أخطاء تربوية جسيمة،هي التي نتج عنها كل هذا الضحل اللغوي والمعرفي
والتعبيري والنفسي والسلوكي الذي تعاني منه اليوم أطياف من أجيالنا الناشئة،ومدارسنا
الابتدائية والإعدادية والثانوية تشكو من ذلك وتصفه بالكارثة دون مبالغة؟؟.أضف إلى
ذلك هذه الفرنسة التي فرضت اليوم من جانب الوزارة الوصية وحدها على المدرسة
المغربية والتي لم يطالب بها أحد لا من التلاميذ ولا من الأساتذة ولا من الإداريين
والتربويين أو السياسيين والاقتصاديين والآباء والخبراء؟؟،مما جعل الأساتذة في
فصولهم اليوم يعانون معاناة شديدة ويبذلون كل جهدهم فقط في اللغة بدل المعرفة
والعلوم،وفي الأخير تكون كل مشاركة التلاميذ أو تكاد هي الجواب على الأسئلة
المطروحة بمجرد Oui أوNon إن لم تكن بالحركات والإيماءات؟؟.
صحيح أن على التلميذ أن
يبذل مجهودا ذاتيا في تعلم اللغة بل اللغات الحية كلها،وأن يهتم بكل المواد التي
تساعده على ذلك،من مواد اللغة العربية واللغة الفرنسية والأنجليزية وغيرها لمن
يدرسها،إلى الاهتمام بقراءة القصص والنصوص القصيرة وكتابة الخواطر والمقالات
المختصرة..إلى استعمال المنجد الورقي والإلكتروني..إلى الاستفادة من آلاف الدروس
اللغوية والشيقة التي يمتلأ بها "اليوتوب"،إلى برمجة كل وسائطه
التكنولوجية باللغة المستهدفة تعلمها..إلى الممارسة العملية لهذه اللغة مع الزملاء
في الأحاديث اليومية والمناقشات البينية والأنشطة الموازية..وهكذا؟؟،لكن أنى لطفل
ناشء بكل هذا الجهد الجهيد المضني والذي يعجز عنه حتى الكبار بل ويفشل معه حتى
المضطرين أيضا؟؟.
يفرح أساتذة المستويات
الابتدائية كثير كلما علموا أن التلاميذ الذين سيدرسونهم إنما قد جاؤوا إلى
مدرستهم من روافد الرياض والجمعيات والكتاتيب القرآنية،ولديهم رصيد معتبر من
المفردات اللغوية ..رصيد مسعف من مهارات القراءة والكتابة والحفظ..رصيد من الأذكار
والأدعية والآداب الاجتماعية للتعامل مع الآخرين..رصيد من الأناشيد التربوية
والألعاب الترفيهية..وغير ذلك مما يسهل اندماجهم والرقي بهم وتنمية معارفهم
وشخصياتهم بما يؤهلهم ويدفعهم لحب الدراسة والمدرسة أولا ثم لتسلق المستويات فيها
عن جدارة واستحقاق دون تعثر أو هدر مدرسي أو بالمقابل دفع عبثي ومجاني لتسلق
المستويات دون اكتساب المهارات ولا تحقيق الكفايات؟؟.
ويحكي الدكاترة عن الجرائم
التربوية غير المغتفرة التي يرتكبها الآباء في حق الأبناء حين يسجنونهم ويهجرونهم بمفردهم
في غابات الوسائط الإلكترونية بكل أنواعها..عرضة لكواسرها ومخالبها وأنيابها..من
تلفاز وحاسوب..وهاتف و لوحات..وأنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي..وكلها تزرع
الصمت القاتل والكآبة المدمرة في الصغار،وتحول بينهم وبين القدرة الطبيعية على
تعلم اللغة وكتابتها ومهارة التواصل وجمالية أساليبه،وتحرمهم من حقهم في الدفىء
الإنساني الطبيعي..والتربية الوالدية الإيجابية،وشتان شتان بين قصة يحكيها التلفاز
الجامد البارد العنيف القاصف وبين قصة تحكيها الأمهات الحانيات الحاضنات والجدات
الحنونات الحاميات؟؟.
هذا وقالت الدكتورة "سهير
السكري" بجامعة جورج طاون بنيورك عن هذه الجريمة التربوية أن الطفل الغربي في
عمر 3 سنوات قد يمتلك 16 ألف كلمة،ورغمها يعيش في حدود ضيقة وأفق لغوي مغلق،وأضيق وأغلق
منه الطفل العربي يتحدث اللغة العامية وهي لا تتجاوز 3 ألاف كلمة فقط؟؟،بينما الطفل
العربي المسلم يكون في بحبوحة لغوية لا مثيل لها هي وراء قوته ونضجه وهو أنه لا
يكاد يتجاوز 3 إلى 6 سنوات إلا وقد حفظ القرآن الكريم في المسجد وفيه 50 ألف
كلمة،هذا بالإضافة إلى متن ألفية ابن مالك وفيها 7 ألاف بيت شعري،نعم من واجبنا أن
تترك الأطفال يلعبون ويمرحون ولكن ليس على حساب أزهى فترة لتعلم اللغة وهي السنوات
ما بين 3 و6 إلى 12 سنة؟؟.
فهل نتادرك أمرنا
التربوي،ونعمل فعلا على تشجيع التعليم الأولي برياض الأطفال برياض الجمعيات وخاصة
بالكتاتيب القرآنية وهي واسعة الانتشار في المدن والقرى..سهلة الولوج وبدون تكلفة
مادية تقريبا..مع فرادة عطائها وأصالته..حفظ القرآن الكريم والأذكار
والأدعية..تعلم الوضوء والصلاة والآداب والأخلاق..الاطلاع على السير والمغازي
المتن الفقهية والنحوية والأشعار والحكم
وغير ذلك من أوجه الثقافة التربوية والتنشيطية المعاصرة والثقافة الإسلامية وما
يربط النشء بربه والعبد بخالقه وعلمه بخلقه وعمله،كمنطلق أساسي في الحياة الفردية
والجماعية هو كل شيء وعليه يبنى كل شيء،إلا تفعلوه يكن عليكم ذنب كل من يعاني من
الضحل اللغوي في صباه أو يرافقه بعد صباه،ويكون عليكم ذنب كل من تجاوز الستين
والسبعين ولا زالت في معتقداته خرافات أو لا يعرف كيف يؤدي عباداته على الوجه
الصحيح،فافعلوه فهو منطلق كل شيء وعليه يبنى كل شيء وبه يتحقق كل شيء؟؟.
الحبيب عكي