ولاشك أنني قد كنت محظوظا هذا الأسبوع، حيث قرأت رواية "عشاق
الصحراء" للكاتبة والأديبة المغربية "زبيدة هرماس"، استزادة لبعض
الوعي الوحدوي والثقافة الوطنية خاصة في زمن هذه المناوشات الانفصالية في مدينة
"العيون" ومعبر "الكركرات" والتي حتما ستبوء بالفشل، كانت في
الحقيقة رواية شيقة مليئة بالأحداث وبكثير من الحبكة والسلاسة وعبق السرد التاريخي
والسياسي والاجتماعي حول القضية، لا أراه إلا خيرا من ألف مؤتمر ومؤتمر، وتستحق ترجمتها
إلى تحفة فنية مسرحية وسينمائية، ومن أجل توعية الأجيال وتحميلها مشعل الأمانة، وجب
توفير الرواية في كل المكتبات المدرسية والخزانات الجماعية، واستثمارها كمرجع غني
ومفيد للأنشطة الجمعوية الترفيهية والترافعية؟؟.
الرواية من الحجم المتوسط، عدد صفحاتها 285، من مطبعة طوب بريس 2011، لمبدعتها الكاتبة والأديبة المغربية "زبيدة هرماس"، عضو المجلس العلمي بالبيضاء وعضو رابطة كاتبات المغرب، لها سبع روايات وهي تصور في هذه الرواية الصراع المحتدم والمفتعل في الصحراء المغربية ومختلف أطرافه، الصحراء ببيئتها الخلابة، المستعمر الإسباني الغاشم (الكولونيل إيمانويل)، المقاومون (الشيوخ أحمد ومحمد)، الخائن(سالم النخلة)، أبناء سالم من بعده(محمد ومصطفى ومولود)، الجنود الإسبان ومغامراتهم (خوسي و ريكاردو وخوليو..)، انفصاليي المخيمات في الداخل والخارج بوهمهم والجحيم الذي جعلوا البلاد والعباد يعيشون فيه، كل هذا في ثمانية فصول ممتعة وهي "عشاق الصحراء".."العاصفة".."المغامرة".."اللقاء".."المسيرة".."المصير".."السفر".."العودة"؟؟.
ولأني لست أديبا روائيا ولا ناقدا سينمائيا، فلن أدخل إلا في ما قد يحفز على قراءة الرواية التي تبقى ضرورة وممتعة ولا تغني عنها وعن تفاصيلها وخيالها الفياض كل الشهادات والحكايات، ومن ذلك بعض ما ورد في أهم ذخائرها:
1- الخيمة الثابتة في الصحراء: بكل حمولاتها و طقوسها الإيجابية، فهي ملتقى أهل القبيلة في الأفراح
والأعراس، وهي مأوى لصلة الرحم بينهم، والسمر على تقاسم روائع الأشعار الحسانية
والمعلومة الدينية والحكمة الأدبية والطرفة الترفيهية واللعبة التقليدية..، إلى
جانب الحوارات السياسية والاجتماعية وقيادة المقاومة بالتخفي، وعقد الصفقات
التجارية والتحالفات بين القبائل..، وكل ذلك على كؤوس الشاي المعتق، في أجواء من الكرم
والأهازيج الصحراوية والزينة والبخور الطيبة الفواحة وغير ذلك مما تفتقده المدنية
الحديثة؟؟.
2- علامات وآليات الحياة في الصحراء: وهي التي تحافظ على عذرية ونقاء تعامل الإنسان مع الطبيعة وتمثله السلم
للبيئة، وهي علامات مرشدة أحيانا، معينة أحيانا، ونبع الحياة في كل الأحوال، كل من
حاد عنها أو أراد تجاهلها إلا ضل وخاب وربما تاه وهلك، ومن ذلك علامات: الناقة
سفينة الصحراء..اللثام بوصلة اتجاه الرياح وضدها.."الملحفة" و"الدراعية"اللباس
متعددة الاستعمالات..القبيلة حضن الجميع..شيخ القبيلة المرجع الديني والسياسي
والاجتماعي..النجم والقمر..الماء والتمر
واللبن..النملة..الطيور علامات الحياة والقرب السكني..العاصفة و"الطيوطا"والهاتف
والبوصلة والزاوية..؟؟.
3- جبروت المستعمر الإسباني الغاشم: يحل ويقيم عنوة في الصحراء، يشك في كل شيء ويعمل على تدميره أو استغلاله،
يعمل على استقطاب متعاونين إغراء لهم أو بالرغم منهم ، يزرع الفتنة والفرقة بين
القبائل ويحملها على التناوش، همه التوسع والمصالح التجارية والاستعباد، سلوكه
العربدة والسكر والليالي الماجنة، سياسته إهانة شيوخ القبائل والتعامل معهم
بالتعالي وقطع أواصر ارتباطهم بالوطن وبالسلطان؟؟.
4- والاستعمار ديني حقيقي وموازي: ويتجلى في مجموعة من السلوكات الاستفزازية لبيادق المستعمر، لا ينفكون عن
التصرف بها إمعانا في معاداة عقيدة الساكنة المسلمة في الصحراء، ومن ذلك حمل
الصليب والعذراء والإنجيل، تمزيق وريقات القرآن الكريم مما يجدونه في جيوب
المقاومين الشهداء والأحياء، إحراق مكتبة "السمارة" للشيخ ماء العينين، أسر
الأسر المسلمة وإرسال أبنائها إلى القداس المسيحي وطقوسه، تعليمهم اللغة الإسبانية
للمستعمر على حساب لغتهم العربية، منعهم من زيارة ذويهم لصلة الرحم، توزيع بعض
أراضي الرعي على القبائل بقانون الغاب..؟؟.
5- سلوك الانفصالي بعد غسل الدماغ: الانفصالي(مولود ولد سالم) رغم أنه ترعرع في الثكنة العسكرية للمستعمر مع
إخوته (محمد) الذي أصبح عالم القبيلة وإمامها، و(مصطفى) تاجر المدينة، فقد ذهب
ضحية هجرته من الوطن وإقامته بين (لاس بالماس) وإسبانيا والمخيمات، مما جعله يتعرض
لكثير من غسيل الدماغ و الوهم الإعلامي والتأثر بالفكر الشيوعي الثوري الانفصالي
وجحيم الحياة في المخيمات، فلم يعد يصوب فوهة مدفعه إلا نحو إخوته و قبيلته ووطنه
بكل أنواع الشر والأذى، ولم يفق من هذا الانحراف الفكري والسلوكي إلا بعد الزيارة
التي قام بها لأرض الوطن والتي وقف فيها على عشق الدفىء الاجتماعي وبحبوحة البناء والتنمية
التي تنعم بها أقاليم الصحراء على عكس ما كان يروج له إعلامه الانفصالي المغرض؟؟،
6- سمات الخائن وصراعه النفسي: وأما الخائن (سالم النخلة) فبعد أسره وأسرته من طرف المستعمر وضغطه عليه
بوضعيته الصعبة، أصبح دليله في الصحراء ومترجمه بين القبائل التي تحتقره رغم أنه
يحاول التورية عنها أحيانا، يحتقره القائد العسكري (إيمانويل) كذلك ويتعامل معه
بمصلحة، عذبه مدلى على ظهر الجمل حتى كاد يقضي، ورغم ذلك فقد ظل يعيش بين المطرقة
والسندان، بين الخيانة و الواجب الوطني و وضعه الأسري الممزق، ولم ينقده إلا توبته
بعد العاصفة وهجرته إلى قبائل "أيت باعمران" بعدما لفظته قبيلته، ليبدأ
هناك حياة جديدة، ويشارك في المسيرة الخضراء التي حررت الصحراء؟؟. وهو القائل في
أعمق لحظات مراجعته: "أيها الوطن العزيز،إلى متى سأشرب مائك وأتنفس هوائك،
وأنا الذي يغمس في سرادب الخيانة والعمالة، أعز ما لدي هو أنت، صدقني فأنت لحد
الآن تقبلني وأنا الذي لم أقبلك بعد، العتب علي..العتب علي.. "ص 21؟؟.
7-
بين الجنود الإسبان والمقاومون الصحراويون: جنود الاستعمار لا يعرفون غير تنفيذ الأوامر، غير الإيقاع بأكثر الضحايا،
غير الحرص على الترقية والترفيه، غير ادعاء حب الجمهورية والاستجابة لندائها ولو
بأبشع الجرائم البشرية، مقابل ولو وجبة سمك طري شهي، أو قارورة خمر وعلبة سجائر أو
ليلة مع مومس عاهر؟؟، بينما المقاومون يجاهدون بدافع الدين، ويفدون الوطن بدمائهم،
ولا ينتظرون شيئا غير الأجر والثواب وشرف الشهادة والحرص على الوحدة الوطنية
والسلطان الشرعي اللذان يحفظان لهم دينهم واستقرارهم، هم يأخذون عن الشيخ العالم
بينما غيرهم عن الجينرال الظالم؟؟.
ويبقى الصراع محتدما، وروعة الرواية لم يمنعها من وجود بعض الجوانب التي تحتاج – في نظري – كقارىء إلى إيضاح وسبر غور ومن ذلك:
1- إبراز اللحظات الأخيرة من حياة "إيمانويل"
مع العاصفة.
2- عدم إبراز دور شيخ القبيلة بالدور الكبير الذي
هو عليه.
3- لا زال مصير زوجة "سالم" الأولى
والثانية غير معروف.
4- مسألة إدماج التطرف الديني في حياة الصحراويين
وهي مسألة غير واقعية.
5- أولاد "سالم"، كيف لم يجمعهم الدين(محمد)
والإعلام(مولود) والتجارة(مصطفى).
6- بعض الأحداث في الرواية أكبر من حياة الصحراويين
وما تتميز به من الدعة و الهدوء والسكينة.
7- أسباب الفكر الانفصالي وما يتسبب فيه من
اضطرابات متتالية في الداخل وجرائم شنيعة في المخيمات.
8- مستجدات القضية و جهود المجالس التشريعية و
الاستشارية والمدنية و"المينورسو" والهيئات الدولية.
وتبقى كل هذه الملاحظات لا تنقص من القيمة الفنية والجمالية للرواية قي شيء، وكل هذه الشذرات لا تغني عن قراءة الرواية التي أجزم أن قدرا كبيرا من المتعة والوعي والترافع في قراءتها مضمونة و زيادة، فشكرا لروايتنا الفاضلة وقراءة ممتعة.