأنواعا.. كثافة ومضامين وأوقات..، فطوبى لمن صام رمضان وقامه وتصدق فيه إيمانا واحتسابا ولم يقع ضحية لصوص رمضان هذه على حد قولهم: " تلفاز مله وسوق مهدر.. سهر حارم ومطبخ مغرق.. هاتف العبث وبخل التقتير.. مجالس لغو ومواقع تواصل غير متواصل.." أو كما سار بذلك الظرفاء: " رسوم لوث أفكار أبنائك.. وسيتكوم إنسى التراويح.. فمسلسل لا يوجد عندك وقت للقرآن.. فمسابقة تسحر وارقد مع العياء.. ليضحكوا عليك في النهاية بقولهم.. مبروك عليك، لقد فاتك رمضان ولا جائزة لك.. ههييهه"؟.

 

           وأخيرا، تظل فلسفة الفرصة وفقه تحقيقها ضروريا وحاسما كما يقال، فالذي ليس يقظا ولا واعيا بالفرصة لا يسعى إليها ولا يبذل أي جهد ليحققها، والذي ينتظرها على طبق مجاني ولا يسعى لخلقها، لا يحققها. والذي يعيش في منطقة الراحة ولا يرغب في التغيير والتوبة ولا المغامرة المضمونة العواقب والمكاسب، والذي لا يقدر الأمور على قدرها وحقيقتها، والذي لا يقدر أفضلية الزمان والمكان الرمضاني على غيره، والذي لا يقدر مكاسب العاملين في رمضان ومخاسر القاعدين، والذي تتداخل عنده الأعمال ولا يعرف منها الأولويات و لا يرتب لها الأوقات، والذي.. والذي.. والتي..، كل هؤلاء سيمر عليهم رمضان كما دخل عليهم بالأمس كما سيخرج عنهم غدا، أياما معدودات سيربح فيها الرابحون ويخسر فيها الخاسرون، وتظل الطريق هي نفس الطريق إنما تختلف فيها الأقدام على الإقدام، ولو علم الناس ما في رمضان لتنموا أن يكون الدهر كله رمضان؟.

الحبيب عكي
اقرء المزيد

الأربعاء، 15 مارس 2023

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

المجتمع المدني وسؤال البحث العلمي.

بالنظر إلى التزايد الهائل لعدد جمعيات المجتمع المدني، ومقارنة بمردوديتها في مجالات تخصصاتها واهتماماتها، فإننا نخرج وبدون أي جهد كبير، على أن المردودية المدنية اليوم لا ترقى  إلى أن تناسب عدد الجمعيات وأعمارها الطويلة، فبالأحرى المطلوب منها في تخصصاتها ومستوى تدخلاتها وطاقاتها الخبيرة والمعطاءة، دون أن نتحدث عن الحاجة الميدانية الملحة والمتزايدة للفئات المستهدفة والتخصصات المشتغل عليها على أرض الواقع، من هنا يطرح السؤال ما الذي يحول دون تناسب عطاء الجمعيات كما وكيفا مع عددها وطاقاتها التنموية؟، وما هي السبل الكفيلة لفك هذا اللغز وصيانة العمل المدني من أن يكون مجرد ديكور تأثيثي ورقما من الأرقام لا يقدم ولا يؤخر في جوهر المعضلات الإصلاحية والتنموية شيئا؟.

 

كثيرا ما يهتم المجتمع المدني كما في جميع الدول بمواضيع أساسية وحساسة من الحرية والمساواة، التنمية المستدامة، العدالة المجالية، الديمقراطية وحقوق الإنسان..، ويهتم بالعديد من الفئات الهشة من النساء والأطفال والمحتاجين والمهاجرين وغيرهم من ذوي الوضعيات الصعبة في الأسر المفككة أو وضعيات الشارع والنزاع مع القانون وحقوق المواطنة، ويرافع من أجل جودة وحكامة الخدمات الموجهة إليها من صحة وتعليم وإدماج ومساعدات.. وقبل ذلك إسعافات مؤسساتية منظمة ومنتظمة، لكن في الواقع وفي المجمل تمضي الأمور أحيانا وكأن لا أحد يتنادى ويترافع أو يحتج ويصرخ..، وتتوسع الفئات المحتاجة بدل أن تتقلص، ولا شيء من حاجاتها يتحقق ولا من لهفتها يغاث إلا بالنقير والقطمير؟.

 

قد تكون هناك أسباب متعددة وراء كل هذا، ذاتية وموضوعية، سياسية واجتماعية، تنظيمية وتكوينية، مواردية بشرية ومادية. ولكن، ربما هناك سببين مفتاحين يمكنهما المساهمة في حل هذا الإشكال العويص وزحزحة جثومه على الوضع أي وضع، بقدر الوعي بهما وحسن استعمالهما والتعامل مع مدخلات ومخرجاتهما، ومن ذلك:

 

1-  الأمر الأول: موضوعية الرهان المدني: الذي يراه البعض ويتعامل معه على أنه لا حدود له، ويمكن أن يكون هو الكل في الكل ويحقق الكل وإن في غياب واضطراب الكل، ويكفي للاعتقاد في ذلك بقوة كل هذا التوجه العالمي الذي يضغط في اتجاه هذا الرهان ودعمه حتى ابتدع له ما يسميه بالديمقراطية التشاركية وهي أقوى مؤشرات الدولة الديمقراطية المعاصرة؟. بينما الواقع أن العمل المدني مجرد جزء من الكل وقد يكون أصغر الأجزاء، صحيح، أنه قد يحقق أشياء مبهرة، خاصة إذا توفرت فيه شروط الإمكان والممكن والزمان والمكان، فإذا به قد ينجز.. وينجز.. وينجز..، بناء جسر وحفر بئر.. تعبئة رفيق وتعبيد طريق.. بناء مستوصف وتجهيز مدرسة.. توفير نقل وتسيير إقامة.. تشريع اجتماعي أو سياسي..، لكن، مهما يكن فلا بد من تواضعه وعدم غروره أو تجاوزه حده، فبالأحرى استغنائه عن غيره من الشركاء والفاعلين، واعتبار نفسه يتجاوز حتى أكبر الأحزاب وأعتى النقابات إن لم تكن القطاعات والحكومات، والمصيبة أن يدفعه هذا الغرور وبعض نجاحه الميداني أن يسعى للقيام بدورها بدل مراقبتها وتحريضها والاقتراح عليها ومساعدتها؟.

 

2-  الأمر الثاني: مدى علمية ومهنية الممارسة المدنية: إذ لا يسود التعاطي مع مشاريعها عن بحث علمي اجتماعي رصين، وكما يقول أحدهم: كم جمعية لدينا اليوم في هذا الوطن الحبيب تحارب الهدر المدرسي ويزداد (54% في الإعدادي فقط)؟، وكم جمعية تحارب المخدرات في الأحياء الشعبية ويستفحل تفشيها؟، وكم جمعية تحارب الفقر والهشاشة وبمشاريع وشراكات هامة ومبالغ مالية مدنية معتبرة فإذا بهذه الظواهر المحاربة تمتد رقعا وفئات؟، كم جمعية أنهت شراكتها في محو الأمية والتربية غير النظامية مع مديرية إقليمية وإذا بها تصبح مرتعا لهما بأميتها التي لم تنمحي ولم تنتهي؟، ذلك أن.. وأن.. وأن، وأن المدخل لهذه المشاريع والشراكات لم يكن صحيحا، وأن تصور محاربة المعضلة لم يكن أيضا صحيحا، لأنه.. ولأنه.. ولأنه.. ولأنه لم ينتج عن بحث علمي ميداني.. تخصصي، وتشاركي.. مؤكد المنطلقات والحوامل والمخرجات، حظه من استيعاب المعضلة: " النظر إلى الفروع بدل الجذور، ومعالجة الأعراض بدل الأسباب، وبالتالي التعايش مع التخلف وتنميته بدل محاربة التخلف وتحقيق التنمية الحقيقية"، على قول الدكتور "حسن مشهور" حفظه الله؟.

 

لا عمل مدني احترافي رصين ومنتج دون بحث علمي.. اجتماعي.. تربوي.. نفسي ثقافي.. سياسي.. تنموي.. فني إعلامي.. يجلي الأمور على حقيقتها كقطع (Puzzels) المتشابكة بألوانها المزركشة ووضعياتها المعقدة، ويمنح اللاعب قدرة ترتيبها بأقل جهد وفي أسرع وقت. فمتى يعرف الفاعلون المدنيون أن العمل المدني ليس مجرد فعل خير وتجزية وقت.. وتغيير العمل في مجال تنظيمي مقيد إلى مجال حر مسؤول ومستقل.. صحيح، كل هذا جيد ولازم لاعتبار الإمكانيات والممكنات والطاقات والظروف والنفسيات.. ولكنه لا يؤتي كثيرا من الأكل أو حتى شيء منه مما قل أو كثر، إذا لم يبنى على البحث العلمي تصورا وممارسة.. اهتماما وتخصصا.. نقدا وتطويرا..، ومن أوجه البحوث العلمية اللازمة والممكنة:

1-     البحث الذاتي.. فردي أو جماعي.

2-     البحث الدراسي.. الاستنباطي والاستقرائي.. التحليلي والتركيبي.

3-     البحث المؤسساتي.. في الدورات والورشات.. منتديات ومسابقات.. في إطار المؤسسة الجمعوية وغيرها.

4-     البحث الافتراضي عن بعد.. عبر مناظرات حية وتبادل الرأي والخبرات على المواقع والشبكات والمجموعات.

5-     بحث التأليف والنشر.. عبر المجلات العلمية المعتبرة.. وتوثيق التجارب  وعرضها عبر كل الوسائل المتاحة.

 

واليوم مثلا، هل نحتاج في مجتمعنا المدني إلى ثقافة المشروع أم إلى مشروع الثقافة؟، هل كل القضايا تحتاج إلى مشروع وشراكة، أم هناك مساحات ذاتية مقدور عليها أفرغت دون أن يلج الفارغون ما يوعدون به من المساحات الجديدة وهم لا يملكون مفاتحها وليست بأيديهم شروط ذلك؟، هل كل القضايا تحتاج إلى مساعدات وخدمات؟، أو إلى ترافعات قوية وتشريعات جماعية؟، أو إلى مجرد تكوينات وتدريبات وإحياء الرغبات والمبادرات وإطلاق الممكنات وتثمين القدرات على حد تعبيرهم؟، لماذا نتعامل مع جميع الفئات الاجتماعية بنفس التدخلات؟، ما حظ مساهمة هذه الفئات في البحث عن حلول مشاكلها، بلورتها وأجرأتها ولما لا توريثها واستدامتها؟. أين توضيحنا العلمي في العديد مما يملأ الدنيا صخبا وصراعا من مواضيع جلها فيه ملابسات ومغالطات خفية وجلية سرعان ما يلتهمها الملتهمون قصدا وجهلا فتنجرف بهم إلى المهالك؟.

 

 كم ينشر المجتمع المدني من بحوث اجتماعية وتربوية في منصات البحث العلمي المعتبرة؟، كم يصدر من دراسات وبحوث ومجلات ومنشورات في الموضوع تكون معينا لهم ولغيرهم من السياسيين من أصحاب القرار؟، كم نجد من توثيق تجاربهم الثرية؟، بأي عمق وتفاصيل يتحدثون عن المواضيع التي يتصدون لها ويتصدرون الحديث عنها في شتى المنصات؟، كم يبرزون من طاقات مدنية متخصصة ومقنعة في مختلف المجالات؟، كم يعد من برامج حوارية تشاركية مفتوحة في وجه جميع الأطراف والتوجهات وهو دائما يشتكي من انغلاق وسائل الاعلام في وجهه؟. ما حظ القيم والهوية والأصالة والعلمية والموضوعية في كل ذلك؟، فالعلم العلم، فالعلم نور والجهل عار، وصدق الشاعر إذ يقول: "وأخو الجهالة في الحياة كأنه***ساع إلى الهيجا بغير حسام"، وحسام العمل المدني كغيره من الأعمال هو العلم والبحث والدراسة والمبادرة والتخطيط والتعاون والالتقائية..، فكفانا من كل ما قد لا يتسم بهما؟.

الحبيب عكي


اقرء المزيد

الثلاثاء، 7 مارس 2023

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

سؤال التنمية بين الإمكانيات والممكنات؟.

في حديث رسول الله (ص): "ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بأموالهم، فقال: " أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به، إن لكم بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة"؟. رواه مسلم عن أبي ذر الغفاري. وفي حديث أبي ذر أيضا: "يصبح على كل سلامى ابن آدم صدقة". يعني على كل أعضاء جسم الإنسان (360) صدقة مثل ما سبق من الأعمال وزيادة. وفي حديث "أسماء بنت يزيد" الأنصارية، وافدة النساء إلى الرسول (ص) تشكين تخصيص الرجال بالجهاد وحب النساء أن ينالهن مثل ذلك، فقال لها (ص): " أقرئي مني النساء السلام، وقولي لهن: " إن طاعة الزوج وحسن تبعله من ذلك، وقليل منكن تفعله"؟.

 

أحاديث جليلة تصحح المفاهيم وتوضح الأمور وتردها إلى نصابها وتفعلها في مساراتها الفردية والجماعية، معنى الصدقة.. معنى الجهاد.. طيف أعمال الخير في الإسلام.. كيف يقوم بها كل من الفقراء والأغنياء رغم الفوارق؟.. وكيف يقوم كل من الرجال والنساء بلوازم الإيمان ويأتون من الطاعات أعمالا تعبدية أبوابها تسعهم جميعا رغم الخصوصيات؟.. كيف بحسن القيام بالمتاح من الأعمال الخيرة يعود خيره على الجميع ويحقق المقصود الديني والدنيوي.. فالصدقة صدقات.. والجهاد جهادات.. ولكل شروطه وفئاته الفاعلة والمفعول لأجلها.. من يتوجب عليها ومن يستحب لها وحتى من يمنع عليها لعذر ورخصة ولا ينقصه من أجره شيئا، ليبقى سؤال العمل دائما من أكون (إمكانيات) وأي صلاحيات أمتلك (ممكنات)، ويبقى العمل دائما واجب لكنه معلق بين الإمكانيات والممكنات؟.

 

لعمري، هذه حكاية التنمية المعطلة في بلداننا العربية، حكاية تاهت بقومها بين الإمكانيات والممكنات، إمكانيات ننتظرها وهي في الغالب مفقودة، أو محدودة لا يمكن توفيرها بالشكل المطلوب، وحتى ما يمكن توفيره منها نسيء تدبيره، ونستبيح فيه نهب الأوصياء والمتنفذين والأغنياء بأسماء ومسميات؟، تشجيع الاستثمار.. التدبير المفوض.. المضاربة في بورصة القيم.. المشاريع المشتركة مع الشركات العابرة للقارات.. والنتيجة واحدة نهب في نهب لا تنمية نحقق ولا إمكانيات وميزانيات نبقي؟. وخيار آخر، وهو خيار الممكنات مع توسيع الصلاحيات والتي   -مع الأسف- يزدوج تعقيدها بين مواطنين يحتقرونها لا يعلمون بها ولا يقدمون على استثمارها وتفعيلها وهي لهم متاحة، وفي نفس الوقت مسؤولون يقومون بخوصصتها والتضييق عليها مبادرة فردية كانت أو منظمة جماعية؟.

 

صحيح أن التنمية رؤية.. مخططات.. برامج ومؤشرات.. إرادات وقدرات.. طاقات وعقليات.. مسؤوليات وحريات.. مشاريع وشركات.. وسائل وميزانيات.. قيم عمل ومؤسسات..، ولكن، أسها وأساسها وأكبر أبواب.. مداخلها وحواملها هي الاهتمام بالممكنات والاقدام عليها أكثر حتى من الإمكانيات والمسؤوليات على أهميتها. وبالتالي، من الإيجابية بمكان، واتجاه أي وضع اجتماعي وسياسي أو غيره مهما كان مقلقا ومحرجا.. أن نتساءل عن دور الفاعل التنموي فردا كان أو مؤسسة، ما دوري أنا وأية ممكنات لي متاحة؟. وكيف يمكنني أن أقوم ولو بجزء يسير منها جهد المستطاع؟. وإن إهمال هذه الثقافة التغييرية الذاتية الإيجابية في انتظار الإمكانيات وفي انتظار الصالحين من المسؤولين والغيورين من المنتخبين.. وفي انتظار.. وانتظار.. وانتظار من قد يستجيب أو لا يستجيب، أمر ولا شك يفوت الكثير والكثير على الجميع، ويبقي الأوضاع المتردية على حالها إن لم يزد في تفشي وامتداد رداءتها ورقعتها؟.

 

بينما عند سيادة ثقافة الممكنات المتاحة والمسؤولية الذاتية وهي باب واسع من أبواب العمل المدني بمفهومه الواسع والتنموي الشامل..، هل كان الناس سيحتاجون إلى ثقافة التدبير المفوض مثلا؟.. والجباية المفوضة التي تنهب أموالهم وتعطل أبنائهم ولا تجود بالضرورة خدماتهم ونظافة أحيائهم؟. عند ثقافة الممكنات وتوسيع الصلاحيات وقبول المبادرات وتنظيمها من طرف الجهات المختصة وفق معايير محددة، هل كان من الممكن أن نوسخ شوارعنا وأحيائنا بأنفسنا وبهذا الشكل العشوائي والفوضوي لنقيم بعدها كل الحروب الطاحنة والمعارك القذرة كي نختار أو يفرض علينا من سيتكلف بنظافتها ولا يفي بذلك على أحسن وجه ممكن رغم ما يوضع رهن إشارته من طاقات بشرية وإمكانيات مادية؟. وقس على ذلك جميع الأمور في جميع المجالات، إحياء ثقافة الممكنات والعمل بها يجلب الكثير من المصالح للبلاد ويدفع الكثير من المفاسد عن العباد، وهو خير من انتظار كائن من كان استجاب لطلبات القوم أو عرقلها وهو الحاصل وإن بقدر ما؟.

 

ورب قائل، ما دامت التنمية رؤية، فهل من صواب رؤيتها، أن يقوم المجتمع المدني المتطوع بأعمال غيره من المنتخبين والمستشارين وتقوم الجمعيات الخيرية بأعمال غيرها من المجالس الترابية والمديريات الجهوية والقطاعات الحكومية؟، وفوق ذلك بأية وسائل وإمكانيات حتى لو كان ذلك من اختصاصها أو مسموح لها التدخل فيه؟. قال أحدهم عن فلسفة البؤرة المتسخة التي سرعان ما أصبحت مزبلة المدينة الضخمة، أنه كان ذات مرة قد رمى أحدهم بورقة مهملة في ذلك المكان النقي، وإذا بآخر قد رآه ورمى بدوره قشور فاكهة، وإذا بآخر وآخر.. وأخرى وأخرى وآخرون وأخريات، حتى تراكمت الأزبال وأصبحت البقعة بالعرف مطرحا، و"فكها يا من وحلتها"؟. ونفس الشيء بالشيء والعكس بالعكس، إذا بادر حي بفعل خير  وحملة تحسيسية أو مبادرة إحسانية وتأثر به حي غيره فحدى حدوه.. فحي غيره وحي غيره.. وإذا بتراكم مهم وممتد من الحملات التحسيسية والمبادرات المدنية والمشاريع التربوية والمسابقات البيئية والفنية والرياضية، حفر بئر.. وبناء جسر.. وتبليط قصر.. وأوقاف لمدارس وجمعيات وجوامع وجامعات.. فلا تحقرن من المعروف شيئا وفوق طاقتك لا تلام؟.

 

معلومة قيمة سمعتها من أحد الأساتذة الأجلاء وهي تؤكد لنا هذا المنحى التوجيهي حول أهمية العمل بالممكنات في التنمية، ومفاد القولة: " هل كانت اليابان لتنهض بهذا الشموخ وتصعد إلى قمة الكبار وهي من أفقر دول العالم من حيث الموارد والإمكانيات، نظرا لطبيعتها الجغرافية الصخرية ومساحتها الصغيرة وتضاريسها الزلزالية"؟، ولكنها لم تبقى مكتوفة الأيدي، بل استثمرت في إنسانها الياباني بقيمه وتعليمه وفتحت أمامه باب إحياء الرغبات والعمل بالممكنات وتثمين القدرات، فكانت الثورة اليابانية الهائلة والهادئة والشاملة، والتي لم تكن فيها الموارد والإمكانيات إلا شيئا يسيرا وفوق ذلك مستورد من الخارج، فالممكنات.. الممكنات.. قبل الإمكانيات.. ومعها وبعدها.. فلا تنمية مع إمكانيات مفقودة ومقيدة وممكنات مجهولة ومهملة، وتحية لأصحاب برنامج "ممكنات" على إحدى الإذاعات الخاصة، تحية لأصحاب المسارعة في الخيرات وشتى أنواع الطاعات الذين يجعلون من كل تسبيحة صدقة.. من كل تحميدة صدقة.. من كل مساعدة للغير صدقة.. من كل صلة للرحم صدقة.. وفي بضع أحدهم صدقة.. بإصلاح النية وإخلاص العمل وحسن التوكل تصبح لهم العادة عبادة وصدقة.. والممكن إمكانا وتنمية.. ما أغناهم ما أغناهم وهم يحصلون لأنفسهم الأجر والثواب عبادة وعادة، ويشيعون بينهم وفي محيطهم الثراء والنماء إمكانيات وممكنات ؟.

الحبيب عكي


اقرء المزيد

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

المشاركات الشائعة