الرغيف الاجتماعي الأسود في الزمن السياسي الأبيض؟؟
فعلا،يمكننا اليوم أن نعتز بكوننا نقوم بتنزيل "الخبزية"
الموسعة،وإن شاء الله بموجبها سيجد كل منا خبزته المرصعة،ولو أن كل خبزة وطنية
حضرية أو قروية قد اجتهدت بفضل خبازيها وطباخيها أن يكون لها ذوقا خاصا وإن فضل
معظمها الذوق الحار القاطع،والذي يمكن الجزم أن كل حلاوة الشاي الأخضر المفتول
أصبحت معه أمر من المرارة،ولكل خبزة شكلها الخاص وإن فضل جلها الشكل الدائري"الصفري"والعمودي"القوالبي"،وثمنا
صاروخيا موحدا لم يعد في متناول حتى ذوي الدخل،أما لون خبزنا الوطني اليوم،فبصراحة
قد أصبح بكل ألوان الطيف حسب المناطق،الخبز الأزرق في الجوهرة
الزرقاء،و"البطبوط" الأحمر القاني أصبح يدور في
"موكادور"،والكسرة الرمادية القرمزية الحافية في "زاكورة"والجنوب
الشرقي،والرغيف الأسود الهالك المهلك في "جرادة" مالحة وقد ملأت به جنان
الصالحة؟؟.
في هذه الظروف الخبزية الحافية والقاسية،وبعدما أغلقت في وجهه
وركبه و رهطه كل الوقفات الشعبية واللجن الشبابية وطردته شر طردة كل التمثيليات
والتنسيقيات الحراكية والجمعيات المدنية،كان من الطبيعي أن يطل على
المواطنين عبر وسائل الإعلام السيد الوزير"الحنجوري"سلام العلام،يعلن
إضرابه عن الطعام تضامنا مع ضحايا "الكوميرة"و"التشوميرة"في
كل الوطن،وقد سيطر في ذلك على السمعي البصري بكل اللغات واللهجات وفي كل النشرات
والندوات،حتى صح في حقه قولهم:"الحاضرون الصائمون في الإعلام ..الغائبون المفطرون
في الميدان"؟؟،هذا وقد ذكرني السيد"الحنجوري" بالعديد ممن سبقه من"الحناجرة"على
كثرتهم،وأذكر من ذلك السيد"السعيد"الصنديد،رئيس مجلس النواب السابق الذي
ما ترك "سعادة"إلا وفرقها فيه على المجلس الموقر وأشغاله وأبطاله..،حتى
ما كان منها مكاء وتصدية ولعبا وسخرية،ليسجل التاريخ بعد ذلك أن المجلس في حقيقته
إنما قد كان طوال حياته على رأس مؤسسات الإصلاح المميعة،لا تشريعا تنمويا حقيقيا أنتج
ولا ميزانيات وتعويضات وتقاعدات ضخمة أبقى؟؟.
وأذكر قبله كذلك السيد نجم النجوم في أم الوزارات الداخلية والخارجية
والثقافية والرياضية..،لاعب "الكولف" المتطفل المحترف ومن الطراز الوطني
والدولي العالي،والذي ما ترك واحة صحراء إلا وأعادها منتجعا سياحيا أخضر،وما ترك
بركة ماء عذب إلا وصوب صنبورها وساقيتها وعينها وشلالها نحو ملاعب"الكولف"
بدل العطشى من الأحياء في الضواحي؟؟،حتى سارت ببطولاته وإنجازاته كل مشاهدات ونشرات
التلفاز وأصبح الخوض في غيرها من النشاز المستحيل،ليسجل التاريخ بعد ذلك قدرة
الدولة على إنجاح أي مشروع أرادت حتى لو كان معركة عصي قمعي ورياضي و"كولفات"ومنتجعات؟؟،ويسجل
التاريخ مع ذلك أن السيد الوزير ونجم النجوم إنما كان الأول والكل في الكل في
حكومات "الرصاص"؟؟.وقبله رؤساء دول صديقة ومجاورة،ما أخرس خرف أحدهم غير
الكساح والكرسي المقعد،و ما فضح عته الآخر غير جردانيته خلف في
جحور"العزيزية"وخلف أسوارها،وما أفتك بزعامة وقومجية كبير الفراعنة
قبلهم غير "فوبيا" الكلام والكلام الذي ما ترجم يوما إلى غير نضال
الضباط في سهراتهم مع الممثلات ونكبتهم الميدانية حتى قبل انطلاق معركة المعارك مع
العدو؟؟.
لا أدري،هل بعد كل هذا لازال الناس يحتفون بالكلام ويعتقدون في ملاحمه
البطولية وعنترياته الدونكيشوطية،ويصونون حرمته بالعديد من الأوهام الخطيرة من
مثل:"في البدىء كانت الكلمة"،و"الكلمة هي الكلمة"يعني
الفعل،و"الكلمة سلطان"،و"لا تزال الأقوال هي المؤسسة
للأفعال"؟؟،مسؤولون يتكلمون ويتكلمون في ملاحم خشبية،و مواطنون ما عادوا لا
يتكلمون ولا يسمعون ولا حتى يتظاهرون ويحتجون،بل أقصى ما يقدمون عليه أنهم ينتحرون
في صمت او في طقوس خاصة أمام الملإ؟؟.فهؤلاء يشعلون النار في ذواتهم أمام البرلمان
وفي الأسواق،وهؤلاء يمتطون الأعمدة الكهربائية ويحتمون بها لعلها تضيء فيهم مصابيحهم
المنطفئة فتجلو عن الآخرين بعض الظلام؟؟
وُجِدُ الناس قد تجاوز كل الكتمان والإفصاح،و ضيقهم قد أفحم كل السياسات
والمؤسسات،فضاقوا بها ضيقها بهم حتى ما عاد يستوعبهم غير الشارع البهيم رغم المنع
والهراوات والاعتقالات والمحاكمات؟؟.لم يعودوا يثقون في أية حكومة ولا برلمان ولا
مجالس عليا وكم تتكسر كل برامجها و وعودها على شعارهم الخالد:"عليك أمان عليك
أمان..لا حكومة لا برلمان"؟؟،وفي هذه الأوضاع أضحت الهجرة القسرية هي الملاذ
رغم مآسي الأعالي،ومتاهات السجون في دول المهجر وما أحياه سماسرتها من العبودية
والاتجار المأساوي في البشر ضدا على كل الشرائع السماوية والقوانين الدولية؟؟،وحتى
ما كان يستوعب الناس من فضاءات افتراضية مشرعة،ها أنتم بسياستكم الكلامية الجوفاء تحاولون
اقتحامها و التضييق عليها،وما كنتم لها يوما بمالكين ولا كانت لآبائكم عليها براءة
اختراع:"ما ترحموا ما تخليوا رحمة الله تنزل"؟؟.
لقد طالت شعارات السياسة هي ما ينفع الناس وإن لم ينزل به وحي ولا قال به
رسول،وطالت شعارات الديمقراطية أولا وهي إرادة الشعب مبرر كل شيء وحاجياته فوق كل
شيء،وطالت شعارات ضرورة العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة والإنصاف في جبر الضرر
الجماعي،وشعارات وجوب تحقيق التنمية المجالية المستدامة وضمان الحد الأدنى من
الحقوق الدستورية للجميع وعلى رأسها كرامة التشغيل وجودة الخدمات الإدارية والصحية
والتعليمية...؟؟،ولكن مرور الأيام ورغم ضجيج الأرقام وحناجر"الحنجوريين"
لا يزيد العجز والريع والفساد والاستبداد والتخلف إلا استفحالا وتحكما أخرج ويخرج
الناس على اختلاف فئاتهم و وضعياتهم إلى الشارع في معظم المدن والقرى،وكأن الأمور
على حقيقتها في تخلف دائم ولم يفلح مسؤولوها"الحنجوريين"إلا في تفاقمها
و في دمقرطة الفقر والتهميش والقمع والاستبداد؟؟،
قال المواطن في الشمال مطالبي يا سيدي اجتماعية واضحة لا غبار عليها،وقال السيد
"الحنجوري" بل انت انفصالي وكم عليك من ملفات وملفات سترى تفاصيلها في الأقبية
والمحاكم؟؟،وقال المواطن في "تزاكورة" نحن يا سيدي عطشى جفت عيوننا
ومآقينا،وقال السيد "الحنجوري" بكل صراحة،نحن لا نملك أبواب السماء ولكن
نخطط لجر البحر على ثلاث ورباع حتى يغرق كل الجنوب الشرقي،ولكنكم قوم تستعجلون وفي
الشوارع تصيحون وتركضون؟؟،وقالت المواطنة في الساحل الغربي لماذا كل هذا العقوق وإلى
متى سيظل ازدحام الإحسان العمومي يقتل الأمهات والزوجات،قال السيد "الحنجوري"
أليس الازدحام على الإحسان أفضل من منع الإحسان وطالما استعبد الناس في الانتخابات
الإحسان؟؟،وقالت المواطنة في "جرادة"الشمال الشرقي إلى متى سيظل أبناؤنا
يقضون في هذه الأرض السوداء،أكل بديلكم الاقتصادي أن تظل لهم آبارها قبورا ومحارق وأضرحة،قال
السيد "الحنجوري" ليست لدينا حلولا سحرية ولكن سننظر في الأمر على المدى
المتوسط والبعيد على الأقل حتى يخرج الشباب من الشوارع؟؟،أليست هذه سياسة خارج
القضايا والملفات،خارج العدالة والإنصاف والنجاعة والشجاعة،خارج و خارج و خارج الزمن،لكن
ذركم تتكلمون وتتكلمون في زمنكم السياسي الأبيض وغيركم يتألمون ويتألمون في رغيفهم
الاجتماعي الأسود،ومن يدري لعل كلامكم السياسي الأبيض قد ينضج قدر الأحجار الصماء
على موقدها،ولكن كونوا على يقين أن الأقوال في غياب الأفعال،أبدا لن تغير من سحنة
رغيفنا الاجتماعي الأسود؟؟.
الحبيب عكي