لا أدري،ونحن في غمرة الاحتفالات العارمة بالعودة الميمونة للمملكة السعيدة
إلى بيتها في الاتحاد الإفريقي،راودني شعور قوي بأن أسمع يوما بمن يبشر الأطفال
الأفارقة والمغاربة بإجازات صيفية متبادلة على طول وعرض القارة السمراء العذراء،قارة
الأمل الفيحاء التي لم نكتشف منها بعد شيئا على أرض الواقع،فيصبح الأطفال والشباب
الأفارقة باستطاعتهم التلاقي والتعارف والتآلف والتعايش والنقاش والتسامح والتعاضد
والتضامن،يتعرف بعضهم على بعض من حيث المعتقدات والمعاملات والعادات والعبادات،ومن
حيث الموارد الطبيعة والعمران الهموم والسياسات..المخططات والبرامج والإنجازات
والرهانات والتحديات،وكل ذلك عبر أنشطة مرحة وجذابة..تكوينية ورياضية..فنية
وسياحية..تدريبية وتأهيلية..،يستفيد منها في فضاءات غير محدودة العدد والعدة أطفال
وشباب القارة المسجونون بلا قيود في حدود أقفاص وأكواخ بلدانهم،وسيكون ذلك ولاشك
دعما قويا لحاضر ومستقبل ما عرفته هذه العودة الميمونة من جهود وأنشطة اقتصادية
وسياسية ودبلوماسية مباركة بين المغرب ومختلف دول القارة؟؟.
لا أدري،هل ليس هناك من أحوال الطفل الإفريقي ما يدعو إلى ذلك؟؟،أم أن
الأطفال الأفارقة وآبائهم قد هجموا على المغرب ولجؤوا إليه فرحب بهم رغبة وحظوة ولو
نظمت لهم المخيمات والجولات وحدهم لكفى؟؟،أليس لنا في ما فتحناه للشباب الإفريقي
من فرص وحظوة الدراسة في الجامعات المغربية معالم ومنارات ومكتسبات في مصلحة
الجميع؟؟،أليس من حق أطفالنا وشبابنا أن نطور مخيماتهم بما يجعلهم ينفتحون على
العالم ويعطي لاتحادات بلادهم معنى يجعلهم يستفيدون حقا من الدبلوماسية العربية
والإفريقية وغيرها؟؟،أم أن الوزارة الوصية على القطاع لديها من هموم الشباب
والرياضة والمخيمات المحلية وإكراهاتها ما يكفي خاصة في غياب التضامن الحكومي
الواضح في الموضوع؟؟،ولكن يبقى السؤال ملحا إذا ما تأكدنا من العائد التربوي
والاجتماعي والسياسي على هذا الطفل الأفريقي الذي بلغ الأمر بالعديدين من كثرة
غبنه حد التشكيك حتى في وجوده الأصلي،فيقولون هل هناك طفل أفريقي أم مجرد كائن
أفريقي ذكرا كان أو أنثى طفلا كان أو كهلا،فحياة جميع الأفارقة واحدة وما يجري
عليهم واحد في المأكل والمشرب والملبس وحتى في الأعمال والواجبات والمسؤوليات،وصدق
من سمى هؤلاء الأطفال المهمومون ب"الآباء الصغار"وهو في ذلك محق؟؟.
لقد تبنت الأمم المتحدة
يوما عالميا من أجل الطفل الأفريقي و رفاهيته في 16 يونيو من كل سنة ومنذ 1991،ولكن
لا أدري هل لدينا نحن الأفارقة ثقافة الأيام العالمية وناقوس خطرها وصوابية
تنبيهها وتوجيهها أم كما يقول أحدهم:"مجرد أسواق كلام وندوات وزيارات
ومسرحيات تدوم يوما أو يومين أو أسبوعا أو حتى شهرا يربت فيها الجميع على أكتاف
الأطفال الأبرياء ويطالبهم بالصبر والنوم في أحضان الشقاء على الأرصفة وفي المقابر
والغابات إلى أن يأتي اليوم الأممي الآخر فلا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى"؟؟.ولا
ندري متى سينقذ هذا الطفل والشاب الإفريقي من الشارع والفقر والمرض،والجهل
والتجهيل والتجاهل،والبطالة والعنف والاستغلال الاقتصادي والجنسي والتهجير والتجييش
والاسترزاق..؟؟.وعليه فأن الحاجة الملحة والعاجلة للطفل الإفريقي وكل طفل عربي تبقى
في الحقيقة كما يقول المهتمون هي أن يتمتع هذا الطفل وكل الأطفال وقبل كل شيء بحق
الوجود والتواجد في أسرة طبيعية بأبوين شرعيين معلومين غير مجهولين،همهم الأكيد هو
حماية أبنائهم و رعايتهم وتربيتهم أحسن وأنسب تربية،فتلك الأسرة هي نصف الحل إن لم
تكن هي الحل والحل الأجدى كله،فهي التي ستحمي الطفل ضد عدم التوثيق والاسم
والهوية،وضد التواجد الرهيب في الشارع وما قد يتعلمه فيه أو يفرض عليه من انحراف،وضد
عدم ولوج المدرسة أوالمستشفى عند الحاجة...و...و...،وتلك أكبر المعضلات المعاصرة
للطفولة قرصها الشافي الأسرة والأسرة قبل كل شيء؟؟.
ثاني الحاجيات الملحة
والمستعجلة للطفل والشاب الأفريقي وهي لقمة العيش والتي على الدولة ضمانها بأي وجه
من الأوجه وبكرامة،وينبغي أن يحميها القانون خاصة في الدول الفقيرة،فتردي لقمة
العيش يسبب العلل الصحية والنفسية للأطفال،واستحالتها يعرض الشباب ويجرهم إلى العمل
المبكر والتسول والاستعباد وكل الانحرافات الأخلاقية من مخدرات ودعارة وعصابات..؟؟.وأخيرا،لابد
أن يتحمل المجتمع المدني مسؤوليته اتجاه أطفال أفريقيا بما يتملك من إمكانيات وشبكات
هائلة وفرص فريدة في التأطير والتربية على القيم والديمقراطية والسلوك المدني والوعي
الصحي والإنجاب السليم والممارسة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المواطنة..،فما
يعاب على الجمعيات والمخيمات والبرلمانات..والشباب الأفريقي أنه ليست له إطارات مدنية
للتلاقي والتلاقح والتناظر والتقاسم والتحسيس والتعبئة وتبادل التجارب وإنضاج
البدائل و"أفرقنة"الحلول وربطها بأرضها وأهلها وأفكار وسواعد أبنائها..،وبالتالي
ليست له قضايا وطنية ولا دولية جامعة،حتى ما يعانيه من الفقر والجوع والتصحر والعنف
الاجتماعي والتشتت السياسي والتخلف التنموي...،ليس له فيها رأي وترافع أو على
الأقل مشاريع في كذا اتجاه؟؟.
آن الأوان أن يتعبأ الجميع
كل من موقعه وبإمكانياته لتحقيق هذا المشروع التخييمي وعائده التربوي والاجتماعي
والسياسي على كل القارة مؤكد،ثم هل كثير على أطفالنا الأعزاء أن يروا عبر المخيمات
في عين المكان ثقافات ولغات وإثنيات وأنماط حياة أخرى؟؟،هل كثير عليهم أن يروا
جهود الغرب الإسلامي في نشر الدين الوسطي جنوب الصحراء في "مالي
تامبكتو"و"السينغال"و"النيجر"،بل كيف وصل الإسلام
إلى"نيجيريا"وكيف يصارع اليوم في "جنوب أفريقيا"؟؟،هل كثير
عليهم أن يرتعوا ويمرحوا في أغنى دول أفريقيا وتدرك عقولهم الفتية الذكية كيف حقق
أبطالها وزعماؤها الوطنيين نهضتهم تلك في
"سيشل"و"غينيا"،و"غابون"،و"بوستوانا"،و"ناميبيا"،و"نيجيريا"،و"جنوب
أفريقيا"؟؟،هل كثير عليهم أن يرتشفوا من عبق السحر الكروي الأفريقي
في"كاميرون" و"غينيا"،ة"زامبيا"،ورشاقة ألعاب القوى
في"كينيا"وغيرها من بلدان الألف هضبة ومرتفع والتي لا زالت تتربع على
عرش هذه الألعاب في العالم؟؟،هل كثير عليهم أن يتمتعوا بالأدغال التي طالما
استحلاها الوافدون الغربيون ومكثوا فيها فآسرتهم إلى اليوم من بلدانهم
الأصلية؟؟،هل كثير عليهم أن تطأ قوافل مخيماتهم السياحية والتكوينية شلالات
"فيكتوريا" في"زامبيا"،ومحمية "نكورونكورو"وحديقة
"سيرينجيتي"وجبال
"كاليمناجرو"في"تانزانيا"،ونهر"سمك الوادي" في
"ناميبيا"،وحديقة "كروجر" الوطنية في جنوب أفريقيا...؟؟،
وأخيرا،هذا عمل تشاركي بين الجمعيات والمخيمات والأكاديميات والمقاولات والبرلمانات
والوزارات والحكومات...،عفوا،الوزارات والحكومات لا أعتقد إذا لم تحزم أمرها بما
يلزم من الجد الواضح وتوسع رؤيتها للمخيمات المعاصرة الأنواع والأدوار والفاعلين والبرامج
والفضاءات،ففي الوقت الذي وصلت فيه بعض الجمعيات الوطنية ووكالات الأسفار إلى مستوى
تنظيم المخيمات الموضوعاتية ومخيمات الجالية ومخيمات العمرة والأسفار السياحة إلى
تركيا واليونان وجاكرتا وبرشالونة وكاليفورنيا..،نرى أن مخيمات التبادل الثقافي
والدبلوماسي العربي للوزارة قد تراجعت ذهابا وإيابا،فما عادت فيها مخيمات تونس
والجزائر وسوريا والعراق وفلسطين..؟؟،ويؤسفنا أيضا أنه في عهد الجهوية الموسعة والتواصل
العنكبوتي والبرمجيات المعلوماتية الميسرة للعمل،نرى قد تزايدت في وزارتنا
المحترمة المركزية والبيروقراطية والتماطل وعرقلة مخيمات الجمعيات تداريب وتواريخ
وأعدادا ورخصا وفضاءات..؟؟،ورغم كل الجهود الجبارة التي تبذلها فلا زال العجز كل
يوم يقصم ظهر المسكينة بعدم استقرار وزرائها(3 أو4 في ولاية حكومية واحدة)،وبعدم
تأهيل المزيد من الفضاءات التخييمية،بل غلق القليل الموجود منها أصلا رغما عنها(الهرهورة
والانبعاث..)،مما جعل وضع المخيمات في بلادنا يتردى إلى درجة أن عدد الأطفال في سن
التخييم يبلغ اليوم في المغرب حوالي 6 ملايين في حين لا تقدم الوزارة هذه الخدمة
العمومية حتى لسدس هذا العدد؟؟،وهي التي ما فتئت تتغنى بتكوين الإنسان الكوني الحداثي
المنفتح والذي يمكن أن تساهم في تكوينه بشكل قوي مثل هذه المخيمات الأفريقية الآن والكونية
مستقبلا،فمن يفتح مداخلها وحواملها ومتى..من يفتح مداخلها وحواملها ومتى؟؟.
الحبيب عكي