لطالما بحثت في معنى القيادة و"الجدعنة" وعرضتها على نفسي قبل
غيري من القادة؟،ولطالما حضرت العديد من دوراتها التكوينية والتدريبية وبمؤطرين أكاديميين
مؤهلين وطنيين ودوليين؟،بل كم حاولت كفاعل جمعوي،أن أمارس أوجها من أوجهها لأكتشف
عبر التجربة وبالملموس أنني لم أفهم منها كثير شيء،وأن بين الفهم الصحيح والممارسة
الحقيقية ما بينهما؟،وهكذا..وهكذا،إلى أن قال لي يوما أحد القادة المحنكين:"القائد
يا سيدي هو من ينقذ سفينته يوم العاصفة،ومن يتمكن من نجاتها يوم يداهمها القراصنة،من
يعمل الناس معه ويلهمهم ويبذلون قصارى جهدهم في التوجيه بتوجيهاته حبا ورغبة لا
كرها ورهبة،من يبحر بقومه إلى تحقيق المصالح وآفاق المغانم والرقي والازدهار،ويوصل
رفقة الجميع السفينة عبر الموج الهادر بسلام إلى شط النجاة و مرفىء الأمن بالحدس
قبل البوصلة؟؟.
لا ينبغي أن تختلط علينا
الأمور،فالقائد بهذا المعنى وبهذه المواصفات والقدرات والكفاءات،كيف يصنع؟،من داخل
الأمة ومرجعيتها أم من خارجهما؟،عبر الخبرة والتجربة والحكمة والحنكة أم
دونهما؟،عبر العلم الشرعي والمصداقية والاستقلالية أم عبر الفساد والطغيان والانقلابات
والولاءات وخدمة الأجندات وطلب المساعدات؟،عبر التنافس في القيم والمواقف أم عبر الغرق
في التسلح وامتلاك التقنيات والاتجار في الممنوعات؟؟.كثيرا ما نقول أن محمد (ص) لم
يورث درهما ولا دينار،وأن الصحابة رضوان الله عليهم قد سادوا العالم لأنهم أصحاب
قيم ومواقف وليس لأنهم أصحاب حواسيب وتقنيات ذكية على أهميتها؟،كم نفتخر أن
حضارتنا بنيت على الإنسان وقيم التماسك والتضامن والعدل والإنصاف..أكثر منها على العمران
وقيم الثروة والوفرة والإنتاج والاستهلاك..،ولكن كم نطعن في كل هذا إذا نجحت
السياسات الدولية المغرضة في أن تفرض على الشعوب كل عولمتها المتوحشة بنزقها
القيادي..انقلابي ديكتاتوري هنا..وفاسد مستبد هناك،و رياضي زئبقي أو ممثل مائع هناك
وهناك..أسود على الشعوب وقطط أمام الأعداء؟؟.
مات القائد الضمير "مرسي"
في السجن تحت التعذيب أمام أنظار القاضي وأمام أنظار كل العالم،فمن يا ترى قد قتله
وكيف ولماذا؟،من يا ترى قد قتل فيه الشرعية والشريعة واغتال الديمقراطية والتداول
السلمي على السلطة؟،من صادر إرادة الشعب وسطا على ثورته وانقلب على صناديق
الاقتراع التي طالما ادعى العالم بأنها الحكم الفصل و الحل العدل لتدبير الشأن
الخلافي والتنافس السياسي الذي يسيطر على كل المجتمعات؟؟.وكان ينبغي ترك الصناديق
تفرغ ولايتها بسلام ثم تعود إلى جماهير
الشعب ليقرروا من جديد بشأن ملئها بالقديم أو بالجديد دون سيء الأحدوثة في التاريخ سمحت لحاكم أن تأتي
به الصناديق ولم يذهب بها،بل وحكموا عليه وعذبوه قهرا وقتلوه جورا وهم الذين جاؤوا
به ليحكمهم بالديمقراطية والتنمية والعدل والإنصاف؟؟،على حد قولهم كلهم قتلوه:"لقد
قتله وتحمل بشع قتله جزار "رابعة" والانقلابي الذي رأى في نفسه أن بطون
النساء قد عقمت في أن يلدن مثله حاكما ولا ككل الحكام؟،وقتلته المؤسسات التي يبست
قوانينها وخرست ألسنتها على قول كلمة حق أمام عسكري انقلابي يقبل جبين الصهاينة؟،وقتله
نفاق العلماء الذين سرعان ما طبلوا لسلطة المغتصِب على حساب المغتصَب اتقاء ما
سموه بالفتنة إن لم يكونوا فيها قد سقطوا؟،وقتله الشعب الثائر الذي ابتلع لسانه بين
عشية وضحاها ولزم بيته يبكي على ثورته وهو يراها يختطفونها أمام عينيه بما كان
يتحداه بالأمس في الميدان من قوة السلاح وأنهار الدماء؟،هذا رغم أن الأحوال قد
ساءت مما كانت عليه ولم تتحسن أحواله المعيشية ولا كرامته الإنسانية ولكن وكأن
الأمر الرهيب من سحر البرمجة وتحكم "الرموت كنترول"؟،وقته التواطؤ
القومي الذي سخر كل مخزون أموال النفط ونيران الآبار المتأججة لحرق البلاد والعباد،ولم
يعد الأمر عندها شأن داخلي ينبغي احترامه،لكن يوم تجف الآبار من النفط ستموت القطط
على جدران القحط؟،وقتله الضمير العالمي أيضا وهو الساكت عن الحق كالشيطان الأخرس و
الغارق في سياسة الازدواجية والكيل بمكيالين؟؟.
ماذا فعل هذا المنتظم
الدولي وكيف جيش الأحلاف و هيج عواصف الصحراء وسلخ الذئاب المنفردة حية في سوريا
والعراق،كيف ضحى ب"صدام" يوم عيد النحر تأديبا له على اجتياح الكويت؟،ولماذا
تجتاح السعودية اليوم اليمن التعيس ولم يعد سعيدا؟،ولماذا يدعم القذافي الجديد في
ليبيا وهو يصرخ هبوها لي أو الطوفان؟، ولماذا..ولماذا..ولماذا..غزو
واجتياح الشعوب وفرض العقوبات وتزوير الانتخابات والسطو على الإرادات وعزل
القيادات..،ترى لماذا كل هذا الخرس أمام قضية شعب
حيل بينه وبين شرعيته وشريعته بكل فساد واستبداد و قوة السلاح؟؟.تكررت
بيننا يا قوم حكاية السفينة،وقوم أصابوا أعلاها وقوم آخر أصابوا أسفلها،فأراد من
أسفلها أن يخرقها بحجة..وبحجة..،فإن تركهم القوم أعلاها هلكوا بغرق السفينة وهلكوا
جميعا،وإن هم منعوهم نجوا بنجاة السفينة ونجوا جميعا..ولا تزال الدنيا بخير ما
بقيت للمفاهيم والسياسة معنى و لممارستها على أرض الواقع بحكمة مبنى،فيا حماة
الضمير العالمي شيء من الحكمة في الرأي والانسجام في القرار والمساواة في
التواصي..،فالنجاة النجاة وقد سقطت اليوم بموت "مرسي" رحمة الله عليه وملهاته
المفجعة أحدى حلقات طوقها وعسى أن تكون أيقظت في العالم بين التناصر والتخاذل ما
أيقظت،وألا تكون مجرد حلقة عابرة جاء دورها وكما مر ما قبلها سيأتي ما بعدها..لعله
..لعل؟؟.
الحبيب عكي