النموذج التنموي وحكاية القاطرة والعربات
لا أدري،لماذا كلما ذكر القطار تذكرت مثل الكثيرين مسألة وجوده أصلا من
عدمه،ومسألة وجود السائق ومدى كفاءته،ومسألة القاطرة وقوتها،وعدد العربات التي
تقوم بجرها،مسألة تحديد الاتجاه وضبط الموعد،احترام مدة السفر ومساره،وثمن التذاكر
وعدد والركاب وكتلة الحمولة المسموح بها ونوعها،وإمكانية أو ضرورة تغيير القطار أو
الاتجاه أو السائق في محطة من المحطات،وتعامل المساعدين والمراقبين مع المسافرين،بل
تعامل المسافرين بينهم،ومسألة امتطاء المسافرين في حد ذاتهم لهذا القطار شرعية أو
ملتوية بدون تذاكر،نوع القطار و نوع السكة والدرجات والفئات الراكبة ووجهة كل منها،والسرعة
المحددة والأمن من الحوادث،والآثار الجانبية لشق القطار طريقه في الحقول
والممتلكات العقارية التي اغتصبها الغاصبون من أهلها لشق الطريق،بتعويض أو بدونه
في الغالب،و كذلك الآثار الجانبية للسفر عبر القطار على العادات الاجتماعية
للمواطنين كالمرور عبر المداشر وصلة الأرحام،بحيث يصبح المسافرون لا يستطيعون رؤية
مداشر الأحباب إلا عبر نوافذ القطار،ولا يستطيعون الجلوس معهم إلى موائدهم إلا عبر
كاميرات الهواتف،أما أخذهم بالأحضان والسلام عليهم بالمباشر فلا يتم إلا بالإشارات
و عبر الزجاج؟؟.
حكاية غير بعيدة عما يراد
اليوم للبلد من ضرورة البحث عن نموذج تنموي جديد،ليس الأمر بالسهل خاصة بعد تعقد
وتشابك كل الأمور في الحياة المعاصرة،وبعد كل هذا الهدر غير المبرر للزمن السياسي
والتنموي عبر الأجيال،مما سيعيد عقارب الساعة إلى الصفر ويجعلها ربما أكثر حنظلا،لا
يستغني إعادة تحريكها في الاتجاه الصحيح وبالدقة المناسبة عن ترسانة من المفاهيم و
المقاصد والأهداف والغايات والوسائل والمؤشرات والميزانيات والرزنامات التنفيذية..،ولكن
يبقى هذا ورش لابد منه لصيانة الأعمال من العبث وعدم المغامرة بمصير الشعب،الأمر
الذي قد يسفر عن العكس في كل شيء،فنتأخر حيث نريد التقدم،ونسقط حيث نريد
النهوض..؟؟.لذا نتساءل مع المتسائلين:
1- ما هو النمو وما هي التنمية وما هي العلاقة
بينهما؟،
2- ما هو النموذج التنموي؟،وأيه الرائد في العالم،ولماذا؟،
3- كيف يوضع النموذج التنموي،ومن يضعه،ومن يسهر على
المتابعة والتنزيل؟،
4- ما هي مظاهر فشل النموذج التنموي الحالي،ولماذا
فشل،ومن المسؤول،وما قواعد النهوض؟،
5- ما دور الهوية والمرجعية والانتماء والمواطنة
وغيرها من القيم والمعتقدات والممارسات في التنمية؟،
6- بين السياسي والاقتصادي،والتربوي
والثقافي،والاجتماعي والفني والرياضي...،أيهما القاطرة وأيهما العربات،وأيها
القواعد وأيها المنطلقات،وأيهما الدعائم والمرتكزات،وأيهما المدخلات والمخرجات...؟،
7- أي تنمية تناسبنا،تنمية العمران أم تنمية
الإنسان،التنمية البشرية أم المجالية أم الشاملة والمستدامة؟،
8- أي تنمية مضمونة،ذات الإمكانيات الذاتية أم
المرتهنة بالمساعدات والتدخلات والاستثمارات الخارجية؟،
9- التنمية الإسعاف وإغاثة اللهفان المرتبطة
بالأشخاص والعلاقات،أم التنمية الاستراتيجية المرتبطة بالمؤسسات والحقوق؟،التوازنات
الاقتصادية والإكراهات المالية أم تنمية القطاعات الاجتماعية والكرامة الإنسانية؟،تنمية
حسب النوع والفئات أم تنمية العلماء والخبراء؟،
10- التنمية بين الديمقراطية الحقيقية والشكلية،وبين
المركزية واللامركزية،بين الجهوية السياسية والإدارية والجهوية الموسعة والمتقدمة؟،
11- بين المؤسسات العمومية و وكالات التنمية والقطاع
الخاص،بين النجاة الجماعية والنجاة الفردية،بين النموذج الليبرالي والاشتراكي أو
نموذج العولمة المتوحشة واقتصاد السوق..؟،
12- بين منازعة الحكم و إصلاح الحكم والعدوان على
الحكم..،في متاهات لا تنتهي،وغالبا ما تكون ضحيتها الأولى استقرار الشعوب وأمنها
وتنميتها؟،
إن الدارس للنماذج التنموية الناجحة
عبر العالم يخرج بيقين أكيد هو أن مسارات النجاح في أي تنمية لابد أن ينطلق من
النموذج الذاتي الذكي لا التقليد والاستنساخ الغبي والمجاني،وعلى المزج بين تنمية
الإنسان وتنمية العمران بنسب متناغمة،وعلى المعرفة والبحث العلمي والإبداع
والاختراع المبني على الطابع الاجتماعي ومحاربة الفساد؟؟.وأضمن ما يضمن التنمية
بهذه المواصفات هي المداخل التربوية والثقافية قبل غيرها من السياسي والاقتصادي،لأن
التربوي الثقافي هو الأقدر على تعبئة كل الفاعلين وتحسيس كل فئات الشعب للمساهمة
في النهوض،وهو شيء مهم لا يغيب في أي مشروع نهضوي إلا تعثر وفشل،والثقافي التربوي
باعتباره علمي ومعرفي هو الأضمن للإبداع والاختراع لتلبية الحاجيات المجتمعية
ومتطلبات الحياة والتي لا يستقيم ادعاء تنمية بدونها،ولأن السياسي والاقتصادي محل
صراع دائم و نزاع ومغالبة لا تستقيم فيها
الأمور على شيء ولا تدوم لطرف إلا اختطفها منه آخر،في لعبة و مغامرة لا تتطاوع
أسرارها ولا تتملك حقائقها لأحد؟؟.من هنا فكل هذا الترويج المبالغ فيه وبالعشرات
من البرامج التافهة والقنوات التائهة،المروجة بسخاء وغباء لغير المداخل الثقافية
والتربوية والبحثية والعلمية والإبداعية والاختراعية،لا يخدم التنمية والنهوض
الحقيقي في شيء؟؟.التنمية جد لا هزل،تعليم وتشغيل لا هدر وبطالة،قيم ومهارات،صناعة
وفلاحة،تجارة وملاحة...،لا مجرد فن حتى لو كان سخيفا مميعا ورياضة حتى لو كانت
ملهية مخدرة وسياحة حتى لو كانت جنسية لا أخلاقية،فبين جد النهوض وعبث السقوط
ينبغي الاختيار؟؟.
الحبيب عكي