النموذج التنموي الفاشل؟،..المغرب يسير بسرعتين؟،..السؤال الملكي أين
الثروة؟،..لماذا لا يظهر المجهود التنموي بالشكل الكافي والمطلوب على مستوى عيش
المواطن؟،..أسئلة مقلقة طالما طرحتها الخطابات الرسمية لجلالة الملك بعد استفحال
العديد من الأزمات الاجتماعية والسياسية في البلاد.وبمبادرة من جلالته اضطر الجميع
للاعتراف بالواقع السيء رغم كل المجهودات التي لم تكن ربما لا بالشكل والحجم
المطلوبين ولا في الموعد والمكان المناسبين ولا إلى الفئات والمجالات المطلوبة.والآن
يضطر الجميع على ما يبدو للانخراط في الورش الوطني الكبير والمعاصر،الذي دعا
جلالته إلى فتحه بهدف مساهمة الجميع في بلورة نموذج تنموي وطني جديد يتجاوز
اختلالات الماضي واخفاقات النموذج الحالي الفاشل،من أجل إصلاح المسار وضبط البوصلة
وإنقاذ ما يمكن الإنقاذ؟؟.
ولكن،بقدر ما يصفق الجميع لهذه المبادرة الملكية الجريئة وغير المسبوقة
كالعادة،بقدر ما يتخوف منها العديدون من أن يكمن البعض الشيطان في تفاصيلها
كالعادة،وأن تكون كل جعجعتها مجرد بيع الوهم والتسويق لأمل خادع كالعادة،وانتظار
الذي لا يتحقق ولا يأتي كالعادة،وكأن الأمر مجرد مناورة جديدة لإطالة عمر الأزمة وإبقاء
جسد تنموي منخور على قيد الحياة،حتى تبقى عفاريته وتماسيحه جاثمة على صدور
المواطنين كاتمة لأنفاسهم،هاضمة لحقوقهم سارقة لأحلامهم،وفي حركة حصاد لا تنتهي و
مواسم ريع لا ينقطع،لذا لابد من ضمانات فعلية تقوي الاعتقاد والاقتناع بهذه
المبادرة الجديدة،ولابد من ضمانات تبقى الأمل في هذا المغرب الحضاري الخالد،والذي
كسب كل الرهانات التي اجتمعت فيها إرادة العرش والشعب،وبهذه الروح والالتقائية
والتلقائية يمكن كسب كل الرهانات على صعوبتها؟؟.
ترى ما هي المحاذير التي ينبغي الانتباه إليها وضرورة القطع معها مهما كلف
الثمن،لأنه بين وجودها أو استمرارها وبين نجاح المشروع التنموي الجديد وتدابير
نجاعته ومردوديته وعدالته،ينبغي أن نختار،محاذير عدة طبعا فقط نذكر منها:
1- لا ينبغي الحرص على التوازنات التي
ينبغي أن تتكسر: فلا إصلاح دون إنصاف
المتضررين الذين لا يستفيدون من الثروة ولا يصلهم منها شيء وربما حتى الفتاة،هذا
رغم أنهم مواطنون كغيرهم ويؤدون كل الضرائب والواجبات بدء من الضرائب على
المشتريات الغذائية وغيرها من متطلبات الحياة،في حين أن غيرهم ربما غارقون في
الريع وأكل الأكتاف جيلا بعد جيل،ولا يحرصون إلا على امتيازها وازديادها والتملص
من كل حقوقها و واجباتها؟؟،هذا ظلم أسود كالح ينبغي تغييره كان لمن كان أو على من
كان؟؟.
2- لا ينبغي الحرص على تزييف
التشخيص ولا رسميته: بحجة أن هناك تضخما في
التشخيص يكفي،أو بحجة أن الواقع ليس سوداويا والحالة ليست مأساوية إلى تلك
الدرجة،أو بحجة ضرورة الحفاظ على ماء وجه البعض غالبا ما كان من السلطات،وهو الذي
ما فتئ يدبج لنا التقارير الوردية ويرسم لنا الأحلام المخملية،رغم أنه ما كان يتحقق
من ورائها غير الخيبة والكوابيس؟،لابد أن نستمع إلى المهمشين ونستوعب مشاكلهم على
حقيقتها وحجمها،ونستمع إلى التنمويين والخبراء والباحثين وغيرهم ونأخذ بالممكن من
المقترحات وأصوبها فنسعف ونغيث ونساعد من يستحق و يحتاج،لا ينبغي أن نكون ملكيين
أكثر من الملك،ولا مرضى عناديين بلهاء يرفضون الاعتراف بمرضهم،ولازال كل الأطباء
وكل الوقائع تؤكده لهم،بل وتصف لهم مر الدواء من أجل الشفاء؟؟.
3- لا ينبغي الحرص على فريق الريع الفاشل
في الإنجاز: فالإصلاح لا يأتي من الفاسد،والنهوض لا يأتي من
المتعثر الساقط،فما بالك بمن أدمنهما واصطلي بهما كليهما؟،هناك مؤسسات و أناس
مسؤولون تسببوا بقصد أو بغير قصد في فشل التنمية في المغرب،وجروا أبنائه إلى ما
وصلوا إليه من واقع لا يحسدون عليه: فقر وهشاشة وبطالة وفوضى وفتور عام ويأس
مستشري و قوارب الموت القهري والمجاني في الأعالي...؟؟،هؤلاء الفاشلون والذين
طالما خططوا للفشل ودبروه،وفي غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة،فلا أقل من أن يبتعدوا
عن الشأن العمومي،ويتركوه لأصابه أصحاب الكفاءة التدبيرية والغيرة الوطنية وتحمل
المسؤولية،وينبغي أن تتوفر لهم فوق ذلك شروط العمل المهني ونظامه المنتج(système
productif)وهو
الأهم من الأشخاص على مكانتهم،شروط ونظام وكفاءات بعيدة عن الوساطات والعصبيات و
التعليمات و الهواتف؟؟.
4- لا ينبغي الحرص على التباطؤ الممل
والقاتل للأمل في النفوس: فالجائع لا يصوم
الدهر،والمريض لا بد له من سرير،والطالب لابد له من مقعد،والخريج لابد له من عمل،والطفل
لابد له من ترفيه،والمرأة لابد لها من إدماج وإنتاج،والتائه لابد له من مرشد،واليائس
لابد له من أمل..،ولا ينبغي في النموذج التنموي الفعال أن تتأخر فيه الحاجيات عن
مواعيدها،أو تخرج عن مجالاتها،أو تقل عن أحجامها،أو تنحرف عن فئاتها،أو أن تستهلك أعمار
أصحابها في مجرد انتظارها من دواليب وهياكل إدارية فاسدة ومتعفنة هي المؤتمنة
عليها والمضيعة لها،لا أرضا تقطع ولا ظهرا تبقي ولا يعجبها العجب ولا الصيام في
رجب،فلا تنجز من المشاريع لا السابق ولا اللاحق؟؟.
5- لا ينبغي الاستمرار في تجاهل الفئات
الهشة والمناطق النائية: بحجة أن الاهتمام
بالمناطق المؤهلة والمركزية ولاشك سيعود فائض إنتاجها على المناطق الهامشية،وهكذا
تتكرر في تنميتنا الحكاية الأبدية بين المغرب النافع وغير النافع،وهي في حقيقتها
حكاية التهميش والإقصاء بين العباد في هذه البلاد،لابد من العدالة الاجتماعية
والمجالية بمقتضى الدستور الذي يفرض المساواة بين الجميع ويضمن الكرامة للجميع،ورحم
الله الحسن الثاني في معنى قوله:"لا أرضى وواحد من شعبي أمي،ألا لا أقول
الأمية الأبجدية ولكن الأمية..والأمية..والأمية"؟؟،فكفانا من نموذج تنموي
ظالم غايته الاهتمام بالعمران على حساب الإنسان،وبالمدن على حساب القرى والهوامش،وبالأغنياء
على حساب الفقراء؟؟.
6- لا ينبغي الحرص على تجاهل الأحزاب
وغيرها من الفاعلين: لابد من القطع مع كل هذه
الأجواء "الديمقراطية" والمسلسلات "الانتخابية" والمؤسسات "التشريعية"
والقطاعات "الحكومية"،التي لا تستطيع فيها الأحزاب الحاكمة والمنتخبة بإرادة
شعبية،من تطبيق برامجها وتحقيق وعودها التي من أجلها صوت عليها المواطنون
ويحاسبونها عليها؟؟،ناهيك عن أن تتمكن النقابات وجمعيات المجتمع المدني من أداء
أدوارها الحقيقية غير التلميعية والتمييعية والتأثيثية للمشهد،في أجواء تضييقية
وغير حقوقية فبالأحرى أن تكون تحفيزية؟؟،وطالما نادينا رغم ذلك بالمقاربة
التشاركية وبتشجيع الاستثمار والفاعلين،ولكن مما أدى إلى فشلنا التنموي و أوردنا وسيوردنا
ولاشك موارد السكتات والانفجارات،مما أدى إلى ذلك حسب رأي المراقبين ويقين
الممارسين هو شكلية الأمور في كثير منها،والتعامل معها بالمن والصدقة والكيل
بمكيالين،مما جعلها صورية لم تحظى بما يكفي من التعبئة والحماسة المجتمعية،ولم
تبلغ ما يكفي من العمق و من النجاعة والإنتاجية؟؟،
وبالتالي،فقد تم إقصاء العديدين من
المشاركة الفعلية والفعالة في المخططات التنموية وبرامجها ناهيك عن مشاريعها
وشراكاتها،رغم أن الحاجة و المجال يتسع ويستوعب جهود ومساهمة الجميع؟؟،وتمكينا ليد
السلطات وبسطا لنفوذها وحفظا لهواجسها،وضدا على القوانين تم إقصاء المعارضين خاصة،أو
من يظن أنهم كذلك،وكأن الأمر التنموي في البلاد مجرد ريع وصفقات للموالين من
العباد فحسب،أو من يظن أنهم كذلك،أو كأن هؤلاء الموالين أكثر كفاءة ووطنية من
غيرهم،وهذا غير صحيح؟؟،ألم يكفي أنه بعد 50 سنة من العناد والإبعاد عقدنا بالأمس
جلسات الإنصاف والمصالحة،بل وأدمجنا المعارضة المرفوضة عقودا وعقودا في الشأن
الوطني،بل وسلمنا لها تدبيره وعملنا ببرامجها ومقترحاتها،وسمينا ذلك الإدماج ب"شكل
ديمقراطي"؟؟،فلماذا كل هذا الهدر للزمن السياسي،وإلى متى سيهتم نموذجنا
التنموي بالأفكار والمبادرات بدل الاهتمام بأصحابها و ولاءاتها؟؟.
الحبيب عكي