لا شك أن بلادنا في هذه الأيام العصيبة،تخوض حربا ضروسا ضد وباء
"كورونا"،وككل بلدان العالم سخرت بلادنا من أجل ذلك كل الطاقات واتخذت
كل القرارات التي ستؤتي ولاشك أكلها قريبا غير بعيد بإذن الله. ولكن الحرب كما يقال
- خدعة وخطة والنصر والهزيمة سنة وليس أمنية،وسنة الله لا تحابي أحدا ممن أخذ
بأسبابها أو فرط فيها وتمنى على الله الأماني،ترى ما هي عوامل النصر في هذه
المعركة(المنجيات)وما هي مداخل الهزيمة(المهلكات)؟؟.
1- المنجيات الخمسة:
1-
الوعي الصحيح بهذه الظرفية الوبائية و خطرها على الأمة:
وعي يخرس من ينفي بجهله
وجود "كورونا"،ويطمئن من يهول بفزعه من وجودها،ويجعل كل أمر الكون بيدها
بدل يد خالق الكون.و وعي يحرك من يضيع الأوقات الثمينة في القيل والقال وفوبيا
أخبار الإحباط والانتظار والتهور المهلك،أو
مجابهة الأزمة من غير مداخلها العلمية والصحية والتدبيرية والقانونية الصحيحة؟؟.
2-
المجابهة الجماعية والشاملة والمتكاملة:
مجابهة جماعية يكون الجميع
فيها مسؤولا، كل من موقعه وحسب مسؤوليته وإمكانه،مجابهة صحية علمية وإعلامية وطنية
واجتماعية ونفسية وأمنية، لهذا ينبغي الإسراع في تركيب بعض الحلقات المفقودة
وتمتين كل الحلقات الضعيفة في بداية مجابهتنا اليوم لهذه الجائحة المعضلة،وخاصة
الحلقات الاجتماعية والنفسية والنجاعة؟؟.
3-
المسؤولية والإيجابية والسلوك المواطن:
فالمعركة معركة وجود وطن
وأمة،والمعارك لا تكتسب بالسفسطة والحسابات الضيقة والعدمية،المعركة لابد لها من
قيادة موحدة ذات قدرات وخبرات وصلاحيات وهي المؤسسات،ولابد لها من جنود منفذين
مخلصين وخلايا تدبير وشركاء في التدبير وهم المواطنون الأوفياء،ومقتضى السلوك المواطن
أن يحرص الجميع على ألا تؤتى سفينة الوطن من جهته ومن ثغره،بل ألا يترك أحدا يفعل
ذلك كما تقتضي قيادة السفينة وحمايتها من الغرق،"..فإن يتركوهم هلكوا وهلكوا
جميعا،وإن يمنعوهم نجوا ونجوا جميعا"،أو على حكمة الصينيين اليوم:"تعامل
مع الجميع على أنك مصاب،واحذر من الجميع على أنه مصاب" exécution؟؟.
4- المقاربة التشاركية والحزم في
القرارات والاستفادة من كل الموارد لتحصين كل الجبهات:
فليس استثنائية اللحظة
مبررا مقبولا لتجاوز المقاربة التشاركية بين كل السلط المعنية وهي المقاربة الأصل وهي الفصل،لأنه ما
دام المقرر يقرر لغيره فينبغي أن يشركه،أن يقنعه،أن يسمعه،أن يراعي ظرفه وحاجته
ومستطاعه،بل حتى ما يمكن أن يقدمه وليس ما ينبغي أن يأخذه،ولنأخذ العبرة من
"ماكرون" وهو في عز الأزمة يتفقد المستشفى ليتلقى الأوامر من الأطباء
بشأن ما يلزم لحسن تدبيرها؟؟.
5-
استلهام الخصوصية الوطنية للمجتمع المغربي وملاحمه التاريخية:
والتي كلما كان فيها
التلاحم بين العرش والشعب ،كان النصر وتجاوز الأزمات حليفهما،وكلما قاد لحظاته
الحرجة العلماء والمسؤولون الأكفاء كان النصر حليفهما،وكلما كان البعد الوطني
حاضرا والحس الاجتماعي التضامني قويا كان النصر حليفهما،وكلما كان الدعاء واستدرار
اللطف والنصر من الله كان النصر المؤزر حليفهما،وذاكرتنا لا يزال يتعالى فيها صوت
قراءة الأجداد للطيف في المساجد،فكيف بنا اليوم نحن الأحفاد ألا نأخذ ما شئنا من
التدابير الميدانية والمقترحات العملية،و نطرق فوق ذلك ومعه وقبله وبعده باب الله
وهو القائل سبحانه وتعالى:"أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم
خلفاء الأرض"النمل / 62.
2- المهلكات الخمسة:
1-
عدم أخذ العبرة من الآخرين سلبا وإيجابا:
ففيروس "كورونا"
رغم حقارته قد دب وباؤه اللعين في كل العالم،وشره أنه يبحث عن جسد بشري يهلكه
ليحيا هو،ولا يميز في ذلك بين دين ولا لون ولا جنس ولا موطن ولا فقير أو غني ولا
حاكم أو محكوم؟؟،وقد تتلخص كل التجارب العالمية للعبرة بين تجربة الصين الناجحة
(الحجر الصحي والالتزام المواطن)،وتجربة إيطاليا الحرجة (التهور والبطء في اتخاذ
القرار المناسب في الوقت المناسب)،والحكمة ضالة المؤمن،والحكمة أن نراهن بفضل الله
على أقل الخسائر والضحايا وهذا ممكن؟؟.
2-
التجزيء والتضارب في التدخلات:
فعلى العكس مما يلاحظ من
انهيار الوحدة القومية والديبلوماسية العالمية في أيام،وأصبح كل منهمك في تدبير
جائحته بمفرده متروكا لقدره،ينبغي أن تواجه الجائحة العالمية بجهود وخطط عالمية،ما
دام عدو الجميع ومصيره أمامها واحد، وقديما قيل:"من لم يطفىء النار في بيت
جاره،أحرقت داره"؟؟،ثم و هذه البلدان اليوم في زوارقها المنفردة وسط البحر
الهائج تسعى للنجاة الفردية بعدما تصدعت باخرتها الجامعة المانعة،ينبغي أن تهتم
بالقائد،بالركاب،بالجدافين،وكيف يقوم كل واحد بدوره ومن موقعه،بالوجهة بالبوصلة بالشمس،بالتموين
بالطمأنة..،وغير ذلك من الأعراض الجانبية الاجتماعية والنفسية التي قد يكون فتكها
أكثر ضراوة؟؟.
3-
عدم التعبئة والاستثمار في الوعي الوطني:
فكل هذه الفلتات المعزولة
على قلتها،من كسر الحجر الصحي،وهلع "اللهطة" والاستهلاكية،وعدم تفعيل
الخدمة عن بعد لمن يملك وسائلها،والاستثمار في الأزمة من قلة الوعي أحيانا..،الشيء
الذي - لا قدر الله - قد يفشل كل هذه الجهود الجبارة التي تبذل على قدم وساق وبكل
حزم و يقظة، على حد قولهم:"سيظل الناس يبحثون عن لقاح ضد فيروس
"كورونا"،ونحن سنظل نبحث عن لقاح ضد فيروس التخلف وضحالة الوعي"،عند
البعض طبعا؟؟.
4-
ضعف التواصل و التراحم وشرود الإعلام:
تواصل بين الأب وأبنائه في
حجرهم الصحي في البيت،بين أستاذ وتلاميذه في بيوتهم عن بعد،بين المسؤول من رجال
السلطة والمواطن..،وقد تكون ظروف الحياة قد قست علينا وأخذتنا بعيدا عن بعضنا
البعض،بل زجت بنا في متاهات الصراع وأتون المغالبة،ولكن في هذه اللحظات العصيبة
تحية عالية للأطباء ورجال السلطة والأساتذة ورجال الأمن وكل المتدخلين في تدبير
هذه المعضلة،لما أبانوا عنه من يقظة وجدية ومسؤولية ومواطنة وتأطير وإيجابية
واستمرارية دون كلل ولا ملل،ومن الواجب احترام أوامرهم والانصياع لقراراتهم وهي
شروط أساسية للتصدي للوباء وربح معركتنا ضده،وهكذا ستكون فرصة لنعيد قاطرة الحياة إلى
سكتها و الأخوة إلى دفئها و المواطنة إلى ثقتها وتضحيتها وتعاونها،وها هم الناس في
الحجر الصحي مثلا،فأي مواكبة روحية واجتماعية ونفسية يحظون بها، فعسى أن نعيد الإعلام
أيضا إلى أدواره الحقيقية والرائدة في نشر المعلومة وروعة الفكرة وترك التفاهة
وفظاعة الإشاعة؟؟.
5-
عدم أخذ العبرة الحقيقية والمناسبة من الحدث:
العبرة في اتجاه التعايش
السلمي بين البشر واحترام البيئة،بما فيها البيئة الطبيعية،والبيئة
البشرية،والبيئة الكونية،فطغيان الإنسان وإصراره على شر تدمير غيره وهدم التوازنات
التي خلق الله تعالى عليها الكون،لن يأتي العالم إلا بمزيد من الكوارث:خرق طبقة
الأوزون،الاحتباس الحراري،الأمطار الحمضية،الإشعاعات النووية للحروب،تلوث البيئة
عموما، فيروسات "سارس" و "إيبولا" و "زيكي" و H1N1 و Cov 19 ..،و أنفلونزا الخنازير، والدجاج، والبقر المجنون ...،ألم يكفينا ما مر
بالإنسانية من الأوبئة الفتاكة للجدري،والزهري، والكوليرا،والتيفويد،والسل،والسيدا...؟؟،فمتى
نعي أننا لسنا وحدنا في هذا الكون،وأنه يسع غيرنا كما يسعنا،متى نعي أنه ينبغي
علينا احترام الفطرة الإلهية في هذا الكون،أرجو ألا يظل الناس يبحثون عن لقاح ضد
فيروس "كورونا"،ونظل نحن نبحث عن لقاح ضد فيروس التخلف واضمحلال الوعي"
والإصرار على التدمير والظلم والفساد والاستبداد؟؟.
حفظنا الله وإياكم من الوباء،ورفع عنا وعنكم وعن العالمين البلاء...أمين.
الحبيب عكي