"ربحة وفراجة..ربحة وفراجة..يا الله ويد..يا
الله زيد..العب واربح..العب واربح..أية هدية أردتها..وبمجرد درهم واحد
فقط"،هكذا كان الرجل التاجر على باب سيارته المفتوح في المتسوقين في السوق
الأسبوعي ويجلبهم ليتحلقوا حول معرضه الدائري الصغير الذي حلق حوله رغم صغر محيطه
مئات الهديا حول مربع خشبي من أربعين بابا مفتوحا لأربعين علبة قيمة كل باب بعلبته
درهم واحد فقط،وعلى أصوات الأنغام الشعبية الشبابية المشهورة،كان الرجل المساعد
للتاجر يبيع الأربعين تذكرة في كل جولة لينزل التاجر من على باب سيارته ويأخذ فأرا
متوسطا يعكس عليه وسط المربع الخشبي دلوا بلاستيكيا متوسطا ثم يرفعه عنه،ليتحرك
الفأر بعد هنيهة يستعيد فيها وعيه ويحدد رغبته نحو أحد الأبواب المفتوحة و يختبئ
في علبته،ويكون رقم ذلك الباب وتلك العلبة هو الرابح،فيصبح من حق صاحب ذلك الرقم
وتلك التذكرة أن يختار ما شاء من الهدايا الموجودة في المعرض قيمتها قد تصل إلى خمسون
درهما؟؟.
كذب من قال أن
تعويم الدرهم الذي بدأته البلاد سيفقده قيمته ويصبح رخيصا بخسا لا يساوي شيئا،ما
قد يجبر الناس على العودة إلى ما أهملوه من منتوجاتهم المحلية الرخيصة والمفيدة
ويضربوا على ما ألفوه من المنتوجات الخارجية التي ستكون جد باهضة،وها هو العكس هو
الذي يحدث في الأسواق،درهم واحد فقط تستطيع أن تشتري به أطقما متنوعة من كل الأواني
الداخلية والخارجية بقيمة خمسون درهما كاملة،ما يعني ان الدرهم بتعويمه قد ضاعف
قيمته 50 مرة،بل في الحقيقة ملايين المرات إذ كثيرا ما تمطرنا وسائل الإعلام بمئات
الإشهارات تدعو الناس للرهان بنفس الدرهم الواحد والدريهمات المعدودة مقابل ربح
السيارات الفاخرة و المنازل الجاهزة أو هما معا؟؟.حتى أنك تجد العديد العديد من
المشاهدين والمشاهدات ليس لهم إلا حلما واحدا هو كيف يحظون بصحبة ذلك الفأر العجيب
الغريب ليحقق لهم أحلام حياتهم التي عجزت كل السياسات والحكومات المتعاقبة عن
تحقيقها؟؟.
ربح..لعبة..فرجة..رهان..ميسر
تيسير..حظ قمار..لوطو..أوطو..طوطو..وليقل عنها صاحبها أو أصحابها ما شاؤوا،فيكفي
أنهم قد وجدوا لهم في السوق آلافا من اللاعبين وملايين من المتفرجين والمراهنين
والمدمنين الذين يتسلفون مبالغ وقروض من أجل لعبتهم المفضلة ما يتسلفون،بل ويبيعون
من ممتلكاتهم الشخصية وتجهيزاتهم المنزلية بل ومنازلهم ذاتها ما يبيعون،ولو بقوا
بعدها حفاة عراة أو شردوا بذلك أبنائم و والديهم إلى الشارع،وكفاهم أن كل هذه
الجيوش التائهة تعتقد بشراء أشياء بسيطة بضعف أثمنتها،ويسعون إلى ذلك وكأنهم
مغمضوا العينين عديمي الإرادة فاقدي الوعي وهم يعلمون مسبقا أن صاحب المعرض اللعبة
والفرجة سيربح في كل جولة ثلث تكلفتها وهم قد يخسرون ولا يربحون إلا غيرهم؟؟.
ولكن تبقى الفكرة نموذجا
عمليا للتفكير خارج المألوف،لو عين مبدعوه وممارسوه في وزارة الصناعة والتجارة
لفكوا في رمشة عين ما كبلها من قيود لعقود وعقود،لابد من تطوير نموذجنا التجاري
التقليدي،وهو ما بدأت تفعله شركات ومقاولات ومواقع وتعاونيات دون أن ينتبه إلى
عبقريتها المسؤولون والمهتمون،مستقبلات جميلات يجلبنك للتسوق رغما عنك،مفاوضات
يقنعنك بالشراء وبسخاء و وفاء رغما عنك،خدمات
تأتيك بالبضاعة إلى منزلك فتنتقل إليك بدل أن تنتقل أنت إليها قربت المسافة أو
بعدت،وفي كل يوم وفي كل شهر وفي كل سنة يتسع سوق الفرائس والضحايا،ولكن الأهم من
كل ذلك أن كثيرا من القبول والرضا والسخاء والوفاء في كل ذلك وبين الجميع حاصل،و"الله
يجعل الغفلة بين البائع والشاري"؟؟.
ؤ لعل أغرب ما يمكن أن
يشاهده المرء في هذه اللعبة الفرجة،هو كيف يتحول فيها الرجل الإنسان إلى فأر أسود
أو قط بكل الألوان،فبمجرد أن يرفع السوقي دلوه عن الفأر وسط المربع الخشبي المحاط
بأبواب العلب المرقمة والمفتوحة والتي عليها أطقما من الهدايا والأواني،حتى تجد كل
أصحاب التذاكر في الحلقة قد "تسيفوا" وخرجوا عن مذاهبهم الإنسانية،فهذا
يتقدم بغير وعي خطوة إلى الأمام حتى يكون مقابل الفأر و يصيح أمامه ببعض النهيز
الذكوري وكأن قد علم أن جنس فأر اللعبة أنثوي
فيريد غوايتها حتى تتبعه في اتجاه رقم الباب الذي يحمل رقم تذكرته فتربحه هديته؟؟،نجحت
التجربة مرة بعد فشلها عديدا من المرات فرأيت كل أصحاب التذاكر في الحلقة قد
تحولوا إلى فئران ملأت الحلقة والسوق نهيزا؟؟.
عادت تجربة تقليد الفئران إلى
فشلها من جديد،ليخرج أحد المبدعين من الحلقة يثير الفرجة والشفقة في المعرض،إذ ما
أن غادره خطوات حتى عاد إليه وعوض أن يقلد كغيره الفأر فيجلب فأر الدلو إلى بابه
وهديته،أخذ هو يقلد القط بمواء عنيف صاخب عال لعله بذلك يرعب فأر الدلو فيفر ولكن في الاتجاه
المناسب لرقم بابه وهديته،نجحت التجربة مرة أخرى فانقلب كل أصحاب التذاكر في
المعرض قططا بكل الألوان و المواء الصاخب،حتى حسب بعضهم البعض بل وحسبوا غيرهم من
المتسوقين ممن لم يتحلقوا حول المعرض وكأنهم فئران لابد أن يموؤوا في وجوههم بغضب ويدخلوا
معهم في حرب صاخبة،حتى يفوزوا بطاقم من الأواني المختارة أو لنقل حتى يربحوا 50
درهما بمجرد درهم واحد في عهد تعويم الدرهم؟؟.
قمة الأزمة في ضرب القدرة الشرائية
للمواطن،وفي تخريب المنظومة القيمية للوطن،وفي تدهور التجارة والصناعة إلى هذه
الدرجة ليس في الأسواق ومعارض الألعاب فحسب بل كما قلنا في الشركات والمقاولات
والمواقع والتعاونيات وكل بألف طريقة وطريقة؟؟،ولكن يبقى الظريف والطريف في
الموضوع هو التفكير خارج الصندوق،إذا أردنا حلا حقيقيا لكل مشاكلنا المعقدة،ومن
أظرف ما قرأت في الموضوع،نداء أحد الظرفاء بالاستثمار في "البقر" بدل
الاستثمار في "البشر"السياسيين الفاشلين والبرلمانيين العاجزين الذين لا
يتغير شيء معهم في البلاد إلا أحوالهم الشخصية هم وليس غيرهم؟؟.ولصاحبنا في ذلك
براهين ومنطلقات لا تحتاج إلا إلى اعتقادكم وتفعيلكم إياها قبل أن تصبحوا فئرانا
أو قططا من سعد"الحلايقية" في الدكاكين والشوارع والأسواق،ويتامى
طفيليين ومتسولين على موائد اللئام،لا يكترثون إلا بضربهم بكل شيء وبقولهم
لهم:"صب..صب..وصب يعني..امشي ..امشي"؟؟.
قال ظريف
الظرفاء:"ماذا لو استغنينا عن مجلس النواب ولو مؤقتا واستثمرنا بشراء وتربية
الأبقار برواتبهم،لدينا في البلد حوالي 395 نائبا برلمانيا براتب شهري 36000 درهم
للواحد،مقابل حوالي 15000درهم للبقرة الممتازة الواحدة،بما يعني أن كل نائب
برلماني راتبه سيمكننا من شراء بقرتين في
الشهر،يعني في الشهر الواحد 790 بقرة،وفي السنة الواحدة 9480 بقرة،بما يعني 190000
لتر من الحليب بمعدل 20 لتر للبقرة الواحدة يوميا،بما يعني أن الاستغناء عن المجلس
الموقر لدورة واحدة فقط (5 سنوات) سيعطي للشعب 47400 بقرة بما سيحقق الاكتفاء
الذاتي في إنتاج الحليب ومشتقاته بالإضافة إلى الآلاف من مناصب الشغل لتدبير
ذلك،أما تكلفة الأعلاف والحظائر فإن بقايا موائد النواب والوزراء لثلاث وجبات في
اجتماعاتهم الرسمية تكفي لعلف الأبقار،ناهيك عن الاجتماعات غير الرسمية،ناهيك عن
كلفة الأسفار والفنادق والاشتراكات المجانية في الهاتف والقطار والطريق السيار
وغيرها من المنح الريعية،وقد نسينا أن هذه الأبقار ستتكاثر أضعافا مضاعفة بما
سيرشح البلد بأن تنهض وتكون في مدة وجيزة من الدول المنافسة في كل شيء"؟؟،وصحيح
أن الأبقار لن تنتج فكرة واحدة،ولكنها أيضا لن تمرر على ظهر الشعب قانونا واحدا
يزيد من معضلاته،ولن تسرق ملايين الريع أو
تستحلي علاوات الولاء وشراء الذمم أو تستبيح في كل الأحوال التمتع بفلس واحد على
ظهر الشعب،وهذا في نظري يكفي؟؟.
الحبيب عكي