يبدو أن الأدب العربي مرآة المجتمع العربي كان ولا يزال وطيد العلاقة بينه
وبين عالم الحيوانات،وكان مفهوما أن يؤلف عنها الجاحظ مثلا كتابه "الحيوان"
يصف فيه طباع كل نوع منها،ولا يتم القارىء قراءته إلا و قد تشبه في الغالب بأحد
منها،جراد وخفافيش وقمل وضفادع..قبل الذئاب والكلاب والسباع والضباع..،وكان مفهوما
أن ينطقها الأدباء في قصصهم و ينطقوا على لسانها في رواياتهم،ويتلبسها السياسيون
في سياساتهم القمعية وخطاباتهم البزنطية وحروبهم الضارية بين العفاريت والتماسيح،ويضحك
بها الفكاهيون بسفاسفهم وتصريحاتهم البهلوانية و سقطاتهم وإيحاءاتهم الشهوانية،والتي
قد وجدت وتجد لها مرجعيتها في حديقة الحيوانات أعلاه،جراد وخفافيش وقمل وضفادع..،خفافيش
لا تنشط إلا في الظلام ولا تطير إلا للسطو على رزق الأنام،وقمل لا يكتفي بالسكن في
بؤس صاحبه بل والنبش في رأسه ومص دمائه،وضفادع لا تسبح إلا في الماء العكر وما
أدراك ما الماء العكر،وجراد يأتي على الأخضر واليابس،وإن لم يجد،أتى بعضه على بعض
في قمة المأساة البيئية والآدمية؟؟.
عام "البون" وعام
"بونتاف" وعام "الصندوق" وعام "قرنينة"،وعام..وعام..،وكلها
أعوام عجاف مرت على المغاربة بكل جوع وعراء و"سيبة" واستعمار وقهر و
استبداد،وكل..وكل..،والغريب أنه رغم تغير الزمان وتحسن الأحوال والحمد لله،لا تزال
هذه الأعوام تضرب بعمق وحمق في هذا البلد الطيب الآمن بين الحين والحين،كأنها البراكين
الفوارة يحسبها الناس خامدة وراكدة ولكنها لا تفتىء بين الحين والحين تتطاير عليهم
نيرانها ودخانها وصهارتها هنا وهناك،عام "البطالة" وعام
"الاحتجاج" وعام "الحريك الجماعي" وعام "الحراك الشعبي"،و"واش
خاصك يا العريان يا الجيعان"؟،عام "المحاكمات" و"الانتخابات"
يا مولاي،وغيرها من أعوام الجراد والخفافيش والقمل والضفادع والعفاريت والتماسيح التي
أحدثت اليوم في حياتنا حالة من التردي القيمي والأخلاقي تغذيها سطحية مواقع
التواصل الاجتماعي ومشاعتها ومجانيتها و ما يتفجر فيها كل حين من فقاعات إعلامية أكثرها
فضائح النهش في أعراض الخلق بما صح وما لم يصح من الفقاعات الدنيئة والمفبركات
المغرضة والتي لا علاقة لها لا بالتواصل والإعلام ولا بالسياسة والتنافسية ولا
بشيء غير حقارة الغيبة والنميمة والكذب والبهتان،في محاولات يائسة لإشعال الفتنة
بين الناس وتغيير اهتمام المواطنين بعيدا عن همومهم الحقيقية وطموحاتهم التنموية وإشكالاتهم
السياسية والاجتماعية؟؟.
والغريب أن هذه الحملات
التشهيرية والهجمات التشنيعية والحروب القذرة والعواصف الافتراضية وغير المتكافئة والتي
يقودها مع الأسف الجراد والذباب الإلكتروني ربما من دسيسة نفسه وخستها أو بتحريض
خفي وعلني من "المطرك" و"البرودكان"
المخزني ونيابة عنها،المهم أنه يستهدف في الغالب
الفاعلين من رموز الحركة الإسلامية والمعارضة البناءة ذكورا وإناثا،أبناء
وأسرا؟؟،وأغرب من هذا كما قلنا أن تزج الدولة بقدها وقديدها في المعركة كمرتزقة أو
"رباعة" مجانية للنظام الدولي ضد من يتجرؤون لقول لا ضد العولمة
المتوحشة وضد إرهابها الإرهابي،ولا يهدا لهما بال حتى يوقعوا بالضحية أية ضحية في
عالم الفضائح الإعلامية التي قد لا تمت للواقع بصلة ولكن يصنع لها من السبق الصحفي
و"السكوبات" الإعلامية ومحاكمات القرون بالقرون ما لا يصنع للقضايا
الحقيقية للمجتمع،وكأن هؤلاء الضحايا الأبرياء ممن تقتات من عرضهم كل النشرات في
كل الصحف والإذاعات والشاشات،هم الأخطار الحقيقية في وجه التنمية والتقدم والأمن
والسلام القطري والعالمي،وغاية ما قد يبوء به أحدهم إن باء بشيء في حقيقة الأمر
ودون الشرنقات التحاملية والغلافات السياسوية والإخراجات الإعلاموية الهيتشكوكية أنهم
قالوا:"يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ،وَلَٰكِن
لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ"الأعراف/79.
بوعشرة..وبوعشرين..وعبد
الله..وعبد الرحمان..وعبد العالي..فادي وفادية ونادية وأمل وآمينة وسوسو
وسوسن..،تطحن فيهم اليوم ماكنة الإعلام المأجور عن سبق الإصرار والإضرار والترصد
والاستفراد،وتدك فيهم كيف شاءت وهم العزل إلا من أنفتهم وكرامتهم ونضالهم الوطني
الحقيقي والمستميت،تدك فيهم ردهات المحاكم المأمورة الصماء،لمجرد أنهم أرادوا
التعبير الحر عن رأيهم فيما دار ويدور وجرى ويجري من الشأن العام،وأرادوا النصح
الخالص والمسالم لمسؤولين طالما ادعوا أنهم يحترمون الرأي العام والخبراء
والفاعلين والمؤسسات وصلاحياتها ويعملون بالدستور وما يؤكد عليه من ضرورة السعي الجاد
لتحقيق التنمية الفعلية زالديمقراطية التشاركية وحقوق الإنسان،وحرية التعبير
والمشاركة في التغيير ومساهمة الجميع في ذلك بكل مصداقية وشفافية و..و..و..،وخاصة وأن
حاجة الوطن الكبيرة وقوانينه المتطورة تستوعب الجميع وتحتاج إلى جهود الجميع،فلماذا
علقية الإقصاء وفبركة الملفات و الادعاءات مستمرة وإلى متى؟؟،لابد من ربط
المسؤولية بالمحاسبة،و وفق دفاتر تحملات واضحة وقابلة للمحاسبة بشكل ملموس يغير من
حياة المواطنين نحو الأفضل،فما بال البعض كلما أحسوا في جوهر الأمور بشيء من هذا،يضيقون
ذرعا حتى بالهمس واللمس دون اللمز ولا الهمز،أم يريدون أن يؤكدوا بما لا يدع مجالا
للشك بأن طبائع الفساد والاستبداد واحدة وإن بألف لبوس ولبوس جوهر أدناها قوله
تعالى على لسان فرعون:"مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ
إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ"؟؟غافر/29.
تكررت بيننا حكاية الطاووس البهي والديك الممعوق،عندما عجز هذا الأخير أن
يحظى بمثل ما حظي به الطاووس من حب الدجاج له وإعجابه ببهائه وتمنيه لشكله وتقليده
لرشاقته،غار المسكين وحسب أن كل الأمر إنما هو في الذيل المزركش،فمعق ذيله الأصلي وحاول
استنبات ذيل مماثل لذيل الطاووس،ومن أجل ذلك تبعه فترة من الزمن وكان يلتقط ما
يسقط منه من الريشات،ولكنه لم يفلح لا في استنبات ذيل جديد ولا في المحافظة على
الذيل القديم،ازدراه الدجاج وأخذ يدبر حياته دون سلطانه،ومن شدة الهجر أصابه الاكتئاب
ولم يعد لا يلعب ولا يغني كالمعتاد،انزوى في ركنه المهجور انزواء المتيقن من دنو الموت
البطيء منه،لم يعد يصيح مخافة أن يراه أحد فيسخر من حاله المزري،ومكث على ذلك
الحال إلى أن صادف ثعلبا مر بالقرب منه،راعه منظره فاقترب منه،وعلم منه حكايته
وسخر من بلاهته ما حلى له أن يشخر،وفي الأخير نصح له الداهية الماكر بأفدح المناكر
وقال:" ما كان عليك أن تعرض نفسك لكل هذه البلاهة،كان عليك فقط أن تسلط على
خصمك وغريمك سلاح الإشاعة،يختلقها المغرض ويروجها الكاذب ويصدقها الأغبياء وما
أكثرهم،الطاووس تقيل الحركة..قليل البركة..لا يستطيع الصياح ولا مقاومة الرياح..لا
يسبح كالسمكة وسهل الوقوع في الشبكة..،فتشوه سمعته وتفضح عورته وتبخس أعماله وتنكر
التزامه..،وهكذا سيصدقك الدجاج المغبون فيزهدون فيه وإليك يعودون وبك يستنجدون،ويعود
لك مجدك وتدوم لك هيبتك وتستقر بالإشاعة حظيرتك؟؟،وكذلك فعل الديك الممعوق بخرق
الحقوق،وكذلك كان واستقرت الحظيرة رغم أنه لا يزال ممعوقا،ودونه ودون المجد
الحقيقي على الأقل ذيل حقيقي وتاج حقيقي،وغيرة على الدجاج وحمايتهم وتعليمهم وتشغيلهم
وتزويجهم و..و..و..،والآذان والصلاة بهم كل مساء وصباح وإمامتهم نحو كل صلاح وفلاح،بدل
الإشاعة والمشاعة والبطالة والمجاعة وادعاء الشجاعة؟؟.
الحبيب عكي