إذا صح ضجيج الأرقام، فإنه يشير إلى أن حجم العنف بمختلف
أشكاله، لازال مستعرا في جميع الدول ويطال جميع الفئات و خاصة الأقليات والفئات
الهشة منها، وبأرقام خطيرة غير مقبولة ولو بحالات معدودة ومحدودة، فأكثر من 95%
من العنف في فرنسا طال النساء، و700 ألف أمريكية
تغتصب كل سنة و 1411 اغتصاب يومي في جنوب أفريقيا، و 85 % من الكرواتيين مارسوا ضرب النساء، و3/1 من
نساء العالم يتعرضن للعنف منها 10/8 من الهنديات و47% من الأردنيات، و 25 % من السيرينكيات خادمات بيوت دون أجرة، 120
مليون ختان فتيات و 60 مليون وليدة موؤودة تحرم من الحياة، و50% مقتولات أزواجهن في البنجلاديش...؟، وعندنا
على سبيل المثال ظواهر عنف صارخة ولو بدون أرقام:
100 ألف حالة طلاق سنة أولى زواج، وحرمان السلاليات وغيرهن من الإرث، وبعض
القرويات من الدراسة الابتدائية وربما الجامعية، والكثيرن يسطون على راتب المرأة
الشهري بداعي من الدواعي..؟. هذا رغم كل ضجيج خطط التحسيس.. ملتقيات التداول..
حركات نسائية.. بحوث ميدانية.. تقارير موازية.. برامج أممية.. مساعدات إنسانية..
مستجدات دولية.. قوانين زجرية.. وغير ذلك كثير مما هو معروف ومعمول به في ساحة
النضال الوطني والأممي ضد تعنيف وعنف النساء؟.
والواقع أن هناك العديد من البياضات والانحرافات في
التعاطي مع محاربة ظاهرة العنف ضد النساء وخطورتها على ذواتهن وأسرهن وبني جلدتهن
ومجتمعهن، ومن ذلك:
1- عدم اعتبار العنف ظاهرة
اجتماعية مجتمعية متعددة الأشكال والمظاهر والأسباب، والممارسين والممارس عليهم..،
ومن الخطأ اختزالها في عنف الرجل على المرأة، الذي يصبح مجرد عنف الزوج على زوجته
على خطورة ذلك.
2- الاستخفاف بكون العنف
سمة الحياة المعاصرة، السياسية والاقتصادية، القانونية والتربوية والثقافية..، ومن
القصور الفادح محاولة علاجه في مجرد العلاقة بين الرجل والمرأة أو الحياة الأسرية
وحدها، وكل شيء يؤثر عليها؟.
3- ألا يطرح السؤال على
الحركات النسائية أو النسوانية خاصة وخراجها النضالي لا يلبث يشيع الظاهرة
ويستفحلها بقصد أو من غيره بما عادته وتعاديه من معتقدات الأمة ودينها، بل وتعتقده
سبب كل مظاهر العنف السائد؟.
4- القوانين التنظيمية
والزجرية كالمدونة والقانون الجنائي مثلا، هل تواكب الظاهرة ومستجداتها
وأشكالها..، هل تفهمها على حقيقتها؟، هل تطبق على أرض الواقع بطريقة صحيحة، هل لها
وسائل ذلك؟ هل تجتهد للمستجدات، وما يتفجر فيها من معضلات؟، إلى أي حد يناسب ذلك
الواقع الوطني (مراكز الاستماع ومراكز الحماية ودور الرعاية نموذجا)، ونفس الشيء
يمكن أن يقال بالنسبة للمعتقدات الدينية والعادات الوطنية خاصة مسألة الحرية
والمساواة والقوامة..؟.
اعتبار النقط السابقة وبالشكل المشار
إليه، أساسي ولاشك في حسن تدبير معالجة ظاهرة العنف وخطورتها على الفرد والمجتمع،
باعتبار العنف سلوكا عدوانيا يصدر من الفرد أو الجماعة أو الدولة المتنفذة، بذخيرة
البذاءة والقسوة والشدة والغلظة والفظاظة والتسلط..، وبغرض الإيقاع بالضحية لفظيا
أو جسديا أو نفسيا أو كلاهما، وبما يحدث فيه ندوبا نفسية لا تندمل أو عاهات عضوية
متفاوتة الخطورة إلى مستديمة باهضة التكاليف (94 مليار دولار في أمريكا)؟، ومن أجل
الحد والتخفيف من كل هذا، لابد من بعض المداخل الأخرى ومنها:
1- استحضار
العواقب الوخيمة لممارسة العنف: وشيوع مظاهره المدمرة للنفوس والمهشمة للأجساد الغضة الطرية والخلق
الرباني الذي خلقه الله في أحسن صورة ما شاء ركبه، استحضار هذه العواقب المشينة في
إطار كل ما نرفعه من شعارات الحق في الأمن والتنمية والمساواة والعدالة والانصاف،
الذي سنظل نبتعد عنها بقدر ما تسود عواقب هذا العنف والعنف المضاد في المجتمع، من
فقدان الذات المعنفة الثقة في نفسها/ الإحساس بمرارة الظلم والمهانة/ الاضطراب
النفسي والتشوه الجسدي/ التفكك الأسري/ الخوف على الذات من الاعتداء/ وعلى
الممتلكات من النهب والسلب/ حرمان الأطفال
من التمدرس خوفا والطالبات من الكليات توجسا/ ...وليس عبثا قال الله تعالى:"
فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" قريش/ 3-4، وقال
رسول الله (ص): "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.. والمهاجر من هجر ما
نهى الله عنه" متفق عليه. ولاشك أن للعلماء وجمعيات المجتمع المدني والإعلام
دور رائد في هذا الصدد لابد أن يقوموا به بكل تحرر وتجرد ومهنية وتكامل وعلمية.
الحبيب عكي