وأنا أتابع الروبورتاج الذي أجرته إحدى القنوات التلفزية
حول القرية،أدهشني أحد الأطفال الأبرياء وهو يصرخ أمام الكاميرا وسط جمع من
الأتراب:" نحن في هذه القرية ليس لدينا شيء...وكأننا لسنا مواطنين...ليس لدينا
لا طريق ولا مستشفى لا ملعب ولا دار الشباب،والو...والو...حتى المدرسة الوحيدة
التي نمتلكها لا ماء فيها ولا كهرباء ولا مراحيض،سقفها مثقوب وبابها مخلوع ونافذتها مكسرة"، وهو بذلك يكرر ما قد صرخ
به قبله رجال القرية ونساؤها ومستشاروها،وهم بذلك يحملون المسؤولية الجسيمة للمخزن
والمخزن وحده،والمخزن يعني الدولة والحكومة هم وحدهم المسؤولون عن الإقصاء
والتهميش الذي طالما اجتاح العالم القروي وتفشى فيه إلى درجة يجعل الحياة ليست
صعبة فحسب بل تكاد تكون اليوم مستحيلة،وللتصديق على هذا الموقف فقد كان الأطفال
كلهم يردون على صاحبهم بلازمة والو...والو...حتى إذا ما انتهى الطفل الزعيم من
احتجاجه دندن الجميع عليه بإيقاع الأغنية الشعبية الشهيرة: "والو...ما عندنا والو...والو...ما دارونا
والو...والو..."،وتمنيت لو أن المصور أوقف القوم أو بعد توقفهم استأنف معهم
الحوار وقال:"الطريق لفك العزلة من حقكم وهو مسؤولية المخزن،المستشفى كذلك من
حقكم وهو مسؤولية الوزارة،الملعب قد يكون أيضا مسؤولية الوزارة أو الجماعة أو حتى الجمعية
أو أي أحد آخر غير المعنيين من أهل القرية،يعني أن الآخرون دائما هم الآخرون وهم
المسؤولون،ولكن بربكم أيها السادة والسيدات...يا كل السادة والسيدات:"باب المدرسة
من خلعه؟؟...والنافذة من كسرها...والطاولة من لطخها"؟؟؟.
تلكم حكاية
التفلت من المسؤولية اتجاه الملك العمومي والتي نربي عليها ناشئتنا مع الأسف،وستبقى
أوضاعنا الاجتماعية متردية كما هي ما دمنا على هذا النمط من التفكير والتفكير الجماعي
مع الأسف،صحيح أن الدولة مسؤولة رغم كل الإكراهات وهي غير معذورة في جبر الضرر
بمقتضى المواطنة والعدالة والإنصاف والمساواة،وقد أبطأت في التدارك رغم كل
التحولات والتداولات،ولكن أين هي الدولة في مظاهر الإفساد البشعة التي تطال العديد
من مرافقنا الاجتماعية العامة،مقاعد للراحة تقتلع في الحدائق العمومية، وكراسي
للفرجة تهشم في الملاعب الرياضية،وحاويات الأزبال تقلب على قفاها في الأحياء
الشعبية،مخادع الهاتف تعطل بسبب الإجرام و الطيش،ومرافق صحية تقفل حفرها وتكسر
صنابيرها فيستحيل استعمالها مهما كان اضطرار المضطرين وغربة المغتربين وسفر
المسافرين،محطات انتظار الحافلات ولوحاتها الاشهارية،واستحالة وضع الثلاجات
الأوتوماتيكية للمشروبات الغازية أو الشبابيك الإلكترونية في الشارع العام بدون
حراسة،ويصل الأمر إلى بعض الممتلكات ذات الاستعمال العام في بعض الجمعيات وبعض
المؤسسات،لتبوء الأقسام و المدارس بأنكى الانتهاكات من خلع الأبواب وإتلاف
المصابيح وكسر النوافذ وملؤها بالعديد من الملوثات"الزريعة" ولفائف"الباسطة"
إلى هدم أسوار المؤسسات وهتك حرمتها وجعلها مرتعا لكل المختلين والمنحرفين
والداعرين،وطبعا نلقي باللائمة دوما على الآخرين والدولة في مقدمتهم؟؟.
ومساهمة في معالجة
هذه الخلل التربوي والاجتماعي يجمع المهتمون على نقط أساسية أهمها:
1- رفع الوعي البيئي لدى الإنسان وإعادة الاعتبار
لعيشه بوعي ومفاهيم تربوية وثقافية، فالإنسان هو مدار كل شيء من إصلاح وإفساد،والبيئة
الاجتماعية لحياته انعكاس لطبيعته وجوهره وتصوراته التي هي عنوان تصرفاته.والملك
أو المرفق العمومي من المصلحة العامة وهي مقدمة على المصلحة الخاصة،إن كان هناك
عند البعض في التدمير مصلحة أو على الأصح أسلوب رفض واحتجاج؟؟؟.
2- نشر الوعي بمفهوم الملك والمرفق العمومي حتى
يمتثل المواطن بأخلاق العيش فيه والاستفادة منه في أحسن الظروف،فكما يقول مصطفى
الحسناوي في مقال له في الموضوع أن هذا المفهوم يعني الفضاء والملك العمومي:"جاء لترتيب العلاقة بين الفردي والشخصي من جهة والعمومي
الجماعي المجتمعي من جهة أخرى،بين الحق والواجب وبين الحرية والالتزام ...الأنا
والآخر...الفرد والمؤسسة،وهي قضايا ما تزال تطرح هاجسا حقيقيا بالنسبة لمجتمعها
الأصلي (الغرب) فكيف بالنسبة إلى بلد كبلدنا لازال يعيش في شرنقة قيم القبيلة
والعائلة ويختزل كل ملكه العمومي في قيم الريع "جابها الله"،فلا
مسؤولية ولا محاسبة؟؟؟.
3- حراسة المرفق العمومي وتغريم المفسدين
والمعتدين:فلا يعقل أن تبدل الدولة أو غيرها مبالغ هائلة في بناء وتوفير الملك
والفضاء العمومي ثم يهمل حراسته وصيانته حتى يضمن حيويته واستمراره وهو الأمر الذي
لا يكاد يكلفه شيئا ربما غير الشراكة والتفويت إلى فاعل مدني،يحرص فعلا على أن يجد
الناس راحتهم في المرفق العمومي ويشعروا بأهميتهم لا كما يجري اليوم في العديد من
المرافق الخدماتية والرياضية والسياحية وحتى الترفيهية من احتقار المواطن واستنزافه
والتحرش به بل والتعدي عليه بما قد يصل إلى اغتصابه أو إزهاق روحه كما في بعض
المآثر التاريخية والبنايات المهجورة ؟؟؟.
4- ضرورة وضع رقم أخضر لحماية الأملاك والمرافق
العمومية في كل بلدة،ويكون جاهزا وعلى كامل الاستعداد،لضمان حسن سير المرفق ويسر
خدماته،فقد يحتاج المواطن لخدمة أو معلومة وإرشاد ما وفي غياب مثل هذا الرقم لا
يجدها،وقد يتعرض لفساد أخلاقي أويرى تدميرا ماديا في المرفق وفي غياب مثل هذا
الرقم لا يبلغ عنها،من هنا قد نضع قوانين زجرية لحماية الملك العام ولكن لا هي
تطبق ولا الملك يحمى فقط لأننا لا نضبط المخالفين ولا نبلغ عن المدمرين،وكثير من
زوار المرفق قد تكون لديهم أيضا ملاحظات بشأن الخدمات أو مقترحات بشأن تحسين خدمات
المرفق وتطويرها وفي غياب مثل هذا الرقم أو على الأقل دفتر الملاحظات والمقترحات
لا يتحسن أي شيء؟؟؟.كثيرا ما ترمي الإدارة الناجعة إلى المصالحة مع المواطن وتمتيعه
بأحسن الخدمت،لكنها لا تتخذ من أجل ذلك الوسائل اللازمة وهي جد بسيطة،فعندما يستقل
مواطن سيارة أجرة كبيرة أو حافلة عمومية فيضيفون عليه في ثمن التذكرة أو يضيفون
المقاعد فوق الحمولة أو...أو...،من سيحميه غير الهاتف الأخضر إذا كان جاهزا وليس
من النوع الذي لا يتحرك حتى يسقط الدم وتقع الفأس في الرأس؟؟؟.
5- دمقرطة الإعلام العمومي بما يخدم الناشئة وفق
المبادىء الوطنية والقيم الحضارية، ويشركها بمبادراتها وإبداعاتها ويحمل همومها ومعاناتها،وإن
كانت الدولة تعجز عن تنظيم رحلات إلى الدول المتقدمة حتى تطلع الناشئة على مدى احترام
الملك والفضاء العمومي فيها وعلى رأسها البنايات التعليمية الشيقة في القرى
والأرياف،بقاعاتها الفسيحة وملاعبها الجميلة وحدائقها اليانعة ومكتباتها المجهزة
ومقاصفها الاجتماعية المرحة المريحة وأبوابها وممراتها ومحيطاتها الآمنة،فيستطيع
الإعلام القيام بأدوار مهمة في هذا الصدد،وما الوثائقيات البيئية والمنافسات
الرياضية والبعثات والرحلات والمخيمات الدولية والأفلام القصيرة الإلكترونية و"خواطر
الشقيري" مثلا،ما هي عنا ببعيد؟؟؟.
الحبيب
عكي