اليوم يخلف الإعفاء المفاجىء لوزير التربية الوطنية "حصاد"زلزالا
من ردود الأفعال القوية معظمها قد ذهب إلى الترحيب بالقرار والتهكم والسخرية من
الوزير المعفى بلغ حد التشفي،نظرا للحجم الكبير من فقاعات الرجل في ما يسميه
بالإصلاح وهي في الحقيقة لا تمس جوهر الإشكال التعليمي ومعضلاته التي طالما انتظر
الشعب حلها،بالإضافة إلى أسلوب الرجل في التدبير والذي طغى عليه الهاجس والأسلوب
"الأمني الداخلي"وما اتسم به من الاستقواء والاستفراد
و"الصنطيحة"أو العنترية والمخزنية الفارغة التي غيبت المقاربة التشاركية
والحوار الاجتماعي مع مختلف الفاعلين وكأن كل الناس والهيئات عنده مجرد أدوات
التنفيذ،ولا يدرون من تخت التعليم شيئا ولا لهم تراكم أو مطالب هم أدرى بها وأحوج
إليها من غيرهم؟؟.لقد ووجه الرجل بالرفض الواضح وبالوقفات والاحتجاجات والمسيرات
والشعارات والمرافعات عبر كل أيامه القصيرة،في كل مبادراته من
"الوزرة" و"الصباغة" والحركة الانتقالية والتشهير بالمتغيبين
والالتفاف على اللغة العربية والتراجع عن تدريس المواد العلمية بها ولي أعناق النصوص والأطارات المرجعية في
ذلك،وهذه وحدها كانت كافية بأن يرحل غير مأسوف عليه؟؟.
ولكن رغم ذهاب"حصاد"وغياب
صفائح أقدامه من القطاع،وبأسلوب الإعفاء الذي كان يمارسه على غيره من المستضعفين
والمخالفين والأبرياء أحيانا(باش تقتل باش تموت يا ملك الموت)،فقد خلف الرجل في
الساحة التعليمية وفي رمشة عين وبقدرة قادر جيشا من "الحصاديين" ذوو
الميولات التسلطية البغيضة والأساليب الزجرية الانتقامية والنزعات الاستكبارية
المريضة،وكأنه استنبت في تعليمنا نقابة فعلية من "الحصاديين" قصد الدعم
والموالاة وما كانت تنتظر كما يقال غير الإعلان عن التأسيس والتمثيل والتمويه في
كل شيء خاصة ما قد يكون مرفوضا لدى الشغيلة التعليمية وجل "الحصاديات"
كما رأينا عندها مرفوضة؟؟،كل هذا جعل من الرجل أسلوبا انتهازيا ترهيبيا لا مجرد
شخص وبطل مزيف؟؟.ولكن رغم اغتيال "القائد" سياسيا والإسقاط في يد
"الجنود" اليتامى المساكين ميدانيا،فتبقى المعضلة التعليمية قائمة وبحدة
ما كان "حصاد"ورجاله يحاربونه وما لم يكونوا يحاربونه ولم يكونوا يجرؤون
حتى من إثارته وتحريك ميتنقعاته،ولا أدري كم يلزمنا من الصدق والإخلاص ومن الضمير
المهني والانتماء الوطني للمساهمة في إنقاذ ما يمكن أنقاذه كل حسب الكفاءات
والمواقع والمسؤوليات والمشكلات والتراكمات؟؟.
إن أهم ما يفسد المؤسسة التعليمية ويجعل كل الجهود المبذولة فيها مجرد
تدبير الأزمة في أزمة التدبير لا تربية تعطي ولا تنمية تنتج ما لم تواجه هذه
الإشكالات بصدق وعمق،ومن هذه الإشكالات يكفي أن نذكر خمسة أساسية كانت مع الأسف
ومنذ كم وكم وهي تلف وتخنق المدرسة ولا زالت وهي كالتالي:
1- مؤسسة العلاقات بدل
الكفـــــاءات:
العلاقات المبنية على الولاءات والانتماءات لا على المساواة والأهلية
والكفاءات،ما يخلق في كل مؤسسة خندقين أحدهما بقيادة المدير ومن معه،ولا هم لهم
إلا فرض إرادتهم وتسلطهم وتعسفهم وتمييعهم وخضوعهم واستسلامهم على الخندق الآخر
الذي يرى نفسه مجرد تابع مقصي و مقاوم مهمش وكأن لا ناقة له في الأمر ولا جمل وهو
محروم من كل "وزيعة" توزع بين
الأنصار ومحاسب خلافهم وهو العامل في الحقيقة أكثر منهم ومن غيرهم؟؟.
2- مؤسسة المذكرات بدل المشاورات:
والمذكرات المعمرة غير الواقعية والمتجاوزة بسلطويتها و مركزيتها التي لا
تبقي للعاملين والشركاء أي باب من أبواب الاجتهاد الميداني وهم أدرى بواقعهم وأقدر
على معالجته وتطويره في إطار المصلحة العامة للجميع،لا في اتجاه ما يحرص عليه
الآخرون من الهاجس الاقتصادي والأمني الضيق الممزوجين بالجبر والتأويل وسوء
التنزيل؟؟،والأدهى والأمر أن يكون ذلك أيضا ممزوجا بالتدخل السافر في الشؤون
الشخصية للموظفين والموظفات واستكثار حقوقهم عليهم كذلك
المدير"الحصادي"الذي قال لموظف يخبره بغياب ضروري لغرض أو مرض أو
عمرة:"ألم تجد وقتا لذلك إلا الآن"؟؟،أو الذي أضاف لموظفة جاءته في عطلة
طلقها:"ألم تجدي وقتا للولادة إلا الآن"؟؟.ناهيك عن الأقوال الاستفزازية
والأفعال الانتقامية و الهدامة التي تصدر من البعض كقولهم:"الأستاذ موظف عند
الوزارة ورغما عنه ينبغي أن ينفذ خطتها وسياستنا"؟؟،و"سيروا للمؤسسات
ديالكم..النيابة ماشي ديالكم..وما خاصكم تجيوها إلا بطلب
وترخيص..ومنا"؟؟،المذكرة الوزارية كاتقول:الصباغة والطابلية والحصة الكاملة 24
ساعة واشهار الغياب على القنوات الفضائية وفي النشرات الإخبارية..يجب
يجب..وممنوع..ممنوع...يبجب..يجب وممنوع..ممنوع"؟؟.
3- مؤسسة التوترات والتعنيفات:
التوتر والصراع والعنف المتبادل بين الجميع التلاميذ والأساتذة بآلاف
الحالات وبين الإدارة والآباء والشركاء،فالكل يشتكي من الكل ومن الإطار العام
والقانوني المنظم لممارسة العمل،عنف نفسي ولفظي وجسدي تجاوز المذكرات التنظيمية بل
كثيرا ما تخلقه بعض هذه المذكرات أو يمارس باسمها وضرورة تطبيقها الحرفي ولا حق
لأحد في الاجتهاد وتجاوز المظاهر إلى المقاصد،والضحية الأولى والأخيرة هو نظامنا
التربوي وما يستفحل فيه من تدني المستوى والقيم،وما ينتجه كل موسم من ظواهر الهذر
المدرسي في صفوف المتعلمين بالآلاف وتزايد طلبات التقاعد النسبي للمعلمين أيضا و
بالآلاف؟؟.
4- غياب الحوارات والتكوينات:
غياب الحوار التربوي والمهني والتدبيري وغيره،وغياب العديد من الأشكال
المؤطرة له والفضاءات الموازية لهذا الغرض،ليفتح المجال على مصراعيه أكثر وأكثر
لما يمكن تسميته بالصلاحيات والأوامر أوالتجاوزات وتحميل المسولية للآخر كما
يتصورها المسؤول الأعلى؟؟،غياب أي تواصل فعال بين المؤسسة والأسرة،وبين الموظفين
والنقابات التي أصبحت اليوم تكتفي على سبوراتها ببعض الملصقات التي لا يقرؤها
أحد؟؟،وأخطر من ذلك غياب التكوين المستمر والتكوين في مجالات التنمية الذاتية
والتواصل بين جميع الفئات،وفوق ذلك غياب المكونين الأكفاء والمحاورين والمدربين
المقنعين،مما يجعل العديدين يكتفون بمجرد إنجاز مهامهم التربوية والإدارية في أدنى
حدودها ولا ندري متى سيربطهم بالمؤسسة مشروع أي مشروع؟؟.
5- مؤسسة "D" Système:
"D" Système أو النظام
"د"،"دبر راسك"،"ديها في راسك"،"ديباني ودبر
على راسك"،"دير ما قالك راسك وحتى حد ما يقولك"،"اللي قالك
دير يجي هو يدير"،"ومالي أنا حمار الطاحونة ولا بغل
الدوار"،"راكم اسمعتوا وكلها يتحمل مسؤوليتو"،"راكم ربًّاعة
عند الوزارة"،"أنا غير تفوتني وتجي في من بغات"،"أش
غادير..بحالك بحال الناس..وغير سلك احسن لك"،و"الله يدوز ما تبقى على
خير"،إلى غير ذلك مما جلب وسيجلب إلى القطاع "حصاد" وأمثاله،ومما
جعل وسيجعل المؤسسة رغم كل المظاهر مرتبطة بشرنقة الأنانية والفردانية إلى أبعد
حدود،وبعيدة كل البعد عن أي شكل من أشكال الانسجام والتوافق أو العمل الجماعي
للفريق رغم أنف العديد من المجالس التي لا يقرها التردي التربوي و التدبيري على
عكس ما تدعيه من الانجازات،وكل هذا مما يجعل بعض حلقات هذا النظام معطلة أو تدور
بجعجعة ولا طحين تربوي ولا تنموي إلا ما قل؟؟.
وستبقى الأوضاع كما هي وفي تراجع مستمر ما لم يعترف الجميع بهذا الواقع
الصعب ونعمل جميعا على إصلاحه وتجاوزه كل من موقعه،وخاصة ما يتعلق بالمعايير
الحقيقية للمؤسسة التربوية،والأهداف التربوية الواضحة والمؤشرات المضبوطة،والحق أو
واجب الانفتاح والتواصل مع الأسرة،والجدية في التشارك مع الفاعلين،والعدل في توزيع
المسؤوليات والشفافية في المحاسبة عليها،فهل يستطيع "الحصاديين" الجدد الذين
مع الأسف ينبتون اليوم بقدرة قادر وبسرعة مهولة في ساحاتنا التعليمية كالفطر
الخبيث،هل يستطيعون أن ينجزوا شيئا من هذا الإصلاح الحقيقي في منظومتنا التعليمية
وهم إلى الأمس القريب قد كانوا ولا يزالون اليوم من نوابه ومديريه ورؤساء أقسامه
ومصالحه؟؟،نعم للحكامة الجيدة والانضباط ولكن بعيدا عن المجاني من الهواجس الأمنية
الضيقة والهواجس الاقتصادية المزعومة،وبعيدا بالأخص عن الاستفراد والتحكم والفساد
و الاستبداد؟؟.
الحبيب عكي