قالها المحاضر الشاب،والخبير الدولي في علم
الصحة والتغذية،وفي جمع حاشد من الحاضرين وبلا ضغط أو لغط ولا قيد أو
شرط:"أيها الناس،احذروا واحذروا ثم احذروا،فهناك أشياء تأكلونها وهناك أشياء
تأكلكم"؟؟،وهكذا وبكل بساطة،لا زالت كلمته الانذارية من اللحظة ترن في أذني
وتستأثر باهتمامي وتأملي حاضري ومستقبلي،فأخذت أتساءل عن أشياء وأشياء كنت أظنها
إلى حين بديهية،ولكنها اليوم بعدما سمعت من كونها قد تأكلنا لم تعد كذلك،بل حق لكل
واحد منا ينشد حقه من الصحة وحظه من العافية أن يتساءل عنها ويحرر العلم والقول بشأنها
و الموقف والسلوك إزاءها ؟؟.
إن
الأكل والشراب والهواء،مصادر طاقية لا تستمر ولا تستقر حياة الإنسان إلا بها،لذا
فهو يأخذ منها بالضرورة ومن أجودها ما كان ممكنا ولو بمقدار وبأدب وطقس،والطقس
أحيانا أحلى من المأكل والمشرب وأشهى:قال تعالى:"وكلوا واشربوا ولا تسرفوا
إنه لا يحب المسرفين"الأعراف//31.وقال تعالى حكيما ومعللا:"وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا
تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا،إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ
كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا
"الإسراء//26/27 .الأكل ثقافة والشرب ثقافة،واللباس ثقافة،والعمل والإتقان والكلام
والإحسان وكل شيء طارىء عليك بعد الميلاد ثقافة،فبأي ثقافة تأخذه: ثقافة الحلال أم
ثقافة الحرام،الاقتصاد أم الاستهلاك،القناعة أم الإسراف،الإنتاج أم الاستيراد....،على
أي احذر واحذر ثم احذر، فإن من الثقافة كما يقال:"ثقافة ميتة لا تجدي،وثقافة
قاتلة هالكة لصاحبها،وثقافة مسؤولة ناهضة بأصحابها"؟؟.
إن
شريكات الإنتاج والمقاولات والتعاونيات تغرق السوق عادة بشتى أنواع المنتوجات
والبضائع،وفوق الحاجة والعرض والطلب في الغالب،ولا تجد عناء في أن تجد لها جيوشا
ممن يروجون لهذه البضائع بشتى أنواع الإشهار المزيف والإغراء المحتال،فيقع الإنسان
ضحيتها بكل سهولة رغم الحسابات والاستراتيجيات التي يكون التقليد والعادة وربما
الطموح والاعتقاد أقوى منها؟؟، لكن ماذا بعد،عندما يصبح الإنسان عوض أن يقتني هذه
الأشياء ويأكلها ويستهلكها ويستمتع بها تصبح هي التي تقتنيه وتأكله وتهلكه شر هلاك؟؟،بل
تفترسه بكل ضراوة وعلى أكثر من صعيد،في عمله وفي ماله الذي يخسره من أجلها،في صحته
النفسية والجسدية التي يخسرها بسببها،وفي أخلاقه ومعاملاته التي تشوهها وفي...وفي...،فتستعبده
شر استعباد حتى أنه لا يستطيع الخروج من براثينها الآسنة ولا الانفكاك من حبالها
الخانقة وقيودها المحكمة الصفد،بل بالعكس تجده مدمنا يسعى إليها سعي الفراشة
والناموسة العمياء إلى النور وفيه حتفها؟؟.
فإذا
المسكين المسرف في الاستهلاك أسير الكذب والاحتيال،ولو من أجل ربح وهمي هلامي،وإذا
هو زبون دائم للأبناك وقروضها المتوالدة بأقساطها الدائمة وفوائدها المتزايدة،والتي
قد يأتي ردها إلى أبناكها على آخر فلس من أجرته الشهرية بل وأجرة أهله،لتعيش
العائلة بأكملها في ضنك رد الدين بالدين؟؟،وإذا كان هذا الدين من أحد الإخوة
أوالأصدقاء ضاقت عليه السبل المؤدية إلى دكانه أو منزله أو مقهاه أو أي محل له وإن
كانت كما هي في الأصل بعشرات الأمتار؟؟،وإذا المستهلك ضحية الماركات المسجلة وغير
المسجلة،والتي قد يستبدل إحداها بأخرى ولو من أجل المباهاة والخيلاء والاستبدال
ليس إلا،والأخطر من ذلك أنه إذا لم يفعل ذلك دخل بكل جنون مجاني في هلوسة الضغوط
النفسية وما تسببه له من أمراض نفسية خطيرة وأمراض عضوية مزمنة،لا تسلمه دوامتها
وعبثها إلا لدوامة وعبث أخطر؟؟.
ما أريد قوله،ونحن اليوم في
شهر رمضان الطيب المبارك،و ككل رمضان السنوات الماضية وربما السنوات الآتية،حيث
يبلغ المد الاستهلاكي والقصف الإعلامي مداه،ومع الأسف غالب ذلك في غير الاتجاه
الموافق للمقاصد والأهداف الربانية والاجتماعية للصيام،وكأن الله تعالى قد تعبدنا في
هذا الشهر بغير التقوى والتغلب على العادة والأهواء وتعبدنا بما يفسد دين الإنسان
ودنياه؟؟،فأصبحنا في شهر واحد نستهلك بتكلف كبير استهلاك عام كامل و زيادة بل ربما
استهلاك عمر كامل و زيادة،ليس في الأطعمة والأشربة الضرورية وحدها،بل حتى في
الكماليات من الألبسة والأواني و الأدوات والمقتنيات،وفي الفكاهيات والأفلام
والمباريات والمسلسلات وحتى الهواتف
والصباغات والمنازل والسيارات...وغير ذلك من معروضات الإشهار والتخفيضات في
الشاشات،وما هي بتخفيضات إن هي إلا تصورات
وسلوكات خاطئة عن الحياة تورط ضحاياها في استهلاك مجاني هالك ومهلك؟؟.
وأخيرا،لقد اطلعت اليوم
على رسالة قيمة في الموضوع أحببت أن أتقاسمها معك من أجل صحة بدنك وروحك متعنا الله وإياك بهما على
الدوام،الرسالة ببساطة تقول:لا تستهلك إلا ما تحتاج،ولا تستهلك إلا حسب طاقتك،لا
تستهلك بكثير ملح ولا بكثير سكر ولا بكثير دهون وشحوم،تجنب اللحوم الحمراء وأكثر
من الخضر و الفواكه(05) في اليوم إن وجدت،ولا تأكل كثيرا وأكلا ثقيلا في
المساء،تجنب الكحول والسجارة والمشروبات الباردة،تجنب الغضب والقلق والضغط النفسي(stresse) فإنها مدمرة،نم نوما
كافيا(08) كل يوم،اضحك فإن الضحك دواء وعلاج،مارس الرياضة واشرب الشاي فإنهما أيضا
وقاية وعلاج،صل واقرإ القرآن تتمتع بروح معافاة في بدن معافى؟؟.هكذا وهكذا
فقط،يمكنك أن تأكل الأشياء وتستمرءها وإلا فهي التي تأكلك وتستمرؤك وأنت تدري أو
لا تدري؟؟.
الحبيب عكي