ويبقى
التحدي المطروح في أية مقاربة مناسبة، ناجحة وناجعة لمواجهة هذه الزوابع الرملية
قبل أن تصبح عواصف، بين المقاربة العسكرية والتي لم تعد مقبولة بين الإخوة، وبين
الترافع السياسي والقانوني في المحافل الدولية ومع من يهمهم الأمر في الداخل وفي
الخارج، إلى المقاربة التنموية بعائد تنموي واضح يبني الإنسان ويشيد العمران، إلى
الدبلوماسية المدنية الناعمة، وجل هذه المقاربات الأخيرة بمثابة الأنوار التي طردت ولا زالت تطرد الظلام
الانفصالي، خاصة كلما توفقنا في جعلها – أي هذه المقاربات – تشاركية من طرف
الجميع، وخاصة أبناء الصحراء أنفسهم، وقادها رجال محنكون ومسؤولون ثقاة على قيمنا
الحضارية التوحيدية المشتركة وأعمدتها الراسخة ومن ذلك:
1- قيمة الشيخ المسؤول: شيخ القبيلة وهو بمثابة المرجع التاريخي، الديني والعلمي، توحيدي العقيدة
موحد الشريعة، والقائد السياسي والاجتماعي، رجل الموازنات والتحالفات، مبايع
السلطان وحامي الديار والأوطان، عينه على جميع أبناء القبيلة، مشير لهم عند المشورة،
مسعفهم عند الحاجة، والقاضي بينهم عند الخلاف...، وإن تطور الزمان غير الزمان،
فالشيخ لا زال موجودا، لكن يطرح على بعضهم سؤال ما تبقى لديهم من أدوارهم الحقيقية
في زمن الحرص على مجرد بعض الوجاهة الاجتماعية، وربما تمثيلية الاسترزاق،
والمباهاة بالتواجد في الهيئات مجرد التواجد لا يصنع صلحا ولا ولاء؟؟. كما أن
بجانب هذا الشيخ التاريخي اليوم، شخص آخر يدعى المسؤول في مختلف المؤسسات وعلى
مختلف المراتب، فأية أدوار يقوم بها اتجاه المواطن، فيما يسعفه وأية حقوق ومطالب يضمنها
له، حتى لا يظل الكفر والجحود بينهما سيد العلاقة؟؟.
2- قيمة السلطان المواطن: الذي يرعى شعبه حق الرعاية سيرا على سيرة أجداده الميامين، بمقتضى ما في
عنقهم من بيعة شرعية وما يجمع بيضة شعوبهم من قوانين دستورية متجددة، فيحرص على
استمرار الدولة، و وحدة الأمة وأمنها واستقرارها، وتنميتها عبر برامج ومخططات وهياكل
ومؤسسات، تحرص كل الحرص على الحرية والكرامة والتنمية المستدامة وحسن الارتفاق في
مختلف المرافق والعدالة المجالية والمصالحة والإنصاف، بهؤلاء السلاطين نبض وينبض
قلب الصحراء، بما قاموا ويقومن به من زيارات ميمونة مباركة لأهلها، وبما أرسل
إليهم هؤلاء الأهالي ويرسلون من مراسيل تجديد البيعة والولاء، وبما انشغلوا بملاحم
المقاومة في الشمال كما انشغل إخوانهم بأطوارها في الجنوب، في ملحمة وطنية تحررية
وتنموية جامعة وموحدة؟؟.
3- قيمة الخيمة الكبيرة: الثابتة الأوتاد في الفيافي والمدن والواحات، فيها يرتاح كل راحل أعيته معافسة
الرعي وتعاطي التجارة، ملتقى الأحبة من أهل القبيلة وضيوفها من القرية والمدينة،
فيها تقام الأفراح وصلة الأرحام والأعراس البهيجة، دار الحكمة للنقاش الديني
والتحليل السياسي والتحالف القبلي والتضامن الاجتماعي، في أجواء من الكرم وحسن
الضيافة على كؤوس من الشاي المعتق، وتقاسم روائع المديح النبوي وعيون الشعر
الحساني، وسط الأهازيج والرقصات المفعومة بالحب و الزينة وروائح البخور الطيبة والعطور
الفواحة، هذا الوطن الخيمة على كل بساطته لا ولن يعدله أي وطن بديل سيكون فيه
المواطن مطحونا بمجرد صخب الواصلات وعنتها، وأزمة السكن وتفاقمها، ومشقة البحث عن
العمل وتسديد ديون الاستهلاك وغير ذلك من مظاهر شظف العيش التي عجزت كل جهود
المسؤولين عن الاستجابة لمطالبها، فما بالك وفيهم بعض من لا يهتم إلا بما يحققه لنفسه
من مكانة وجيهة أو ترقية مرموقة؟؟.
4- قيمة القرآن الكريم: وقد كانت له الصحراء طوال التاريخ مشاتل مزهرة، وكان أول ما تتفتح عليه
ألباب النشء وأهم ما تترعرع عليه، وأغلى ما يحكم حياتها الدينية والاجتماعية عن
رضا وقناعة، به ينطق شيخ القبيلة، ويلهج إمام المسجد، منه يستمد الأستاذ ويستوحي
الشاعر، ويحكم القاضي و يتاجر التاجر، ويتزوج المتزوج ويطلق المطلق..؟؟، ولهذا لا
نستغرب كل هذا الضنك الذي أصبح يعيش فيه أهل الفكر الشيوعي الانفصالي الدخيل في
الداخل وفي المخيمات، وإن أغرتهم بعض الثورية والنضال المزعوم، فإن انفصاليتهم غريبة
عن ثقافتنا الدينية التوحيدية الموحدة ولم توردهم غير مهالك الفرقة الغريبة الحنظلة
عن الصحراء و الصحراويين؟؟.
ورغم ذلك، يبقى جوهر
الجميع هو الجوهر الإسلامي الخالص، وهو الذي قاوم به الصحراويون المستعمر بالأمس
ويقاومون به اليوم كل مخططات الانفصال، جاء في رواية "عشاق الصحراء" لمبدعتها
الكاتبة والأديبة المغربية "زبيدة هرماس" على لسان الخائن "سالم
النخلة" بيدق المستعمر في الرواية ودليله في الصحراء ومترجمه بين القبائل،
لما رأى الكولونيل الإسباني "إيمانويل" قد أقدم على حرق وريقات من
القرآن الكريم حنقا، كان قد وجدها في جيب أحد المقاومين الصحراويين المستشهدين،
فاهتزت مشاعر "سالم النخلة" وهو يصرخ في وجه سيده المستعمر و ولي نعمته
وسبب نقمته، صرخ في وجهه بالرفض على فعلته الشنعاء وهو يقول: "..لا..لا..إنه
القرآن الكريم..وليس مجرد وريقات مزقتها..القرآن الذي كنت من أجله في
"المسيد" لسنوات..وفي المسجد كل يوم لخمس صلوات..وفي الأفراح
والأحزان..هو لنا روح الدين..الذي علمني العيش في الصحراء..بأمان..علمني حب الوطن
وحب الآخرين..وأن الناس كلهم سواسية ولا فرق بينهم إلا بالتقوى"؟؟.
القرآن علمنا الصدق
والمصداقية، المحبة والكرم..علمنا عقيدة التوحيد وشريعة الوحدة وسلوك التعاون بدل
ثقافة الفرقة والعداء والتطاحن؟؟. فأي جناية نرتكبها حين نحاول استبدالها بثقافة
شيوعية انفصالية من كوبا والشيلي وجنوب إفريقيا، المستعمر نفسه قد حاول تمزيق
القرآن و نفي السلطان وتمزيق الأوصال وتفريق الأوطان، وحاول ..وحاول..،لكن مصيره في
النهاية أن رحل؟؟. صحيح قد يكون هناك ما يدعو للعتب أو حتى الغضب، لكن في إطار
وطني موحد، كلنا في خيمته الكبرى وداخل مؤسساته الفضلى، نتحاور من أجل الوطن
والمواطن، ما غير ذلك لا يعدو أن يكون غير تجربة انفصالية استعمارية تحلم
بالانتصار وهي كل يوم لا تجني غير الوهم والاندحار، لأن الوحدة نور والفرقة ظلام،
ولا يثبت الظلام في وجه النور، فما بالك بالأنوار تلو الأنوار،الأنوار التنموية
والاجتماعية والترفيهية..التي تغمر الصحراء،والتي ما فتىء يعيش وسيعيش فيها الوطن كل
الوطن حرا مستقلا..مُوَحِدا مُوَحَدا"؟؟.
الحبيب عكي