Top Ad

الأربعاء، 20 أغسطس 2025

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

سنة أولى بعد رحيل الدكتور عبد الفتاح فهدي

    

14- رجل الإبداع في فضاء الإمتاع

        في مثل هذا اليوم، الخميس 22 غشت 2024، رحل عنا أخونا الدكتور عبد الفتاح فهدي، إلى جوار ربه الحنان المنان، نسأل الله لنا وله الرحمة والمغفرة الواسعة وأن يتقبله عنده بقبول حسن، ولا يحرمنا أجره ولا يفتنا بعده، فقد كان رحيله عند أبنائه وإخوته ومؤسساته ومحبيه فقدا عظيما وصدمة قوية وألما اعتصر قلوبنا وخبل أرواحنا، ولكن نرضى بقضاء الله ونؤمن بقدره وإن العين لتدمع والقلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وكل شيء عنده بقضاء وكل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام، حقيقة جسدها الله في قوله تعالى: " كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" آل عمران/185.

 

وأنا أحيي هذه الذكرى الأليمة وإن بهذه المقالة اليتيمة، أذكر نفسي وإخوتي أن الغاية منها ومما سبق وأن كتبناه من مقالات حول المرحوم (13 مقالة تحت عنوان: علمنا الدكتور عبد الفتاح فهدي، رحمه الله)، هو مجرد التذكير ببعض خصاله الحميدة وإنجازاته النيرة في التربية والدعوة والثقافة والعمل المدني..، قصد الاعتبار والانتفاع بها عبر فضاءاته الجمعوية ولما لا كما قال رئيس حركة التوحيد والإصلاح الدكتور "أوس رمال" في حفل "الوفاء" الذي نظمته الحركة احتفاء ووفاء لمن قضوا من أبنائها القادة: تأسيس مؤسسة مدنية باسم "الإخاء والوفاء" تكون مدرسة لحفظ خصالهم وتجاربهم والتدريب عليها ونشرها وتطويرها وهم الذين عافسوا الواقع العنيد وكابدوه حتى استقامت لهم وبصموه وبصمهم بها وهي لا تزال من المداخل والحوامل والروافع والدعامات الأساسية والمعاصرة لما نهتم به في المجتمع من شؤون التربية والدعوة وسؤال النهضة والإصلاح.

 

لقد كان الدكتور عبد الفتاح فهدي، رحمه الله رجلا متعدد الخصال رصين المبادئ ومتقد المواهب، وكل هذا قد جسده في الجمعية التي أسسها هو وإخوانه في فاتح يوليوز 1987 في مدينة الرشيدية بالجنوب الشرقي للمملكة "فضاء الفتح للتربية والتنمية" حاليا، وهي لا تزال جمعية حية وفاعلة وممتدة عبر التراب الوطني تسير على هذه المبادئ تعمل بها وتنشرها بل وتجدد فيها حسب المستجدات والمتطلبات والتراكمات والبصمات..، وقد سبق وأن أشرنا إلى هذه الخصال كعناوين لما سبق وأن كتبناه من مقالات عما تعلمناه من الدكتور عبد الفتاح رحمه الله ومن مدرسة الفضاء عموما ونذكر من ذلك:

1-     في سياق الدواعي.

2-     معنى المواطنة الصالحة، التزام وعطاء.

3-     معنى الانخراط في مشروع الإصلاح.

4-     معنى شعار الجمعية: "تنمية الإنسان أولا".

5-     معنى التضامن مع قضايا الأمة.

6-     رفض الشطط في استعمال السلطة.

 

7-     معنى الأخوة والمحبة والألفة والمودة.

8-     معنى العمل الجماعي والانجاز بروح الفريق.

9-     معنى الانفتاح والشراكة والتعاون والتضامن.

10-سباعيات وتسميات، الدواعي والمسارات.

11-العمل الجمعوي بين إدارة التنمية وتنمية الإدارة

12-العمل المدني بين جمعية الحل وجمعية المشكل.

13-معنى الشغف بطلب العلم وحب المعرفة.

 

                   خصال، فوق ما يربط بينها من وضوح الهوية والمرجعية والرؤية الواقعية والغيرة الوطنية والرسالة الإصلاحية والممارسة الميدانية..، فهناك خاصية مهمة جدا وهي خاصية الإبداع، وما أحوجنا إلى الإبداع على قول "ابن خلدون" رائد علم الاجتماع: " التغيير قاعدة الحياة"، وما ساءت أحوال المسلمين واستفحل تخلفهم في العديد من المجالات إلا لأنهم استأنسوا بالجمود واستمرئوا الاستيراد والتقليد بعيدا عن عناء أصالة الاجتهاد وواقعية التجديد وحداثة الإبداع، وهكذا فقد أبدع المرحوم وإخوانه وفضاؤهم وحساسيتهم الحركية وفعلهم المدني على العموم في العديد من المجالات ومنها التي كانوا هم أول من دشنوها فكان لهم بذلك سبق إضافة الإبداع على الإبداع، وقد تجلى ذلك:

1-  عندما تبنوا العمل الجمعوي العلني في زمن السرية والانغلاق.

2-  عندما اختاروا لفضائهم الجمعوي بعدا إقليميا ثم جهويا فوطنيا في زمن الجمعيات المحلية.

3-  عندما كانوا يغيرون أهداف وأسماء جمعيتهم كل 7 سنوات حسب المستجدات والمتطلبات.

4-  عندما انتقلوا إلى العمل المتخصص في الطفولة والشباب في زمن العمل الشمولي الذي يفعل كل شيء..

5-  عندما اعتمدوا العمل المشترك بين الرجال والنساء في وقت لا تزال فيه المرأة مغيبة عن الجمعيات.

6-  عندما نظموا معارض الكتاب المتجول وأدخلوا عبره آلاف الكتب إلى المنطقة فكوا بها عزلتها الثقافية.

7-  عندما كانوا يعتمدون التدبير الجماعي والتفويض الوظيفي في زمن الاستفراد وقيادة: "ما أريكم إلا ما أرى".

8-  عندما اهتموا بقضايا الوطن والأمة ونظموا لها أسابيع ثقافية حافلة بالمحاضرات والأمسيات والدوريات.

9-  عندما اكتروا لهم مقرا خاصا يسع أنشطتهم، ولم يكتفوا بمن دار الشباب عليهم بسويعات في قاعاتها ..

 

10-   عندما لم ينتظروا لهم منصب خطابة ووعظ في المسجد فصنعوا لهم داخل مقرهم كرسي علم بكل شيء لا زال يشهد بدرس الثلاثاء للدكتور عبد الفتاح، وما حظي به من إقبال كثيف ومستمر من طرف مختلف الفئات.

11-   عندما أسسوا لهم أندية للمطالعة والفكر والحوار ولجنا للرياضة والعمل الاجتماعي، بل أندية فنية للمسرح والإنشاد وقد بنوا لها منصة داخل المقر في وقت كانت فيه مثل هذه الأنشطة غريبة وبدعة.

12-   عندما أنجزوا عقودا من المخيمات الناجحة في فضاءات رسمية زمن المخيمات السرية المتوحشة.

13-   عندما أبدعوا في إعداد المشاريع وعقد شراكات بشأنها مع قطاعات وزارية في زمن الاستنكاف المزعوم.

14-   عندما نظموا تداريب مؤطري الطفولة في وقت كان حظ المنطقة منها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.

15-   عندما لا زالت فروعهم تبدع في أنشطتها المتميزة من مهرجانات وملتقيات ورياض أطفال وكفالة يتيم..

16-   عندما انخرط المرحوم عبد الفتاح خلال كل هذا في ملتقى سجلماسة لفن الملحون منذ تأسيسه وكان عضوا فاعلا في مختلف دوراته بعروضه ومداخلاته القيمة، عملا على البحث في التراث ومغربة التربية والثقافة، وهي أهداف طالما تسطرها الجمعيات ولكن لا تنجز فيها شيئا.

 

            ويستمر الفضاء، ويستمر معه ورش التدافع والترافع، يستمر فيه الإبداع والإقناع والإمتاع بروح الفريق والعمل الجماعي، ولا نخشى بإذن الله على فضائنا وروح الأجيال المؤسسة والأجيال اللاحقة فيه تتفاعل ويلهم بعضها بعضا ويساعد بعضها بعضا كل من مكانه وبإمكانه، والجميع كل يوم يضحون من أجل حمل الأمانة واستمرار الرسالة أملا في نيل رضا الله تعالى وشرف خدمة الصالح العام للوطن والأمة، فحفظ الله الأجيال العاملة وهي تحمل المشعل ورحم القاضون منا إلى رحمة ربهم وعفوه وعطفه ومنه، وعلى رأسهم الرئيس المؤسس أخونا الدكتور عبد الفتاح فهدي، وأملنا في الله أن يتجسد في الجميع بعض قوله تعالى: " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " الأحزاب/ 23.


                                                                                                  الحبيب عكي


اقرء المزيد

الاثنين، 11 أغسطس 2025

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

في البحث عن المعنى في اللامعنى.

كثيرة هي الظواهر الاجتماعية التي من الصعب جدا أن يجد لها المرء معنى أي معنى، وهي تسود في عالم اليوم، بل وتهيمن على اختياراته وتوجهاته وقراراته..، إن على مستوى الأفراد والأسر أو الجماعات والمجتمعات. ظواهر اقتصادية وسياسية، اجتماعية دينية وثقافية..، قد لا يكون لها لا أصل ولا فصل لا في الهوية ولا في المرجعية ولا حتى في المنطق العقلاني بخصوصياته الفطرية والطبيعية أو حتى الانتماء الوطني وما يقتضيه من ضوابط ومستلزمات، لكنها رائجة وتسيطر على المشهد ما دام الإعلام الهدام يروج لها كحقيقة، وما دامت السياسة والثقافة تفرضها كواقع كثيرا ما نجح عمليا في كونه أساس الديناميات والتحولات وإن بتجاوز الهويات والمرجعيات والمنطق العقلاني.

 

ففي فظائع الإبادة الجماعية في غزة الشهيدة السعيدة المجيدة، وصمت "الضمير العالمي" وعجزه عن فرض اتخاد أي موقف عملي لإيقافها، أي معنى لكل هذا الظلم والعدوان الصهيو – أمريكي في عهد مجلس الأمن الدولي وما يرعاه – أو يفترض أن يرعاه – من السلم العالمي وحق الشعوب في التحرر ومحاربة الاحتلال والاستيطان؟، أي معنى للأخوة الإسلامية والرابطة الإنسانية في ظل كل هذا التخاذل الرهيب والفرجة المعتادة على المأساة، بل وتطبيع بعض الأنظمة الجبانة مع العدو، وإغداق بعضها الآخر بسخاء على "ترامبولا" المجنون ما يمول به الحرب وزيادة؟، والوفاء له بكبت حرية شعوبها حتى في تنظيم فعاليات تضامنية مجدية وعدم فتح معابر النجدة لمرور المساعدات.

 

أي معنى لقتل نساء وأطفال شعب أصيل مسالم؟، لتدمير البيوت على أهلها بالليل والنهار؟، لحرق الأرض والخصوبة وشجر الزيتون المبارك؟، لدك المساجد والكنائس على المصلين، لإعطاب المصابين وتشريد الناجين وتهجير الباقين إلى الجحيم..؟، لقصف المستشفيات والمدارس، وتجمعات توزيع المساعدات، لبناء المستوطنات على الأراضي المغتصبة؟، لتكثيف معابر التفتيش الجهنمية والاسلاك الكهربائية على الطرقات، لرفض جوازات وتصاريح المرور الممنوع بأي وجه كان؟، لغلق المعابر حتى في دول الجوار؟، لملإ سجون الاحتلال بالأبرياء حتى من الشيوخ والأطفال؟، للاستنبات الدائم لمخيمات اللاجئين؟، لرفض عودة المبعدين؟، لإفشال كل وساطات المتدخلين حتى المنحازين لكيانهم، وخرق مواثيق الاتفاقيات السابقة وقوانين المنتظم الدولي لمنع الحرب وحفظ السلام؟.

 

أي معنى للصمت إذا وجب الكلام وقد وجب؟، وأي معنى للخذلان إذا وجبت النصرة وقد وجبت؟، أي معنى للعجز إذا وجبت القدرة وقد وجبت؟، أي معنى للحرب والدمار إذا وجب السلم والأمن وقد وجب واستوجب؟، لا معنى أي معنى عند الأقوياء غير الظلم والعدوان؟، لا معنى غير الجبروت والطغيان؟، ولا معنى أي معنى عند الضعفاء غير الذل والهوان؟، لا معنى غير الجبن وعمل الشيطان؟، لا معنى غير التشرذم كشظايا النيران يحرق بعضها بعضا؟، لا معنى غير التفريط في تعاليم الرحمان والامساك بما ارتضاه من حباله للإنسان؟. لا معنى أي معنى غير العبث واليأس والاستسلام لحديث القصعة والغوثائية: " يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. قيل: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل.. حب الدنيا وكراهية الموت"؟.

 

إن المعنى واللامعنى لا يسود أحدهما إلا على حساب الآخر كالحق والباطل، فلا يمكن أن يكون المعنى في بعض مظاهر الحياة وهو غائب في جلها فكيف بأهمها؟، فهل ساد اللامعنى حتى غاب المعنى أو يكاد، أم أنه لا يزال المعنى حتى في اللامعنى، وبالتالي يصبح من أوجب واجبات المتعاطي مع الشأن المجتمعي وديناميات التنمية والإصلاح، أن يبحث عن ذلك المعنى في ذلك اللامعنى بدل اختزال غير المختزل وتشويه ما لا يشوه، لأن كل قول وفعل يحتمل المعنى ونقيضه، وحتى الأشياء في الطبيعة دلالتها مما يعطيها الإنسان، ولا يمكن التعامل الإيجابي معها إلا بفهم المعنى من النقيض، ولكن هيهات هيهات؟، يحكى أن طفلا في أحضان أبيه أراد جلب انتباه ليلعب معه وهو مشغول عنه بقراءة الجريدة، فما كان من الطفل إلا أن مزقها في وجهه؟، الدافع مفهوم وله معنى والفعل مرفوض وبلا معنى؟، وقيل لإحداهن في متوسط العمر احتراما: " يا حاجة"؟، فردت رافضة بسباب فاضح: " أمك اللي حاجة"؟، رافضة بذلك الحج والاحترام وما لف لفهما من أجل أن تبقى على صورة شابة صغيرة ليست حقيقتها وهي تعلم ذلك.

وقياسا على ذلك، أي معنى أيضا للرغبة الجامحة لبعض الشباب وعزمهم على الهجرة متى فتحت لهم الأبواب واتجاه ما فتحت؟. أي معنى حتى لمن لم يهاجروا ومهرجان تافه يجمع منهم ما لم تجمعه هموم الأمة ولا حتى همومهم المزمنة؟. أي معنى في من يزين لهم الهدر العلمي ويشيطن لهم النضال السياسي ويضطرهم إلى اليأس والقعود والعزلة إن لم يكن الانحراف وهم أحوج ما يحتاجون إلى الاستقامة والنهوض والحركة والترافع والتدافع؟. ما المعني الكامن في الصراع المحتدم بين الخطابات الدينية من الخطاب السياسي حد الثورية إلى الخطاب الطقوسي حد القبورية؟، ما المعنى الكامن وراء كل هذا التشظي الهوياتي من أقصاها التوحيدي رغم التعدد إلى أقصاها التجزيئي رغم المصير المشترك؟. هذه الهلوسة الكروية العارمة، إلى أي حد هي حامل تنموي فعلي أو مجرد شجرة تخفي من الغابات ما تخفي؟، أي معنى في التهجم على من يدعو إلى محاربة البطالة والعنوسة وقد ولغت في أوساطنا بالملايين وبلغت أرقاما لا تطاق ( 8 ملايين)؟، أي معنى في من يطبعون مع الأشكال الجديدة والمنحرفة للمعاشرة بين الجنسين وهي لا تخدم لا الأسرة ولا المجتمع ولا حتى ضحاياها، أين كل أوجه هذا اللامعنى المعاصر من أوجهه القديمة وغاية ما تمثل فيه بعض الحشو والتكرار في الكلام أو بعض الجمل الاعتراضية معلومة الدلالة أو الفارغة التي لا محل لها من الاعراب؟.  

 

إن اللامعنى هو ضد المعنى وغيابه في الأمر، وهو تيار فلسفي قديم ساد مع الوجودية والعبثية ل"ألبير كامو " و"جون بول سارتر".. "مارتن هايديغر".. "فرانز كافاكا".. "صمويل بيكيت".. "أوجين يونسكو".. وكلهم ممن أبدعوا في التنظير الفلسفي والأدب المسرحي والروائي العبثي العدمي، وهو طافح بما يرونه من أن الكون - حسبهم - فيه عبث وفوضى ولا وازع ديني أو قيمي وأخلاقي فيه بعض المعنى.. إن الإنسان عندهم حر في حد ذاته وهو مسؤول عن أن يضع معنى لحياته وأن يختار ما يريده لا ما يراد له من أي كان؟، وهكذا وبوهم الحرية الوجودية والذاتية العبثية قد يدخل المعتقد بهذه الأفكار في مغارة من التيه والحيرة والاضطراب لا تنتهي في الغالب وعبر التجارب المريرة إلا بالخواء الروحي واليأس النفسي والحيرة والاضطراب والانسحاب والاكتئاب والضياع إن لم يكن الانتحار أحيانا كثيرة، قال تعالى: " أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم" الملك/ 22؟.

 

إن الوجودية هي مشي في الطريق الخطأ، كمن دخل في الظلام وهو يريد الولوج إلى النور، أو من أراد الذهاب إلى مسجد في الجنوب فإذا به في ملهى في الشمال، هي عبث وأقصى درجات من العزلة ومن الفردانية الغارقة في المتعة اللحظية مهما كانت تافهة فكيفي صاحبها أنها تضرب عرض الحائط بكل ما هو معايير اجتماعية وقيم دينية وأخلاقية أو حتى أية إمكانية لفعل جماعي راشد من المعتقدات أو من الموافقات التي تحترم المعنى، فكل فرد في وجوديته يعتبر عالما في حد ذاته ولا ينبغي له الاصغاء إلا لذاته واختياره – بغض النظر – أكانت هذه الإصغاءات والاختيارات الأخرى مناسبة وعلى صواب  محل إجماع وقوانين أم لا ؟، ف"نيتشه" أعلن موت الإله لينصب بدله الذات الإنسانية والحرية والحداثة..، و"سارتر" يرى أن: " الجحيم هو الآخرون"، وبالتالي وضدا على "فرانكل" صاحب مدرسة العلاج النفسي بالمعنى، لا مكان لأحد أن يرفض سلوك الآخر مهما اتصف باللامعنى أو يتدخل في حياة أحد ويعطيها بعض المعنى، فالوجوديون في وهمهم يوجدون والعبثيون في عبثهم يعبثون، وسيظلون كذلك ما لم يدركوا أن الأمور الجادة إنما تدرك بالأمل والعمل وثقافة المعنى لا باليأس والاستسلام وتفاهة اللامعنى؟.

الحبيب عكي


اقرء المزيد

الجمعة، 1 أغسطس 2025

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

أين في غزة.. حق حماية الأطفال في مناطق الحروب ؟.

         ليس من باب الاعتقاد في أن المنظمات الحقوقية القومية والدولية بإمكانها فعل شيء أو بيدها فعل ذلك، وقد فضحها عجزها وصمتها الرهيب تجاه ما يجري أمامها من تدهور الأوضاع الحقوقية في غزة من طرف العدوان الصهيو – أمريكي عدو الإنسانية الذي لم يترك جريمة حرب بشعة إلا وقام بها عن ترصد وإصرار، كل يوم تخلف ضحايا في الصغار والكبار، وهو يفلت من العقاب بل حتى من مجرد المتابعة والمساءلة وكأننا في قانون الغاب يأكل فيه القوي الضعيف، لا أمم متحدة ولا مجلس أمن ولا منظمات حقوق الإنسان أو محكمة عدل دولية، إلا ما كان أمم حق القوة لا قوة الحق ومجلس الانحياز للطرف الظالم وتسخير كل شيء له بالتغاضي والكيل بمكيالين؟.

 

         وليس من باب تجزئ حقوق الإنسان الفلسطيني التي ينبغي أن يتمتع بها كاملة غير منقوصة، لا أن يغني بعضها عن بعض كإغناء حق حماية الأطفال في مناطق الحروب والتوترات والكوارث عن غيرها من الحقوق الأخرى والأساسية. فالحقوق منظومة نسقية متكاملة لا تدور عجلتها في الاتجاه الإنساني اللازم والمثمر إلا بسلامة كل أجزائها وتضافر كل مجالاتها واحترام كل شروط نشرها وتعميمها دون اعتبارات الزمان والمكان واللون والجنس والدين واللغة... كما يقولون، غرضنا إذن: "تبع الكذاب حتى لباب الدار" لعله يدرك أنه على نفسه يكذب وأن الجميع قد أدرك ذلك، فليلعبها لعبة حقوقية جادة وصادقة وإلا فهو شريك في المأساة لا يوقفها ولا حتى يحكيها؟.

 

           وطوال تاريخه الحافل بالصراعات والتوترات الدولية المريرة والممتدة، ومساهمة منه في تهدئتها وإخمادها وحفظ شيء من الأمن والسلام والتمكين لإنسان الحرية والكرامة والتعايش والعقلانية، وضع المنتظم الدولي ونسخا عنه القومي والوطني حقوقا أساسية للإنسان في كل المجالات ولكل الفئات وأخذ عن عاتقه أن يتمتع بها الإنسان كل الإنسان دون اعتبارات – كما قلنا – لا للزمان والمكان ولا اللون والجنس أو الدين واللغة...كما يقولون، وإمعانا في بلوغ أهداف الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والإنصاف المجالي والنوعي والفئوي، فقد خص الأطفال كل الأطفال بحقوق متميزة عبر اتفاقيات وعهود ومواثيق وبروتوكولات وملحقات..، لا تلبث أن ينقح بعضها بعضا بما يجعلها أكثر شيوعا ونجاعة.

 

   حقوق صادقت عليها معظم دول العالم فأصبحت بذلك مجبرة على تنفيذها في سياسات حكوماتها وأجرأتها في برامج بلدانها تحت إشراف ورعاية الأمم المتحدة ومساعدات ومساءلة صندوق نقدها الدولي. ومن تلك الحقوق المعتبرة والمتميزة في الحقيقة: حق حماية الطفل في مناطق الحروب والنزاعات والتوترات والكوارث بضمان أمنه وسلامته الجسدية والنفسية، وتوفير مأكله ومشربه ملبسه ومأواه، والابتعاد عن إشراكه في الأزمة مشاركا يحمل السلاح يعني "مجندا صغيرا سلاحه أطول منه" أو مستهدفا بأي شكل من الأشكال كمدني في بيئة مدنية يمكن أن يخرجه ذلك من الطفولة البريئة والحياة الاجتماعية السليمة والنمو الجسدي والنفسي الطبيعي.

 

    فأين هذا الحق الدولي والإنساني في ما يحدث من العدوان الصهيو – أمريكي على أطفال "غزة"؟. جاء في اتفاقية حقوق الطفل الدولية/1989: حق حماية ورعاية الطفل.. حق الحياة والبقاء والنمو.. حق المشاركة والتعبير.. الحماية من العنف والأذى والاستغلال الجسدي والاقتصادي والجنسي.. والإعالة والرعاية التربوية والصحية..، فهل أطفال غزة اليوم لا يؤذون جسديا ونفسيا وصحيا ومدرسيا.. وهم كل يوم تدمر عليهم ديارهم (22300 منزلا  مهدما أحدث منهم 20 ألف طفلا شهيدا بما يعادل 60% من مجموع الشهداء).. يجوعون حتى الموت ولا مساعدات (650 ألف طفل مهدد بالمجاعة و 36500 شاحنة مساعدات محبوسة على أبواب المعابر).. ييتمون بالآلاف حتى يتفرج عليهم مشردين من نزوح إلى نزوح (44573 ميتم).. تبتر أطرافهم فلا يجدون لا أطرافا ولا دواء ولا مستشفى (48  مستشفى مدمر).. تهدم مدارسهم ( 156 مدرسة) ومساجدهم (833 مسجد و3 كنائس).. فلا أمن روحي ولا جسدي ولا اجتماعي ولا نفسي..؟.

 

  وجاء في اتفاقية جنيف/1949 وبروتوكولها التكميلي/1977 .. ضرورة منع تجنيد الأطفال أو الاتجار فيهم بالبيع أو الاتجار الجنسي والمواد الإباحية..، وضرورة حمايتهم من كل هذا في الحروب الأهلية وأثناء النزاعات الدولية، وهو عمل تم فعلا في 50 دولة وجماعة مسلحة؟، فأين مثل هذا العمل الحقوقي الميداني في "غزة"؟، من يواكب مآسي الأطفال في غزة ؟، من يضمد جراحهم، من يرد جوعتهم، من يخفف روعتهم، من يهدئ نفسيتهم..، من يبلغ عنهم وكل الشاشات قد بلدت حواسنا بصورهم المؤلمة؟، من يتخذ أي إجراء لمنع هذه الكوارث وقد تبلد الضمير الإنساني بفظاعتها، أي طفل من البشر أو حتى من الحجر يبتلى بما ابتلي به طفل فلسطين ثم يستكين بعيدا عن المعركة وهي معركة أمته ومقدساتها، معركة وطنه التحرري وإخوته وأجداده، بل معركة شرف كل الإنسانية؟.

 

   وجاء في قرار مجلس الأمن 1612/2005 حق وجوب الرصد والمراقبة والإبلاغ عن كل خرق لحقوق الطفل في أي زمان وأي مكان وممن كان؟، وكم كانت المعارضات وجمعيات المجتمع المدني الحقوقي تنشط في هذا المجال وتدبج تقاريرها التي ترفعها إلى الأمم المتحدة وإلى المنظمات الحقوقية الدولية كتقارير موازية لتقارير الدولة وضدها، مما يضغط على نظامها الحاكم بحق أو باطل فتضطر حكومته لتحريك البرك الآسنة وهي مرغمة، أين هي الآن كل هذه الجمعيات ولماذا ابتلعت لسانها، لماذا انتهت دلائلها وتكاوينها ومرافعاتها؟، لماذا هي عاجزة عن فعل حتى ما فعله أحفاد "مانديلا"؟، كما جاء أيضا في القانون الإنساني الدولي:.. منع الهجوم على المدنيين والأطفال والبنيات التحتية المدنية، ورغم ذلك فالكيان لا يلبث يقصف الملاجيء والمساجد والمدارس ومآوي توزيع المساعدات وتقديم الإسعافات ك"UNRWA" وكل شيء تتخذه بكل خسة وسفالة قنصا للقصف العشوائي على المدنيين الأبرياء. هل هذه هي حقوق النساء والأطفال والشيوخ؟. أو هل صحيح أن هذه الحقوق ومنذ أن وضعها الغربيون قد خصصوها لبني جلدتهم لا لغيرهم، وبالتالي لا غرابة ألا ينال غيرهم منها إلا صداع الرؤوس وانفجارها؟.

 

 إن العدو الصهيوني وحلفاؤه الأخساء ليسوا لا أقوياء ولا خارقين بل أجبن الجبناء وأضعف الضعفاء، ولكنهم يفعلون فينا ما يفعلون من جرائم بشعة وضد الإنسانية لأنهم يأمنون العقاب وفي كل مرة، وقديما قيل: " من أمن العقاب أساء الأدب"، لهذا ونحن نعبر عن صدق تضامننا مع إخواننا في غزة، فهل نستطيع شحذ وسائلنا المتاحة والمشروعة وتفعيلها بشكل تناسقي مستمر حتى نساهم قدر المستطاع في صدق إسنادنا للمقاومة، كثيرة هي وسائل التضامن مع القضية ولعل أهمها في الوقت الحالي والأوضاع الراهنة هو: هل نستطيع الحفاظ على منظومة فكرية عقائدية صافية تجاه القضية مهما كانت مكلفة وممتدة: نحن أصحاب الأرض.. أصحاب الحق.. ولا سبيل لاسترداده إلا بخيار المقاومة والجهاد.. اعترف بذلك المعترفون وتبناه المتبنيون أو استوحشه المستوحشون واستبعده المستبعدون؟.

 

  أيضا، تثمين كل وسائل المقاومة الشريفة بمقاييس الإيمان والإرادة والنصر في السماء لا مقاييس القوة والفتك والتدمير على الأرض والذي يحسنه حتى ملاعين المتوحشين. ينبغي تثمين التعاطف الإنساني والتضامن الشعبي العارم وغير المسبوق الذي أصبحت تحظى به قضيتنا العادلة، واستثمار ذلك من أجل مزيد من الدعم والنصرة والترافع لكسر الحصار عبر المزيد من فعاليات وابداعات النشطاء والشعوب من الوقفات الاحتجاجية والمسيرات المليونية والرحلات البرية والبحرية لفتح المعابر، وحملات المساعدات لإرواء العطش وكسر التجويع، المقاطعة الواسعة والدائمة وإسقاط التطبيع بكل أشكاله..، وكل ذلك شكل من أشكال جعل القضية قضية كل فضلاء الإنسانية عبر العالم، يترافعون عنها دوما وعن أبنائنا ونسائنا وشيوخنا وبكل الوسائل والأشكال ضد الاحتلال والاستيطان الذي هو أصل البلاء وأصل ما تسلط عليهم من العدوان والحرمان والطغيان، الذي يبدو أنه قد تمرغ اليوم في وحل التجويع والتعطيش حتى الموت، وحل الجبن والخسة والدناءة يسجله التاريخ ضده بأقصى هزيمة، فمن ذا الذي سيمحوها عنه وكيف، وهل تمحى أصلا "قرقرات" الجوعى و"غرغرات" العطشى.. تأوهات ضحايا المساعدات ومقصوفي المستشفيات..، وكثير منهم شيء من ذاك هنا وذلك هنالك؟.

 

*الأرقام من البيان رقم 892 الصادر عن المكتب الإعلامي الحكومي إلى غاية 650 يوما من حرب الطوفان.

الحبيب عكي


اقرء المزيد

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

المشاركات الشائعة