لا
تزال المعارك الهامشية - مع الأسف - متأججة وفي أكثر من مجال وعلى أكثر من مستوى
وبين أكثر من فئات،ولا يزال العديد من الأفراد و الهيئات تتطاحن في فراغها وعبثها
و توجه فوهات مدافعها إلى بعضها البعض في الداخل بدل توجيهها إلى عدوها الجهل والمرض
والفقر والتخلف في الداخل والخارج،مما أدى
ويؤدي ولا شك إلى رؤية الصديق الحل وكأنه هو العدو المشكل،وهذا لعمري سبب انحراف سفينتنا
التنموية وفشل نموذجها التنموي،بل وفقدان بوصلتها و مرجعيتها و معياريتها،وتيهها
في مجرد الشد والجدب وكثرة السؤال والقيل والقال وإضاعة المال والشك في المآل؟؟.
ومن المعارك الهامشية القصوى،كل هذا الفشل
السياسي الذريع والمزمن والمتفاقم عبر الزمان والمكان،والذي حمل الناس جل الناس –
مع الأسف – إلى ممارسة السياسة والسياسة الفجة في كل شيء،في الأحزاب والنقابات
والشركات والمقاولات والجمعيات والتعاونيات والوداديات وغيرها من القطاعات
والمؤسسات،تكررت بين القوم أكلة البطاطس الإيطالية،بقدر ما يعافها المرء بقدر ما
يجدها وتقدم له في كل الأكلات ظاهرة وخفية مسلوقة ومقلية مقطعة ومطحونة طبيعية
وملونة..،وكذلك بقدر ما تتضخم الممارسة السياسية عندنا الواضحة منها والخفية في كل
الهيئات والمؤسسات بقدر ما يزداد هذا الفشل السياسي الذريع والعاجز عن تلبية جل
الحاجيات والمتطلبات المتنامية للبلاد والعباد،وبالتالي فشل جل القطاعات المرتبطة
به وكل القطاعات الرسمية والمدنية مرتبطة به أو تكاد؟؟.
ولعل المجتمع المدني بدوره كغيره من
المجتمعات الاقتصادية والفنية والرياضية والعلمية والإعلامية،قد ابتلي بذلك
أيضا،فجر بقصد أو غير قصد إلى الاهتمام بغير اهتماماته الأصلية واللعب خارج ملعبه
الفسيح وبغير أسلوبه الرصين و بغير أدواته المعهودة،فأصبحت كل مبادراته المدنية –
مع الأسف – كثيرا ما تصطبغ بالطلاء السياسي بشكل من الأشكال،ولو على حساب أدواره
الأساسية والتاريخية وعلى رأسها: الحرية والسلمية والاستقلالية،الاختلاف والتعايش
والتدبير الديمقراطي،خدمة الفئات الهشة والمرافعة عنها بكل سلمية ودون عنف ولا سعي
إلى السلطة،القوة الاقتراحية وإنتاج النخب وكل ذلك بمبدأ التطوع؟؟.
وقد يقول قائل ومن منطلق هذه القوة
الاقتراحية أن من حق المجتمع المدني بل من واجبه الاقتراح في شتى المجالات وعلى
رأسها المجال السياسي،والمرافعة في مختلف القضايا وعلى رأسها القضايا السياسية،نعم
ولكن ليس على حساب القضايا والمهام الفكرية والثقافية المطلوبة واللازمة والملازمة
له،صحيح أن الاشتغال في هذه المجالات المدنية الأساسية صعب جدا ومعقد وبطيء
المردودية ولا يؤتي أكله إلا على بعد طويل قد لا يكون غارسوه من جناة ثماره،ولكنه يبقى
الأعمق والأفيد والأجدى ولو في خضم كل الأزمات،فالمداخل المدنية إلى حلها
ومعالجتها تكون هي الأجدى و الأفيد وأجيال الخريجين المدنيين الواعين والملتزمين
هي الكفيلة أكثر من غيرها بالتغيير والإصلاح؟؟.
شاهدت في شريط وثائقي يحكي عن تقدم دولة
غربية عريقة و مساهمة المجتمع المدني في ذلك،فيقول أن كل مواطنين من بين ثلاث في
تلك الدولة ينتمون إلى نادي أو ناديين من الأندية الممتدة على طول وعرض
البلاد،أندية في القراءة والكتابة..أندية في المسرح والفنون..أندية في الفلك
والعلوم..أندية في المعلوميات والابتكارات..أندية في رعاية الطيور وحماية
النباتات..أندية في ممارسة الصيد والسياقة..أندية في الترفيه والرياضات..؟؟.فأين
نحن من عدد هذه الأندية وجغرافيتها وتأطيرها في البلاد،وكم من الرواد يقبلون عليها
وعلى أنشطتها في العالم الحضري والقروي،على أي إن ذلك العدد الهائل من رواد
الأندية المدنية في تلك الدولة قد حال دون استئساد الفساد فيها،وليس غريبا في غياب
الفساد في مثل تلك الدول أن شابا في مجرد الثلاثين من عمره قد أصبح لهم رئيسا
وبشكل ديمقراطي؟؟.
وكان يقال لأحد المخرجين الروسيين أيام
الاتحاد السوفياتي،وما كان يعرفه من أزمات سياسية واضطرابات الحزب الشيوعي،كان
يقال له في كل مرة وبين الحين والحين وفترة و فترة إن الحزب الشيوعي قد نجح..إن
الحزب الشيوعي قد سقط..إن الرئيس الفلاني قد نجح..إن الرئيس الفلاني قد سقط..فقال
لهم قولا جامعا مانعا:"لينجح من ينجح..وليسقط من يسقط..وليدخل الكريمنيل من
يدخل..وليخرج منه من يخرج..أنا مخرج مسرحي مهمتي أن أمارس الإخراج المسرحي
وسأمارسه على كل حال"؟؟،فمتى يدرك كل فرد وجماعة وكل هيئة ومؤسسة دورها
ورؤيتها ورسالتها فتقوم بهما،متى ندرك حاجتنا إلى الثقافة والفنون والعلوم والرياضة
والرياضيات فننعشهم ونمكن لهم حتى تكون السياسة تابعة لهم لا متبوعة،متى ندرك قولا
وفعلا أنه ليس بالسياسة وحدها يحيى الإنسان،فكيف إذا كانت سياسة فارغة فجة فاشلة وطاغية
؟؟.
الحبيب عكي