Top Ad

الجمعة، 22 ديسمبر 2023

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

بيننا وبين الأشكال الفعالة للتضامن مع فلسطين


     بالطبع، لا يكون العاقل ضد أي شكل من أشكال التضامن مع فلسطين وتبني قضيتها التحررية العادلة والانخراط في نصرتها بكل ما هو متاح ومباح، وفوق ذلك أهمية الاستمرار في ذلك بهمة عالية والدعوة إليه بحزم وطول نفس، وعلى رأس ذلك ما أصبح معتادا اليوم من الوقفات الاحتجاجية الشعبية والمسيرات التضامنية الوطنية والدولية، وغيرها من الفعاليات الاجتماعية والفنية والرياضية..، وكلها ترفع الآذان في واضحة النهار وتقرع الأجراس في عز الليل، على أن هناك شيئا ليس على ما يرام، هناك حرب عدوانية صهيونية على غزة المقاومة الأبية، وجرائم صهيو-أمريكية ضد الشعب الفلسطيني والضمير الإنساني العالمي، لابد لها أن تتوقف دون قيد ولا شرط؟. لا أحد يجادل في أهمية هذا، خاصة إذا استحضرنا مجرد التكاليف المرهقة للدعوة إليه والتعبئة له.. والترخيص.. والتنظيم.. في أوساط عربية بيروقراطية وأمنية إلى أبعد الحدود، أو حتى في أوساط غربية تعرت كل حريتها وديمقراطيتها وبانت عورتها حتى أصبح مجرد الدعوة إلى مثل هذه الأنشطة النضالية التضامنية الإنسانية تهمة يحاكم عليها المشاركون فيها أحيانا كما حدث ويحدث في بريطانيا وألمانيا وأمريكا..؟.

 

لكن وبالطبع أيضا، هناك العديد من المفارقات الغريبة العجيبة، إذ رغم أن الوقفات والمسيرات في تزايد لإيقاف الحرب.. وقد بلغ عددها أزيد من 4 ألاف وقفة ومسيرة في يوم التضامن مع فلسطين (29 نونبر) إلا أن الحرب لا تزال مستعرة؟. لإنقاذ الضحايا الأبرياء من الثكالى والأرامل والحد من موجات الأسر والتهجير.. إلا أن مواكب الشهداء تتوالى والضحايا كل يوم يتساقطون؟. لإيقاف الدمار وفك الحصار عن القطاع وإدخال المساعدات.. إلا أن الحصار لا زال محكما حتى في معابر الجوار غير معابر بني صهيون؟. لمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة واعوانهم وعملائهم.. إلا أنهم كلهم لا يزالون منتشين بوهم حريتهم المجنونة وغطرستهم المدمرة؟. بل المفارقة الأغرب أن أصبح المواطن العربي المسلم المسكين يعتقد أن مجرد حضوره مسيرة احتجاجية ورفعه ما تيسر من الشعارات الغاضبة وحرق علم العدوان الذي اشتراه وخاطه من ماله الخاص..، إذا فعل كل هذا ودعا بدعائه الخالص فقد أدى الذي عليه واعتذر للقضية وأربابها، وأغرب من هذا أن الكل أصبح يفعل ذلك ولا يتعداه إلى غير ذلك.. مواطنون عاديون مستضعفون.. قضاة ومحامون.. برلمانيون ومستشارون.. زعماء ونقابيون.. جمعويون مدنيون.. وربما حتى الرؤساء كالرئيس الكوبي والتشيلي اللذين خرجا في مسيرات شعبيهما مشكورين على كل حال؟.

 

وبالطبع، لا تستمر هذه المفارقات الغريبة، وتقلب أعمال العقلاء عبثا في عبث، نتساءل: هل كل مبلغنا من التضامن مجرد هذه الأشكال البسيطة القاصرة، على أهميتها وضرورتها؟. إلىى أي حد تتمكن هذه الأشكال من خلق رأي عام وطني ودولي حازم وحاسم لصالح القضية على غرار غيرها من القضايا العالمية والإنسانية كالبيئة والمناخ أو الحرية والمجاعة والهجرة.. والقضية حبلى بكل هذه القضايا؟. وهل العدو الصهيوني وحلفاؤه يكترثون بشيء غير حرية القوة والبلطجة التي يشهرونها في وجه كل رأي عام معارض.. ونشرات إعلام قاتمة.. وجلسات برلمان غاضبة..؟. وهذا لا يعني أن لا أحد ولا شيء يستطيع إيقافهم عند حدهم، بل العكس، هم أوهن من بيت العنكبوت، و"حماس" وحدها دوختهم ومرغت كبريائهم في وحل الذل والمهانة وعلى امتداد أزيد من شهرين متتالين، فما بالك لو كان بجانبها فدائيون آخرون حماس أو حماسين؟، ما بالك لو وجدت المقاومة الباسلة من يقاوم معها بالقول والفعل وعلى امتداد الحرب وفي مختلف جبهاتها؟. فالكيان الصهيوني (العدوان والاحتلال) والولايات المتحدة (الدعم والمساندة) والأمم المتحدة (الكيل بمكيالين) مثلث الشر في العالم، لن يغلبوا كل العالم لو كان جادا في نصرة المظلوم ومحاربة الظلم والحرص على عالم آمن وبدون استعمار.. وبشرائع سماوية واضحة وقوانين دولية عادلة يفرض احترامها على الجميع؟.

 

طبعا، لم نستنفذ كل أشكال التضامن مع الشعب الفلسطيني ولم نعبأ كثيرا بالفعال والناجع منها، لم نستثمر طاقاتنا ومدخراتنا في ذلك، ولنا أن نتساءل مثلا عن كل هذه الفعاليات التضامنية مع الشعب الفلسطيني المتعددة والمتنوعة.. مجالات.. ومنظمين.. وأهداف.. ما الذي يجمعها.. ويحكم بنائها.. ويراكم نفعها فعالية فعالية.. بدل هذا القم بفعاليتك وامشي؟. ما الذي سيقتحم المجالات الفعالة التي لازالت فارغة أو منقوصة الفعل النضالي وعلى رأس ذلك: الترافع الحقوقي على المستوى الدولي؟، ..  إدخال القضية بشكل غير محتشم إلى أوساط القرار المجتمعي المحتدم، السياسي (أحزاب ونقابات) والعلمي (علماء وفقهاء وخطباء) والجامعي (أساتذة وباحثون وطلبة)  وقطاع خاص (شركات ومقاولات ومؤسسات) نشطاء مدنيون جمعويون واجتماعيون (وجهاء وأعيان).. وغير ذلك من مؤسسات التنشئة الاجتماعية وبعضها لا زال يتحسس من القضية وما يمت بها من المواقف والأنشطة؟. متى وكيف سيجرأ القرار السياسي عندنا ليكون منسجما مع نفسه في تبني القضية الفلسطينية كقضية وطنية، مستجيبا في ذلك لمطالب الشعب في مسيراته التضامنية المليونية وقد نادت بإسقاط التطبيع بكل أشكاله، وإغلاق المكاتب وطرد ممثلي العدو الصهيوني، وحل جمعية الصداقة البرلمانية بين البلدين، وإيقاف هرولة بعض المدن والجماعات والفرق اتجاه التوأمة أو الحضور المتبادل في الأنشطة الثقافية والفنية والرياضية والمعارض الفلاحية..؟.

 

وفي الأخير بالطبع، ما حظ انخراط الشعب في هذه المقاطعة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعدو الصهيوني من جهة، ودعم الشعب الفلسطيني من جهة أخرى بمده بالمساعدات المستمرة، بتبني بعض ضحاياه من الأيتام والمحتاجين والانفاق عليهم كل شهر طول احتياجهم، على اعتبار أن المعركة معركتنا وضحاياها من ضحايانا، كم صندوق لجمع التبرعات في أسرنا لهذا الغرض؟، كم مقابلة رياضية و أمسية فنية أو ورشة مسرحية و مسابقة ثقافية لازلنا نحيي بها ذاكرة الأجيال في مدارسنا وجمعياتنا ومخيماتنا حول القضية؟، لماذا أصبح البعض يتحسس من مثل هذه الأنشطة والابداعات الجادة والهادفة؟، أين انخراطنا القوي والدائم في مقاطعة المواد الاستهلاكية للعدو الصهيوني وداعميه وعملائه، وتربية أبنائنا وأسرنا على ذلك ولدينا من منتوجاتنا المحلية ومشروباتنا الطبيعية ما هو ألذ وأطيب ويغنينا عن ذلك. أين تنظيمنا كذلك للجهود الميسرة في إعادة الإعمار وإغاثة اللهفان، وهو الأمر الذي يقدم عليه بعض المناضلين والمحظوظين ولكن باحتشام وطرقهم الخاصة، لماذا لا يتيسر هذا الأمر للجميع وكثيرون من يستطيعونه ويرغبون المساهمة فيه، أما ينبغي على الهيئات الحزبية المناضلة والجمعيات الاجتماعية أن تلعب دورها في هذا الصدد، في تيسيره وتأطيره حتى تكون الأمور واضحة وقانونية يأتيها المساهم راغبا غير راهب؟.

 

أخيرا وبدون طبع، كم كنا نرى اعتداء المقدم أو القائد على مواطن أو مواطنة في سكناها بمحاولة هدمه بالقوة، فإذا بالمعتدى عليه أو عليها تستعر وتولول وتخرج كل أهل الدوار ليتضامنوا معها، وإذا بكل أفراد الأسرة يرافعون ويشرحون القضية والاعتداء من جهتهم كل منهم في زاويته، وبسرعة يستدعون كل مصطلحات العنف والاعتداء والتعسف والشطط في استعمال السلطة.. وإذا بالمباشر يتلعلع على الفايسبوك وينغص راحتهم المخملية على سكان الأنستغرام.. وإذا بالأب الصحيح الفصيح يتهاوى على الأرض ويغمى عليه.. فلا توقظه بصلة ولا ثوم ولا مفاتيح.. ولا ينقده إسعاف ولا مستعجلات إن وجدت.. وإذا بالأم المكلومة على كبرها وعجزها تتسلق عمود الكهرباء أسرع من الشباب، وتعتصم به صارخة بأعلى صوتها "أنا بالله وبالشرع" .. مستنجدة بجلالة الملك منادية عليه ورافعة صورته والعلم الوطني.. وإذا بالأبناء والبنات يهددون بحرق بطائقهم الوطنية وكل ما كانوا يظنونه يربطهم بالوطن لقطع كل صلتهم به..؟، هذا على إمكانية وجود خطإ من طرفهم.. في كونهم لا يتوفرون على رخصة مثلا، أو خالفوا قانون البناء بزيادة أو نقصان.. أو غير ذلك، ولا مجال للمقارنة؟. وكل هذه "الحيحة" من أجل رفض الظلم والتعسف واسترداد الحق المزعوم، ولكن إذا ما تعلق الأمر بفلسطين اكتفينا بمجرد تظاهرة؟.  وأية تظاهرة مهما كانت إذا لم تساهم في رد الحق لصاحبه أو تحرك القرار لصالحه الذي هو صالحك، فقد تكون مجرد لعبة بين حرية الصمود والصامدين و حرية السكوت والساكتين، فكم يا رب ستكرر بيننا هذه اللعبة الملهاة المأساة، وكلنا أمل كما يقول "ع.برشيد" على تحرير هناك من هنا وتحرير هنا من هناك؟.

الحبيب عكي


اقرء المزيد

الخميس، 7 ديسمبر 2023

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

بين المناخ في غزة وقمة المناخ في دبي؟.

       أتذكرني ذات مرة، كتبت في إحدى مقالاتي: " ثورة المرافق الصحية لن تقوم بعد Cop22"، وهي القمة المناخية العالمية التي أقيمت في المغرب سنة 2016، باحتفالية كبيرة وآمال عريضة، زادتها أرض المغرب الآمنة وترحابه الخرافي وحماسه المنقطع النظير، اشعاعا وانبهارا غير مسبوقين في كل القمم، إلى درجة كان الناس يظنون أن كل العالم جاد هذه المرة في التعامل مع المعضلة المناخية، وأن راعية القمة صاحبة الهمة الأمم المتحدة ستتعاون مع كل الدول للتغلب على معضلاتها البيئية المتفاقمة، لما في ذلك خير سكانها، نسائها وأطفالها، شبابها وشيوخها، وهم إن كانوا ربما لا يعانون من الاحتباس الحراري والأمطار الحمضية للدول الصناعية، فأكيد هم يعانون وبالملايين من انعدام المياه الصالحة للشرب أو نذرتها، وهم محرومون من التيار الكهربائي وما يمكنهم من تشغيل المصابيح ولأدوات والمحركات، وهم يختنقون كل يوم بالهواء الملوث غبار الزوابع الترابية والرملية ودخان المعامل والاستخدام المفرط والعشوائي للطاقات الأحفورية من فحم وبترول، وهم بالملايين في هذه الظروف المقلقة وعبر مختلف بقاع العالم يعانون ومهددون، ولا حول لهم ولا قوة إلا الاعتقاد بالصبر والتشبث بالأمل؟.

 

وفعلا، مرت الدورة المغربية Cop22، وبعدها الدورات تلو الدورات، إلى أن وصلنا اليوم بعد دورة مصر Cop27 إلى دورة البتر ودولار  في الإمارات 28 Cop، ولازالت معظم الأمور المناخية والبيئية وأهمها والجاد منها والحقيقي كما هو في كل العالم إن لم يكن يتفاقم، ونحن الذين نريد ككل القمم أن يتناقص نوعا وكما وامتدادا وفتكا وضحايا، ولكن مع الأسف لا نحصد غير التزايد بدل التناقص، خاصة في الدول الكبرى الصناعية والمنتجة والتي يتأكد كل يوم أنها لا تهمها غير مصلحتها الاقتصادية ولو على حساب من كان؟. ولن يغفر جرمها البيئي ما ترميه وتساهم به من فتاتها المالي في كل قمة، ما لم تستطع استبدال طاقاتها الأحفورية الملوثة بالطاقات النظيفة المتجددة، ولا يستطيع فيها المواطن الأمريكي مثلا التخلي عن سيارته رباعية الدفع الفارهة أو دراجته النارية الضخمة الاستعراضية وكلها آلات جهنمية لالتهام المحروقات وإنتاج التلوث؟. تلوث أصبحت حتى الدول الفقيرة في عمقه وخناقه الذي انضاف فيه الطبيعي إلى العولمي، فأصبحت أقل أزماتها أخطرها كالجفاف والاجهاد المائي وتأثيرهما على العديد من المجالات التنموية كالفلاحة والطاقة وهجرة السكان بدل استقرارهم؟.

 

اليوم، تأتي قمة دبي  28 Cop، وهي قمة البتر ودولار بعشرات المليارات من الدولارات ( ) تحاول أن تسوق بها من الوهم حلما ورديا، لكنها عبثا تحاول، لأن الواقع غير الواقع والعالم غير العالم، فأي مناخ تريد التسويق له والمناخ الحقيقي في غزة ولازالت الآلة الحربية للكيان الصهيوني المجرم تدكه دكا، وعلى رؤوس الأطفال الأبرياء والنساء والشيوخ والمدنيين العزل؟، وبتواطئي ودعم مجاني للغرب السافر الأخرق وفرجته وعجزه حتى عن الإدانة فبالأحرى اتخاذ القرار وسلوك النصرة للمظلوم بإيقاف الظالم عن طغيانه وجبروته، وإزالة كل أسباب التوتر في المنطقة والتي هي الاستعمار والاستيطان؟. وإلا ما معنى تحسين أوضاع حياة البشر وأمنهم واستقرارهم التي تتغنى به القمة كمخرج من مخرجاتها؟، أي مناخ وأية بيئة تدافع عنها  28 Cop، وجل  المباني في غزة محطمة هناك، لا ماء ولا كهرباء.. ولا غذاء ولا دواء.. ولا استشفاء..، ولا أبسط ظروف العيش الكريم والإنساني؟. أية حقوق وأية كرامة تتبجح بها قمتكم  28 Cop، وكل الناس في غزة لا تنام ولا تستيقظ إلا على متفجرات فسفورية وقنابل انشطارية وصواريخ باليسكية محرمة دوليا.. وجعلت كل البيئة البشرية هناك بين مقتول أو جريح.. مصاب أو مكلوم.. مصدوم أو مفجوع.. أو نازح أو أسير مقهور.. لا حرية له ولا وطن.. لا كرامة.. إلا العزة والإباء؟.

 

أي مناخ وأية بيئة تدعو إليها قمتكم  28 Cop، غير مناخ التطبيع الفاسد الملوث.. والمقاومة الباسلة المظفرة وكل المناصرين لها من أحرار العالم له بالمرصاد ولن يمر ولن يسود؟. غير بيئة القرار الديكتاتوري للعديد من الحكام الذين يحتقرون شعوبهم ويسحبون منهم حق المبادرة والمشاركة في القرار.. ولن تسود مثل هذه البيئة القاتلة ما دامت الشعوب حية ونبضها مهما سكنت أو استكانت هادر ثائر؟. غير مجرد رواج اقتصادي ومصادرة الموارد الطاقية للمنطقة، وطال الزمن أو قصر لن تربحوا معنا ما دام في شعوبنا روح لا زالت تتنفس المقاطعة وتستحلي المجاهدة بها، ولو سجنت أجسادها في بحر الانتاجات المحلية فهي أصيلة وأفضل بمئات الدرجات من العولمة المتغطرسة الساحقة الماحقة؟. ورغم كل الفظاعات والحماقات والقمم المتكبرة الشاردة، فلا شيء يضير لأن المقاومة لا زالت ممكنة وستظل.. لازالت الشعوب تستطيع قول لا عبر مسيراتها المليونية التي تصرخ في كل مرة "إن كان للأنظمة إكراهاتها فإن للشعوب خياراتها".. لا شيء يضير ما دام قلب العالم الغربي مليء بالأحرار والحرائر من كل الأجناس وكل الأعمار يقولون لا وألف لا للحرب والإبادة الظالمة في وجه رؤسائهم.. وفي شاشاتهم كما في جامعاتهم وشوارعهم؟.

 

وأخيرا، ما أشبه اليوم بالبارحة، بهرجة في بهرجة، وتبذير في تبذير، وسخرة مجانية بلهاء لمن لا يستحق، بل يعتبر كل العالم مجرد مزرعته وعبيده من حقه أن يستعبدهم، يجلدهم أو يبيدهم إن شاء، إنها ثقافة وعقلية و"Habitus"، 180 من رؤساء الدول.. 500 ألف طلب حضور للمشاركة.. 97 ألف حضور فعلي في المنطقة الزرقاء(الأممية/الرسمية).. و400 ألف في المنطقة الخضراء(الخصوصية/المدنية).. غياب رؤساء وحضور صهاينة.. خطب بلهاء ملطخة بدماء الأطفال والشهداء.. مخنوقة بصرخات الثكالى والأرامل.. انسحابات بالجملة على استحياء.. واحتجاجات بدموع في بلد تمنع فيه حتى الشموع؟. ماذا فعل كل هؤلاء مع اهتمامات القمة المناخية والتحديات البيئية والهموم البشرية؟.. بكم ساهمت في تضميد الأضرار المناخية في كل الدول - على فظاعتها - أفعالا لا أقوالا؟، هل حل السلم في فلسطين والعراق والسودان؟.. هل توقفت الهجرة والنزوح القسري في أي بقعة من بقع التوترات؟.. أي دولة حققت الاستهلاك المستدام لمواردها لضمان حق الأجيال؟.. إلى أي مدى تتمتع ساكنة العالم اليوم بحق السكن والعمل وحرية التنقل والإقامة وحسن الجوار وآداب الحوار؟.. كم دولة تنتهك فيها حقوق الأطفال والنساء؟.. هل هناك حرية التعبد وممارسة الشعائر الدينية للعالمين دون اتهامهم بالتطرف والإرهاب والكراهية؟.. ما حال البيئة الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقانونية...؟.. أم ما بالنا وكل هذه الخزعبلات.. يكفينا ما نالنا من السفريات والإقامات والعمولات، وما شاركنا فيه من الندوات والورشات واستمتعنا به من السهرات.. وما عاد به كل ذلك على نهج سيرنا وملفات ترقينا وفرص تسلقنا.. وقد أصبحنا بعد القمة في القمة أبطال الأرض وأبطال السماء؟.

 

ما أشبه اليوم بالبارحة، لقد مرت قمة المناخ المغربية  22 Copولم تحدث ثورة المرافق الصحية في المغرب ولا في العالم، وهي التي رفعت شعار: "مرفق صحي في كل بيت" ولم ترى النور هذه المرافق لا في البيوت ولا حتى في الشوارع والحدائق والساحات العمومية بل حتى في المؤسسات التي قد يضطر إليها المرء أحيانا فلا يجد ولو بملإ الأرض ماسا وذهبا؟، المرفق الصحي بما يعني ذلك سكن لائق لكل أسرة.. ماء صالح للشرب.. نظافة الأبدان والمكان.. إضاءة.. عمل.. وغير ذلك من ظروف العيش الكريم. وأتذكر، كم كانت صدمة أحد الصحفيين الحقوقيين المغاربة وهو يزور أنداك احدى مناطق الجنوب الشرقي ولم يجد عند أهلها مرافق صحية عصرية لائقة ولا مستلزماتها بالطبع من ماء وصابون و ورق صحي..، بل وجد عندهم مرافق بدائية ترابية بمجرد الاسم "وخلاص" لا تليق حسب فهمه بالآدميين، وإن كان هذا الصحفي قد كشف  22 Copفي المغرب بهذا النقص البيئي، فمن يكشف 28 Cop في فلسطين/غزة بل في بلد تنظيمها الامارات/دبي، بلد "التطبيع" و"الهرولة" و"الربعية" المجانية وهي أخطر الملوثات المدمرة التي لن تمحو ضررها  المستدام كل قمم الأرض والسماء، تكرر بين القوم مصير القطط التي  كانت يوما تستحم بالنفط وتتغنى بالبتر ودولار  تحت حماية الصهاينة وحراسة الأمريكان، فيوم جفت الآبار من لعابها الزعاف ماتت المسكينة اليتيمة من العطش مصلوبة على الحائط، ولا عزاء للربعيين النشامى؟.

الحبيب عكي
 

اقرء المزيد

الأربعاء، 22 نوفمبر 2023

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

قراءة سوسيولوجية في حراك أساتذة المغرب.

 

        في الحقيقة، لقد تراكمت الأسئلة الاجتماعية الحارقة في السنوات الأخيرة في هذا البلد الكريم، ورغم أهميتها البالغة والمصيرية لعموم المواطنين، فقد بقيت على الدوام بدون إجابات شافية كافية أو تكاد، وهي في الحقيقة كالنار تحت الرماد، لا تنسى وإن خبت جذوتها وتوارى لهيبها وبدت وكأنها قد طواها الزمان وما طواها ولكن الدواهي يزيح بعضها بعضا. أزمات متتاليات وحكومات متعاقبات ولا شيء في جوهر الجوهر قد تغير إلا بالقدر الذي تسمح به مقاربة الضبط الاجتماعي والتوازنات الماكرو اقتصادية التي تحرص عليها المبادرة الرسمية وما تسمح به أحيانا من فتاة مادي أو معنوي وإن كان بعيدا عن مطالب المحتجين ومعانات المقهورين، فأزمة "كورونا" لم تغيرنا.. وجواز التلقيح لم يحررنا.. وارتفاع الأسعار وغلاء المحروقات قد ألهبتنا رغم الصراخ ونهبتنا رغم الهشاشة على سبيل المثال.

 

         اليوم، يأتي حراك الأساتذة الهادر، ليملأ شوارع العاصمة الرباط بحشود جرارة.. غاضبة.. صاخبة.. بعدما ملؤه من أبواب المديريات الصماء والأكاديميات العاجزة المتفرجة، وبعدما هجروا من الأقسام الفارغة والمؤسسات الكسيحة، وبعدما عطلوا فيها من دراسة التلاميذ والتلميذات، على خلفية النظام الأساسي الجديد في منظومتهم التعليمية والذي -حسبهم - سيرتهن لاجحافه وضرره مستقبلهم المهني الغامض ووضعهم الاجتماعي المتردي ككل، وبالتالي، وضع المدرسة العمومية المعطاءة والرهان التعليمي كمدخل وحامل تنموي فعال في كل بلدان العالم. ترى، ما لذي حرك أساتذة المغرب في هذا النظام الأساسي الذي يصفونه بنظام المآسي؟، وهل هو المحرك الحقيقي الوحيد أم القشة التي قصمت ظهر البعير؟.

 

         يقول السوسيولوجيون، ليست الأسباب الظاهرة هي التي تحرك الأشياء، وإنما هي واجهات لظواهر كامنة وأخطر بمثابة كرة الثلج المتدحرجة في اتجاه فعل وتفاعل مجهول، وفعلا، يجيب الأساتذة أن الذي حركهم هو "الحكرة" .. هو "الضغط"الزائد.. هو "المقاربة التأديبية" في زمن الحقوق.. هو "العطاء والتعويض" لمن لا يستحق على حساب من يستحق.. هو السياسة المتجذرة لفرق تسد.. هو المس بالقدرة الشرائية.. هو خنق الظروف المهنية فوق اللازم.. هو تعميق الازدراء المجتمعي اتجاه معلم ومربي الأجيال.. هو الإيقاع بالجميع في متاهات لا أول لمخاطرها ولا آخر.. أقلها متاهة "السن" وإشكال تسقيفه في 30 سنة للمتعاقدين.. و63 سنة للمتقاعدين.. وفي كل منها أضرار صحية ونفسية واجتماعية قد تصل حد حرمان البعض من ولوج أسلاك الوظيفة العمومية أو الموت بطئا في أتونها دون موجب حق؟.

 

          وأي قراءة سوسيولوجية أولية في بانوراما هذا الحراك التعليمي لأساتذة المغرب، تقول أن حراك الأساتذة الهادر هذا يأتي حلقة جديدة في سلسلة الحراكات الوطنية المتواصلة والمتصاعدة، رغم ما يظنه البعض من أنها اختفت اختفاء قسريا ولا يمكن أن تقوم لها قائمة في مثل هذه الظروف التي وكأنها تتسم بكثير من الضبط وكثير من عدم الاكتراث، ولكن، بعد حراك 20 فبراير.. جاء حراك الريف.. وبعده حراكات "كورونا"، وبعدها حراك المسيرة المليونية تضامنا مع المقاومة في غزة ومناهضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، بما يعطي الدرس الواضح الفاضح لكل من يهمه الأمر، بأن السياسي والاجتماعي في هذا البلد حي وحيوي، ويستحيل فيه إقبار الإرادة الشعبية للمواطنين، ودرس أبلغ للمناضلين اليائسين باستمرار جدوى العمل الجماعي وإمكانية التعبير والمشاركة في التغيير نحو غد أفضل للجميع ولهذا البلد الذي يسع الجميع ويحتاج على الدوام لجهود الجميع وصدقهم وإخلاصهم.

 

         قلت، أزيد من 100 ألف أستاذ وأستاذة مضربون في شوارع العاصمة الرباط، 50% منهم ولأول مرة من الإناث، معدل متوسط سن المدرسين بين 28 و30 سنة، ومعدل سن المؤطرين للحراك من التنسيقيات لا يتجاوز 45 سنة، ببروفايلات نضالية وتجارب مهنية غنية ومهارات تواصلية فائقة..، على عكس، شيوخ النقابات المتقاعدين والمفرغين، وهم يخططون دون خجل ولا وجل لمن يمارس المهنة وهم لا يمارسون؟. أما جيل الأساتذة المضربين وحسب شعاراتهم ونضالاتهم ومساراتهم.. فهم من الجيل الذي لا يهتم لا بالأداء ولا بالاقتطاع، وأصلا، لا يعمل بعضهم أكثر من ساعتين أو نصف يوم على الأكثر، أو تجده يعمل في مؤسسة خصوصية إلى جانب دوامه العمومي، أو مشروع خاص كان يملأ به أيام عطالته السوداء ولازال يستثمر فيه، أو من المنفتحين على العمل عبر شبكة الأنترنيت ومواقع التواصل والأرباح حسب جودة المحتوى وقدر الجهد والرواج؟، هذا بعدما كان مجمل رجال ونساء التعليم يعطون لتعليمهم بقلبهم وعقلهم وكلهم كل شيء، ولا يكاد يعطيهم هو بالمقابل حتى ما يكفيهم فبالأحرى ما يغنيهم، مما دفع ببعضهم إلى المسار الأول والذي سيتسع يوما بعد يوم طالما تعقدت المعضلة وبقيت دون حل منصف وعادل وعاجل؟، لأن كل هذه مؤشرات تستوجب تغيير القرار في بلد تتغير فيه القرارات على خلفية أحداث فردية، كقانون "أمينة" وقانون "ثابت" نموذجا، فما بالك بالأحداث الجماعية كحراك أساتذة المغرب الذي تدعمه كل القوانين وفي مقدمتها "قانون الإطار" الذي أصبح – على كل حال - ملزما للجميع؟.

 

         نتائج مبهرة حققها هذا الحراك السلمي الحضاري رغم كل شيء، أولها انخراط الشغيلة التعليمية في الاضراب/الحراك بشكل واسع وغير مسبوق تستحيل كل محاولات التعتيم والتنقيص منه؟، إيصال قضايا الأستاذ والتعليم عموما إلى كل فئات الشعب الذي تعاطف معها بشكل واسع، وعلى رأس أولاءك التلاميذ والأمهات بوقفاتهم ومسيراتهم التضامنية المستمرة. بل إن وزير القطاع وكأنه أسقط في يديه وأصبح مهمشا.. صامتا.. لا يدري – مهندس النموذج التنموي الجديد – لا ما يقدم ولا ما يؤخر، وهو قد فقد السيطرة على الوضع وأصبح رئيس الحكومة هو بنفسه من يقود الحوار مع النقابات، هذه النقابات ذاتها أصبحت ذليلة معزولة ومتجاوزة لا تطلب أكثر من حظ البقاء، أمام زخم التنسيقيات الوطنية التي تكونت في رمشة عين عبر منصة "واتساب" دون كل البيروقراطيات الشكلية المعهودة والمتجاوزة، والتي زاد من قوتها كون النظام الأساسي جاء موحدا بين جميع الفئات، فوحدها وهي التي طالما عانت من وهن التفرقة وضعف التشرذم ؟.  

 

         وأخيرا، قد يتساءل المرء، لماذا لا يحدث مثل هذا أو حتى عشر معشاره في معضلة ارتفاع الأسعار ولا معضلة غلاء المحروقات.. ولا التطبيع.. ولا المدونة.. فلو خرج فقط في كل معضلة اجتماعية وفضيحة سياسية ربع ما خرج في حراك الأساتذة لكان له طيب الأثر ولا أراح المغاربة من كل هذه المعضلات وأخطارها الراهنة والمرتقبة، وجوابا على السؤال المشروع والوجيه، يبدو أن الحراكات التي يستجاب لها أكثر هي الحراكات القطاعية/المهنية/الفئوية التي تتعاطف معها فئاتها الاجتماعية وهي مستعدة للتضحية من أجلها إلى أبعد الحدود وبشكل مكثف ومستمر وممتد عبر كل أبناء القطاع/الفئة.. خريجون معطلون.. أطباء الغد.. أساتذة متعاقدون.. عمال شركة.. وهكذا، أكثر من أي شيء آخر عام ومشترك على أهميته ولكنه قد يتأدلج بسوء أو حسن نية فيفقد مقومات الصمود والنجاح.

 

         الدرس إذن، من أجل عمل جماعي وتغيير مجتمعي، لابد من تجاوز الإطارات المستهلكة التي أصبحت عقيمة أو تكاد، والتي أصبح وجودها في حالة البعض مقدما على الملفات والقضايا؟، تغيير أو تعزيز وسائل العمل في الإطارات التنظيمية المعقدة باستثمار وسائل التواصل الاجتماعي التي يصطلح عليها منذ الربيع العربي بوسائل "الميدان" على افتراضيتها. التركيز على الفئات المعنية وتكثيف التواصل معها ومع غيرها؟، النضال الميداني والقانوني السلمي والمحاور باستمرار..؟، وكل هذا سيغير عقلية الاطار النضالي حتى يدرك أن الموضوع قضايا وملفات وليس مجرد وجود وواجهات، بل وسيغير وبالأخص عقلية المسؤول حتى يدرك ألا مناص من العدل والانصاف والاشراك الحقيقي للمعنيين كما ينص على ذلك الدستور في التشخيص والتقييم والتقويم والقرار..، فقد حضر إلى المؤسسة التعليمية خلال الحراك، كل من السيد المدير.. والحراسة العامة.. والتلاميذ والتلميذات.. ولم يحضر الأستاذ، فلم يكن شيئا.. فكيف لا يستحق أي شيء؟.

الحبيب عكي



اقرء المزيد

الجمعة، 13 أكتوبر 2023

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

في مقاومة الوعي الزائف ضد طوفان الأقصى.

سبحان الله، يبدو أن "طوفان الأقصى" المظفر، جاء بالنصر المؤزر في وقته وبزخمه وفي اتجاهه، وسيحرك العديد من المياه الراكدة، ويجرف العديد من النتوءات الآسنة، ويقتلع العديد من الفطريات السامة والأتربة المترسبة والمحنطة على كثير من الأعمدة الصدأة المنخورة، ولكنها لازالت تتعلق بقشش البعير وتدعي بعرة الوعي والرأي والسداد وإن في وهم المسلسل الحمضي لما يسمونه بالمفاوضات والسلام (المفاضحات والاستسلام) التي طالما رأت فيها عاصما من القواصم ونجاة على الأقل في كبرى العواصم، وهي في الحقيقة لا تعدو كونها مثل نجاة ابن نوح عليه السلام، إذ قال له أبوه الرسالة والوعي والأمة: "يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين"، قال: "سآوي إلى جبل يعصمني من الماء"، قال له أبوه وهو يراه قد أدركه الطوفان: "لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، وحال بينهما الموج وكان من المغرقين" هود/43.

 

وأكيد أنه لم يمضي وقت اختنقت فيه الأمة وهزمتها الأزمة ولفتها الغمة من كل جانب ومتاهات فقدان البوصلة واضطراب الملة، وهوان الموطن والمواطن والأخ والصديق في الذمة، لم يمضي وقت كهذا الوقت الرتيب العصيب، فما أن بدأ "طوفان الأقصى" بهجوم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على الكيان الصهيوني الغاصب، وبشكل مفاجئ يوم 7 أكتوبر 2023 المبارك، حتى طفحت على مجمل منصات التواصل الاجتماعي ومجمل البرامج الحوارية في الإذاعات والفضائيات، جرأة غير معهودة وحرقة غير مسبوقة، يروج فيها المروجون للمغالطات بشبه يقين، ويبدون من الأحقاد ما بدا لهم دون خجل، جهل مركب دون وجل، وتخندق ايديولوجي على عجل، وكأنها حرب إعلامية ونفسية بالنيابة ضدا على حقائق تاريخية وميدانية لم يقل بها حتى العدو الصهيوني نفسه، ولكنها قيلت عنه بالنيابة وبالمجان حتى يعبر أصحابها أنهم يعادون خيار المقاومة وأصحابها، حتى لو وصفهم من كان بأصحاب الشيطان؟.  

 

"حماس" من بدأت هجومها والبادىء مسؤول وأظلم.. "حماس" بهجومها على المدنيين إرهابية.. "حماس" متهورة لم تقدر قوة "إسرائيل".. "حماس" ستجر المنطقة إلى الجحيم.. "حماس" ستجبر "إسرائيل" إلى سياسة الأرض المحروقة.. ستكون وبالا على أدرعها البشرية.. ستكون دمار على المباني العمرانية..  إلى أن تجرأ بعضهم بانهزاميته وهرولته فقال ضدا على كل الاجماع الوطني التاريخي: "كلنا إسرائيليون".. وتجرأ بعضهم فقال: "اللهم عمش الحصار ولا عمى الدمار".. وتجرأ غيرهم فقال: "فلسطين ليست قضيتي.. وتازة قبل غزة"، وتجرأ غيرهم فقال: "على نفسها جنت براقيش".. وتجرأ غيرهم فقال: "اللي كلاتو المعزة في رأس الجبال..غاتخلصو في دار الدباغ"؟. فنسوا أو تناسوا حتى ما شربوا من خطابهم الحقوقي، ولكن، هكذا تفعل الهزيمة بنفوس أصحابها، تفتك بها فتكا وتحنطها تحنيطا حتى أنها لا تستطيع التفكير فبالأحرى التفكير السليم الذي لا تمتلك مقوماته ولا تأتي أبوابه، ويزداد هذا الفتك كلما غلف منطقهم بشبه الحقيقة والحرية والواقعية والموضوعية والقطرية والرؤية العربية ومتاهات القرارات الدولية في القضية؟.

 

"حماس" من بدأن الطوفان وهي المسؤولة والظالمة.. طيب، أتموا السؤال بنفس المنطق وأحضروا البداهة والشهادة يرحمكم الله.. من بدأ احتلال أرض الآخر؟، من قسم شعبه إلى جزر مسيجة كالحدائق بالأسلاك الصاعقة.. في كل من غزة والضفة وأراضي 48 والأقصى..؟، من هجر شتاته العالمي إلى أرض فيها شعبها وليست خلاء؟، من بدأ فيها التهجير والاستيطان بالقوة؟، من قدم له حل الدولتين على حدود 67 ولم يرضى بها؟، من قدمت له تنازلات الاعتراف في "أوسلو" ولم يعترف بالمعترف به؟، من أفرغ "مدريد 91" و"أسلو 93" و "كامب ديفيد00" و "المبادرة العربية 02" و"خارطة الطريق 03" وكل القرارات الدولية من التزاماتها ولم يفي بأي شيء؟. من كان يحتمي من جرائمه بالدعم الغربي الفاحش وبالفيتو الأمريكي الظالم والصمت العربي المهين؟، من ملأ سجونه الجهنمية بالأسرى؟. من رفض عودة اللاجئين؟، من بنى أسوار العار العازلة؟، من نصب حواجز التفتيش في كل معبر؟، من فرض الحصار على غزة 17 سنة مضت دون غذاء ولا دواء؟، من بدأ كل العربدات في الأقصى وباب العمود والشيخ جراح..؟. كل البدايات الظالمة كان قد بدأها العدو الصهيوني ولم يجعله المطبعون يوما مسؤولا فبالأحرى أن يثنوه عن جرائمه، واليوم، مجرد موقف نصرة صريح لا يستطيعون إعلانه ولو على الميديا وتلك فوقعة الفوقعات والوعي الزائف والنضال المغلوط؟.

 

إن استدعاء كثير من المحللين الموضوعيين والمؤرخين النزهاء وهم ذاكرة القضية، سيكشفون لنا وبكل وضوح ما قد علا ويعلو جبين بعضنا من ضبابية وخلط إن لم يكن خلط حقائق مغرض أو غير مغرض. ف"حماس" في الحقيقة وعند النزهاء لم تكن إلا مقاومة شعبية فرضها الاحتلال الصهيوني الغاشم وهو أمر مشروع في كل مقاومات الاحتلال عبر التاريخ. و"حماس" لم تكن سوى جزء من الشعب وتقاوم باسم الشعب الذي اختارها يوما ولا زال بما لا يقل عن 90% ، ولم يعارضها اليوم لا في الضفة ولا في القدس ولا في غيرها، ولها شرف قيادة حلحلة الوضع مع إخوانها من الفصائل الأخرى.  والمدنيون الصهاينة ليسوا مدنيين بل مستوطنين إحلاليين في مستوطنات غير شرعية على أراضي الفلسطينيين، بل أكثر من ذلك جنود فعليين واحتياطيين في جيش العدو، يمنعون بقوة النار حتى المرور بالقرب من المستوطنات ولو إلى أراضي المزارعين، حقائق يؤمن بها قادة الكيان وهم غير ما مرة يصارحون بعضهم البعض "نحن لا نواجه لا "حماس" ولا "الجهاد"، ليس أمامنا إلا الشعب الفلسطيني كل الشعب.. غزة.. والضفة.. وعرب 48.. والأقصى.. من يرضى بنا في هذه الأرض الملعونة"؟.

 

وكم تعلمنا عقيدتنا أن النصر والهزيمة بيد الله "والله يؤيد بنصره من يشاء" آل عمران/123. وأن القوة والكثرة على أهميتهما في الحرب فهي لا تحسم في شيء، قال تعالى: " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله مع الصابرين" البقرة/249. وقال أيضا: " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى" الأنفال/17. وكم تحكي لنا دروس التاريخ أن كل مقاومات الشعوب المحتلة لمحتليها بدأت صغيرة، ضعيفة، معزولة، في ما يشبه بداية انتحارية مستحيلة في العدة والعدد، وقدمت من التضحيات وتكبدت من الخسائر ما لا قبل لها به بكل المقاييس إلا مقياس نيل الحرية وعيش وطنها في ظلالها الذي تسترخص من أجله الشعوب كل شيء؟. هذه مقاييس التحرر من العدو المحتل، أساسها الإيمان بالله تعالى وبالقضية الوطنية وما تستوجبه من الفداء وإراقة الدماء وهذا لعمري تفكير خارج الصندوق ولكنه منطق عالمي لا تنفيه سلمية "غاندي" لأنها استثناء يؤكد القاعدة، بل وفي طياته مقاومة شعبية عارمة استطاعت تهميش الاستعمار وتجاوزه، ثم ألم يعتدي المستعمر البريطاني على سلمية غاندي، ألم يكبدها خسائر مادية وبشرية رغم كل شيء؟، ثم متى كان لبني صهيون عهد أو ميثاق حتى تتفاوض أو تتعاهد معه والله يقول عليهم: "ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك" آل عمران/75، ألم ترى كيف التهم هؤلاء لفطيرهم كل فلسطين، ابتلعوا أرضها وسفوا دمها وخربوا عمرانها وهجروا قومها...، ويقولون هل من مزيد؟.  

 

منطق التحرير يا سادة، هو حلم وتعلق باليوتوبيا التي ستصبح بفضل الله وتقديم التضحيات يوما ما حقيقة، وكما قال أحدهم في قضايا التحرر في بلدان المغرب العربي نموذجا، المقاوم عبد الكريم الخطابي والأمير عبد القادر الجزائري وعمر المختار..، ألم يصف المستعمر يومها هؤلاء وحركاتهم التحريرية الجهادية بالإرهابيين؟، ألم يسلط عليهم وعلى قومهم من أصناف العذاب ما فوق التحمل؟، ولكن في الأخير، ألم ينتصروا بعدها رغم كل المحن والتضحيات وسجلهم التاريخ أبطالا لا ينسون كما سجل المستعمر وأعوانه خونة أذلاء؟، وفي محاربة نظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا، ألم يخرج البيض "نلسون مانديلا" من سجنه بعد عقود وعقود من جرائم الفصل العنصري وسلموه السلطة ليعودوا هم رغم كل عنصريتهم وعنتريتهم مجرد مواطنين كغيرهم، لهم من الحقوق والواجبات ما لغيرهم من السود، دون تدرج اجتماعي ولا امتيازات إلا ما كان من كسبهم وكفاءتهم؟.

 

وأمريكا ألم تكن في السبعينات في "فيتنام" حتى حسبتها مستعمرتها الساحرة الخالدة، وإذا بالمقاومة الشرسة هناك تقهرها وتطردها من بلادها شر طردة، حتى إذا جاءت الحوامة الأمريكية الأخيرة تقوم بطواف الوداع، تسابق جنود الأمريكان هرولة ليتعلقوا بأجنحتها وعجلاتها في مشهد تراجيدي لا ينسى، علها تنقدهم مما تورطوا فيه من الوحل؟. النصرة دائما للمقاومة صاحبة الحق والمشروعية على حد قولهم "قوة الحق لا حق القوة" لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه، وبقدر ما يهدم العدو من البنيان بقدر ما يهدم صورته في ذهن الإنسان أي إنسان، وتلك سياسة الكيان الصهيوني في هذا الطوفان، فقط، تزاحموا على الوضوح وأعلنوا أنكم مقاومين ومع المقاومة من مكانكم وبإمكانكم، وليكن شعاركم شعارها.. الغائبون في الجغرافيا.. غائبون في التاريخ، وليكن خياركم خيارها.. النصر أو الشهادة.. حتى تحرير فلسطين كل فلسطين؟.

 

كل الفلسطينيين تتكافؤ دماؤهم ويحمل قضيتهم حتى النخاع أدناهم، فلا "فتح" ولا "حماس".. لا "تطرف" ولا "إرهاب" لا من "بدأ" ولا من "رد"، فكل ذلك تهريب للنقاش وطمس للحقائق لأن صلب الموضوع هو الاحتلال الذي ينبغي أن يسقط بأي وجه كان، ومن طرف أهل القضية أنفسهم قبل غيرهم ممن يساعدهم أو يطبع بدعوى مساعدتهم وهو يساوم ولا يقاوم، وكفى شرفا ب"طوفان الأقصى" أنه أسقط خيار التخاذل هذا وفضح محور شره، وأظهر للعالم أن للقضية شعب هو المعني بها في العقد والحل، وجرم الجرائم أن يغيب أو يفرض عليه الأمر الواقع؟.  فلا تطبعوا.. ولا تهرولوا.. لا تخاذلوا ولا تساوموا.. لا تخطؤوا كغيركم في دعم قضية صهيونية خاسرة ما عاد حتى أصحابها يؤمنون بها وهم رغم كل الجبروت والضوضاء يتحينون كل فرصة للرحيل والفرار والتخلص من أوزارها، وما صخب مظاهرات الداخل الإسرائيلي المستمرة والمتنامية.. وما وزحمة المطارات بالهجرة المضادة بكل الوسائل إلا دليل وبرهان.. وعسى أن تساهم المقاومة والطوفان والنصرة والبيان في تسريع ذلك كالصاعقة الماحقة المتفجرة على الظالمين بالبركان؟.

الحبيب عكي        


اقرء المزيد

الاثنين، 9 أكتوبر 2023

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

الزلزال وسؤال التخفيف من الأعراض النفسية على الأطفال؟.

 

لا شك، أن الزلزال كارثة طبيعية فجائية مرعبة ومدمرة، تحدث - بقدرة الله الجبار - كثيرا من الدمار في المناطق التي تضربها وتخلف أثارا وخيمة على ساكنتها وخاصة فئات الأطفال الأبرياء، الذين يصدمون بما لم يألفوه من مشاهد صاعقة تزلزل كيانهم النفسي الهش قبل أن تهدم منازلهم وتدفن أقاربهم وأصدقائهم وتشقق أو تخسف بمدارسهم ومساجدهم حقولهم وملاعبهم، فتأخذ منهم قهرا مجمل ما استقرت به حياتهم من مأوى وأهل وأصدقاء، وتشوش عليهم في عبادتهم ولعبهم ودراستهم المعتادة، لتفتح حياتهم من اللحظة المشؤومة على المجهول، قد تتضافر  عوامل وعوامل خارج السيطرة لتضاعف من مرارته وقساوته المادية والمعنوية على السواء.

 

كل هذا يظهر على الأطفال مهما كان جنسهم أو سنهم.. لغتهم أو لونهم.. دينهم أو بيئتهم.. أعراضا نفسية.. واضطرابات سلوكية.. وانفعالات غير معتادة.. ونتيجة هول الصدمة وعدم الاستيعاب وعدم القدرة على التحمل.. وكذلك ضعف الحيلة وقلة مواكبة ومساعدة الكبار لهم والعناية ربما.. يستسلم الأطفال حسب الحالات للخوف الشديد والحزن العميق.. والبكاء المستمر.. السهو والشرود والتعلق بمن كان من الآدميين حولهم.. وإذا ما هدأوا شيئا ما فبعدم القدرة على التعبير.. وعدم القدرة على التركيز.. اضطرابات في النوم.. التبول اللاإرادي.. إلى غير ذلك من مظاهر فقدان الشعور بالأمان، وتأثير ذلك على القدرات الدراسية والاندماجية للطفل.

 

كل هذا يعني ويؤكد أن الجهاز النفسي للطفل قد زلزل وتمزق وتشقق كما الأرض قد زلزلت وتشققت وخسف ببعضها وتهدم بعضها الآخر، فمات من مات قدرا وهم عند الله شهداء، ونجا منهم من نجا أيضا قدرا، ولكنهم لا يشعرون بالأمان والاطمئنان، إلا أنه من حسن الحظ أن الأرض كما يمكن إعادة إعمارها ، فالنفس البشرية أيضا يمكن ترميمها، وهناك أمل بأن تستعيد استقرارها وطمأنينتها لتستمر الحياة على كل حال، قال تعالى: "وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا، يعبدونني لا يشركون بي شيئا" النور/55، وكما أن إعادة الإعمار يتطلب دراسات الخبراء وإمكانيات المقررين ومشاركات المعنيين، فإن ترميم النفس أيضا يحتاج إلى رأي العلماء (النفسانيين) وتجارب الخبراء (الاجتماعيين) وغيرهم.

ذلك حتى يكون الترميم علميا ينبني على قوانين وتفاعلات ومحفزات اجتماعية تنتج النتائج المرجوة في الاتجاه المرجو والزمن المرجو، ولعل أول وأهم من ينبغي استدعاؤه في هذا الإطار ليسعفنا قبل الخوض في المحاذير والتوصيات، هو عقيدتنا الإسلامية ومذهبها في القضاء والقدر الذي يجعل أمر الخلق بين يدي الخالق وهو أرحم الراحمين به في السراء والضراء، فقال تعالى: "وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" البقرة/216، وقال أيضا: "إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ، نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ "فصلت/31. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ" رواه مسلم.

وإن كان هناك من إضافة عملية في هذا الإسعاف فهي للنفساني الأمريكي "أبراهام ماسلو" صاحب الهرم العلمي لشعور الإنسان بالأمن والأمان، وما يستوجبه ذلك من ضرورة تقدير الإنسان.. وحسن معاملته.. وتجنب الإهانة وسوء المعاملة.. خاصة في أوقات الأزمات والنكبات، وكل هذا يستوجب على الترتيب: "توفير اللازم من الحاجات الفسيولوحية للمرء.. كل ما يشعره بالأمان.. حاجاته الاجتماعية.. الإحساس بالتقدير.. تحقيق وقبول الذات". وكذلك تجربة الشعوب الغربية بعد الحرب العالمية الأولى وما خلفته بينهم من دمار وموت.. تشريد وبطالة.. فقر وتسول.. يتم أطفال وترميل نساء.. الهجرة إلى المدينة.. ظهور الجريمة والانحراف..، وكيف تفتقت عبقريتهم آنذاك عن إبداع التربية بعيدا عن البيئة الموبوءة الفاسدة المدمرة المكفهرة في ما سموه بالمخيمات والرحلات ومدارس الداخليات البعيدة، فظهر نظام المخيمات (التربية عبر المتعة والإفادة واللذة بدل الأم) والكشفية (بادين باول) التي يعتمد فيها النشء على ذاته ويتعلم بالممارسة والمغامرة والتعاون والاستكشاف من أجل حياة إنسانية بسيطة وأفضل.

 

ترى، كم من عطف وحنان سيوفره الآباء الناجون لفلذات أكبادهم رغم صعوبة الموقف وقساوة الظروف؟، كم سيتغلبون على هذه الصعوبة وهذه القساوة حتى لا نزيد إلى قساوة الزلزال قساوة إنسانية ومشاعرية أفظع؟، كم سنستدعي عقيدتنا في الرضا بالقضاء والقدر حتى نشعر بحفظ الله ورعايته ولطفه في ما نزل، فنرضى ونترضى ولا نسخط أو نتسخط؟، كم سيساعدهم المسؤولون على ذلك بعدما هب الملك والشعب عن بكرة أبيهم في رسم ملحمة التضامن الوطني الباهرة المبهرة..؟، في كم سنعيد إعمار المنطقة المنكوبة وعلى أي مدى وبأي مواصفات تحفظ رمزية المكان وتراثه العلمي وكرامة المواطن؟، كم سنوفر لهم من دور الشباب ومركز ثقافي وفضاء جمعوي ومخيم حضري وملعب قرب يستوعب هذه الناشئة وينشر بينهم كل مظاهر هذا الدفء التربوي الوطني الهادف؟،

 


في كم مخيمات ربيعية وصيفية سيستفيدون مثلا، وبكم إجراءات عملية بسيطة بدل التعقيدات المعهودة سنسهل على الآباء والجمعيات سبل الاستفادة من ذلك؟، كم من مظاهر الحياة الجماعية التضامنية سنحافظ لهم على تراثها التاريخي الزاخر؟، بكم من حملات نفسية علاجية سنجوب مختلف تلك المراكز والدواوير بين التلال والجبال؟، كم من قطاع حكومي معني - وكلها معنية - سيضع برامج مساهمته الفعالة في ذلك؟، بعض الجمعيات التربوية نظمت – مشكورة – بعض قوافلها التضامنية بطعم التنشيط التربوي الترفيهي وهدايا وألعاب الأطفال، كم سيستمر من هذه الحملات في العطل البينية القادمة، وكم منها سيتطور لتغطي قوافله أو تلامس المستطاع من الحاجيات المتجددة للطفولة المستهدفة،.. فصل الشتاء.. الدراسة.. حياة الخيام.. عمق الشرخ وطول الفراق.. التمزق بين القرية الموطن والمدينة الدراسة.. مشاكل إعادة الإعمار خاصة لضعيف الطول والحول..؟.

 

كم سنهتم بحصص الدعم النفسي ومراكز الاستماع في المؤسسات التعليمية المستقبلة والجمعيات المدنية المؤطرة والمنشطة الوطنية منها والمحلية؟، كم سنتيح لهم من فرص التعبير عن أفكارهم والتنفيس عن مشاعرهم والبوح بمكنوناتهم، وتوفير ما يمكن توفيره من متطلباتهم، ما برامجنا وإبداعاتنا لذلك؟، بكم دوريات رياضية ومسابقات ثقافية وورشات فنية وخرجات ترفيهية ورحلات استكشافية وزيارات التفقد والرحم والتواصل سنفرحهم قبل أن يعدوا علينا الأشهر والسنوات أو يؤرخوا بيوم الزلزال المشؤوم كيوم فقدوا الرحم بينهم وبين من تبقى لهم من أقاربهم وأصدقائهم، حتى عبر الهواتف؟، كم سنستفيد من تجاربنا الثرية في ما سبق من الزلازل في كل من "أكادير1960" و"الحسيمة2004"؟. أظن سنستفيد كثيرا وزيادة، كيف لا ونحن قد حافظنا للمتضررين ممن فقدوا ذويهم ومعيليهم بصفة "مكفولي الأمة"، ومثل الأمة في توادها وتراحمها كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء باللازم من التعاون والتضامن المادي والمعنوي؟.

الحبيب عكي


اقرء المزيد

الأحد، 1 أكتوبر 2023

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

الزلزال والسؤال السوسيولوجي في المغرب؟.

لقد هب الجميع يتحدث بل ويتحرك في شأن كارثة الزلزال التي ضربت مؤخرا مناطق الحوز في المغرب (8شتنبر 2023)، بل ونظموا مشكورين قوافل تضامنية من الجنوب والشمال ومن الشرق والغرب ومن كل البقاع، يقومون بمواساة معنوية إنسانية لإخوانهم ويقدمون لهم مساعدات مادية عينية عارمة بكل تلقائية وسرعة وسخاء، مما كان له صدى مبهر في كل الأوساط داخليا وخارجيا سارت بأخباره كل المواقع والقنوات والنشرات في الفضائيات، ذلك أنه جسد بحق هوية هذا الشعب الطيب المعطاء، وما تشبع به على الدوام من قيم التضامن والتراحم(رحماء بينهم). غير أن هناك بعض الفئات والهيئات لم يسمع لها دابر حس ولم يرى لها كبير أثر، خاصة بالشكل المنظم والجماعي النضالي والميداني الذي عرفت به كالأحزاب والنقابات، أو بالشكل الفئوي البحثي والترافعي الذي دأبت عليه كالحقوقيين والسوسيولوجيين ومن لف لفهم، هذا على الرغم من أن الحدث المأساة مجال اشتغالهم وميدان بحثهم.. تحقيقهم وترافعهم بامتياز، وكان لتواجدهم أن يعطي للتضامن قيمة مضافة وطعما بكثير من الإسعاف؟.  

 

عديدة هي الأسئلة الحارقة التي توجب تواجد مثل هؤلاء الخبراء في الميدان المنكوب ومواكبتهم لمخلفاته الانشطارية وكراته النارية والثلجية، خاصة فئة السوسيولوجيين (علماء الاجتماع) وفئة البسيكولوجيين (علماء النفس).. باعتبار علمهم السوسيولوجي (علم الاجتماع) وعلمهم البسيكولوجي (علم النفس)، هو من ستأخذ عنه كل العلوم الاجتماعية والإنسانية الأخرى، السياسية منها والاقتصادية، وحتى الحقوقية والتشريعية والبيئية والاجتماعية..، ملاحظاتهم واقتراحاتهم، وما يمكن أن يشبه مشاريع قوانين اجتماعية للتغلب على الأزمة وحسن تدبيرها بكل موضوعية؟. وتدبير الأزمة هذه، قد احتوته الآن أو تكاد، عديد من المبادرات الرسمية والشعبية المتساندة والمسعفة، ورافقته بعض التشنجات المحتجة والتساؤلات المشروعة القلقة والمقلقة..، وكل هذا قد لفظ عن بعض المفاهيم الجوهرية في حياتنا، ما تراكم عليها من الأتربة حتى كادت تكون متجاوزة في حياة وتطلعات وتشريعات بعض الفئات من الناس، أو في أحسن الأحوال ك"مدفونة القب" مدفونة خبز في قب جلباب المرء، يأكل منها متى داهمه الجوع، ويردها في قبه وراء ظهره منسية متى رد منها جوعته؟.

 

ما هوية الشعب أيها المستلبون المتسولون لخردة الهويات؟، هذه الهوية، هل هي قول وفعل أم مجرد ادعاء في القلب وشعور في الوجدان؟، ما الذي حمل المغاربة على كل هذا التضامن بكل هذه الأشكال والأحجام المبهرة.. التلقائية والسريعة.. العفوية والعارمة؟. أين القانون التنظيمي/ التقييدي للإحسان العمومي الذي أصر المصرون على تمريره وفرضه رغم مرافعة الجمعيات الخيرية الميدانية ضده، وقبلها فطرة وعوائد الشعب المغربيى الأصيل والمعطاء والتي أبان عنها في هذا الزلزال وقبلها كارثة الفيضان ونعود بالله من البركان؟. أي تنمية وفك عزلة وقفتم عليها أيها السوسيولوجيون في عالمنا القروي والأرياف والجبال؟، وما الأنتروبولوجيا الاجتماعية والثقافية لذلك؟. ودون إثارة هل لنا سياسة عمومية لتدبير الأزمات والكوارث؟، ولا هل سلمت رؤيتنا للتعامل الإداري مع الناس أوقات الطوارىء؟، ولا الأعراض النفسية التي ظهرت على الأطفال، نوعها ومدى خطورتها وكيف علاجها والتخفيف منها؟، دعونا فقط، نتطرق إلى إعادة الإعمار مثلا، وقد رسمت بعض معالمه، وبدأت تعطى فيه بعض الإشارات وتمارس فيه بعض الممارسات ربما من باب إغاثة اللهفان أسرع ما يمكن، لكن بأية مقاربة تشاركية سياسية ومدنية؟، وبأية مقاربة مع الجهات والجماعات والجمعيات؟. ما رؤيتنا للتعامل مع التراث اللامادي؟، وما خطتنا للحفاظ على رمزية المكان؟، ما تجارب إعادة الإعمار في المناطق المنكوبة عبر العالم وما مرتكزاتها؟، في ما نجحت وفي ما فشلت، كيف ولماذا؟.  

 

أراء تتحدث الآن، عن أفضلية الترحيل إلى ضواحي المدن الكبرى، على غرار ما جرى الآن من ترحيل المتمدرسين إلى مدينة مراكش واستثمار داخلياتها، على الأقل يكون المرحلون مجموعون في مناطق مفتوحة على كل شيء وقريبة من كل المصالح وسيسهل تفقدهم وخدمتهم جراء ما كانوا يعيشون فيه من العزلة، ولكن، قد تنشأ عندهم ظواهر سيئة من بطالة وفقر وغير ذلك من مآسي الهجرة والتهجير؟. وأراء تتحدث عن إعادة التوطين في نفس الموطن لارتباط المنكوبين بأرضهم، وككل سكان العالم، الناس يعيشون في الأرياف وفي الجبال وحتى الإسكيمو والصحراء، لكن بقدر ما من العدالة المجالية والتنمية المستدامة؟، ترى، أي شروط نشترطها على أنفسنا لفك عزلة المناطق المنكوبة؟،.. لحفظ كرامة سكانها؟،.. لحفظ المآثر الدينية والتاريخية؟،.. مسجد تينمل.. مهد الموحدين.. ومدارس قرآنية عتيقة.. ومخازن جماعية..، وكل ما يشكل ذاكرة المنطقة؟. أيها السوسيولوجيون.. والحقوقفيون.. والعلماء الربانيون.. والإعلامييون.. "ابن خلدون" و"أوجست كونت" و"دوركايم" و"ماكس فيبر" وكل علماء الاجتماع المؤسسين والمطورين يؤكدون لكم أننا لا نريد السقوط ربما في التجربة التنموية المحكية على الألسن لقرية نمذجوها في الحكايات ببناء صنابير ماء عصرية في كل منزل.. وإذا بالنساء بعد حين من الزمن يكسرنها.. لا لشيء إلا لأنهن يفضلن السقي وجلب الماء من خارج البيت ولو على مسافات.. لأنهن افتقدن ما يحدث بينهن في طريقهن إلى السقي خارج البيت من احتكاك وأحاديث جماعية وترانيم شعبية.. في حياة تشاركية.. واشتقن لذلك؟.  

 

معشر السوسيولوجيون الحكماء الفضلاء، لقد كان من قبلكم من المؤسسين لعلمكم في هذا الوطن، يمتازون بخطهم النضالي فتجرأوا على الحديث والتفاعل مع هموم المجتمع، وقالوا من الأقوال وفعلوا من الأفعال ما به أفادوا واستفادوا واستفاد الوطن، لكن هل كان علم الاجتماع على الدوام شيئا غير الحس النقدي وكونه علما تطبيقيا كان مع أو ضد؟. فكم تدرسون لطلبة الجامعة أن الزلزال رغم كونه ظاهرة طبيعية فهو أيضا ظاهرة اجتماعية، ولأن الظاهرة الاجتماعية - كما تقولون - رغم كونها مستقلة فهي أيضا مرتبطة بالعديد من الظواهر الأخرى، يعني بمظاهرها ونتائجها إن حسنا فحسنا وإن سوءا فسوءا؟. ولكن يبقى الأمل، أن وراء كل ظاهرة اجتماعية - كما هو معلوم - قوانين تتحكم في نشرها وشيوعها كما تتحكم في الحد منها وتوقيفها، وبالتالي، ما علينا الآن إلا البحث عن هذه القوانين، وهذا واجب الوقت وواجب الوطن؟. كم كنتم تدرسون للطلبة أيضا أن مؤسس علم الاجتماع بشكله الوضعي"أوجست كونت"، إنما دفعه إلى ذلك ما أراد به المساهمة في تجاوز النظام الاقطاعي نحو نظام رأسمالي كان يراه الأعدل، وأراد بذلك المساهمة في العلاج والحد من الفوضى العارمة والمشاكل المعقدة التي شهدها المجتمع الغربي بعد الحرب العالمية الأولى وما أغرقت فيه الأبرياء من زلزال الدمار والموت والفقر والتشريد والهجرة والبطالة والجريمة والانتحار.. فأراد بتقعيده علمه بعضا من البناء السوسيولوجي المتماسك القائم على الأنوار بدل الدمار المفكك والهدم الماحق المنبعث من الاعصار؟.

الحبيب عكي


 

اقرء المزيد

الأربعاء، 20 سبتمبر 2023

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

لله در المغاربة في كل هذه الأشكال الابداعية التضامنية.

       لله در المغاربة - حفظهم الله ورعاهم - في كل هذه الأشكال الإبداعية التضامنية اليومية التي ما فتؤوا ولا زالوا يبذلونها اتجاه إخوانهم من ضحايا زلزال الجمعة 8 شتنبر 2023 الذي ضرب منطقة الحوز وضواحيها بقوة 7 درجات على سلم ريشتر، لتمتد زعزعته ودماره وهلعه إلى جل مدن وقرى المغرب خاصة مدن وقرى شيشاوة وتارودانت وورزازات..، قامت على إثرها مبادرات تضامنية.. فورية.. عفوية.. قوية.. شعبية.. عارمة.. دائمة.. متفاعلة جدا عبر الاعلام البديل لمواقع التواصل الاجتماعي مما ساعدها على التطور بسرعة فائقة في الكم والكيف والتنظيم ووجهات التوزيع حسب المستجدات والمتطلبات الميدانية، ولا يملك المرء اتجاه كل هذه الأشكال التضامنية المتنوعة إلا أن يبدي إعجابه بروعتها ويرفع قبعته أمام جودها وكرمها ويبدي تقديره لمنظميها وموصليها وموزعيها، وعزمه على المشاركة فيها ككل المغاربة الفضلاء أفرادا وجمعيات وجماعات.. بل وككل العالمين جاليات وهيئات ومؤسسات.

 

            من أين يملك المغاربة الشرفاء كل هذا المخزون التضامني المتدفق؟، مخزون لا ينضب معينه ولا ينقطع سخاؤه، وكيف ينضب وكلما نادى الواجب الوطني هب أبناؤه البررة رجالا ونساء.. شبابا وشيبا.. أطفالا وطفلات.. موظفين وموظفات.. حرفيين وحرفيات.. يجودون بالغالي والنفيس من دمائهم الزكية.. من أموالهم المباركة.. من مؤنهم الغذائية وسلعهم الاستهلاكية..، مبادرات فردية.. حملات جمعوية.. قوافل شعبية.. ومخططات رسمية.. الجنوب يصل الرحم بالشمال.. والشرق في تكاثف مع الغرب لإغاثة المنكوبين.. جماعات ترابية وفيالق عسكرية.. وبعض فرق الإغاثة الأجنبية.. والكل على قدم وساق، منخرطون يدا في يد، ينسجون ملحمة اسعافات وطنية وجهود إغاثية في الميدان، ملحمة، تخفف فعلا من هول الكارثة زلزالا ووباء كانت أو فيضانا وثلوجا أو جفافا وحرائق.

 

            صحيح، أن كل دول العالم عندما تجتاحها كارثة طبيعية أو حتى اجتماعية، تظهر فيها بعض مظاهر التضامن والتآزر الإنساني، ولكن من أين لها بمثل تضامن المغاربة وقد عشناه وكل العالم غير ما مرة في الثلوج والفيضانات في جائحة "كورونا" وفي حوادث الطرقات.. واليوم في زلزال الحوز 2023 وقد سجل أروع مظاهر التضامن التي ولا شك خففت ولو نسبيا من آلام الضحايا المكلومين، وزرعت الفرحة في أبهى حللها في وجوه المواطنين طالما تناقلت جراحها وأفراحها كل شاشات العالم. من سينسى صورة ذلك المتضامن المسن صاحب الدراجة الهوائية وهو يفرق أريج قلبه الدافىء.. الطفل المتضامن صاحب الهدية والرسالة الأخوية بعبق المحبة إلى صديق ضحية مفترض.. صاحبة الخاتم ذات القلب الكبير، وصاحبة الزعفران التي أرادت التصدق بشيء منه وقد جيء للتصدق عليها.. المتبرعون بشاحنات من الخيول والبغال لنقل البضائع إلى الأعالي.. مبدعو الخيام القصبية المغطاة.. حملات موضوعاتية متخصصة كالمقابلات النفسية والترفيه على الأطفال والحلاقة للرجال..، وصاحبة جامع الفناء في قلب الزلزال.. "الشواء والكفتة والحريرة والمشروبات وأرا برع.. "تيك توك" وداك الشي وعاش الملك"، أولاد وبنات "تيك توك" بأنفسهم وقد استفاقوا من روتين تفاهتهم اليومي وأصبحوا رجالا ونساء مسؤولون وهم يصورون مآسي الكارثة والدواوير التي لم تصلها المساعدات، ولعلهم قد ساعدوهم بذلك جهد الإمكان.

 

            ولم تقتصر أشكال التضامن وجهود الإغاثة على هذه الأشكال الفردية والعفوية وحدها - على أهميتها -، ولا حتى على جهود جمعيات المجتمع المدني التي أبهرت الجميع وكانت تدخلاتها وتضحياتها ومساعداتها أقوى وأسرع وأشمل وأدوم وأكثر تنظيما، وكادت تغطي بتلك الفعالية والنجاعة على كل المبادرات، ولكن، هناك أيضا جهود رسمية معتبرة وغير مسبوقة بلغت حد تنصيب المستشفى الميداني.. استعمال الطائرات العسكرية للإغاثة.. فرق النشل والإنقاذ.. حساب بنكي للتطوع المالي المفتوح والدائم (126).. إعلان تعويضات للمتضررين.. تشييد إعداديات وثانويات ميدانية لاستئناف دراسة تلاميذ المنطقة في مدينة مراكش.. هذا فوق أس وأساس هذه الحماسة المواطنة والمسؤولية كلها وعلى رأسها طبعا، الزيارة الملكية الميمونة التي حظيت بها المنطقة المنكوبة وما رافقها من تفقد جلالته للمكلومين وما اتخذه - حفظه الله - لصالحهم ولصالح إعمار المنطقة من قرارات سديدة ومستعجلة على رأسها تبرع جلالته بدمه وماله ودعوة الحكومة إلى متابعة ذلك.

 

            مظاهر تضامن شعبي عارم.. شامل.. دائم..، صدق من عبر عنه ب "تعبئة مملكة.. تعبئة ملك وشعب"، تعبئة مشرقة ومبهرة سرعان ما نالت إعجاب كل العالمين، فبادرت حوالي 70 دولة للمساهمة فيها، أذن فيها لأربعة فقط من غير بعض الحساد والمتعاليين التاريخيين طبعا، ترى، ما السر في كل هذا.، وما هي العبر والدروس المستخلصة منه؟، وما بعض الشوائب التي قد تكون شابت الأمر؟، وكيف يمكن إصلاحها للرقي وإصلاح ما يمكن إصلاحه من أجل حاضر ومستقبل أفضل؟. إذن فوق بعد التوثيق لمختلف المظاهر التضامنية التي نحن بصددها لكل غرض مفيد للدارسين والباحثين والسوسيولوجيين والسيكولوجيين والمسؤولين أصحاب القرار ككل، نقف على سر الأسرار - في نظري -  وهو سر يطمئن المغاربة على أصالة هويتهم و متانة وحدتهم وصدق وطنيتهم التي يستمدونها دائما لحظات الجد من دينهم الإسلامي ونبل معدنهم الوطني الذي يجسدونه إذا جد الجد في أحسن شعارات جامعة وهي: رحماء بينهم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالتضامن والتعاون، ومن كان له فضل زاد عاد به على من لا زاد له؟.

 

            شعار توحيدي لا شمال فيه ولا جنوب ولا شرقاوي ولا غرباوي... وكل ما كان يتندر به القوم أو حتى يتصارع من أجله أحيانا، فإنما هو من خواء الترف الفكري والصراع الإيديولوجي الذي يسود عند البعض في أوقات الفراغ؟. يسجل الناس كذلك شساعة المنطقة وترامي أطرافها وهشاشتها القوية والعميقة وصعوبة مسالكها وتضررها إن لم يكن غيابها مما عقد جهود الإغاثة والمساعدة؟، وقتامة أخرى سوداء كالحة تمثلت - مع الأسف - في ضعف إلى غياب تدخلات الحكومة والأحزاب وكأن الأمر لم يؤمروا به أو ليس من شأنهم واختصاصهم ولا يعنيهم، أو ربما فقط من عجزهم وسوء تقديرهم؟، كما نسجل - مع الأسف - أن أسلوب التدبير الإداري في الظروف العادية لا يناسب ظروف الطوارئ ولم يبدي بعض المسؤولين ما يلزم من الإبداع والمرونة كما حدث في عدم السماح بدفن الموتى مثلا، الأمر الذي كان متأخرا بدعوى ضرورة معاينتهم من طرف السلطة وإحصائهم حتى يتمكن ذويهم من الحصول على شهادة الوفاة، وكان الأمر يكفي بتكليف أهل الدوار أحدهم أو لجنة منهم بذلك والثقة فيهم؟، أو كما حدث مع بعض القياد الذين اشترطوا على بعض الجمعيات الحصول على الترخيص لجمع التبرعات بدل مجرد الإشعار؟.

 

وشائبة أخرى قد شابت ملحمتنا التضامنية الناجحة رغم كل شيء، وقد تمثلت في ضعف وغياب التنسيق بين الجهود الرسمية وجهود جمعيات المجتمع المدني، هذه الجمعيات التي أبانت مرة أخرى عن علو كعبها ومخزون طاقتها الاقتراحية والتعبوية التطوعية ومساهمتها التنموية الميدانية، مخزون هائل لا تستوعبه ولا تشجعه بعض السلطات حتى عند الأزمات، فعسى أن تكون محنة الزلزال هذه منحة بين الطرفين وفاصلا بين عهدين، عهد مضى باستفراده وتوجسه وصراعه وعهد سيأتي بانفتاحه وثقته وتعاونه، وهو عهد سيستوعب فيه هذا البلد الجميع ويخدم الجميع من طرف الجميع، بما في ذلك إعادة إعمار المناطق المنكوبة والتنمية الحقيقية لمناطق الأرياف، وهذا موضوع آخر ولكن لابد فيه في البداية والنهاية من المقاربة التشاركية، وعسى أن تكون لها تشاركية زلزال الحوز 2023 بعد تقييمها وتقويمها واستدراك المستدركون لاستدراكهم، عسى أن تكون لها منطلقا ومرجعا، حاملا و مخرجا؟. ورحم الله الموتى الشهداء وكان في عون المكلومين الأحياء، ودام المغاربة في السراء والضراء متضامنين متعاونين رحماء بينهم.

الحبيب عكي

 


اقرء المزيد

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

المشاركات الشائعة