لاشك أن المقاطعة الشعبية الواسعة لبعض المنتوجات الوطنية في المغرب،حليب
"سنترال"لصاحبها"ج.دانون"..ماء معدني "سيدي علي"لصاحبتها
"م.بنصالح"..غازوال محطة "أفريقيا"لصاحبها الوزير"ع.أخنوش"..،قد
اشتد وقعها الاقتصادي والاجتماعي والنفسي والسياسي،ليس فقط على أصحاب هذه الشركات العملاقة
وملاكها الكبار،بل أيضا على من يوالونهم من عفاريت السياسيين وتماسيح الحكوميين
المتورطين في هذه اللعبة التحكمية الاستنزافية المكشوفة؟؟.وقد رافق هذه الحملة
الأولى والفريدة من نوعها في المغرب،العديد من الابداعات الاشهارية والسخريات
الفنية والتحليلات الاقتصادية..،لاقت تجاوبا منقطع النظير من كل الفئات الاجتماعية
والطبقات الشعبية،كما تلاقي ترويجا خياليا على مواقع التواصل الاجتماعي حطمت كل
الأرقام القياسية من حيث الاعجابات والتقاسمات والتعليقات..؟؟.
وبالطبع،لم يكن شعب الفايسبوك يلعب ولا فرسان العالم الأزرق يعبثون ولا
مناضلي العيش الكريم ومحاربة الغلاء في زحفهم يتراجعون،فقد كان للمقاطعة صداها
الحقيقي والواسع على أرض الواقع،أفقدت بعض الشركات المستهدفة في وقت وجيز 57% من أرباحها
حسب ضجيج الأرقام إن صحت في غياب تفعيل الحق الدستوري في الوصول إلى المعلومة؟؟،ولكن
الملاحظ أن محطات أفريقيا مثلا قد أصبحت خاوية على عروشها لا حركة فيها ولا سكون
إلا بإذن الله،إلا من بعض زبناء الشركات والمكاتب الوطنية التي لا ندري كيف ومتى نالت
صفقات وريع تزويدها بالمحروقات؟؟،وقد أصبحت حتى المقاهي خالية مما كان يملؤها من
المياه المعدنية المعلومة التي كانت ترافق حمل فناجين القهوة والشاي إلى الزبناء،فقد
استبدلت بغيرها من مياه سيدي"الروبيني"وسيدي"الدلو"،واستبدل كذلك
الحليب المعلوم بأنواع أخرى بل تم الاستغناء عنه إطلاقا واستبدل بالمشروب الشعبي
للمغاربة ألا وهو الشاي المنعنع الأخضر المفتول والصينية والبراد واللمة مع
الأحباب؟؟.
وبالمقابل،أرعدت وأزبدت وأمطرت علينا الحملات الرسمية وشبيه الرسمية
المضادة للحملة الناجحة،وعبثا حاولت وتحاول النيل من عزم المقاطعين والفت من عضدهم
وإصرارهم و زحفهم اليومي الخرافي،وهم يتحدون في ذلك كل من ألف ثقب جيوبهم الفارغة
و الاستحواذ على أرزاقهم القليلة،وتحطيم قدرتهم الشرائية الهشة،سلمية وحضارية
استطاعت ولأول مرة في تاريخ الاحتجاجات أن تعطل كل المقاربات الأمنية الضيقة
والشطط في استعمال السلطة،فتركت كل هراوات رجال الأمن الأشاوش تصدأ وكل المحاكمات
الصورية تتهم وتحاكم نفسها؟؟،وقد حمل كل ذلك الناس على التصدي بنجاح باهر لكل صواريخ
المنافسين والأعداء والتي عبثا أطلقوها عليهم تارة باسم الفلاحين وتارة باسم رجال
الأعمال وتشجيع المقاولة والاستثمار،وتارة باسم الاقتصاد الوطني..
وتارة..وتارة،وكم بتكوا أذان القوم بقاموس عباراتهم السمجة،فمن قائل
"مداويخ" وقائل "خيانة وطنية"وقائل
"قطيع"و"كتائب إلكترونية"وقائل..وقائل..،وتلك ثقافتهم ومؤشر
هزيمتهم؟؟.
ولعل أفظع قول ورد في حملة المقاطعة الوطنية الناعمة هذه،ما ورد على لسان
رئيس الحكومة وهو يصف المقاطعين ومن يصنعون دعائم المقاطعة ودعايتها ويرسلون
رسائلها الاحتجاجية بأنهم "مجهولون" وهو لن يرد على المجهولين،وبأن همه
الآن كيف يدعم آلاف الفلاحين والعائلات التي تضررت ولازالت تضرر من الحملة؟؟،وصدق
على المعضلة من وصفها بقولهم:"سكت دهرا ونطق كفرا"،رئيس حكومة يفكر في
بضعة ألاف من المتضررين - حسب زعمه - بدل أن يفكر في ملايين من أبناء الشعب،ويتدخل
بكلام كان من المفروض أن يكون جزء من الحل لا مساهمة في التعقيد،لم يفكر في الرسائل
الجوهرية للحملة وأسئلتها العميقة..كسؤال تراجع الطبقة الوسطى في المغرب إلى أين؟؟..سؤال
التدهور المستمر للقدرة الشرائية للمواطنين وضرورة إعطاء المؤشرات الحقيقية والفعالة
لحماية المستهلك؟؟،سؤال توزيع الثروة والعدالة الاجتماعية والإنصاف؟؟،سؤال
الاحتكار والمنافسة غير الشريفة،إلى درجة أن الوزير المعني في الحملة قد تمكن من
الاستحواذ على خمس وزارات في وزارة واحدة..وكاد يسيطر على 6 أحزاب وطنية مكنته من
أن يعرقل بها تشكيل الحكومة مدة 06 أشهر ولا زال ربما؟؟،ويقال أنه سيطر على كم..وكم
من شركة،وذكر في كم..وكم من حراك؟؟،لم يفكر السيد رئيس الحكومة في سؤال الريع
والسلم الاجتماعي الذي ينخر كل يوم بسبب امتزاج صنع القرار السياسي بصنع الثراء
الاقتصادي الخاص؟؟،ولا في سؤال تأهيل الاقتصاد الوطني الذي لا زالت حفنة من
الشركات الأجنبية تمسك بتلابيبه وتصنع لنا حتى الحليب و الجبن بعد عقود وعقود من
التنمية؟؟،ولا في سؤال الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان وعلى رأسها حق
المقاطعين وسلمية مقاطعتهم..،لم يجد المسكين إلا وصفهم ب"المجهولين"وقدماه
لم تجف بعد من تجواله بالأمس عبر الأزقة والشوارع يخطب ودهم ليصوتوا عليه؟؟.
لذا لم نستغرب من خرجة وزيره في التشغيل بأنه غير معني بالمقاطعة ولا
بالحليب والغازوال ولا ب"خيزو ومطيشة"،كما سبق له وأن صرح بأنه معني فقط
بالشغل وليس بالتشغيل،رغم أن وزارته لا تحمل غير هذا العنوان،لا ندري لما عين في
وزارة التشغيل ولا ماذا يريد أن ينجز فيها خارج إطار تنمية التشغيل؟؟.كما لا
نستغرب أيضا من الخرجة الكارثة للسيد وزير الحكامة وأسعار المواد،التي لا تفتأ
تلتهب دوما رغم أنف وزارته ودكتوراته وحنكته العلمية وخبراته الجامعية وتجربته
الحكومية..؟؟،بحيث صرح السيد الوزير بصدقه وقوته المعهودة في قبة البرلمان،بأنه ونحن
على أبواب رمضان،يخاف على المغاربة إن هم استمروا في هذه المقاطعة أن تعلن شركة الحليب
المستهدفة إفلاسها وتسرح عمالها وتغلق أبوابها ويحمل أربابها وهم من الأجانب
مفاتيحها ويتركون البلد،وهم الذين ينتجون لنا في شركتهم أزيد من 50 % من الحليب ومشتقاته؟؟،من أين ذلك
الوزير من تلك الحكومة،ومن شابه رئيس حكومته فما ظلم،وزير حكامة يخشى على الشركة
الجشعة ولا يخشى على الشعب المقهور،وزير لا يقر ولا ينفي ما يروج من أن قيمة
البضائع وتكلفتها كالماء المعدني مثلا لا تتعدى 5 إلى 20% مما يباع به للعالمين،؟؟وزير أعلنت الشركات رفض
تصريحاته وبأنها لا تنوي مغادرة البلاد ولا التعنت في الأسعار إذا ما راجعت
الحكومة ما تفرضه عليها من الضرائب؟؟،من
أين لكم كل هذا الخوف والترهات يا سيدي وقد أوردتكم كل الموارد السياسوية السيئة
الذكر..مهزلة "الموازنة" و"المقاصة" ومأساة
"التقاعد" و"التعاقد"..وغير ذلك من القرارات اللاشعبية
والمواقف الاجتماعية والسياسية المخجلة؟؟،لكن لا عليكم معالي الوزير،نحن أبناء
الشعب نقترح عليكم مخرجا مريحا يحفظ لكم ماء الوجه إن كان سوء القول قد أبقى لكم
منه شيئا وأنتم القائلون:"اللي بغا يقري ولدو يضرب يدو لجيبو".."واش
بغيتو الحكومة تطيح لكم الشتاء"..فما رأيكم فقط معالي الوزير:"لو تبقون
الشركات وتسرحون الشعب"..على الأقل في كل العالم سيجد أجور عمل أعلى وأسعار
مواد أدنى؟؟.
الحبيب عكي