لا أدري،بقدر ما كثر الحديث عن النموذج التنموي الجديد
في المغرب،وبقدر ما يترقب المواطنون ما يمكن أن يأتي به هذا المولود الجديد من
مفاتيح للخير مغاليق للشر تكون دواء للجراح بلسما للأفراح،بقدر ما شاعت وفاحت في وطننا
الحبيب وخاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ظاهرة التضامن مع كل المظلومين والضحايا
أفرادا وهيئات وب"هشتاقات"ووسومات ملتهبة التهاب النار في الهشيم:#كلنا..#كلنا.. #كلنا.. #كلنا "هاجر الريسوني"..#كلنا "محمد عمورة"..#كل التضامن مع ضحايا ملعب تيزيرت بتارودانت..
#كل التضامن مع
ضحايا واد الدرمشان بالرشيدية.. #كل
التضامن مع نشطاء حراك الريف..مع ضحايا العطش بزاكورة..مع الأساتذة الذين فرض
عليهم التعاقد المغبونين..مع أطباء الغد المقموعين والمهددين..مع الأحزاب
ضحايا"البلوكاج" والتشويش والتبخيس
والتيئيس..؟؟،وهكذا في مشهد وطني بانورامي ملتهب يضج ويعج بالعديد من المظالم
المكتسحة لواقع متردي في الغالب ولا مصداقية فيه لأي نموذج تنموي أو سياسي أو ثقافي
أو اجتماعي، ما لم تتملك معالم خرائطه وسفن معابره ومسالكه أدوات إطفاء كل هذه
الحرائق وتوجيه خراطيم مياهه نحوها عكس غريمه الحالي الذي كثيرا ما يوجهها نحو
المواطنين و المواطنين الأبرياء؟؟.
1- هل من
حق المواطن في أي نموذج تنموي أن ينتقد أي مسؤول ويحتج عليه ويطالبه بحقوقه وجودة خدماته
المسؤول عنها،في إطار ما يضمنه الدستور من واجب الحكامة والشفافية وربط المسؤولية
بالمحاسبة،أم أن كل مسؤول هو موظف معين ورجل سلطة بريء وكل محتج هو متهم مخل مغرض حتى
لو ثبت العكس،وليس أمام المواطن أي أسلوب لمحاسبة رجال السلطة المعينين حتى لو
تصرفوا فوق السلطة بل على خلافها،أما المنتخبين فصناديق الاقتراع مضمونة حتى يتعلم
المفلسون عبرها الحجامة في رؤوس اليتامى؟؟.
2- هل
سيلزم النموذج التنموي المنتظر المسؤولين بتبرير مكتوب لكل ما يرفضونه من قضاء
أغراض المواطنين،تبرير يمكن أن يكون موضوع متابعة قضائية من المتضررين لتخليق
الحياة العامة فعلا،وتطهير الإدارة من مزاجية المسؤول وبلادة الروتين وفظاعة المعرفة
والوساطة؟؟،هل سيظل كل الإنصاف الذي سيحظى به المظلوم المحتج على مجرد حقوقه البسيطة
في الصحة والتعليم والتشغيل والسكن والنقل والحرية والكرامة..،شيئا معقولا غير
المنع والقمع والتجاهل والإهمال أو الاعتقال والإذلال وإخراس الأصوات المزعجة وخنقها
في غياهب الصمت واليأس قبل السجون،لا نموذج قديم أو جديد ما لم يكن فعالا في وقاية
المواطن من المظالم مما صغر أو كبر،وإذا ما وقع عليه شطط بعضها لا بد أن يجد في
الحين من ينصفه فردا مسؤولا أو هيئة قانونية،والقضاء من حق الجميع وفوق الجميع؟؟.
3-بماذا
يمكن أن ينقذ النموذج التنموي الجديد كل هؤلاء الفاعلين الوطنيين من الأحزاب
والنقابات والعديد من الجمعيات والهيئات والمؤسسات الوطنية والجهوية وقد تهاوى
منها كل الإيديولوجي وحتى الهوياتي وانتهت صلاحياته أو تكاد وهزلت خدماتها وتجوزت
وساطاتها من طرف تنسيقيات فئوية لأصحاب الشأن،همهم الخدماتي والاجتماعي والحقوقي وهو
ينبعث اليوم من الرماد كالعنقاء في كل المدن والقرى وعلى امتداد مرامي السهول
وأعالي الجبال،وإن سماه الآخرون ما سموه فهو الأنسب للأجيال أمام متاهات السياسة وقهر
الرجال؟؟.
4- إلى
أي حد يمكن أن يكون هذا المولود الجديد شرعيا ودسيتر جديد ابن دستور جديد 2011،ينبعث
منه ويحسن تأويله وتنزيله وتفعيله وخاصة ما يتعلق منه بما يمس الحياة اليومية
للمواطن من الثروات والبنيات والخدمات ومن الأمن الروحي والثقافي الضامنين للحقوق
الأساسية في السكن والتشغيل والصحة والتعليم،والحاميين من الهجرة القسرية والبطالة
المقنعة أو التطبيع مع حياة الانحراف والتشرد والجريمة والإدمان،التي لا تغني عنها
تقارير المجلس الأعلى للحسابات - على أهميتها - ولو رصدت ما رصدت من الاختلالات،لأنها لا تكون في حينها ولا
تعوض ضحاياها ولا يتحكم في مآلاتها؟؟.
5- إن
الشكاوي والمظالم إنما تنشأ من اضطراب الاستراتيجية التنموية والأمنية بمفهومها
الواسع في البلاد أو فقدانها أو تداخلها أو عدم ترتيب أولوياتها أو عدم الصدق في
تقييم إنجازاتها،فأي بلد نريد أن نكون في العهد الجديد والنظام التنموي الجديد،هل
سيظل بلدنا فلاحيا أو صناعيا أو رياضيا أو سياحيا أو..أو..ولكل توجه معالمه
ومسالكه ومداخله وحامليه وحوامله ومرافئه؟؟،أو سنظل على كل هذا الخلط الذي تركنا
ننفق على الترفيه والمهرجانات بسخاء في حين أن البنية التحتية في كل مرة تفضح
عورها أبسط كوارث النقل والحرائق والفيضانات؟؟.
6-
والمظالم تنمو كالفطر القاتل في غياب المعلومة وسيادة الإشاعة والقيل والقال،وسيادة
الغموض فوق الوضوح والأشخاص فوق القانون والمؤسسات..،فما هو تردد وما هو استقطاب
شاشة نموذجنا التنموي الجديد في عهد دسترة الحق في المعلومة والدمقرطة الكونية لوسائل
الإعلام والاتصال وما خلقته من ثورة غير مسبوقة في التواصل والتعبئة بين الشبكات
والمجموعات،في رقمنة الإدارة والأرقام الخضراء وكاميرات الحراسة والمراقبة،في عهد
الهواتف واللوحات الذكية وعهد غرف الدردشة العالمية المفتوحة والتطبيقات الإخبارية
بكل وكالات الأنباء و"اللايف" المباشر وما ينقله من الدورات والجلسات وغرف
العمليات قبل الرحلات والسهرات والمقابلات ؟؟.
على
أي،أعتقد أن المواطن قد عرف طريقه لانتزاع حقوقه واختيار معاركه وتكوين رأيه العام
والضغط به على مسؤوليه واختيار ميدان تواجدهم وفرض إيقاعه عليهم،وصمم على عدم تركه
أو الخوف من تكاليفه،بل لا تزيده الأحداث والأيام إلا الإصرار على السير به وعبره
إلى الأمام،فكانت من مجرد هذه الصفحات التواصلية الافتراضية الاجتماعية الوقفات
وكانت المسيرات وكانت الحملات والمساعدات والتضامنات والحراكات بل والثورات
العاصفة،متحملين في ذلك - يعني النشطاء وهم بالملايين - كل التبعات وشعارهم كما
يقول أحدهم:" الحق للجميع..والقانون فوق الجميع"وهشتاق أو وسم: #كلنا.. #كلنا.. #كلنا "هاجر الريسوني"..#كلنا "محمد عمورة"..#كل التضامن مع ضحايا ملعب تيزيرت بتارودانت..
#كل التضامن مع
ضحايا واد الدرمشان بالرشيدية..و #كل التضامن مع نشطاء حراك الريف..مع ضحايا العطش
بزاكورة..مع الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد المغبونين..مع أطباء الغد المقموعين
والمهددين..،وعسى أن يتعقل المسؤولون بما يلزم،وعسى أن يتعقل المواطنون أيضا بما
يلزم،فنجسد على أرض الواقع ولو عشر معشار ما نتطاحن به في صفحات ومواقع العالم
الافتراضي فنجسد ما تراضيانه في مواثيقنا الغنية الثرية من سلطة القرب وفضاءات الإنصات
ومشاريع الديمقراطية التشاركية والتنمية المستدامة والعدالة المجالية والإنصاف،وكلنا
غيرة وحرص على أن نجنب بلدنا المكروه والأسوأ في الميدان قبل العالم الافتراضي؟؟.
الحبيب عكي