ونام عصام وقت الرحيل؟؟
لفت انتباهي خلال حراسة الامتحانات الاشهادية الإعدادية لهذه السنة،وما
رافقها من حراسة وإجراءات مشددة وغير مسبوقة لمحاربة أساليب الغش المتفاقمة والتي
أفقدت المعنى في كل شيء.لفت انتباهي استسلام بعض التلاميذ وخلودهم إلى النوم
والنوم العميق خلال حصة الامتحان في إحدى مواد اللغة،غير عابئين لا بالإجابات المطلوبة
ولا باستباق الدقائق المتتالية الانصرام ولا حتى بقراءة الموضوع أصلا،أكثر من
إلقاء نظرة خاطفة عليه لا تكفي لقراءته المتأنية فبالأحرى فهمه؟؟.والغريب أنهم
فعلوا ذلك في مختلف المواد،ومكثوا حصصهم كاملة كذلك ولم يغادروا في بداية الحصص أو
خلالها،بل لم يعبئوا بتنبيهات الحراسة الفصلية على ضرورة الاشتغال والإجابة عن
المستطاع من الأسئلة بدء بأسئلة الاسترداد من مثل هل صحيح أو خطأ و املآ الفراغ
وصل بخط وهي تستوجب ما يقارب نصف العلامات،لكنهم قد آثروا النوم على كل شيء،وكأن
الامتحان قد كان في مادة واحدة وقد أحسنوا الإجابة فيها ألا وهي مادة النوم؟؟.
طبعا،حاولت مناقشة الظاهرة
مع زميلتي في الحراسة،فأخبرتني حسب رأيها أن هؤلاء التلاميذ يدرسون عندها وهي
تعرفهم عن قرب وتعرف ظروفهم الاجتماعية،أغلبهم من المكررين والمثلثين الصغار والمرجوعين
من المفصولين الكبار وهم من الذين لا يسمعون الكلام ولا يبذلون أي جهد لا في
التحصيل ولا في الحضور أصلا،وإذا ما حضروا إلى الفصل فبلباس"الموضة" غير
المحتشم و"تحليقاتهم"الشبابية"المشرملة"،ومن أجل الشغب وتفجير
الأجواء الدراسية الفصلية وتجريدها من الهدوء التربوي والاحترام المتبادل،وكأن
شعارهم الخالد:"لا ندرس ولا نترك أحدا يدرس"؟؟،ورغم ذلك فهم في نظرنا
ضحايا من أوجه عدة نذكر منها بعض الأوجه التي لا زالت تضع السؤال العريض على
الجميع من أجل الإنقاذ والمواكبة ما أمكن:
1-هم ضحايا لأنهم يعيشون وينشطون في الشلة ولا يعرفون التفكير والاشتغال
إلا في إطار العصابة،واليوم في الامتحان يطلب منهم التفكير والاشتغال فرادى
والاعتماد على أنفسهم،فماذا تنتظر منهم غير الموت والانطفاء؟؟.
2-هم يراجعون ويناقشون كل ما يريدون لا ما يفرض عليهم،لا حدود لمواضيعهم
ولا تصنيف لأرائهم،وسواء كان الموضوع فن ورياضة أو سياسة وإعلام فبصوت مرتفع وفي صخب
لا يزعجهم،واليوم يطلب منهم ما لا يريدون،وأن يشتغلوا فيه بصمت وهدوء؟؟.
3-هم قد يراجعون في مراجع متعددة ويلخصون في جذاذات مختلفة،وقد يرغبون أحد
المجتهدين أو المجتهدات منهم أويبتزونهم لحل كل شيء وهم يكتفون بمجرد الزعامة والفرجة
والنسخ الميكروسكوبي واللصق الحرفي،واليوم تسحب منهم كل تلك التقنيات ويجردون منها
فيتيهون؟؟.
4-هم يراجعون مع الآباء والأمهات و أساتذة الساعات الإضافية والمدارس الخصوصية،بل
منهم من يراجعون لهم ويحلون كل شيء بدلا عنهم،وحتى دون مشاركتهم ولا فهمهم في
الموضوع أي شيء،واليوم يطلب منهم أن يفعلوا هم بذواتهم ذلك،فأنى لهم ومن أين لهم
بمهاراته؟؟.
5-هم يراجعون في مقاهي وملاهي وأقفاص"السامدي سوار"وعلى وصلات
موسيقية صاخبة وحفلات رقص جنوني وأطباق متنوعة من المشروبات والمأكولات وطقوس تبادل
الدخان وتعود الإدمان،واليوم من أين لهم بتلك الروح الملهم "الشيطاني"؟؟.
6-ناهيك عن الاكتظاظ في المراقبة المستمرة الذي يسهل الغش،والمراجعة على
الهواتف الذكية واللوحات الإلكنرونية وشبكة الأنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي
التي لا تمنع عنهم لا سؤالا ولا جوابا،واليوم هم فرادى وكأنهم على الصراط وكراسي
التحقيق،وقد قطع عنهم الربط والتواصل فقطع بذلك حبل أفكارهم،وماذا بعد الربط
والتواصل إلا الخلود إلى النوم والنوم العميق؟؟.
أعاد أحدهم ورقته آخر الحصة
بيضاء كما أخذها،فنبهته على ضرورة ملإ معلوماته الشخصية على الأقل،تفحص تلك المعلومات
أعلى الورقة وهو يسأل عن بعض ما ورد فيها:دورة..دورة ماذا؟؟،مؤسسة..مؤسسة
ماذا؟؟،مادة..مادة ماذا؟؟،أفتيت عليه ذلك،أما عن اسمه ورقمه فقد عاد إلى المقعد
الذي كان يجلس عليه لينقل ذلك على جانبه،لكن مع الأسف نقل رقم امتحان قديم كان ما
يزال على الطاولة من امتحانات البكالوريا السابقة،وكذلك اسم صاحبته xسعيدة وهو المسمى yسعيد؟؟.وهنا برزت فرضية جديدة تنفي كل الفرضيات السابقة والكائنة
والممكنة،وتفيد شيئا واحدا ومؤكدا وهو أن منظومتنا التربوية قد فشلت فشلا ذريعا
حتى في أن تعرف التلميذ حتى عن الزمان والمكان والهوية الذاتية فكيف عن المادة
العلمية والأدبية وعن الأهداف والكفايات والمهارات وكل ذلك الكلام الغليظ عن المخططات
والبرامج والبيداغوجيات مما لا يبقي للتقييمات أي معنى؟؟.سألت صاحبي:"لماذا
لم تكتب شيئا"؟، قال:"الأسئلة صعبة"؟،قلت:"ولماذا لم تنصرف
إلى أغراضك وتعد ورقتك منذ البداية وقد تأكدت من تلك الصعوبة،هل تنتظر أن ينزل
عليك الوحي،أم تنتظر تراخي الحراسة وحدوث بعض الفوضى في الفصل فتنال مرادك
بالغش"؟،قال:"لا،ولكن أتساءل فقط لماذا الامتحان في الأصل،أليس لتحقيق النجاح
وتجنب السقوط؟؟،نحن ساقطون في أعينكم ومخططاتكم،ولكن نحن ناجحون والحمد لله،نحن
طاقات ومواهب،شاب فنان،ورياضي بطل،وممثل ذكي ومبرمج عبقري...نسور الظلام،وكان
عليكم أن تختبرونا في ميدان تخصصنا ونجاحنا:..أجمل نكتة..أكبر ضحكة..أروع تقليد..أحسن
لباس وموضة..أحسن تسريحة..أحسن
porte bonheur..أحسنsata و scouteur..أعذب صوت وأروع rapeur..أحسن party
ambiance،أجمل
بطولة..أقوى هداف..أغلى لاعب دولي..أحسن smart phone..أحسن selfie..أحسن podcast..أذكي مبرمج ..وأخطر
هاركر..،وليس..وليس..وليس في تاريخكم وجغرافيتكم بعصورها الجيوراسيكية المحنطة؟؟.
مسكينة هذه المدرسة المجنونة،إلى متى ستظل تعتقد أننا أبنائها ومن حقها
التحكم في حياتنا بما شاءت وكيف شاءت،نحن لسنا أبناء احد وإن كان لابد فنحن أبناء
أنفسنا وأنفسنا فقط،وإن كان لابد ولابد فنحن أبناء الإعلام والشارع والحياة العامة،الفشل
ليس إلا في قواميس المدرسة وامتحاناتها أما قواميسنا فليس فيها إلا النجاح والنجاح
الدائم مهما كان الثمن..مهما كان الثمن،والحمد لله أن نجاحنا الباهر يكون دائما
بأقل جهد وتكلفة وثمن"؟؟،قلت:"وأنا الذي أردت أقول له معلما متعالما:"نام
عصام وقت الرحيل"،عفوا نام عصام وقت الامتحان؟؟، وكيف نام وسنة كاملة
ونحن نهيئه ليكون يقظا على الدوام وفي كل الأمور أو على الأقل فقط هذه اللحظة لحظة
الامتحان بالذات،وعند الامتحان يستيقظ ويعز المرء ولا ينام أو يهان؟،لكن في
الحقيقة،لا أدري من نام وهان ولا من استيقظ وبان، سعيد أم عصام؟،الأستاذ أم الإدارة؟،أم
مجرد الترسانة الاختبارية والسياسة الوزارية والتي -مع الأسف- جعلت خيار تعليمنا
بين الغش "الفاحش" والعنف "الداعش"،وهما خياران أحلاهما مدمر؟؟،على
أي اسمحوا لي أن أقول اللحظة مع الجميع:"النوم راحة العقول وطاقة الأبدان،والنوم
على يقين خير من الإجابة على شك، فناموا ولا تستيقظوا ** ما فاز إلا النوم"،وتحية
ألف تحية لكل اليقظين المستيقظين الذين يمخرون عباب حياتهم وما يحققون فيه من
النجاح بحسن التوكل والجهد والاجتهاد؟؟.
الحبيب عكي