مرة أخرى،ها هي الأحداث التلمذية الراهنة تبين بالملموس،أن التعليم في
المغرب معركة حقيقية وخطيرة،معلومة الأسباب مجهولة العواقب،أكثر من كل ذلك الذي
يتحدثون به عنه،من كونه رسالة تربوية،متعة وإفادة، في الحاضر و المستقبل؟؟،ولعل
أحداث وتفاعلات وانزلا قات فرض الساعة الإضافية (G+1) في الحياة المغربية عامة وفي التوقيت
المدرسي خاصة،قد بين بكل وضوح أن المدرسة حاليا قد أصبحت أكبر جحيم عند المغاربة،الداخل
فيها والخارج منها مفقود؟؟.ساعة إضافية (G+1) ولو بالإخراج الحكومي
والوزاري المرن كما يدعون،بحيث التاسعة الجديدة أصبحت فيه الثامنة القديمة التي
يطالب بها الجميع،لكن رغم ذلك ولأسباب وجيهة،فقد أثار الأمر موجة من الغضب والرفض
والاحتجاجات العارمة،اجتاحت جل المؤسسات التعليمية عبر تراب المملكة،خرجت فيها
جحافيل من تلاميذ المؤسسات الإعدادية والتأهيلية إلى الشارع،يصرخون ملأ حناجرهم
بشعارات لإسقاط ليس الساعة المشؤومة فحسب،بل أصحاب الساعة وسياستهم قبلها ومعها
وبعدها؟؟.
أحداث تلمذية وطنية فوق
السيطرة،سلمية عفوية وتلقائية،لكنها لم تكن في الحسبان وخرجت للتو وبقوة من الجانب
المنسي،ولكنها تجاوزت كل التوقعات وكل الهيئات والمؤسسات التأطيرية التقليدية من
الأحزاب والنقابات والجمعيات..،التي كان من المفروض أن تتحمل هي مسؤولياتها وتضطلع
بأدوارها وتكون هي في واجهة التأطير والنضال والترافع؟؟،لكن جبنها وحساباتها
الفارغة والمملوءة،أو ربما فقط ما أصابها كغيرها من داء تمييع مؤسسات البناء
والإصلاح،قد فوت عليها وفوقها القطار،وسحب التلاميذ الصغار الكبار منها المبادرة،فقادوا
بأنفسهم معركتهم ومعركة الشعب يرسمون المصير،وأسمعوا فيها لمن يهمهم الأمر صوتهم
وصوت الشعب؟؟،بالتصفيق وبالصفير وبشعارات مدوية من مثل:"زيد ساعة..نقص
ساعة..والتعليم غير إشاعة".."لا..لا..ثم لا..للساعة المهزلة".."هذا
مغرب الله كريم..لا صحة لا تعليم".."هذا عار ..هذا عار..التعليم في خطر".."الشعب
يريد..الشعب يريد"..،شعارات صدمت عيون ساحات المؤسسات وسط تلف الحراس والمدراء
وجحوظ الأساتذة،وبتكت آذان الأزقة والشوارع وسط فيالق من الشرطة والجنود وحراستهم
المشددة،و هراواتهم المصمتة وكأن عصي الأساتذة ممنوعة لأنها تسبب في التلاميذ
العاهات وعصي المخزن مسموحة لأنها تبرد الرؤوس الساخنة و تقوم فيهم الاعوجاج؟؟.
غير أن الملفت للنظر في هذه
الأحداث المؤسفة كما يبدو،أن الساعة الإضافية(G+1) كانت مجرد غطاء أزيل
فظهرت المطمورة الاجتماعية والسياسية الآسنة،أو مجرد فتيل احترق فتفجرت بواسطته كل
القنابل الموقوتة المرتبطة به وما أكثرها وما أخطرها،قنابل في الشأن التعليمي عامة
وفي الشأن التلمذي خاصة،وفي غيره من الشؤون كذلك،بدء من شأن حكومة "الإرادة
الشعبية" بالأمس والتي تسوسنا اليوم ب"إرادة لا شعبية"أو تدفع إلى ذلك،إلى شأن
الوزارة الوصية التي أثخنت جسدها التعليمي كل الجراح والأعطاب ولها فيها ما يكفيها
من المعضلات المزمنة التي تكاد تزهق روحها في كل يوم و حين،ولكنها لم تجد ما تعالج
به وضعها السقيم هذا غير اللعب والمغامرة في الزمن المدرسي للتلاميذ،والتلاميذ
أدرى بأحوالهم وظروفهم من غيرهم؟؟.غير أن هناك لطيفة في كل هذه الأحداث وهي بقصد
أو بغير قصد تطرح علينا وبعمق سؤال التلميذ المغربي والمنظومة التربوية،وإلى أي حد
تقوم بإنصافه أو الإضرار به؟؟.
التلميذ المغربي،بقدر ما
كان صامتا،إلى درجة أن غر الآخرين منه ذلك،فحسبوه ما حسبوه،وقرروا بشأنه ما قرروا،فدرسوا
منه ما درسوا،ونجحوا منه ما نجحوا وأسقطوا منه ما أسقطوا،وشغلوا منه ما شغلوا
وهجروا قسريا منه ما هجروا؟؟،اليوم انفجر صاحب الشأن وأرى الجميع منه وجها آخر،وجها
فطريا كان ولا زال،واعيا كل الوعي على خلاف ما يبين،أقل ما قرأنا فيه أننا إزاء كائن
حي،له رأي ومشاعر،ويحرص بفطرته على المصلحة العامة ربما أكثر من غيره،لكن لا يعرف
غير الصدق والصراحة ولا يعرف اللف و الدوران في الأمور،خرج التلميذ بشأن
الساعة،فظهرت له الساعات والساعات،وعوض أن يطالب بتغيير الساعة المدرسية فحسب،أراد
تغيير كل الساعات حتى تضبط الساعة بشكل صحيح وتتوجه بوصلة الجميع كما ينبغي؟؟،هكذا
طالب التلميذ بتغيير الساعة رغم مرونتها لأنه من غير أسرته لا أحد في المجتمع يأخذ
الزمن المدرسي بعين الاعتبار،وخاصة توفير وسائل النقل و حضور رجال الأمن،واسترسل وطالب
التلميذ بإزالة الوزرة..وبتوفير النقل المدرسي..المطاعم المدرسية..الحماية الأمنية
من عصابات "التشرميل" والمخدرات..تعميم منحة الدراسة على الجميع..رفض
الاكتظاظ في الأقسام..ضرورة تجهيز المختبرات..؟؟.
فعلا،ساعات وساعات،ولا تجد
أي ساعة من الساعات تقل أهمية أو خطورة عن غيرها،ولكن عسى أن يكون انفجار الساعة
المدرسة ورهان معركتها،ساعة لتفجير بقية الساعات وضبط عقاربها وخاصة تلك التي تمس
التلميذ المغربي في عمق دراسته وخلقه،سيره وعيشه،حاضره ومستقبله،ومن ذلك:
1- إلى متى هذا التعليم الطبقي..خاص مستنزف و عام تدب
فيه الفوضى والهدر؟؟،
2- إلى متى ستسري فينا ثقافة اللاجدوى من
التعليم..في غياب الأمل في الحصول على التشغيل؟؟،
3- إلى متى بعد المؤسسات في العالم القروي..ونقصان
مرافقها في العـــالم الحضري والقروي؟؟،
4- إلى متى هذا التذبذب في لغة التدريس..ولما نهجر
لغتنا الوطنية ونرتمي في يأس كاليتامى في أحضان غيرها؟؟،
5- إلى كم سيظل يغور في جسدنا التعليمي نزيف
التقاعد..وإلى كم سنظل نسعفه بمجرد التعاقد؟؟،
6- هل يخدم التلميذ المغربي في شيء..كل هذا البعد
للمراكز الجامعية عنه..وقلة أحيائها السكنية؟؟،
7- لماذا كل هذا التدني في المستوى التعليمي للتلميذ..ولم
نعد نرى غير تنامي قيم العنف المتبادل؟؟،
8- هل يعكس غير هذا التدني كل هذا الهدر المدرسي(400.000)
سنويا،ناهيك عن بطالة الخريجين؟؟،
9- لماذا ولمصلحة من قتل العمل النقابي في
المؤسسات،وبدأت الوصـــــــاية والإمعة تجرف الجميع؟؟،
10-
إلى متى سيظل مشكل الساعات الإضافية يؤرق الجميع،الأسر في التعليم الخصوصي
قبل العمومي؟؟،
11-
هل فعلا نحن مقتنعون بربط النجاح بالخريطة المدرسية والمقعد الفــــارغ بدل
المستوى والعتبة؟؟،
12-
هل صحيح هذا الشكل المعتاد في إرجاع التلاميذ المفصولين وتأثيرهم السلبي
على غير المفصولين؟؟،
13-
إلى متى كل هذا الغياب المريع للتوجيه التربوي والنفسي في المؤسسات
التعليمية رغم ما ينتشر فيها من الظواهر اللاتربوية يذهب ضحيتها الأبرياء من
التلاميذ..ك(التحرش..الابتزاز..الغش..العنف..الممنوعات..)؟؟،
14-
هل يخدم التلميذ في شيء،كل هذا الانغلاق لجل المؤسسات التعليمية وفشلها في
التواصل مع الأسر والمحيط والفاعلين،بل ربما مع العديد من العاملين فيها لا تعرف قدراتهم ولا تستفيد منها،ولا تحفزهم على العطاء؟؟،
إلى
غير ذلك من الأسئلة الحارقة التي تمس عمق التلميذ المغربي في دراسته وخلقه وسيره
ومساره ومحيطه الاجتماعي والوطني،فهل يستطيع كل من ينصب نفسه مدافعا عن التلميذ،مستعدا
للحوار معه دون قيد ولا شرط أن يلامسها؟،وهل تتجرأ ساعة الحكومة أو
"رونو" وغرينتش الوزارة أو "بوجو" على علاجها في هذه الساعة
قبل فوان الأوان،هذا،إن لم يكن قد فات بتوقيت ساعة من الساعات؟؟.
الحبيب عكي