وكثير
من خصائص ومقومات المجتمع المدني السالفة الذكر في الجزء الأول من المقال،كالتطوع
والتنظيم والتعايش السلمي والحوار الديمقراطي والحقوقي والاقتراحات والخدمات
والمرافعات حول الشأن المحلي والوطني والأممي..،لازالت المدرسة تفتقر إلى هذه
المقومات بدرجة أو أخرى وهي ضرورية لروادها،ويؤثر غيابها ولاشك على أدائها
ومردوديتها بشكل واضح،ورغم ذلك لا زالت مدرستنا المبجلة في مجملها تصر على
الانكفاء على ذاتها وعجزها والانغلاق على هذه الواجهة التربوية التنموية الكونية
بامتياز،ولا تعدم في ذلك ألف طريقة وطريقة لصد أبوابها وغلق آذانها رغم صراخ
الصارخين وأنف القوانين والمذكرات،ومن ذلك:
1-
لي أعناق القوانين
والمذكرات الداعية إلى الانفتاح والملزمة بالشراكة،واعتبار الظروف غير مناسبة
لتفعيلها وتنزيلها على أرض الواقع،وبالتالي فخير الشراكة عند الكثير من
المسؤولين هي ألا يروا جمعية وألا تراهم
جمعية،حسبهم في ذلك أن المؤسسة ملك لهم وليس للدولة وأبناء الشعب والفاعلين من
الشركاء،وشعارهم في ذلك قول المثل:"هذا نهار الأحد..ما يسال حد في حد"؟؟.
2-
خلق جمعيات
"ضرار" داخل المؤسسات،تفتقر إلى روح الجمعيات تأسيسا و فريقا ومرجعيات
وبرامج..،ناهيك عن روح الوصاية التي تخنقها والتراخيص التي تكبلها إلى درجة قد
تكون حبرا على ورق ولسنة كاملة وسنوات،جمعية الآباء..والجمعية الرياضية.. وجمعية
النجاح.. وجمعية.. وجمعية..،وما أكثر الجمعيات المدرسية حين تعدها ولكنها على أرض
الواقع قليل؟؟.
3-
الدعوة إلى خلق
أندية متعددة داخل المؤسسات،لا زالت تجد من الرفض والنفور رغم المذكرات ما لا يبشر
بحياتها وانتعاشها يوما،ذلك في غياب تام لأدنى شروط عمل الأندية توقيتا وتكوينا
وتحفيزا وتطوعا حتى غدا معظمها حبرا على ورق لا أرضا يقطع وأنشطة ينجز ولا ظهرا
ودراسة يبقي؟؟.
4-
الجرعة الزائدة من
الحساسية السياسوية والدخول الصلف في نوايا الجمعيات وماهيتها والانتقاء في
برامجها بالسماح لهذه ورفض هذه والتيسير لهذه والعرقلة لتلك ومنح هذه وحرمان
تلك...وكان الأولى بعيدا عن الأهواء والأمزجة تسطير توافقي لتوجهات مشتركة تخدم
الصالح العام و وضع دفتر تحملات بصدده يلتزم ويحاسب عليه الجميع؟؟.
5-
التراجع عن فتح
المؤسسات التعليمية في وجه أنشطة الجمعيات وملتقياتها التكوينية وجموعها العامة بل
ومخيماتها الربيعية والصيفية،بعدما وضعت الوزارة الوصية ورقة معرقلة في ذلك تضرب
فيها ليس حقوق الجمعيات في استعمال مؤسسات الدولة فحسب وما قد ينال الأطفال
والشباب من فرص التكوين والترفيه جراء ذلك،بل تضرب عمق الانسجام والتكامل الحكومي
والشراكة الممكنة بين الوزارات؟؟.
وتبقى المدرسة على كل حال قد تراجعت بشكل كبير
في جوانبها الإشعاعية والثقافية بعدما كانت أيام زمان هي الرائدة والكل في
الكل،أيام لا دور الشباب ولا دور الرياضة ولا دور السينما ولا دور الأنترنيت..ولا
دور..ولا دور..؟؟،والأهم من هذا أن المدرسة اليوم أية مدرسة بكل أسلاكها من
الابتدائي إلى الجامعي،لا تقوم بمجرد أدائها التربوي فحسب،بل أيضا بفضائها
وملاعبها وأنشطتها الموازية ومختبراتها وتجهيزاتها وإنتاج وإبداع طلابها،وكفاءة
العاملين بها وأبحاثهم وابتكاراتهم ومؤلفاتهم،ومدى رضا الدارسين والمدرسين
فيها،ومعيارية و جودة الأشياء فيها،ومدى استثمارها كل ذلك من أجل توأمتها وإشعاعها
وانفتاحها على محيطها ومدى مساهمتها في تبني قضاياه وفي حل معضلاته،وهنا مكمن
حاجتها إلى الفاعلين والمتدخلين وعلى رأسهم جمعيات المجتمع المدني التي أصبح
الانفتاح عليها والشراكة معها قد يكون من قاعدة:"ما لا يتم الواجب إلا به فهو
واجب"؟؟،
وتبقى جمعيات
المجتمع المدني أيضا رائدة ومتفوقة حتى على المدرسة في أبواب تربوية وتنموية
متعددة على رأسها طريقة التعلم بالمتعة والحياة الجماعية والتعاونية و التنمية
الذاتية لروادها وانخراطهم في قضايا المجتمع تحسيسا ورصدا و مبادرة ومرافعة أو حتى مساهمة في الحل حسب الطاقات
والإمكانيات وما قد يتاح لها من الشراكات،وكم يستطيع المجتمع الأهلي والمدني أن
يقدم للمدرسة أية مدرسة وبكافة أسلاكها من الابتدائي إلى الجامعي من خدمات قد
تجعلها تستغني كليا حتى عن الدولة وبيروقراطيتها الإدارية وتقشفها الحكومي،وما
وقائع التاريخ كما يقول الباحثون والمهتمون عنا
ببعيد،فجامعات"القرويين"المغربية و"السوربون"الفرنسية
و"ستانفورد"و"كومبريدج"البريطانية
و"بادوفا"الإيطالية...،بنيت من طرف مجرد متطوعين من المجتمع المدني وليس
من المجتمع السياسي ولا الحكومي،وأوقاف المحسنين في كافة العالم الإسلامي في بناء
المساجد والإقامات الفسيحة والشاهقة لإيواء المحتاجين والأنفاق عليهم لا تزال
شاهدة وشاهقة في كل مكان؟؟،
وكما يقول
"باهي نور الدين" الباحث في علوم الإعلام والاتصال في
مقاله"العلاقة بين المدرسة والمجتمع المدني" في ما معناه:كم يستطيع
الخريجون والعاملون والمتقاعدون من قدماء المؤسسات أن يعودوا إلى مؤسساتهم - لو
تحسنت العلاقة - في جمعيات القدماء والأصدقاء والحكماء ويقدموا فيها العون
والمساعدة والخبرة والتجربة للمحتاجين من أبنائهم وأبناء الوطن،في الأدوات
والورشات والتحسيس والدعم والتقوية..،وكم تستطيع الجمعيات - لو تحسنت العلاقات -
أن تضيف إلى اهتماماتها اهتمامات جديدة فنراها قد تتخصص في البستنة في المؤسسات
أوفي بناء بعض القاعات وتوفير بعض الفضاءات بل ربما والمؤسسات وصيانتها والعناية
بها،أوفي التنشيط التربوي وتجهيز المكتبات ودعم القراءة والكتابة والإبداع،أو في
الورشات التكوينية والأمسيات الفنية والمسابقات الثقافية والدوريات الرياضية
والرحلات والمخيمات الصيفية لأبناء المؤسسات،أو في المساهمة في توفير وسائل النقل
وإقامات الإيواء والإطعام والتمريض الممكن عند اللزوم،أو في تقديم دروس الدعم
والتقوية والتربية غير النظامية ومحو الأمية،ومحاربة ظواهر الانحراف والغش والعنف
والمخدرات..؟؟،فلمصلحة من كل هذا الذي نعيشه اليوم بين المدارس والجمعيات من
الانفصال بدل الاتصال؟؟.