لا
تزال المدرسة في تجارب مستمرة لإثبات وجودها وبعض جدواها في عالم مضطرب يكاد
يجردها من مهامها التربوية والعلمية والمعرفية الأصيلة،ولتحسين مردوديتها التي لم
تعد تفيد الناس في كثير من متطلباتهم في الواقع،تجدها أي المدرسة لا تتردد في
الأخذ بكل ما قد يسعفها أو يهدأ من أوجاعها،فتتبني كل البيداغوجيات وتجرب كل
المنهجيات حتى المعلوماتية والاستعلاماتية والمدنية الحرة والعسكرية الصارمة منها،ورغم
ذلك،فبقدر ما استبيحت المدرسة من كل هذا بقدر ما فقدت هويتها وتردت مردوديتها،وقد
تظل كذلك كما يرى التربويون والسوسيولوجيون ما لم تحافظ من جديد على هويتها
وماهيتها بشكل واضح،وما لم تكن مستوعبة لرؤيتها ورسالتها ومندمجة في واقعها المعقد
الذي مارست وتمارس فيه رسالتها،فالمدرسة لست ولا ينبغي أن تكون ثكنة عسكرية ولا
مأربا لمحو الأمية ولا ناديا للسفسطة والترف الفكري والفني والرياضي؟؟.
ولعل من الأركان الأساسية والخطوط
المستقيمة والزوايا الحادة والمرايا المقعرة التي تتسم بالكثير من المسعفات
والمنعشات التربوية القوية ومضاداتها الحيوية،والتي لم تنفتح عليها المدرسة بالشكل
المطلوب ولم تجربها بشكل مضبوط رغم كل القوانين والمذكرات التي تحثها على الشراكة
وتلزمها بل وتحاسبها أحيانا على ذلك،ما يسمى بالمجتمع الأهلي قديما و جمعيات
المجتمع المدني حاليا،هذا المجتمع الذي نجح في كثير مما فشلت فيه المدرسة،وتقدم في
كثير مما تأخرت هي فيه،ويكفيه نجاحا وتقدما أنه من يغوص في وحل المدرسة ويغسل
عارها بما يقوم به من الدعم والتقوية ودروس محو الأمية والتربية غير النظامية
ناهيك عن حملات التحسيس والتأهيل ومساعدة القطاع في شتى المجالات،مجتمع يملك في
الحقيقة من المقومات التربوية فوق ما هو مشترك بينه وبين المدرسة ما يتفرد به
ويشكل سر نجاحه حتى انه تستنجد به اليوم كل السياسات وتراهن عليه كل القطاعات أكثر
مما تراهن هي على نفسها،فلو تمكنت المدرسة من حسن استيعابه وإدماجه بشكل سليم في
برامجها وتدابيرها،لساهم في حل العديد من عقدها وتعقيداتها ولساهم بشكل سلس في
تحقيق العديد من أهدافها؟؟.
ولا تزال الجمعية في الحقيقة فضاء للنهل
من المعارف والتربية على القيم واكتساب المهارات،فضاء للانفتاح على مختلف عوالم
الحياة العملية واكتشاف المواهب وصقل القدرات والتكوين والتدريب على ما يلزم
لمواجهتها،فضاء الاهتمام بمختلف الفئات الاجتماعية خاصة الهشة منها وتزويدها
بخدمات القرب وربطها وغيرها بأنشطة الحي و هموم الوطن وقضايا الأمة،فضاء القوة
الاقتراحية والمرافعة الجريئة والمبادرة الحرة والتخطيط والبرمجة وتوزيع التكاليف
والعمل الجماعي المنظم،فضاء الورشات والدورات والمسابقات والدوريات والخرجات
والرحلات والمخيمات ودروس الدعم والتقوية ومحو الأمية والتربية غير النظامية،فضاء
ومشتل للنخب والتربية على ثقافة المشاريع التربوية والتنموية الشخصية
والجماعية،وما تعنيه من ثقافة تثمين الطاقات والتعاون والتنسيق والعمل
التشاركي،فضاء الحوار والمسؤولية والتربية على الديمقراطية والسلوك المدني
والمواطنة وحقوق الإنسان،وفي جو يكون في الغالب مفعما بالكثير من المتعة والانسجام
والحرية والإقناع والاستقلالية والسلمية والتطوع وفوق كل هذا الاستمرارية واليقظة
والمواكبة؟؟.ليبقى السؤال أين المدرسة من كل هذا كمنهاج دراسي وتعاون وانفتاح وفق
دفتر تحملات واضح ومقاربة تشاركية حقيقية تستوعب الجميع وتستثمر كافة المجهودات؟؟.
الحبيب عكي