صحيح أن القيم الأخلاقية وجل التراث اللامادي مثل القناعة والعمل والصبر والصدق
والصدقة والتضامن...وحفظ الكليات الخمس للدين والنفس والعقل و الشرف والمال،وفي كل
الأحوال ورغم كل الظروف،وربما الاستغناء بها فقط بالضروريات عن طلب الكماليات،كل
هذه ركائز أساسية في التنمية،بل إن ما يجعل نموذجنا التنموي الفاشل متماسك إلى حد
ما،ومما أطال عمره بشكل كبير رغم واقع التفاوت الطبقي في المجتمع واستشراء البطالة
في جل الأسر وبين الخريجين،إنما هو مثل هذه القيم الروحية والتضامنية التي غطت
ولازالت تغطي عجز الدولة وغيابها عن مساعدة العديد من الفئات الاجتماعية التي
تعاني ربما من العجز أو من البطالة أو منهما معا؟؟.
لكن،هذا
لا يعني أن هذه القيم تؤدي خدماتها لكل من يستفيد منها بكفاية وجودة أو فقط دون من
ولا أذى ولا إراقة ماء الوجه وهدر الكرامة،بل غالبا ما يرافق ذلك قليل أو كثير من
التشكي والمؤاخذة والقيل والقال،لا لشيء إلا لأن المتنازع عليه من الموارد عامة والأموال
خاصة غير كافية،وستظل كذلك غير كافية ما لم يجتهد القوم و يتوفق في توفير الإنتاج
و زيادة المحصول،حتى يجدوا من أصنافه ما يمكن أن يكون بين الناس موضوع توزيع وعدل
وحكامة في الأصل،يعني أن الإنتاج والنمو في الإنتاج ضرورة تنموية،ولا حديث عن
القيم الأخلاقية في غيابها،ولا حديث في غيابها إلا عن المشاكل والوجد والتسخط،حكاية
الأسطوانة اليومية المشروخة بين الآباء والأبناء والزوجات والأزواج في جل عالمنا
القروي الغارق في "أنزكوم ومكرطون"؟؟.
ترى ما
هي طرق الإنتاج عند الناس؟،العمل..الفلاحة..الصناعة..التجارة وغيرها من المجالات
الإنتاجية،وما هي الأشكال التي تتم بها هذه الأعمال؟،المشاريع والاستثمارات
والشراكات،وهو ما أنتج العديد من الأوراش والمقاولات والشركات..،غير أن المناولة
المتزايدة في مختلف أنماط الإنتاج،لابد للنموذج التنموي الجديد أن يسائلها ويعيد
النظر فيها،تعاونيات وشركات ومقاولات وكل ما يرتبط بالتدبير بالتفويض،أو مجرد
إيواء لشركات أجنبية لا تلبث تلوث بيئتنا وتستنزف مواردنا وتستحوذ على مناصب أبنائنا
وفرص مستثمرينا،وتهد صحة عمالنا مقابل فتاة لا يعتبر تنمويا ولا يستحق عماليا،لقد
فوتنا البلاد للأجانب أو نكاد وفي كل شيء،حتى أنه كما يقال:"لو رفع كل بلد
علم بلاده فوق ما فوت له أو ساهم في إنجازه،ما كدنا نرى أعلام بلادنا؟؟،ليس في
الفلاحة والصناعة والملاحة فحسب بل حتى في النقل الحضري وفي الهاتف والماء
والكهرباء وحتى في النظافة كأن سواعد شبابنا من تبن أو على أيدي رجالنا الحناء؟؟.
أن
الأوان لتأهيل المقاولة الوطنية بجد لتتحمل مسؤوليتها في التنتمية المجالية
والمستدامة والشاملة،ترى هل سيمتلك النموذج التنموي الجديد ما يمكنه من أن يكسر
طابع الريع الاقتصادي والسياسي الذي يزاوج بين السلطة والمال؟،ويحرص محظوظوه على
استدامته بجميع الأشكال وجميع القوانين والتشريعات والضغوطات،حتى تلك التي تسمح
لهم من التهرب الضريبي دون محاسبة؟،المقاولة الوطنية والمقاولة الصغرى تحتاج إلى
دعم حقيقي وفي مختلف المجالات ولكن ليس مقاولة الوجهاء والأغنياء والمتمكنين فحسب،بل
الناهضين والمتعثرين والمغمورين والنساء والشباب أيضا؟؟وهل سيملك هذا النموذج
التنموي الجديد واجب إنصاف العديد من الانتماءات الحزبية والجمعوية التي تحرم
كفاءاتها الوطنية من حق تأسيس المقاولات الكبرى وحق التواجد في
"المعمعات" الاستثمارية دون أن تكسرها المكسرات المقاولاتية أو
الانتقامية يوما؟،،هل سيملك هذا النموذج التنموي المنتظر من التسهيلات والإجراءات
و من الضمانات والمساعدات،ما يمكن أن تحرر به المقاولة الصغرى من الطابع العائلي
الضيق،ومن ثقل الضرائب التي غالبا ما أدت وتؤدي إلى إغلاقها وإفلاسها والزج
بشبابها ربما في متاهات الديون والقروض والضغوط والمحاكمات والسجون؟؟.هل سيملك ما
يمكنه أن يرقى بها إلى مستوى تنافسي مقبول الجودة والخدمات؟،أو أن يدفع بها إلى
مجالات اقتصادية واستثمارية وتنموية لازالت خصبة ومنتجة وصاعدة ورائدة،كالمجال
المعرفي والأدبي والمجال السياحي والمجال
التكنلوجي و الاختراعات والإبداعات؟؟.
هل سيكون
لديه ما يمكنه أن يفك به مطبات المقاولات والشركات والمؤسسات الاستثمارية في أزمة
التسويق، خاصة المحترفات الذاتية والتعاونيات والمقاولات الصغرى،التي طالما "تبهدلت"
في المعارض دون عائد،وفوق ذلك لا تتاح للجميع،هل لها من أسواق خارجية كبرى ومن
تأهيل يرفع من جودة منتوجها وتنافسيتها والتنظيم والإدارة والإبداع؟؟،وقبلها متاهات
التأسيس التي طالما تغنينا ولا زلنا بضرورة تسهيلها على جميع المستثمرين،ولكن يبدو
أن ذلك لا يزال كله مجرد كلام للاستهلاك ودعاية في التلفاز ليس إلا،وهاهم أفواج
الخريجين من الجامعات ومراكز التكوين المهني يتسولون لقمة عيشهم المر خارج
المقاولات الذاتية والشركات الكبرى،والتي يمكن للمرء أن يؤسسها في"سانغفورة"
مثلا،إلكترونيا فقط وفي مدة لا تتجاوز 24 ساعة،ويكون خراجها التنموي مضمونا مساعدا
للمواطنين مربحا لصاحبه ناهضا بالوطن،بينما نحن لا يتم ذلك عندنا إلا بعد ماراطون
شهور وسنوات،وفي الأخير لا يستيقظ فيه المغامرون
إلا على مصير الديون والإفلاس والمحاكمات والسجون؟؟،
وأخيرا،هل سيكون لدى
نموذجنا التنموي الجديد،ما يمكنه أن يقنع به الشركات والمقاولات من أن هناك شيئا
أهم من الأرباح والصفقات،وهو تنمية قيمها التضامنية ومواطنتها وعائدها الاجتماعي
أكثر،وإلا فكيف نفسر وجود العديد من الجهات الفقيرة والمناطق المنكوبة،تكاد تكون
مغطاة بكل أسماء البنوك والوكالات ولا تساهم في تنميتها وفك أوحالها ولو بدرهم
ولسنوات وسنوات؟؟،وكيف نفسر تواجد أساطيل من الفنادق المصنفة وغير المصنفة في
العديد من المدن،قد تكون هي فارغة أو تكاد،ولا زال فقراؤها ومشرديها يبيتون في الأزقة
والشوارع والمحطات معرضين لكل شيء؟،بل إن هذه الفنادق لا تقدم للنسيج الجمعوي
للمنطقة لا منحة ولا حتى إيواء واحدا لمؤتمراته وضيوفه،بل لا تستطيع حتى استضافة
بعض أنشطته التكوينية أو الإشعاعية،ويمكن على الأقل أن تكون موضوع شراكة بين
الطرفين لفائدتيهما ولفائدة السياح الذين تقدم لهم هذه الفنادق والمآوي كل شيء إلا
الخدمات الثقافية الجيدة،وأنى لها ذلك؟؟.
الحبيب عكي