لاشك أن الشعب المغربي قاطبة،لا يزال يتطلع إلى ذلك اليوم الذي سيتمخض فيه
عن ميلاد ذلك النموذج التنموي الجديد،الذي نادى به صاحب الجلالة لتجاوز الاختلالات
التنموية في البلاد،والذي كان من المفروض أن تفتح الحكومة حوله حوارا مجتمعيا
واسعا،يشارك فيه الجميع،وخاصة تلك الفئات المعنية فيه بالإنصاف وتلك المؤسسات
المؤهلة فيه بالتنزيل،حتى يكون ذلك المولود التنموي المنتظر من الجميع وإلى الجميع،ينبض
قوة وحيوية وعطاء،لا مجرد فرط مجهض فقد الحياة من مهده،وإن رآه أهله ومهندسوه حيا
وحيويا وغير محنط؟؟.
ترى أي حلول عملية و واقعية سيحملها هذا النموذج إلى الفئات المتضررة من
النموذج الحالي على تعددها وعلى رأسها:
1- فئة الشباب:وما يعانيه من معضلات البطالة والبطالة المقنعة،وصعوبة الاندماج في الحياة
العامة ونبض المجتمع،نتيجة هشاشة التكوين وفشل المحاولات وانسداد الأفق وقوة اليأس
التي تزج به كل يوم في أوهام الانتظارية وأحلام الهجرة والعزوف عن كل شيء بدءا من
السياسة والعمل الميداني إلى الزواج والاستقرار العاطفي،إلى غير ذلك؟؟.
2- فئة الأطفال: وما يعانونه من رداءة الخدمات الصحية والتعليمية..،وتواضع ما يتمتعون به
من حقوق لا في اللعب والترفيه ولا في الحماية والمشاركة،بعضهم محروم من وسطه
الأسري الشرعي،ناهيك عن ما يهدد هويته الحضارية ويجعل من العديدين منهم نشئ ممسوخا
مستلبا في الفكر والسلوك،هجينا في معاملته،مميعا في ذوقه الفني واختياره الإعلامي؟؟.
3- فئة النساء: وما زلن يتعرضن له من التمييز والدونية والعنف نتيجة عادات راكدة لعنتريات
ذكورية واهمة،وأفكار وافدة تشييئية لحركات تغريبية مغررة،كل يوم تقتلعها من جذورها
وتسلخها عن جلدها في كثير من مظاهرها،وهي لا تتشبث في المشاكل الحقيقية لنوعها إلا
بقشورها،وفيها من الصراع و الصدام ما فيها،فلا أرضا تقطعنا ولا ظهرا تبقينا؟؟.
4- فئة ذوي الاحتياجات: وهم المغبونون من أبسط حقوقهم ألا وهي حقوق الشعور بالإنسانية الكاملة والعيش
الأدمي الكريم،ورغم أنهم يمثلون حوالي 10% وفي كل بيت
عضوا منهم أو ممثلا عنهم،فهم غير منصفين في..وفي ...وفي ...لا لشيء إلا لأنهم
مختلفون،فهل يستطيع النموذج التنموي
الجديد أن يضمن حقهم في التشريعات ويلزم غيرهم بتفعيلها؟؟.
5-
فئة الفقراء والمحتاجين: وهم من لازالت تطحنهم كل يوم تكاليف الحياة،ويراق منهم ماء الوجه وكرامة الآدميين
لعلهم يحصلون على بعض الفتاة من لقمة العيش المرة أو الخدمات ولو كانت رديئة وبالمن
والأذى،في حين أن أمثالهم وغيرهم في نماذج الدول الأخرى تضمن لهم حق التموين
الشهري،في كل حالات العوز و التشرد والبطالة وفقدان العمل والشيخوخة..والمرض..و..و..؟؟
6-
فئة الباحثين والخبراء والموهوبين والمبدعين: وهم شئنا أم أبينا من تحل على أيديهم مشاكل البلاد وتحقق بفضل إبداعاتهم طموحات
العباد،وتصوب بوصلة المال والأعمال وشتى المشاريع،ولكن لا يزالون في معظم عطائهم
في مختلف المجالات العلمية والأدبية والفنية والتقنية..،بمجوداتهم الذاتية رغم عهد
الفريق،وقليل منهم من هم مؤطرين أو مدعمين أومؤسساتيين،فإلى متى؟؟.
وهل يا
ترى سيحمل هذا النموذج التنموي الجديد،أية قيمة مضافة أو تطوير جديد للمؤسسات
المجتمعية التي ستسهر على تنزيله حتى تتمكن من تلبية حاجيات الوطن في النمو
وحاجيات المواطن في التنمية والعدالة والإنصاف..،مع ما يلزم ذلك من حكامة في
التسيير وجودة في الخدمات ومحاسبة على الميزانيات والمسؤوليات ودفاتر التحملات،وعلى
رأس تلك المؤسسات:
1- مؤسسات التشريع والإصلاح: والتي مع الأسف لا زالت تفقد كل ولاية رصيدها من الصدق والمصداقية،وربما
أصبحت اليوم لا يختلف بشأنها اثنان على أنها مجرد مسرحية هزلية سمجة مرسومة
الأدوار والأبطال والوجوه والوجهات،التي تكون دائما خارج النص وخارج الركح الحقيقي
للوطن والمواطن،قوقعت حراكات شعبية وفرضت سياسات لا شعبية،لا وجود لبصمة الممثلين
والمؤسسات فيها،فصدق من قال:"عليك أمان،عليك أمان..لا حكومة،لا برلمان"؟؟
2- مؤسسات التأطير المجتمعي: من أحزاب ونقابات وجمعيات وجماعات،وقد أصبحت اليوم في كثير منها مجرد
أرقام للدعاية والواجهة والوجاهة،بعيدة في معظمها عن أدوارها الدستورية رغم الحاجة
المتزايدة إلى تدخلاتها في الميدان وتأطيرها على أرض الواقع،لأن مواطن اليوم يبدو
قد كفر بأية وساطة بين الدولة و المجتمع،وأصبح
لا يشفي غليله في أبسط الأمور إلا تدخل رأس السلطة،أو أخذ حقه بيده وبقانون
الشارع؟؟.
3- مؤسسات الخدمات الاجتماعية: من صحة وتعليم وعمل وسكن وغير ذلك من الخدمات مما لا يمكن للمواطن أن يحقق
عيشه الكريم بدون ضمان توفرها و وفرتها ويسرها و جودتها وتعميمها؟؟،فهل سيتجاوز
هذا النموذج التنموي الجديد سياسة الاهتمام بالواجهة والعمران على حساب العمق
والإنسان؟؟،وهل ستكون له إضافة حقيقية في سياسة القرب والتشارك والديمقراطية
والتنمية وحقوق الإنسان؟؟.
4- مؤسسات التصنيع والاقتصاد: لأنه لا يعيش الإنسان بمجرد الأماني والأحلام والقوانين والدساتير على
أهميتها، ولكن لابد لها على أرض الواقع من مؤسسات الإنتاج السياسي والاقتصادي
والعلمي والتقني والأدبي والفني..،مؤسسات ترفع أركانها وتقوي عمادها وتكرم
إنسانها؟،فما حظ النموذج التنموي الجديد في تقوية التصنيع والاقتصاد وتقوية
أسواقها وتحريرها من كونها دولة بين الأغنياء منكم،ومن كونها مجرد المساعدات
والديون فوق الديون والتوصيات تلو التوصيات؟؟
5- مؤسسات العلاقات الدبلوماسية: من أجل دبلوماسية متميزة حرة ومستقلة
أولا،غير تابعة لا للشرق ولا للغرب ولا لأوكلاهما،وغير مفرطة في تاريخها وعمقها
الحضاري الإفريقي والعربي والإسلامي،غير أن هذه الدبلوماسية المنتجة لابد لها من
بضاعة يحتاجها الآخرون،وأظن أننا غير معدمون في هذا الصدد والحمد لله،ولدينا
الكثير مما يمكننا تسويقه،الانفتاح والأمن والسلام والاستقرار والتقدم المضطرد
وأهم من كل ذلك القيم التي أنتجت وتنتج كل ذلك؟؟.
6- مؤسسات التواصل والإعلام: والتي لابد أن تكون عمومية فعلا،وتتجاوز عهد الاحتكار والدعاية الموجهة
والمغرضة أحيانا،إعلام يقطع له مع تجاهل وتمييع هموم الوطن وآمال المواطن،إعلام
القرب وإعلام الدمقرطة الذي أصبحت يفرضها الإعلام الإلكتروني الذي هجر إليه الناس
أفواجا أفواجا،إعلام ينخرط في همومنا المعاصرة وحملاتنا المجتمعية،و يجتمع فيه
الخبر والتحليل والترفيه وكل الأجناس الصحفية والإعلامية بطابع أساسي هو المتعة و
الإفادة؟؟.
وهذه أشياء غير سهلة بالفعل،ولكنها
تستحق الاختيار و تستحق خوض المسار،وخاصة هدم بنيات الريع والفساد والاستبداد التي
شكلت وتشكل إلى يومنا هيكل الدولة العميقة وأخطبوطها المخزني،مما شكل ويشكل إلى
اليوم عائقا حقيقيا للانتقال الديمقراطي والفعل التنموي الحقيقي أمام الجميع،ودون
تعديل هذا لن تستمر غير طواقي وكوفيات الأصفار،وخطابات التوهيم ذات الحبل القصير
والتنويم المفضوح،وربما كوابيس وهواجس الإعصار،وإن سمينا نموذجها جديدا أو أجد من
جديد..فهو بفساده وسياساته القديمة لن يكون في الحقيقة إلا أقدم من قديم وأفسد من
فاسد؟؟.
الحبيب عكي