كثرت التعليقات والآراء والتحليلات عن لماذا فشل الانقلاب العسكري الغاشم
في تركيا،فمن قائل يكفيه للفشل أنه كان عسكريا طغمويا مارقا،وقائل أنه فشل لأن
الشعب نزل إلى الشارع يحمي اختياره الديمقراطي ويتصدى للإنقلابيين بصدور عارية
وجهاديات مدوية عاصفة ناسفة"يا الله..بسم الله..الله أكبر"؟؟،وقائل أن
الذي رد كيد الكائدين في نحورهم هو الأداء الحكومي التنموي الشامل وغير المسبوق في
تركيا وتميمة أو رابعة "أردوغان" الخالدة "علم واحد،وطن واحد،شعب
واحد،دولة واحدة"؟؟،بل ذهب بعض الظرفاء انتشاء بفرحتهم على فشل
الانقلاب،فردوا ذلك إلى مجرد ظهور "أردوغان" القائد المحنك
في"الأيفون"على تطبيق(face time)،يطلب من الشعب النزول
إلى الشوارع لحماية تركيا والديمقراطية والشرعية،وبكل تلقائية لبى الشعب
النداء في التحام منقطع النظير بين المواطن والحاكم، فغلب الرئيس العسكر كما غلب "الأيفون"
الدبابات والبواخر والطائرات وجمدها في قواعدها؟؟.
أما حكايتي أنا في
الموضوع،فأنا أرد ذلك - والله أعلم - إلى كون الانقلاب قد فشل فشلا ذريعا وبسرعة
خاطفة،لمجرد أنه قد بدأ فقط من المكان الخطأ من الجسر(جسر البوسفور)،يريد جمركته وأمركته
وصهينته والتحكم فيه بقطع الأرزاق و وضع الرشاشات على الأعناق،فأصابته لعنة التحكم
فيما لا يمكن التحكم فيه؟؟.الجسر عبر التاريخ وفي كل العالم كان جسر المحبة،جسر
التواصل،ملتقى العشاق،رمز الملح والطعام والتبادل والتقاسم،مهجة البوح والشكوى
والتأمل،رمز الأصالة والحداثة،والتنمية من الخشبية القصبية الهشة إلى الخرسانية الحديدية
الصلبة،أضف إلى ذلك كونه معلقا في الأعالي،ثابتا في الأعماق،ومشرئبا إلى السماء
بعمد لا يرونها،فيه يمر المارون والدراجات والعربات والشاحنات،وعبره تمر أنابيب
البترول والغاز والكهرباء والماء والحياة،إليه تشكو الشاعرة
"نازك"لوعتها وفي يمه ذرفت دمعتها وأغرقت أسرارها،وعليه سير"درويش"
على الجمر شبله المناضل،طفل ولكن مقاتل،وحين يتعب يعلو،صوت الفداء فيواصل، به لهج
الأطفال المنشدون بنجاة الأرنب من الصياد؟؟،فهل بعدها يستطيع كل عسكر الدنيا
مراقبة الجسر،محاصرة الجسر،خنق الجسر،هدم وتحطيم الجسر،تفجير وحرق الجسر،الجسر
حياة لا موت،محبة لا كراهية،اتصال لا انفصال،أمان وازدهار لا إرهاب واندحار؟؟،وهب
أنهم قد فعلوا الشر بالجسر،فهل يستطيعون تجفيف النهر الذي يجري ويسري ويمر تحته
واليراع الذي فوقه؟؟،وهبهم قد جففوه فهل يستطيعون تجفيف آهات العشاق وحلقات
المريدين وفناء الدراويش،وأحلامنا و رسمنا وحكينا..،وهي كلها ينابيع النهر الدافقة
التي لا تنضب،وبحر الهوى التركي الموهوب رحمة للعالمين وفسحة للملايين؟؟،وهبهم قد
فعلوا ذلك فمن يمنع لهم ارتفاع السحاب وعصف الرياح وهطول الأمطار ولوعة المحبين
وآهات العشاق،وهي في كل لحظة تخترق الآفاق وتملآ حتى الأنفاق في الأعماق،فيمتلأ
النهر من جديد ويعلو فوقه الجسر ويعلو بالخرسانة والحديد،فوق النهر فوق الظهر، فوق
العين فوق الرأس، فوق البر فوق البحر،فوق البرق فوق الرعد،أبدا فوق الوعد فلولا
الوعد ما كان الجسر ولولا الجسر ما مر القريب ولا زارنا البعيد،ولا احتفل الأهالي
بالعيد والعيد؟؟.
يا عسكر،يا فاشتي،يا
انقلابي،يا دموي،يا تركماني،أنا الجسر أقول لكم فاسمعوا مني،حذاري..حذاري،فقد حكي
في دولة المزارات المجاورة،أن جسر الأئمة قد اختنق ذات سنة بالطوائف والمليشيات،الدرجات
والسيارات إلى جانب العربات والدبابات،وكلها يدعي الحج إلى المزارات والمرجعيات،ولآن
الله أعلم بالنوايا والتنظيمات،فقد أرسل هاتفا من السماء، تردد هاتفه في السماء وكـأنه
رعد أو برق من الأرواح والأشباح، فما أن قال بأن هناك "جهاديا "على
الجسر قد يفجر الوضع الآمن ويتفجر على العالمين بين لحظة وأخرى، حتى ازدحم الحجاج
ازدحاما شديدا ولا ازدحام الطوافات المميتة في الحج الحقيقي في الحرم المكي،ومن
شدة الخوف والهلع والهرج والمرج والعياط والمياط،هرب الناس من الموت المحتوم
فأصابهم،داس بعضهم بعضا بالمئات والمئات،بل قفزوا من أعلى الجسر ورموا بأنفسهم
غرقى في أعماق اليم وبالآلاف والآلاف؟؟،وما أراكم إلا أولائك المدهوسين و أولائك
الغرقى،أولائك المنبوذين و أولائك الهلكى،وإنها لعنة جسر الفاتحين التي
ستصيبكم،أكثر من لعنة جسر الأئمة والحُجاج يا أبناء "الحَجاج والحلاج والدجاج
والعجاج والنعاج"؟؟،وكل انقلاب فاشل والجسر في قلوبنا أعلى وأعلى وأمتن شامخا
كالجبل،كل انقلاب فاشل والمقاومة الشعبية أشد وأشد شامخة كالجبل،كل انقلاب فاشل
والجسر ماسح دموعنا ومخفف همومنا،معلقة به هويتنا وحدتنا وديمقراطيتنا...أرواحنا،عقولنا،وقلوبنا؟؟.
الحبيب عكي