إن تأسيس جمعية باب من أبواب الخير العميم،يجعل صاحبها يخرج من شرنقة
الأنانية والذاتية ودوامة الهموم الأسرية على أكبر تقدير إلى الهموم المجتمعية
وعالم التطوع والاختيار وممارسة الحرية الشخصية في إطار القانون وتحمل المسؤولية
الفردية وإن تخلى عنها الآخرون،والأمر الطبيعي أن تكون هذه الجمعية هادفة وبانية
مفتاحا للخير مغلاقا للشر،تخدم نفسها والمجتمع وتحل مشكلة أو مشاكل نذرت نفسها من
أجلها،فهي جمعية حل وبناء وتقدم وازدها،تحرر المجتمع قدر المستطاع من الاتكال على
الدولة المغلوبة على أمرها والتائهة في صراعاتها إلى المساهمة المدنية في بناء
المجتمع وهي مساهمة معتبرة قد تدور عليها كما قيل تسعة أعشار الحياة وحاجيات
المواطنين؟؟؟. لكن الغير الطبيعي أن تنخرط هذه الجمعية بقصد أو بغير قصد في منظومة
التخلف ومسايرته والتطبيع معه دون الإحساس به أو مقاومته،أن تنخرط هذه الجمعية ليس
في العيش في المشاكل فحسب بل في إنتاجها ورعايتها ونشرها وتعميمها كجمعية هدامة أو
وقعت في ذلك في غفلة وكسل منها حتى يكون أكبر المشاكل عندها - كأي مؤسسة متخلفة
وقعت في الماء العكر أو تصطاد فيه رغم أنف القانون - يوم تحل المشاكل فتفقد بذلك
حياتها ومبرر وجودها ؟؟؟.
مجرد
سؤال: كيف بجمعيات تنوي الاستثمار في أعمال الخير التربوية والثقافية
والفنية والرياضية والاجتماعية والتنموية والبيئية والحقوقية ...وإذا بكل هذه
الرافعات الاجتماعية تتخلف بشكل خطير رغم وجود آلاف الجمعيات بل وآلاف الهيئات
والقطاعات المهتمة بل والمدعية التخصص في النهوض بهذه المجالات الحياتية
الحاسمة؟؟؟؟.أنظروا إلى مجتمعنا وما يعرفه من التخلف وتراجعات خطيرة في الصحة
والتعليم والفلاحة والبيئة والحقوق والتنمية العامة،أليست الرشيدية عبر التاريخ
مثلا مشتلا للمهندسين والأطباء والأساتذة ...فأين ملامح الطب والهندسة والأستاذية
في كل ربوع الإقليم وما يشكو منه من تردي الخدمات الصحية التي تراجعت إلى مستوى
القوافل الموسمية لا تغني ولا تسمن من جوع في حين نجد في المدن الداخلية عمارات
تكاد تكون فيها العيادات أكثر من السكان؟؟؟؟.أين الهندسة في بناء طرقات الكثير
منها أقرب إلى فجاج الفطرية لا إلى الهندسة الطرقية ؟؟؟.أين الأستاذية والإقليم
يسجل مع الأسف أكبر نسبة أمية على الصعيد الوطني؟؟؟.دع عنك أمر الفقر والهجرة وأمر
الأطفال والشباب وأمر التعليم الجامعي و
والتكوين الحرفي وأمر الرعي والفلاحة ...؟؟؟.
إن من الأسباب الرئيسية لهذه التجليات المشينة ليس من قلة المؤسسات أو
انعدامها فحسب بقدر ما هو وجود مؤسسات مشكلة لا مؤسسات حلول؟؟؟.فماذا يعني مثلا
مؤسسة تستدعي الجمعيات عن طريق الشيخ والمقدم؟؟؟. ماذا تعني مؤسسة ترفض منح وصل
الإيداع لجمعية قانونية أو تعرقل نشاطها بفرض الترخيص بدل الإشعار أو حرمانها من
قاعة عمومية أدت فيها نصيبها من الضرائب؟؟؟. ماذا تعني مؤسسة تقبل وترفض من مشاريع
وشراكات الجمعيات دون مبرر؟؟؟. ماذا تعني مؤسسة تهب من المنح للجمعيات أو تحرمها
دون معايير واضحة ؟؟؟. ماذا تعني مؤسسة
تنشئ لكل مشروع جمعيات حتى تحرم منه الجمعيات القائمة والفاعلة ؟؟؟. ماذا تعني
مؤسسة تمنح 1000 مقعد تخييم لمدينة تضم 120 ألف طفل؟؟؟. وإن هذا لا ينطبق على
مؤسسات الدولة فحسب بل يمتد إلى المؤسسات المدنية
بشركاتها ونقاباتها وصحافتها وإعلامها وعلى رأس ذلك طبعا الجمعيات
المدنية والتعاونيات ؟؟؟. فما هو السبل
والكيفيات والأدوات والدورات اللازمة لتجاوز وضعية وهاوية وبركة الجمعية المشكل
إلى وضعية وأفق ومرتع الجمعية الحل؟؟؟.
1-
ضرورة الرؤية والرسالة:
إن جمعية ليست لها رؤية ولا رسالة ولا مخطط استراتيجي ولا برامج مفصلة
ونوعية وذات مؤشرات وتتضمنها وثائقها وقوانينها حسب المشروع والأهداف والمجالات
والأندية واللجن والثوابت والمستجدات...، ،غالبا ما تجدها مجبرة تعمل في كل شيء (
كأنها وزارة كل شيء)أو تعمل حسب الطارئء والمتاح وإن كان بعيدا عن أهدافها ولا
تملك وسائله المادية والبشرية،فتسيء بذلك من حيث أرادت الإصلاح وتهدم من حيث أرادت
البناء،وتتأخر من حيث أرادت التقدم،إنها جمعية مشكل لا جمعية حل؟؟؟.
2-
حسن التدبــير والتسيير:
إن جمعية يطبع أعضاؤها مع سوء التدبير والتسيير المنتجان للعشوائية
والارتجالية وغياب البرمجة والتخطيط وتحمل المسؤولية،وتداخل المهام بغض النظر عن
القوانين ومجالات العمل والتخصصات،جمعية تعقد اجتماعات تلو الاجتماعات أغلبها بدون
نصاب ولا تكليفات ولا متابعة أو محاسبة، فتظل على الدوام لا تستطيع أن تجد لنفسها
مقرا محترما يستوعب أنشطتها ولا قيما فاعلا منظما،ولا اللازم من أدوات العمل
وطاقاته المؤهلة،مما يجعلها جمعية مشكل لا جمعية حل؟؟؟.
3-
محدودية البرمجة والتخطيط:
إن
جمعية ليس لها مشروع حقيقي ذو رؤية ورسالة ومخطط استراتيجي يبين لها من أين تريد
الانطلاق وإلى أين تريد الوصول ولماذا وبماذا وكيف ؟؟؟. وتحقق في كل هذا الإنجاز
الفعلي والتراكم المتنامي،وتعمل على تقييمه وتقويمه وتطويره وتجديده،جمعية تعمل في
مشاريع الآخرين ومخططاتهم دون سابق عقد تعاون وتشارك ؟؟؟. والمشكل أنها تتطبع بهذا
الوضع وتعتاد عليه بل قد تدمن عليه ولا تستطيع الانفكاك والتخلص منه،فتجدها تفرح
وتصفق لإنجازات الآخرين وإبداعاتهم لا لإنجازاتها وإبداعاتها هي، إنها كولد معتوه
يفتخر بما فعل أباؤه وأجداده وهو لم يفعل ولم يضف إليه شيئا بل ربما لم يترك فيه أو
منه شيئا،إنها جمعية مشكل لا جمعية حل؟؟؟.
4-
محدودية الموارد البشرية والمالية:
إن جمعية تعاني من محدودية الموارد البشرية
والمالية على السواء،رغم ما تعرفه الساحة الجمعوية من جهات مانحة متعددة وجهات
تشاركية لا تعد، وما تعرفه الساحة الجمعية من إقبال بشري عليها أكثر من العمل
السياسي و النقابي وغيره،فلا تجد من مصادر التمويل ما تحقق به مشاريعها ولا من
الطاقات البشرية ما يكفيها في إنجاز برامجها وتدبير أنديتها ولجنها وتجديد
مكاتبها،أو لا ترقى بمن يقبل عليها من الموارد البشرية في انتمائهم الحقيقي
للجمعية وانخراطهم الفعلي في همومها وارتيادهم الدائم لفضاءاتها،أو لا ترقى بهم في
تكوينهم واستفادتهم المادية والمعنوية في عصر الاقتصاد الاجتماعي سواء كان تطوعا
اختياريا(volontaire) أو تطوعا بالمقابل (binivole)،جمعية ربما قد أصابها
الشلل النصفي أو يكاد وحتما ستواجه الموت وهي تراه بعينيها يقترب منها وهي لا
تستطيع فعل شيء لأنها بدون خلف وعقلها قد تلف ؟؟؟. إنها جمعية مشكل لا جمعية
حل؟؟؟.
5-
الانفتاح والتنسيق والتعاون:
إن جمعية منطلقة من شرنقة ذاتها،مستسلمة لوهم واقعها،مكتفية بمتعتها في لعب
كرتها الحديدية أو دحرجة كرتها الثلجية،غير مبالية بمكن يشاركها همها ويعمل بعملها وإن كان في فضاءات غير
فضاءاتها،وبوسائل غير وسائها،وربما من منطلقات غير منطلقاتها،فلا تكون الجمعية
مستعد للتنسيق والتعاون على الخير مع الغير،فلا تعد مشروعا ولا تبرم شراكة ولا
تنسق حتى في برنامج دوري أو سنوي أو حتى
في نقل نشاطها إلى فضاء غير فضائها ورواد غير روادها،جمعية خارج الدستور وعلى هامش
المجتمع،حظها في التخلف أكبر من حظها في التنمية،تريد تحرير المجتمع وهي لم تحرر
نفسها وفضاءها وأطرها وروادها ليصبحوا كل فضاءات المجتمع وأطره ورواده الذين
يقبلون برؤية الجمعية ويقبلون على رسالتها،إنها جمعية مشكل لا جمعية حل ؟؟؟.
6-
التوثيق والتواصل والإعلام:
تصوروا لو أن الجمعية مقاولة أو شركة
إنتاج أو مجرد تعاونية كل حياتها متوقفة على مدى انتاجها وتسويقها وتنافسها،كم
ستبذل من جهد في ابداع واختراع المشاريع؟؟؟. كم ستبذل من جهد في تصنيعها وفق
معايير الجودة وتسويقها في أحسن الأشكال وبأفضل الأثمان؟؟؟. كم ستبذل من جهد في
التعريف بها والإشهار لها وفي مختلف وسائل الإعلام؟؟؟.كم ستبذل من حرص وتطرق من أبواب وتنفق من أموال من
أجل تسجيل ابداعها واختراعها وحيازة براءته الرسمية حتى لا يسطو عليه غيرها
بالتقليد المجاني؟؟؟. كم ستبذل في استرضاء العمال وتحفيزهم وتزيين الفضاء وتحبيبه
إلى أنفسهم حتى لا يفضلوا عليه أي فضاء آخر فيهربوا إليه،لا بد أن يجدوا فيه
الدفىء الذي لا يجدونه في غيره فيصلوا فيه الليل بالنهار،وحتى إن غادروه بأجسادهم
ظلت أرواحهم تشتاق إليه وعقولهم تفكر في أعماله ؟؟؟. ومن غير ذلك سيكون كل شيء من
استثقال المقرات وحضور إلى الاجتماعات و المشاركة في الاقتراحات وإنجاز التكليفات
كما ينبغي،فبالأحرى الاستمتاع والتعبد بها ؟؟؟. ومن غير ذلك فإن الشركة ستصاب
بالإفلاس وغلق الأبواب وطرد العمال بل سعيهم وهروبهم من ذواتهم؟؟؟.قانون لا يرحم
الشركات ولا حتى الجمعيات،إذا كانت جمعيات مشاكل لا جمعيات حلول؟؟؟.
7-
التنظيم المحكم والتجديد والإبداع:
قد تنذر الجمعية نفسها لمجال أو مجالات متعددة فتحسن فيها، ولكن مع مرور
الوقت يستجد للناس من الأقضية ما يلزم الجمعية بضرورة التجديد في الوسائل والأشكال
وإن ظل الهدف والمبدأ هو نفسه. ففي الهدف التربوي مثلا لا أعتقد أننا نستطيع تربية
نشء اليوم ( نشء الجين والولكمان والكرة والسمطة الهابطة...وجناب
كصعة...والأنترنيت والفليبير...والطوانك والطاطواج...والرابور يسبيكي
اللوغو...والساطة والطاسة والقرطاسة...لا قراية...لا احترام...لا خدمة...لا مجي بكري...) لا
أعتقد أننا نستطيع تربية هذا النشء (جيل المتعة) بما ربي به الجيل الأول من سمت و
وقار وجدية وسكون (جيل القسوة)،لا بد من اجتهاد تربوي يلبس الناس لبوسهم لإبلاغهم
ما يمكن من المبلغ العام ،وإلا بحث عما يريحه خارج الجمعية،لا لشيء إلا لأنها
جمعية مشكل لا جمعية حل لا تجديد فيها ولا إبداع ولا فضاء الفئة التي تستهدفها
إطلاقا(ألعاب الأطفال وغيابها من مقراتنا مثلا،أو تقديم أنشطة
الأطفال للشباب اليافعين أو ربما النساء والرجال) ؟؟؟.
ختاما أيها الإخوة:قد لا نكون جمعية الكرة الحديدية ولا الكرة الثلجية ولا اللعب إطلاقا،إننا
وبكل روح رياضية ودادية ورجاوية...،نريد الاسهام في تنمية ما يمكن من المجتمع وفق
ما يمكن من المناولات التربوية والترفيهية وغيرها،فاتخذنا من أجل ذلك للجمعية
شعار: "تنمية الانسان أولا"،ولكن لا بد من تنمية أنفسنا أقصى ما يمكن وتنمية
مكاتبنا أسرع ما يمكن حتى لا تظل تتخبط في مشاكلها المزمنة فتبتعد بذلك شاءت أم
أبت عن المساهمة في حل مشاكل الناس والمساهمة في تحسين حياة المجتمع وفق الهوية
والمرجعية والانتماء الوطني الحضاري طبعا ؟؟؟."وقل
اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون".
والله من وراء
القصد وهو يهدي السبيل