الرشيدية،هل تدشن التدبير الثقافي للفضاءات الترفيه؟؟
في الحقيقة،تشهد مدينة الرشيدية بعض المبادرات المدنية النوعية على
قلتها،"حملة جيب كتابك وأجي نقروا"في المنتزه،"الأسبوع الثقافي الرمضاني
في ملتقى الطرقات"،"خيمات تحسيسية ومعارض ثقافية وفنية في مختلف
الشوارع العامة والساحات"،"تشجيع التفوق الدراسي من واحة الرياضات
الجميلة،و بعض الأمسيات الفنية في الساحة الكبرى للعمالة"،"أمسيات
رياضية في قاعة الرياضات و مخيمات حضرية ودورات تكوينية في دار
الشباب"،"أنشطة مسترسلة على مدار السنة في قاعة فلسطين وغرفة التجارة
والصناعة والخدمات والآن في دار المواطن والمركب الثقافي القطري والفضاءات
الجمعوية التي أنشأها المجلس الجماعي في الأحياء،ناهيك عن جمعيات و وداديات
الأحياء التي تدلي بدلوها في هذا المجال"؟؟.
غير أن كل
هذه الحيوية والنشاط قد لا يلبي حاجة أبناء المدينة و زوارها في حاجتهم الثقافية
والترفيهية والسياحية،ولا يجعلها دائمة غير موسمية ولا في المناسبات فحسب،ولا يجعلها
مشاعة عامة غير مركزة في بعض الفضاءات والأحياء دون غيرها،ناهيك عن أن تشمل مختلف
الشرائح الاجتماعية من الأطفال والشباب والنساء والنخب وغيرها أو أن يكون لها من
البنيات التحتية و الممارسات الإدارية ما يدعمها ويشجعها،خاصة للوافدين على
المدينة،ناهيك عن أن يخلق كل ذلك عائدا تربويا وثقافيا واضحا على المستهلكين من
أبناء المدينة والوافدين عليها،فيخلقوا لهم ولمدينتهم سمعة و نموذجا تنمويا مستداما
تضاهي به غيرها من المدن،ينخرط فيه الجميع وتعود فوائده على الجميع؟؟.
أتذكر،مرة
في تظاهرة اقتصادية سياحية إقليمية،التقيت مع فريق من الشباب وفد على المدينة في
رحلة استكشافية سياحية ترفيهية جماعية،و كان أول ما سألوا عنه أين يوجد
متحف"البقيع" وعين"مسكي"و"الجامعة"..،لكونهم قد تعرفوا
عليها قبل المجيء عبر مواقعها الإلكترونية؟؟.كما أتذكر مرة أخرى،كنت قد رافقت فيها
ضيوفا لنا إلى منتزه المدينة،فأعجبوا به كتحفة سياحية ترفيهية وسط هذا الخلاء
الصحراوي للمنطقة،وقد أثنوا على المبادرة ومجهودات التطوير والعناية، لكنهم لاحظوا
أن البعد الثقافي يكاد يغيب فيه بشكل واضح،فالمسرح الروماني الذي تربع في إحدى
زواياه،لازال فارغ المدرجات على الدوام،ومغارة المناجم لا دليل يرشدك فيها على
خريطة المعادن في المنطقة ولا يعطيك أي فكرة عن معضلتها،والبرج الشاهق لا ندري كم وماذا
يلزمه من أن يصبح محطة فلكية مثلا؟؟،ناهيك عن غياب المكتبة و قاعة المعارض والعروض
والندوات؟؟،
وأتذكر أخيرا،وأنا أتحدث
مع أحد التشكيليين الكبار في المدينة حول معضلة النقط السوداء فيها،وكيف يمكن للفن
التشكيلي أن يساهم في معالجتها،فقال متسخطا:"لا أدري جل المدن فيها تيمات ثقافية
في مداخلها ومراكزها تعرف بها..تفاحة..ليمونة..شريط سينمائي..الخيل والتبويضة..،إلا
هذه المدينة فلا تيمة ولا جداريات في شوارعها ومدارسها ولا متاحف ولا معارض ولا..ولا..،بل
إن ما كان موجودا من كل هذا لا يستطيعون الحفاظ عليه كمكتسبات ولا تجديده كالخزانة
والمكتبات،فبالأحرى أن نتحدث عن معالجة النقط السوداء،وهي ولا شك مهمة تشكيلية
بجداريات جميلة لافتة يستحيل على المواطن أن يهتك نضارتها نظافتها وجماليتها أو
يجعل منها مطارح عشوائية"؟؟.
والآن وكالعديد من المدن المغربية،حظيت مدينة الرشيدية بمجلس جماعي يبذل
جهودا جبارة في إطار تصحيح المسار التنموي للمدينة ونقله من مسار طالما اهتم بالصراع
السياسيوي على حساب الإنجاز وفي أحسن الأحوال يهتم بالعمران على حساب الإنسان،إلى
مسار يزاوج بين السياسي والإنجازي وبين العمراني والثقافي دون استلحاق أو ركوب ولا
استئثار أو استغلال،ونحن إذ نعتبر هذا المسار صحيحا و نثمن مراميه وننخرط في
مساعيه،إلا أن نجاحه ولاشك يستلزم العديد من الشروط نذكر بها ونذكر منها:
1- الحاجة إلى تثمين الموجود من الفضاءات الترفيهية
والسياحية الطبيعية في المدينة،وتأهيل الممكن العذراء منهـــــا؟؟.
2- الحاجة إلى إنشاء فضاءات أخرى في مختلف الأحياء،إضافة
إلى ما نحتته فيها يد المبدع الخلاق والتراث الإنساني التليد؟؟.
3- تدبير جماعي لهذه الفضاءات
برؤية تجمع بين الترفيه والسياحة وبين التربية والثقافة،مع ما يلزم ذلك من ضرورة
توفير المعدات اللوجستيكية كحافلات النقل و رمزية واجب الاستفادة و اللازم من المرونة
الإدارية وتسهيل التراخيص و الحكامة في التربية على الصيانة والحفاظ على الملك
العمومي؟؟.
4- الانفتاح على كافة الفاعلين المجتمعيين والشركاء
الجمعويين والمستثمرين والمثقفين والجامعيين والباحثين..كما ينص على ذلك الدستور،في
وضع مخطط تنموي تشاركي للمدينة،ويجمع بين تنمية فضاءات الترفيه والسياحة والأبعاد
التربوية والثقافية فيها؟؟.
5- دعم التظاهرات الثقافية والفنية والرياضية والبيئية
في المدينة وفق برامج تنشيطية تشاركية مع ضرورة الاجتهاد كما قلنا في توفير دور
الإقامة و وسائل النقل ورمزية الاستفادة وعدم التعقيد والتماطل في الترخيصات و
التأمينات..؟؟.
6- الحاجة إلى جيل جديد ومواكب للعصر من الفضاءات
الثقافية والخدمات العلمية والتريهية،الفردية والجماعية،وربما من حسن حظ المدينة
أن رئيس مجلها الجماعي يتوفر على رؤية متقدمة وغير مسبوقة في هذا الاتجاه فيتحدث
عن رهانات حديقة لكل حي..ملاعب القرب..فضاءات جمعوية..حدائق بألعاب إبداعية وأسرية..معارض
تراثية..أكشاك فنية..مقاهي أدبية وأندية سينمائية..قاعات متعددة التخصصات..مسابيح
لكل الفئات..نافورات موسيقية..مهرجانات..وغير ذلك من الأفكار الرائدة بدأ بعضها
يتحقق على أرض الواقع مثل الحدائق العمومية..والنافورات الموسيقية..و ملاعب
القرب..وتطوير الخزانة المكتبية..؟؟.
فعلا،لا زالت مدينة الرشيدية ككل المدن المغربية تعاني من العديد من الآفات
وعلى رأسها احتلال الملك العمومي..التملص الضريبي..بطالة الشباب..عشوائية الباعة
المتجولين..غياب المرافق الصحية في الشارع العمومي..إتلاف بعض الإنارة والنقل العمومي..،وكلها
آفات لابد أن علاجها يكمن في حكامة التدبير والمقاربة التشاركية ووربط المسؤولية بالمحاسبة
و..و..،وأيضا بإعمال مداخل وحوامل التربية والثقافة،وربما التربية والثقافة قبل
وبعد كل شيء؟؟.فهل يمكن أن نعتبر مدينتنا قد دشنت هذا المسار،خاصة إذا علمنا أن رئيس
مجلسها الجماعي قد نزل مؤخرا إلى الهضبة الخضراء الجميلة بحي أولاد الحاج،و من
منظور ربط الفضاءات الترفيهية بالتربية والثقافة،ساهم بشخصه فوق هذه الهضبة الخضراء
الجميلة،كمثقف وهاوي متخصص في علم الفلك،لم تلهيه السياسة وضغطها والتزاماتها،ساهم
مشكورا في تأطير خرجة فلكية كانت الجماعة من منظميها حول خسوف القمر ليومه الجمعة
27 يوليوز 2018؟؟،معرض تراثي على هامش افتتاح المسبح البلدي،وتشجيع التفوق الدراسي
من واحة الرياضات،وخرجة فلكية على الهضبة الخضراء..،فهل يمكن أن نعتبر مدينتنا بمثل
هذه المناسبات والمبادرات ومثل هذه الالتفاتات والسياسات،قد دشنت عهد حدائق
المعرفة الغناء وعهد الملاعب الفيحاء،عهد التدبير الثقافي للفضاءات الترفيهية
والسياحية بالمدينة؟؟،نرجو ذلك..نرجو ذلك؟؟.
الحبيب عكي