لا يزال مفهوم الأسرة وأشكالها وتحديات استقرارها وخلق سعادتها والمحافظة
على رقيها وتقدمها وتحقيق أهدافها في المودة والسكينة وتخريج أفراد صالحين ومصلحين
لأنفسهم وللمجتمع،لا يزال كل هذا إشكالا حقيقيا مطروحا على العديد من الزيجات إن لم
يكن على كلها،خاصة تلك التي تكون معرضة للعديد من تهديدات لا تنتبه إليها أو قيم
وأخلاق تتنكر لها وتزهد في فضائلها أو ربما انحرافات تستهين بخطورتها وتنغمس في
نتانتها،وهي على كل حال بمثابة فطريات خبيثة تظهر في البداية تعايشها في وئام مع
الأشجار المثمرة أخذا وعطاء،و لكن سرعان ما تنقلب عليها وتنفث فيها كل سمومها
وفطرياتها الخبيثة فتقوض جذوعها وتيبس أغصانها وفروعها وتفسد ثمارها وظلالها؟؟.
وفي هذا الصدد، تحكي
الأسطورة الأفريقية القديمة المعاصرة كما أوردها "حسن عبد القادر"في
كتابه "الأساطير الأفريقية"،وما أدراك ما الأساطير الإفريقية حيث الواقع
والخيال والسحر والحكمة والصراع الدائم بين الخير والشر والحق والباطل،تحكي
الأسطورة أن الأمير"ساكو"والأميرة"بير"شابان قد تزوجا عن حب
وإعجاب،وعاشا متآلفان سعيدان في أسرتهما المثالية،وما من شيء يعكر صفوهما لا مللا
ولا إهمالا، وقد ظل الوضع بينهما كذلك إلى أن جاءت القرية أسرة غريبة رحب بها أهل
القرية وتضامنوا معها في هجرتها ومحنتها الشاقة،وبسرعة فائقة استقرت واندمجت
الأسرة المهاجرة بين أبناء القرية وتعودت على عاداتها وتعرفت على أهلها وكأنها
منهم منذ زمان،كانت الأسرة المهاجرة تتكون من الزوج والزوجة بالإضافة إلى ابنتهما
اليافعة "تينو"وكانت باهرة الجمال وافرة الخبث والدهاء؟؟.
كانت الشابة
"تينو"كل يوم ترمي شباك سحرها وإغرائها وفتنتها على من يعجبها ممن
تتفرسهم من فتيان القرية الأقوياء،والغريب أنها رغم رعونتها تلك كانت ترفض الزواج
من كل من تاسرهم وتسحرهم ويتقدمون إلى بيتها لخطبتها،كانت الأم قلقة من تصرفات
ابنتها الغريبة وخاصة من أفكارها عن الزواج والذي كانت تحضها عليه طوال
الوقت،طمأنت البنت أمها بأن لا تقلق بشأنها وبأنها ستتزوج قريبا ولكن من أغنى
فتيان القرية وليس من أولئك الفقراء الذين يتقدمون إليها،لأن الفقراء حسب زعمها لا
يستطيعون تحقيق أحلامها فبالأحرى مساعدة أسرتها لتحسين أحوالها،وتعويض ما عاشوه من
الفقر والحرمان بعيش الملوك الأغنياء السعداء؟؟.
وكم كانت المفاجأة عندما
أخبرت "تينو"أمها بأنها ترمي شباك فتنتها على الأمير"ساكو"،فقط
ألا تخبر أحدا بذلك بما فيهم أباها،وطبعا رفضت الأم فعل ابنتها بدعوى أن الأمير
رجل ليس من طينتها وبأنه رجل متزوج مستقر مع زوجته الأميرة و هما سعيدان في أسرتهما،وبأنها
إن أصرت على خطتها وأقدمت عليها وكتب لها النجاح حتى، فإنما ستكون الزوجة الثانية
وهي بمثابة الخادمة الذليلة وما ستتعرض لها طوال حياتها من الإهانات والمعاناة؟؟.لم
تسمع"تينو"الكلام واستسلمت لعواطفها وأصرت على رأيها وأقدمت على
خطتها،وكانت أول ما بدأت به أن تقربت من زوجة "ساكو"تخطب ودها وتعرض
خدمتها،ولما استأنست منها بعض الود والصداقة أخذت تستقي منها أحوال زوجها،ما يحب
وما يكره،ما يأكل وما يشرب وما يلبس وأين يذهب وكيف ومتى...،فعلمت منها أن هوايته
في الصيد وأن خروجه يكون فجرا عبر الوادي وعودته ليلا من الغابة؟؟.
اعترضت"تينو"ممر
الأمير"ساكو"وهو في طريقه إلى الصيد في الغابة،واحتالت عليه وسط الأشجار
حتى يراها مذعورة فيهرع لإنقاذها ورؤية جمالها،لكنها بخبثها لم تمكنه حتى من ذلك
بل اختبأت وهرعت لمجرد أن لمحها الأمير الصياد لمحته الأولى،خطفت الشيطانة لبه
وأخذ يبحث عنها بين كل أعشاش الغابة غير مبال بما جاء من أجله من صيد الدواب أم
حتى ما يهدده منها من أخطار،لم تظهر الفتاة مرة أخرى إلا في يم الوادي تسبح بكل
روعة وفي كل غطسة في اليم كان سحرها يغرق لب الأمير،الذي آثر تركها تتم سباحتها وهو
يرتوي تلصصا من جمالها وأنوثتها الغجرية الفاتنة،إلى أن جمعت البهية أغراضها بعدما
أدركت غرضها وأوقعت بفارسها،الذي نسي صيده واكتفى
في خرجته تلك أن يعود خاوي الوفاض،ويكتفي باقتفاء أثر الفتاة الساحرة خطوة
خطوة،وهي تعود إلى القرية إلى أن دخلت باب منزلها،وبعدها....؟؟.
الحبيب عكي