أولا،تحية تربوية للجميع،وشكرا للجهة المنظمة على إتاحتنا هذه الفرصة الثمينة
للنقاش والتواصل حول معضلتنا التربوية وعلى إطلاعنا على أين وصلت التدابير الأولية
لإصلاح التعليم في رؤيتها الاستراتيجية 2015 – 2030 التي يؤمل فيها المؤملون إنقاذ
ما يمكن إنقاذه من منظوماتنا التعليمية،التي يعقد عليها الجميع الكثير والكثير في النهوض بأحوال البلاد والعباد،ويعتبرها
الجميع قضيتنا الثانية والاستراتيجية الأولى بعد القضية الوطنية؟؟.وفي الحقيقة
الحديث في المسألة التعليمية معقد الإشكالات ومتعدد الجوانب والمآلات،وكل شيء فيه
يحتاج إلى تدخلات وإسعافات،آنية وممتدة،علاجية و وقائية،فردية وجماعية،لكن أنا
سأتحدث فقط في نقطة واحدة تبدو لي أساسية وأراها ربما مع العديدين أولوية
الأولويات،وربما قبل وبعد كل الاستراتيجيات والمخططات و البرامج المندمجة وغير
المندمجة والميزانيات والصفقات و التصفيقات والمحاسبات،أقصد بمداخلتي هذه معضلة
العنصر البشري في معركة الإصلاح خاصة في شق المنظرين والمقررين،على أن أخصص
المداخلة الأخرى لغيرهم من المديرين والمنفذين الممارسين والمستفيدين إذا سمحت
الظروف،قلت هذا العنصر البشري يعد في الحقيقة هو أساس واس كل شيء في الموضوع،وعليه
يدور كل شيء من صلاح وإصلاح أو ربما فساد وإفساد، إذا صلح الإنسان فكل شيء بعده
يهون،وإذا فسد الإنسان فكل شيء بعده يستحيل؟؟.
وما يعاب على خطة الإصلاح
حسب المحللين والمتابعين والممارسين،هي أنها رغم كونها خطة
"سواتية"بامتياز،إلا أنها استحضرت إلى حد كبير نقط القوة(الإنجازات والمكتسبات)ونقط
الضعف(الاختلالات والإخفاقات)،وحتى الفرص المتاحة(الرأسمال البشري والإجماع الوطني..)و
لكنها أهملت ولا زالت تهمل إلى حد كبير العجلة الرابعة التي لن تتحرك بدونها سيارة
Swott رباعية الدفع وهي المخاطر والتهديدات التي تمنع
المشاريع من التحقق والتي تصطدم بها اليوم على أرض الواقع(كنقص الموارد المالية،وضعف التعبئة المجتمعية،وضعف التشريعات
والقوانين المنظمة وعدم ملاءمتها مع الواقع التربوي العنيد)ومدى تأثير كل ذلك على الخطة وعلى المشروع ككل؟؟. إنها رؤية تهتم إلى حد
كبير كالعادة بالجانب المادي والبنيوي واللوجستيكي رغم أهميته الكبرى،وتغرق في وحل
التدبير والأجراة والمحاسبة وكأن المسألة كلها حسب تعبير الخبير التربوي
والاجتماعي المغربي"مصطفى محسن"صاحب كتاب "مدرسة
المستقبل"،كأن المعضلة التربوية عند كثير من قادة الإصلاح هي مجرد عطب تقني
وغيار انتهت صلاحيته،وما علينا إلا أن نقوم بتغيير قطعة الغيار هذه بأخرى جديدة أو
حتى قديمة مستعملة لازالت صالحة،حتى تنفك أزمتنا وتعود قاطرتنا التربوية للسير
العادي منتجة كما كانت أو بشكل أفضل؟؟.
وهكذا يتكلم الكثيرون وخاصة قادة الإصلاح،بلغة خشبية تبدو لهم مفحمة للجميع
ومعبئة لهم،ولكنها في الحقيقة تقول كل شيء ولا تقول أي شيء،فما بالك إذا غلفوها
بمرجعيات مستعارة ومصطلحات حاملة ومحمولة وشعارات فضفاضة وأرقام وإحصائيات،والشعارات
زائفة والأرقام فاضحة والإحصائيات خداعة،ورغم ذلك ينتقي منها المنتقون ما يظنون
أنهم سيفرضون به على الجميع اختياراتهم أو على الأصح إكراهاتهم القاهرة ومساراتهم
الضيقة الخانقة، وبمجرد قولتهم السمجة:"تملكوا الإصلاح ترونه في
مؤسساتكم"؟؟،،ويصورون في تقاريرهم على أن الإصلاح قد بلغ محطة الوصول وحقق الأهداف والمقاصد والحمد لله،وإذا بالمدارس
كافية والأساتذة موجودون،وإذا بالاكتظاظ قد انمحى وبالغش قطع دابره،وبالوسائل
التربوية متوفرة وبالبيداغوجيات منتعشة،لا شكوى ولا ملل ولا حيف ولا احتجاج،الجودة
للجميع مربين ومربون والحياة المدرسية المفعمة بالفرح للجميع شعارها:"لا
أننسى أحدا"،وهذا في الحقيقة هو الإصلاح الذي لم ينطلق بعد ولا يعلم به على
حقيقته حتى الركاب المنتظرون،أما غيرهم وهم الكثيرون ممن لا يقاومون الإصلاح بقدر
ما يصرون على أن يكونوا شركاء لا مجرد أدوات التنفيذ فقد زهدوا في الركوب مع
الركاب وشغلتهم مآربهم الدائمة ومشاكلهم
المزمنة عن الأسفار؟؟.
وعندما أقول العنصر البشري في التعليم فأعني بذلك الجميع،المنظرون..المقررون..المنفذون..الإداريون..الميسرون..والتقنيون..الأساتذة..التلاميذ..الأسر
وغيرهم من المستثمرين والفاعلين المجتمعيين..،فإذا قلنا المنظرون مثلا،فمن
يكونون؟،من يعرفهم؟،ما تاريخهم؟،ألم يتورطوا في الكوارث الإصلاحية السابقة؟،من خول
لهم الاستمرار والترقي بدل المحاسبة والتنحي؟،بأي منظور ينظرون ومن أية زوايا،ولأية
انتظارات كمية وكيفية؟،وبأي أفق زمني واتساع جغرافي ومدى مكاني؟،وبأية مؤسسات
بحثية خبيرة وجامعات مصنفة رائدة؟،وبأية
صلاحيات ومشاورات و حوارات ومناظرات وميزانيات...؟،على أي ربما هؤلاء في مجال
التعليم وحدهم الراضون على مسوداتهم وما يحصلون ورائها من مستحقات وصفقات وريع و تكريم و علاوات وإتاوات؟؟. نعم لقد خططوا وقرروا
بالأمس،وقرروا في الجودة والإنصاف واللغة والأهداف والبنية التحتية،واليوم بقدرة
قادر تجمد الحكومة برنامجها في بناء 300 مؤسسة تعليمية ليحشر التلاميذ حشرا في
فصول بعضهم البعض وكأنهم في زرائب أربعينية وستينية وليحيى التطوير والجودة؟،وتقرر
العربية لغة رسمية للتدريس فإذا بالوزارة تسعى لإحياء الفرنسية في تدريس المواد العلمية على حساب العربية لولا
تدخل رئيس الحكومة؟،بل لا زال البعض يناضل نضال المستميت على فرض لا العربية ولا
الفرنسية ولا غيرها من اللغات الحية بل الدارجة "العيوشية" ولا أدري من
يتحدث بها وطنيا أو دوليا؟،ويبقى التعليم في بلادنا تعليمين خاص لأبناء الخواص
وعام لأبناء العوام وتعليم متميز للمتميزين ومكون للمكونين ولتحيى لمساواة
والإنصاف؟،وضدا على القانون أيضا يرفض وزير القطاع تسريح المنهكين في مزارعه،لولا
أن رئيس الحكومة أعتقهم بإعمال القانون ومنحهم ما طلبوه من بالتقاعد النسبي فانسحب
منهم في الضوء حوالي 15 ألف مكرهين لا راغبين؟،هكذا وبكل بساطة وطامة كبرى لا يخجل
المسؤولون في لي عنق القانون وتأويل المذكرات كلما كانت في صف غيرهم من المستضعفين؟؟.فعن
أية رؤية تتحدثون ولكل رؤيته منظرا ومقررا أو مديرا منفذا وأستاذا ممارسا؟،ومن
يقاوم الإصلاح،الجذوع و الأطرف أم الرؤوس و الأغصان؟،وإلى متى سيظل الأبيض في كل
الأمر أسودا والأسود كالح السواد إذا شئتم أصبح فيها أبيض من البياض؟؟.
الحبيب
عكي