مرة أخرى تفجرت موجة التوتر والعنف المدرسي،من مكناس إلى الرباط،ومن تطوان
إلى ورزازات..،لا تزال موجة العنف المدرسي تتدحرج وتكبر ككرة الثلج،لتحط اليوم بكل
شظاياها الحارقة في عاصمة الفوسفاط بمدينة "خريبكا"،وفيها تجرأت تلميذة
في الإعدادي من ممارسة شغبها وتهورها وميوعتها وقصورها داخل حجرة الدرس،فحرضها
شيطانها وأغواها ما أغواها،فقذفت غير ما مرة أستاذها في مادة الرياضيات بالطباشير
وأخذت خلسة تطلق من هاتفها النقال بين الفينة والأخرى مقطع موسيقى شعبية لتضحك
وعبثها والزملاء على جدية الأستاذ وانهماكه في شرح و صرع طلاسم الزوايا والمثلثات والمنحرفات
والمستقيمات والمعادلات والمجموعات،لعلها بذلك أيضا تحول مادة الرياضيات الصعبة
إلى مادة النشاط والرقص على إيقاع "العلوة"؟؟.مما أفقد الأستاذ المسكين صبره
وهشم أعصابه فكانت ردة فعله اتجاهها عنفا معنويا همجيا وماديا فظيعا من ضرب مبرح
وشتم مقبح فاق كل التصورات،وزاده التوثيق الإعلامي والانتشار السريع على مواقع
التواصل الاجتماعي لهيبا وفظاعة؟؟.
وبسرعة فائقة،تحول الأمر من
مجرد حدث معزول معتاد إلى قضية رأي عام وطني ساخن،اصطف الناس حولها اصطفافات قطبية
حادة،وكانت كلها متناقضة لا تجتمع على شيء غير أن العنف مرفوض ومدان كان كيفما كان
وممن كان،ارتبك الجميع وهاج وماج،الأساتذة يتضامنون مع الأستاذ رغم خطئه
البين،والتلاميذ متضامنون مع الأستاذ أيضا في مسيرات وشعارات تشيد بكفاءته وعطائه
المعروف وتطالب بإطلاق سراحه وعودته إلى قسمه،في إشارة واضحة إلى رفضهم رعونة وعنف
التلميذة رغم أن بعضهم مثلها طالما كانوا له أبطالا؟؟.غير أن المرتبك الأكبر قد
يظل الوزارة الوصية على القطاع إذ حدث وأن جيشت بسرعة البرق وفدا رسميا من أعلى
المستوى،ضمنه السيد المفتش العام والسيد مدير الأكاديمية،إجراء طالما انتظرته
الشغيلة التعليمية في أمور أخطر وأجدى على الساحة دون جدوى،ولكنه ظهر للتو بقدر
قادر وأمر آمر أو متآمر،وفي خطوات غير محسوبة العواقب قام أعضاء الوفد بزيارة
مواساة إلى عائلة التلميذة،في إدانة صريحة حسب الرأي العام لشخص الأستاذ/الأساتذة،رغم
أن القضية لا تزال في طور التحقيق،مما عجل باعتقال الأستاذ وحمله قسرا إلى السجن
بينما التلميذة خصمه في القضية طليقة تمرح في منزلها ومع ذويها؟؟.
استعرت القضية،واختلطت أوراقها
وتفاصيلها وتداخلت خيوطها وحيثياتها،ولكنها كانت عند الباحثين والمهتمين من
التربويين والسياسيين،مناسبة أخرى لإثارة كل أمعاء البطن التعليمي وأوجاع رهانها
المجتمعي،ودائما في إطار التصعيد والتسعير المغلف في معظمه بضرورة ربط المسؤولية
بالمحاسبة،الأمر الذي غالبا ما ينتهي بمحاسبة كبش الفداء ممن لا ينبغي أن
يحاسب،والعفو والصفح عن المتورط الحقيقي ممن ينبغي أن يحاسب،لأنه فقط هو الذي
يحاسِب بدل أن يحاسًب؟؟.وهكذا هدد الوفد الوزاري بعزمه على ضرورة محاسبة كل
الأطراف ممن قد تكون لهم صلة بالموضوع أستاذا/أساتذة،حراسة/إدارة،مديرية/أكاديمية..،وكل
شيء إلا التلاميذ الذين يطالب أولياؤهم بضرورة إنزال أشد العقوبات
بالأستاذ/الأساتذة الفاشلين الذين دأبوا على تكسير عظام أبنائهم بدل تربيتهم،وكيف
بهم أن يربوهم وهم حسب زعمهم أحوج إلى التربية وإعادتها؟؟،في حين يرى البعض أن
الفاشلين الحقيقيين هم الأسر والآباء الذين استقالوا من تربية أبنائهم واستسلموا
لنزواتهم وعنادهم بشكل فظيع طالما تفجر عليهم عنفا وانحرافا في البيوت قبل الأقسام؟؟،كما
فلتت وتفلت الوزارة مرة أخرى من المحاسبة والعقاب وجل الرأي العام يرى أنها من
أكبر أسباب العنف بسبب سياستها الميدانية المتعثرة وقوانينها المتجاوزة والتي
أصبحت تحول فضاءات التربية والتكوين و دروس العلم والمعرفة داخل الأقسام إلى حلبات
للصراع والنبال وملاحم للرجم بالطباشير والملاكمة وأعراس اللهو والعبث و الرقص على
إيقاعات"العلوة"؟؟.
مواقف مستعرة وملتهبة كادت
أن تشعل حرب داحس والغبراء في رمضان المبارك وتفسده على الجميع،لولا أن المغاربة
فعلا استطاعوا أن يعودوا إلى رشدهم وأصالتهم ويزيلوا بعض الصدأ عن فطرتهم الكريمة
و مواطنتهم السمحة،وبفضل الله وتدخل ذوي النوايا الحسنة،غلبوا الغفران على العدوان
والصفح والمغفرة على الُثأر والعصيان،مما أنهى القضية الشائكة بالصلح لا غالب فيها
ولا مغلوب،وانتهت نهاية سعيدة تحولت فيها المؤامرة إلى المؤازرة، وجلسات الحكم بالسجن
والإدانة إلى حفلات التكريم و السراح،استقبلت خلاله التلميذة المشاغبة سابقا أستاذها
بباقة ورد عند خروجه من السجن فأعلنت صفحها عنه أمام الملأ الغفير ممن حضروا
احتفاء خروجه من السجن،كما قبل الأستاذ بدوره رأس التلميذة قبلة الآباء للأبناء استسماحا
لها أمام كل الكاميرات والشاشات؟؟.وهكذا عاد "الخريبكيون" إلى مجد تاريخهم
الوضاء رغم كل المعاناة خاصة على مستوى التشغيل وتحديث هيكلة المدينة،واستلهموا من
أمن وسلام مدينة الأخيار و الأشراف والعلماء والصالحين(بوعبيد الشرقي)،وخريجيها وطاقاتها
المعاصرة من السياسيين والنقابيين والجامعيين والمثقفين والفنانين..(المالكي
والبسطاوي)،واستنشقوا من عبق تظاهراتها الثقافية والفنية الوطنية (عبيدات الرمى)والدولية
في مهرجان السينما الأفريقية(ملتقى الحضارات)،كما انتبهوا إلى أن مدينتهم مدينة الصيد
والرماية والسباحة وهي المليئة بملاعب وأندية الفوسفاط لكرة المضرب وكرة القدم والغولف
والفروسية وغيرها من الرياضات الراقية فكيف تليق فيها مظاهر العنف وهي المحاطة بكل
هذه الخيرات والبركات؟؟.
هدا القوم من روعهم وتصالح الأساتذة مع تلاميذتهم،ليبقى الخاسر الأكبر مرة
أخرى هي الوزارة وسياستها التي أغرقت القطاع في دوامة من العنف والعنف المضاد،كل
المعنفين فيها والمعنفين مجرد ضحايا،وحتى ما يتفجر من العنف في البيت والشارع
وغيرها من الفضاءات والمؤسسات إنما هو رجع الصدى؟؟.كما يبقى الخاسر الأكبر أيضا هم
أبناء "ريبكا " و "مونيكا" و "جوندارك" الذين ملؤوا
الدنيا هرجا ومرجا بضرورة نفي كل مفاهيم الهوية والمرجعية وما تطفح به من مفاهيم
العدل والعفو والصفح،وضرورة استبدالها بالمواثيق الدولية والمرجعية الكونية،في حل هذه القضية واعتبارها قضية حقوقية
ونوعية بامتياز،وأي انحراف بها عن هذا النسق هو انحراف قد ينسف بحقوق الأطفال
والنساء على امتداد الوطن،وعلى المسؤولين أن يعدوا له الجواب عندما سيسألونهم عنه في
ردهات المنظمات الحقوقية والهيئات الدولية؟؟.وبالتأكيد يبقى من الخاسرين أيضا كل
أستاذ لا يشرف بسلوكه الأرعن فئة الأساتذة،لأن التمكن من المادة لا يغني من حسن
السلوك والتعامل الإنساني،وكل تلميذ لا يشرف فئة التلاميذ بشغبه وكسله أو حتى
اجتهاده لأن حسن الاجتهاد لا تغني عن حسن السلوك واحترام الآخرين،وكل إداري ليس له
في إدارته أي مشروع تربوي ولا تنموي ولا يرى منها غير ما قد تمنحه له من امتيازات
ربما لا يحرص عليها بغير الاستسلام للإكراهات وغض الطرف عن المخالفات المتناسلة
والمشاكل المتفاقمة،وكل مديرية...وكل أكاديمية...وكل...وكل...؟؟.
كم حدث وأن شكوت إلى أحد الزملاء كل هذه المظالم التي تنهال كل سنة وكل يوم
على القطاع وبكل أحجام وألوان العنف المادي والنفسي،تبخيس وتشهير،سخرية و تنكيت،منارات
ومسارات اقتطاعات وامتناعات وتقاعدات وتعاقدات..،فما يكون جوابه إلا قوله
تعالى:"قل هو من عند أنفسكم"،كل شيء من فلتات وتفلتات بعض العاملين في
القطاع،وهم ببعض سلوكهم السيء والمتهور والتهربي والأناني..،من يفتحون على أنفسهم
وعلى غيرهم كل أبواب الرياح النتنة والمياه الآسنة،صحيح أن الصورة ليست بكل هذه
القتامة ولكن قد يكون ذلك منظر من مناظرها السيئة على قلتها أو كثرتها،ولن يتعافى
الجسد التعليمي إلا إذا تعافت كل أعضائه وأطرافه واشتغلت بشكل مسؤول كنظام واحد
متماسك الحلقات ومتكامل المهام ومتعاضد من أجل الهيبة والكرامة؟؟،وأخيرا يبقى
الخاسر الأكبر كذلك بعض سادتنا العلماء الذين لم نسمع لهم حسا ولا ندري لهم رأيا،وهم
الذين طالما تغنوا بضرورة انخراطهم في المجتمع والعمل الميداني في الواقع والاهتمام
بهموم الناس وقضايا البلاد والعباد،وإذ بهم ينسحبون من كل القضايا الشائكة وكأنهم
لا يهمهم لا الآباء ولا الأبناء،ولا الظالمين ولا المظلومين ولا التهدئة ولا
التصعيد،ولا تهمهم الصحة ولا التعليم ولا المقاطعة ولا الممانعة ولا غيرهما من
قضايا الفساد والاستبداد على امتداد الأمة،التي لا زالت الشعوب بمفردها كل يوم تقود
ملحمتها بصمود وإباء،دون سند العلماء ولا وسيط البرلمان،اللهم ما كان من شيوخ"الفايسبوك"
وممثلي"الواتساب"وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي،وكفى بها هيئة علماء
بالحق تصدح ومجلس برلمان عنه يرافع؟؟.
إن الانخراط في هذه الحادثة التعليمية المرة،ليس انخراطا مجانيا ولا مزاجيا
مع الأستاذ ضد التلميذة أوالعكس،وليس انخراطا فئويا تحامليا مع المؤسسة التعليمية ضد
الأسرة المجتمعية أو العكس،وليس...وليس...،بل هو في الحقيقة انخراط واع ومسؤول مع
أو ضد القيم في الوسط المدرسي والحياة العامة،تكون أو لا تكون وكيف ولماذا؟؟،انخراط
مع أو ضد تحمل المسؤولية فيما يسند إلينا من مهام وما نلعبه من أدوار،آباء وتلاميذ
أو أساتذة وإداريين خاصة الذين يبقون غير مسموح لهم في جميع الأحوال بأن يمارسوا
العنف بأي شكل من الأشكال حتى لو كانوا هم ضحايا له وكثيرا ما حدث ولا يزال؟؟.مع
أو ضد تغيير العديد من القوانين والمذكرات التعليمية التي أصبح العديد منها عاجزا
متجاوزا،وعلى سبيل المثال ماذا فعلت مذكرة "البستنة" بالشغب والمشاغبين
في الوسط المدرسي؟؟،إلى أي حد تعتبر المقاربة الحقوقية شاملة فيها الحقوق
والواجبات،إلى أي حد تعتبر ناجحة و منصفة لجميع الأطراف في الوسط التعليمي؟؟،هل
يمكن للمسألة التعليمية/التعلمية أن تسير دون قدر معين من الجدية والانضباط والحزم،وهل
كل حزم يعتبر قسوة وعنفا وترهيبا..ضد حق اللعب والترفيه وبيداغوجيا "دعه يلعب
دعه يشاغب"؟؟،ولماذا لم تفعل مذكرة منع الهاتف النقال في المؤسسة التعليمية و
كل يوم يثبت تورطها في نشر غسيل ومآسي القطاع،والذي بالمناسبة ينبغي أن ينشر ما
دامت العديد من مصالحه لا يحركها شيء مثل رهاب الفيديوهات؟؟.
وأخيرا،مع أو ضد تغيير قنوات التعبير والترافع من قنوات تقليدية موصودة وعاجزة،و
من وسطاء صم بكم يكادون لا يحركهم أي أمر فردي أو جماعي محلي أو وطني مهما كان
جللا،وكم شكا رجال ونساء التعليم من الاكتظاظ ومن تراجع المردودية وتدني السلوك
والحركة الانتقالية..والدراسة الجامعية..ومن نقص العتاد التجريبي و الوسائل
التعليمية..ومن..ومن ..ومن..مما يرونه كممارسين يخنق القطاع ويتيه به في العبث دون
جدوى؟؟،مع أو ضد تغيير هذه القنوات إلى قنوات افتراضية،صحيح أنها مفتوحة على كل شيء،ولكنها لا تطرق ولا تنتظر
أمام باب أي مسؤول،ولا تأخذ منه موعدا بالأسابيع والشهور ولا تنتظره بالاجتماعات والاجتماعات؟؟،ولا
شك أن هذه الوسائل الافتراضية بالإضافة
إلى ترافع الأساتذة القوي وعلى الصعيد الوطني،والترافع التلمذي المحلي
المتصاعد،وفي ظرف أمني وحقوقي وجيوستراتيجي حساس،كل هذا حسم بسرعة وحماسة وبراعة وبراءة
في هذه القضية وغيرها من القضايا الفردية والجماعية،المحلية والوطنية بل
والدولية؟؟،ليبقى الشأن الوطني من درس إلى درس...ومن فيديو إلى فيديو...من درس وفيديو"الحسيمة"،إلى
درس وفيديو"زاكورة"،إلى درس وفيديو"الصويرة"،إلى درس وفيديو"جرادة"،إلى
درس و فيديو"المقاطعة"
إلى درس وفيديو"خريبكا"،مع الأسف،دولة بالطول والعرض أصبحت تحركها
الفيديوهات ما لا تحركها المؤسسات،ترى هل سنستفيد من درس وفيديو أي درس وفيديو،أو
على الأصح متى سنستفيد من درس وفيديو أي درس وفيديو؟؟.
الحبيب عكي