Top Ad

الاثنين، 25 نوفمبر 2024

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

علمنا الدكتور عبد الفتاح فهدي، رحمه الله/11

11- العمل الجمعوي بين إدارة التنمية وتنمية الإدارة

1 – إدارة التنمية:

                إن العمل الجمعوي كأي عمل تنموي في حاجة إلى إدارة فاعلة قوية ووازنة، فاعلة يعني تحقق أهدافها المرسومة مع مرور الزمن بل في زمن قياسي مناسب، قوية بمعنى تتسع رقعة تحقيق هذه الأهداف بما يلبي حاجيات أكبر الشرائح الاجتماعية الممكنة، فالخير ما عم وانتشر لا ما خص وانحصر. ووازنة يعني يسهر عليها أشخاص وازنون وليس ما فضل من الناس عن جلائل الأعمال أو ما يعتقد أنها كذلك، فالأشخاص الوازنون بنضجهم و توازنهم و سعة ثقافتهم و أصالة تجربتهم هم الضمانة و الرهان لقيادة العمل الثقافي نحو النمو الراشد و العطاء الواعد و بعيدا عن  الاضطراب والانزلاق أو الاغتراب و الانحصار وبالطبع الضحالة والتآكل والاندثار.

 

                   وإن إدارة جمعوية بهذه المواصفات، وهي ترسم لها أهدافا وتضع لها خططا وبرامج و تبحث لها عن وسائل وإمكانيات...، لابد لها من بعض المنطلقات الأساسية و الأبعاد والمرامي الثقافية التي ينبغي أن تؤطر مجهوداتها في مختلف المجالات حتى تؤتي أكلها وتحقق أفضل مردودية ممكنة، وعلى رأس هذه الأبعاد والمنطلقات:

 

1 – تنمية الأفكار وتشجيع المبادرات: فالأفكار البناءة والجادة والمتجددة هي رهان العمل الجمعوي وكل جمعية تقمع الأفكار في مهدها، لا شك ستقبر المبادرات في عقول أصحابها، لتجد نفسها في الأخير في متاهة الاجترار والضحالة والتجاوز والإحباط والعجز عن إبداع الأفكار التي من شأنها إخراج الجمعية من دوامة القصور والدوران الفارغ، مما يجعل بعد ذلك الجمعية تنتقل من وسيلة للرقي والمساهمة في حل الأزمة إلى أزمة في حد ذاتها يتيه أصحابها   في دواليب مشاكلها المعقدة والمتراكمة والدائمة.

 

2 – إدارة متخصصة في إطار التعاون والتكامل: فالمهام الإدارية أكبر من أن يقوم بها فرد أو أفراد مهما أوتوا من الحنكة والقوة والتضحية المستمرة، والجمعية كما يقال جمعية (يعني مؤسسة) وليست فردية (بمعنى ملكية) يقوم صاحبها أو المتنفذون فيها بجميع الأشغال حتى لو لم يتقنوا أيا منها. في كل جمعية هناك أدوار أساسية لابد أن يضطلع بها أصحابها كما انتدبوا أو انتدبوا أنفسهم لذلك، ومنها المهام الوظيفية من الرئاسة والكتابة العامة وأمانة المال والمحافظة وغيرها، ثم على الجميع - بمقتضى الوضوح والشفافية - أن يضع ما يقوم به رهن إشارة الجميع في المكتب على الأقل، إن لم يكن رهن إشارة غير أعضاء المكتب من مسؤولي الجمعية وأعضائها ممن لهم حق الاطلاع، أو حتى غيرهم من الرواد وممن يرغبون في الاطلاع على ذلك بموجب الحق في المعلومة. لكن، أين كل هذا من بعض الجمعيات التي يقوم رئيسها بمهام العلاقات الخارجية وأشغال الكتابة العامة نيابة عن كاتبه الذي ليس بينه وبين الكتابة إلا الخير، بل و ربما دبج الرئيس المسكين حتى التقارير المالية، خاصة إذا كان لديه أمين مال يعتبر أن تقاريره المالية – إن وجدت لديه - إنما هي شأن خاص ينبغي أن يوضع في محفظته وفي منزله فلا رئيس يطلع عليه فيحاسبه ولا أمين مركزي يجالسه فيجتبي منه ؟!.

 

3 – إدارة ذات مشروع تنموي حقيقي: فكم من مشاريع تافهة تتبناها الجمعيات في حين أن مناطقها الجغرافية وشرائحها السكانية في أمس الحاجة إلى غيرها من المبادرات والمشاريع، الناس العقلاء لا يجتمعون على العبث ولا على المفسدة مهما غلفها أصحابها بالمصلحة، والمشاريع ما كان من الثقافة وإليها وبها دام وازدهر وما كان منها إلى غيرذلك انقطع وانحصر، وكم تستطيع جمعياتنا أن تفعل في الشأن المحلي و الجهوي أو الوطني أي شأن، لا أبالغ إذا قلت أن عطاء بعض الجمعيات الجادة و المحترمة قد تجاوز  وفي فترات وجيزة حتى  عطاء بعض الجماعات المحلية، بل عطاء بعض المندوبيات القطاعية التي قد تكون موجودة ولكنها ضعيفة أو قد تكون غير موجودة بالمطلق، فما بالك إذا كان هناك تنسيق و تعاون بين الواجهتين الرسمية والمدنية وبينهما وبين غيرهما من الواجهات الممكنة وطنيا ودوليا، كل ذلك ولا شك سيجلب المصالح الكبرى للمنطقة وشرائحها الاجتماعية، ولكن النظرة القصيرة والتعامل السياسوي بين الأطراف المختلفة  من سلطات إدارية أو جماعات محلية أو جمعيات مدنية غالبا ما يفوت أكبر المصالح على الجميع، في وقت أصبحت المقاربة التنمية اليوم من القرار المركزي إلى الحكامة التشاركية، هكذا فكل الأرقام موجودة على الساحة،وكل المشاريع  متبناة  في الواقع ولا سبيل لتنمية مندمجة ومستدامة شئنا أم أبينا إلا بالتوافق و التعاون اللازم ما أمكن.

 

4 – إدارة ذات فكر مركزي استراتيجي ومستقبلي: فكر مركزي يجعل همه الأساسي كما قلنا هو تنمية الأعمال الجمعوية وتشجيع المبادرات في هذا الصدد وبدل الجهد من أجل توفير اللازم من الوسائل والإمكانيات لذلك. فكر استراتيجي يستطيع ترتيب كل المبادرات، وتنظيم كل الأنشطة واستثمار كل الوسائل، والإنفتاح على كل الطاقات والكفاءات، ليضع كل منها لبنته الخاصة  في صرح البناء الجماعي ويقطف ثمرة من ثمرات العطاء المجتمعي، فكر مستقبلي يحرر العمل الجمعوي مما قد يعترضه من العراقيل التي قد تأسر فعله في الهامش أو تجمد سيره في الواقع وتحبس نموه في المفيد، فتقعد به في فناء الفراغ أو تتيه به خارج الأهداف المرسومة و الأدوار المطلوبة، الفكر المستقبلي هو الذي يستطيع إنتاج الأفكار المتعددة و البدائل غير المحدودة، ووحدها الأفكار البناءة و القوة الإقتراحية المعطاءة تستطيع فتح العمل الجمعوي على مصراعيه وخارج الصناديق كما يقال، حتى يختار منه قياديوه  ما وجب واستطاعوه و ينال منه رواده حسب الجهد ما يلبي الحاجيات.

 

2- تنمية الإدارة:

           إن إدارة التنمية بالمواصفات السابقة لن تحقق ذاتها ولا أهدافها إلا بتنمية نفسها خاصة في الجوانب التالية:

1 – تنمية الضبط والتسيير الإداري: أو ما يمكن أن نسميه تنظيم و إدارة الأعمال الجمعوية، فهذا جوهر عملها ومبرر وجودها الأساسي، لذا ينبغي أن تعمقه في أفرادها و أن ترقى به لديهم منفتحة في ذلك على تقنيات العصر في التوثيق و التواصل، في التقرير و الإعلان..، لأن الأعمال الجمعوية الناجحة كما يقال لابد لها من خمسة مراحل لا يغني بعضها عن بعض: الفكرة والإعداد لها.. حسن تنزيلها.. تقييمها.. والتوثيق لها.. ولاشك أن المتتبع للعمل الجمعوي كثيرا ما يدرك مدى التدني الفادح الذي قد تتسم به جل هذه الأبعاد خاصة الأبعاد التواصلية الإعلامية أوما يتصل بها من الأبعاد التقريرية التوثيقية، وإن كانت الجمعية جهوية أو وطنية وذات فروع ؟!. هذا في ما بأيديها من وضع المخططات و المشاريع الثاقفية، توضيح الروى ووضع البرامج والميزانيات، التقارير واللافتات والإعلانات، التكاوين وتبادل التجارب، فكيف بما قد يكون خارجا عن إرادتها و إمكانياتها كتنمية الموارد المالية واستقطاب أو استيعاب الموارد البشرية الجديدة؟!، كم من فرع جمعية وطنية لا يتواصل حتى مع مكتبه الوطني؟، كم من جمعية لا تستطيع التوفر على مقر لها وإذا حصلت عليه لا تسطيع تسييره بإحكام؟، كم مكتب مركزي لا يعرف فيما تتخبط فيه فروعه حتى إذا علم عجز عن حل مشاكلها؟، كم من جمعية لا تتوفر على تقرير سنوي لأنشطتها وماليتها؟، لاتعقد جموعها العامة  ولا ينتخب روادها مكاتبها..؟!.هذا كله مما ينبغي تجاوزه في عملنا الجمعوي إذا كنا فعلا نروم مجتمعا مدنيا يستحق أن يكون شريكا تنمويا فعليا و فاعلا، وأعتقد أن لدى الجمعويين من الخبرة والتجربة ما يؤهلهم لذلك إذا أدركوا  فقط حجم مسؤوليتهم المدنية ورغبوا في القبض على الزمن التنموي و الثقافي الضائع.

 

2 – تنمية الاهتمام بالتكوين وبأفكار إبداعية: بواسطة الثقافة و المناقشة و متابعة الأحداث و المستجدات و خاصة في المجالات الثقافية و حركية المجتمع وحراكاته المدنية، لإن الاستسلام للواقع و خمول الفكر لن يولدا لدى المرء غير الفتور و التقاعس و التطبيع مع الواقع الرديء و التبلد به، لذا علينا أن نتسائل دائما عن وسائل العمل ونبحث عن أفكار للتغيير، وننخرط وننسق مع المتاح من مثل هذه المؤسسات التي تصبو إلى هذا الغد الوطني الأفضل، علينا أن نتساءل دائما عن ما حدث ويحدث؟،  ما دورنا وماذا نستطيع أن نعمل وكيف؟. علينا أن ندرك وبكل وضوح أن المجالات الإدارية بمثابة حلقات متماسكة وكل تقنية تدبيرية بمثابة مفتاح إداري، وإن غياب أو إهمال أي حلقة إدارية من مخططات ثقافية ورؤية تربوية، وبرامج وميزانيات، واجتماعات ومتابعات، و تقارير ومراسلات، كل ذلك يشكل خللا في العمل برمته، سواء على مستوى الجمعية أو على مستوى المتعاونين معها أو المسؤولين عليها.. ولكن إتقان هذه الأساليب الإدارية لاتغني فيها مجرد الرغبة في الإتقان عن تملك التقنيات والوسائل و التحكم فيها، فإلى أي حد نتقن تقنية الاجتماع؟، أسلوب الإعلان؟، مضمون التقرير؟، شكل المراسلة؟، أبواب الميزانية؟، سياسة الانفتاح؟، إلى غير ذلك مما يستلزمه العمل الجمعوي و مما لم تعد تجربتنا المدنية تسمح بعدم الإلمام به فكيف بالأحرى الإخلال به؟.

 

3 – تنمية الأخوة والثقة والمشاركة والتعاون و التواصل والانفتاح: وذلك بالتفكير الجماعي في الأعمال و التعاون على إنجازها، لأن الإدارة الناجحة هي إدارة الفريق، عمل المكتب كل المكتب، بل و الأندية و اللجن، وطاقة الفرد مهما كانت فهي محدودة، وغيرمستوعبة، وغير دائمة..، و أفكاره مهما بدت رائعة فقد تكون قاصرة..، ولكن الفريق لن يعمل أو يكون عمله في المستوى المطلوب و المردودية المأمولة إذا لم تسد وسطه الثقة المتبادلة والأخوة والمحبة و الألفة والمودة و الإيمان الجماعي بأهمية الأعمال و تقاسم المسؤوليات والأدوار بما يستوعب الجميع في سداد   وتكامل، لذا على المسؤول الإداري أن يتسائل دائما مادور فلان وعلان، كما على فلان وعلان أن يتساءلا ما دورنا نحن لا نعمل والناس يعملون؟.

 قال الشاعر: قدم لنفسك ما شئت قبل الموت في مهل // فإن حظك بعد الموت منقطع.

وقال آخر : فخذ لنفسك اليوم نورا تستضيء به // يوم اقتسام الورى الأنساب بالرتب.

وقد تكون أعمالنا الجمعوية قاصرة، تلبي حاجيات البعض فيرضى، ولا تلبي حاجيات البعض الآخر فيسخط، لكن أن يسخط الجمعويون بعضهم على بعض وتتمزق لحمتهم الأخوية وتنقلب ألفتهم عداء وبغضا، ويتحول الخلاف في الأراء إلى حزازت و خلاف الذوات، فهذا ما لا خير فيه بالمطلق؟!

 

 4 – تنمية الإيمان بالعمل و الإخلاص فيه لله تعالى: أو بمعنى آخر تجديد الإيمان بالعمل وتصفية القصد فيه لله تعالى، فالإيمان وحده من يحمل صاحبه على التضحية والتضحية  الجبارة لأنها وحدها تحقق الأهداف بفضل الله، وما ينقدنا من الفتور و الدعة أن تكون لنا أهداف في حياتنا وهي ولا شك موجودة، ولكن، لن نكون صادقين ولا جادين في تحقيقها إذا لم نقدم جلائل الأعمال لتحقيق هذه الأهداف، ووحده الإيمان بالأهداف والطمع في الأجر والثواب و الرضا بالإنجازات التنموية والمكتسبات الثقافية ورؤيتها تتحقق على ارض الواقع ويستفيد منها خلق الله، هذا سيجعلنا نضحي من أجلها أكثر، إذن، وحدها التضحية تحقق الأهداف، ووحده بتحقق الأهداف يكون لحياتنا طعما وإيجابية وحلاوة ومعنى، و وحده بالإخلاص لله تعالى تدوم هذه الحلاوة و المعنى في الدنيا ولها ما بعدها في الآخرة، أفلا يستحق مثل هذا أن نضحي من أجله كل التضحيات، ونتحمل من أجله كل الأعباء ومع أناس قد يرضون فيشجعون وقد يسخطون فيعرقلون، قد ينالون فيمدحون وقد يحرمون فيعتبون، قد نميل إليهم و قد لا نميل،قد يوافقوننا في الرأي وقد يخالفون، ولكن مصلحة العمل تقتضي منا التعاون والعمل على كل حال، ولنا خير مثال في المتعاونين العابرين للقارات وقد يكاد لا يجمع بينهم شيء(هم)، وأيضا، في من قد يكاد يجمع بينهم كل شيء ولا يكادون يتعاونون على أي شيء(نحن)؟!.

الحبيب عكي


اقرء المزيد

الخميس، 14 نوفمبر 2024

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

علمنا الدكتور عبد الفتاح فهدي، رحمه الله/10

 10- سباعيات وتسميات، الدواعي والمسارات.

 

من خصائص فضاء الفتح للتربية والتنمية طوال مسارها الممتد على ما يقارب الأربعة عقود، أنها لا تعتبر نفسها مجرد نسق جمعوي مغلق كائنه الاجتماعي فاعل، بل هو نسق جمعوي مفتوح وكائنه الاجتماعي أيضا منفتح يؤثر ويتأثر بالمجتمع، وفي كل ذلك يحاول الجمع بين المبدأ والواقع، فمعروف أن الفضاء مثلا، جمعية وطنية ولها فروع  عبر التراب الوطني، ومهما وضعت من خططها وبرامجها التربوية والثقافية الجامعة، إلا أنه يبقى مسموح فيها لأبناء الفروع إدماج بعض خصوصياتهم  واعتبار اكراهاتهم الفرعية وتثمين إبداعاتهم بشأنها، موارد مادية كانت أو بشرية أو خصوصية تنموية معينة شكلت لهم تحديا أو رهانا لا بد من انخراطهم فيه، لكن في المجمل هناك كثير من الجوامع التصورية والعملية التي يحترمها ويسعى في تجسيدها الجميع ومن ذلك على سبيل المثال:

 

1-     أن تكون جمعيتنا جمعية حل لا جمعية مشكلة:

    جمعية تتغلب على صعوباتها الذاتية ومشاكل تدبيرها الداخلي وقصورها في جانب أو آخر أو عجزها في توفير وسيلة أو أخرى..، حتى يتسنى لها وتستطيع بالفعل التعاطي الإيجابي مع مشاكل الناس والمساهمة الفعالة في حلها والحد منها و من حدتها، الشيء الذي لا يتأتى للجمعية المشكلة التي تكون غارقة في مشاكلها الداخلية، وتآكلها ودورانها حول نفسها، دون طائل، فلا أرضا تقطع ولا ظهرا تبقي، اللهم ما قد يكون من الغرق في تيهها والاعتياد على التشكي وتصدير أزماتها .

 

2-     أن تتمتع جمعيتـنا بإدارة التنمية وتنمية الإدارة:

فالإدارة هي المحرك الأساسي للجمعية، ولكنها لا تنجح في ذلك إلا بمدى تنظيمها وانتظام اجتماعاتها.. وصوابية قراراتها.. وسهولة تواصلها.. تجديد أفكارها ومشاريعها.. أساليبها ووسائلها.. احترام أطرها وفرقها وهياكلها.. الترحيب بالصائب من المقترحات داخلها أو خارجها.. إنها بكل صدق إدارة التنمية، ولكنها لا تكون كذلك بالضرورة بضخامة عددها وراحة تجهيزاتها ومقراتها ومكاتبها.. على أهمية ذلك، ولكن قبل ذلك، بمدى وضوح رؤيتها وإحكام مخططها وتفعيل برامجها وأنشطتها، بمؤشرات إجرائية وأشكال تعاونية وأنساق بنائية تكاملية متينة. وقبل ذلك بفريق عمل من ذوي الهمم والعزائم والتضحيات والابداعات..، لا مما فضل من الطاقات الخاملة الهاملة المتواكلة المتآكلة...

 

3-   أن نعي سباعيات وتسميات تحولاتنا ومساراتنا ودلالاتها:

وقد تمثلت في أحداث جسام طبعت مسار الجمعية وغيرت من اسمها واهتمامها حسب الموقف والعائق أو واجب الوقت والطموحات والتحديات، ومنها تغيير اسم الجمعية لثلاث مرات:

 

أ‌-    من جمعية الفتح الثقافي إلى الجمعية الوطنية للفتح الثقافي:

            وكان يتم هذا التغيير على رأس كل سبع سنوات، فقد كان اسم الجمعية يوم تأسيسها في 01 يوليوز 1987 هم: "جمعية الفتح الثقافي لتافيلالت"، وكانت جمعية إقليمية تغطي بعض دوائر إقليم الرشيدية في الجنوب الشرقي للمملكة. ولأن ساكنة الإقليم كانت مختلطة من عرب وأمازيغ، فقد أثار الاسم "تافيلالت" حفيظة بعض الأمازيغ وكان وسما "عروبيا" للجمعية وعائقا ميدانيا أمام توسعها في بعض مناطق الأمازيغ، ما لم تقصده الجمعية ولا سعت إلى خلقه، بل غرضها تعميم "فتحها الثقافي" على جميع الإثنيات والفئات الاجتماعية ممن ترغب في ذلك، من هنا غيرت اسمها سنة 1994 لتصبح: " الجمعية الوطنية للفتح الثقافي"، فأصبحت جمعية وطنية ذات بعد وطني رغم أن السائد آنذاك في المنطقة هو مجرد بعض الجمعيات ذات البعد المحلي.

 

ب- فضاء الفتح للتربية والتخييم:

لقد كانت "فضاء الفتح" فعلا، فتحا تربويا وثقافيا على المنطقة، بما جاءت به آنذاك، ولأول مرة في المنطقة من محاضرات وندوات حامية الوطيس في دور الشباب، من معارض الكتاب العربي الإسلامي المتجول في دوائر الإقليم.. الرشيدية.. أرفود.. الريصاني.. تنجداد.. كولميمة.. الريش..، ومن أسابيع ثقافية تضامنا مع قضايا الأمة آنذاك، فلسطين.. أفغانستان.. ومن بعد العراق.. والبوسنة والهرسك..، لكن حدث وأن تأسست جمعيات أخريات، ربما شجعتها تجربة "فضاء الفتح" على ذلك لمجرد سبقها، وبما سلكت قضيتها مع السلطة، في وقت لم يكن الناس يتجرؤون على التعامل مع السلطة لا بالسلب ولا بالإيجاب. على أي، كانت الجمعيات الجديدة تقوم بنفس أعمال جمعيتنا من محاضرات وندوات وأمسيات ومعارض..، حتى أننا أصبحنا نكرر بعضنا البعض وإن كان بشكل شمولي فبدون أية قيمة مضافة، مما جعلنا نستبق الوضع إلى مجال جمعوي جديد وخصب، وهو العمل الطفولي الذي تخصصنا فيه في ما بعد، وبموجبه غيرنا اسم الجمعية من جديد فأصبحت: " فضاء الفتح للتربية والتخييم" سنة 2001. 

 

وكان مما شجعنا على ذلك – كما قلنا – تكرار أنشطة الجمعيات وشموليتها، ثم ما تيسر للجمعية من تكوين بعض أطرها في مجال مؤطري المخيمات الصيفية، في أول تدريب أقيم في الإقليم بجهود حثيثة من مسؤول الطفولة والشباب آنذاك: المرحوم "الحاج موحى باحو" ورئيس المجلس الإقليمي للثقافة والشباب آنذاك أيضا: الأستاذ "الحبيب شوباني" وكان ذلك في المسبح البلدي بالرشيدية سنة 1993 ومن تأطير أساتذة كبار في المجال التربوي والجمعوي على رأسهم أستاذ الأجيال أخونا "مولاي إسماعيل هاروني" حفظه الله. حافظنا في الاسم الجديد على مجرد اسم "الفتح" وسنحافظ عليه دائما، وكان اهتمامنا الجديد بعد إعلان التخصص الطفولي، هو كل ما يخدم الطفل كتحديات ورهانات، وكل ما يساعد على ذلك من الحوامل والروافد، فإذا قمنا بمحو الأمية نساء مثلا، فمن أجل أن نساعد المرأة في تربية أبنائها ودعمهم الدراسي عن وعي وعلم. كما كنا نعتمد التعريف الدولي للطفل إلى حدود 18 سنة، والطفل في ذلك السن، هو في الحقيقة يافع شاب، مما جعلنا نتخصص في الحقيقة في العمل الطفولي والشبابي، وكان ذلك عبر العديد من الأنشطة التربوية والاشعاعية من صبحيات وأمسيات.. مسابقات ودوريات.. دورات وورشات.. وأنشطة وطنية كبرى كالمهرجان الوطني للطفولة.. والملتقى الوطني للشباب.. والمخيمات الصيفية للأطفال واليافعين.

 

ج- فضاء الفتح للتربية والتنمية:

استمررنا في ذللك، إلى أن جاءت مرحلة إعداد المشاريع وعقد الشراكات في العمل الجمعوي، وانخرطت جمعيتنا أيضا في تلك الدينامية، وكانت تعد بعض المشاريع وتدفعها للجهات الشريكة، لكن كان بعضها يرفض رغم تنافسيته وإحكام إعداده، بدعوى أن "إعداد المشاريع وعقد الشراكات" ليس واردا في القانون الأساسي للجمعية وبالتالي ليس من اهتماماتها. ومحاولة منا لتجاوز هذه الملاحظة الشكلية، وليقيننا أن العمل مع الطفل أوسع من الصبحيات والمخيمات على أهميتها، لكل ذلك غيرنا اسم الجمعية للمرة الثالثة، في المؤتمر الوطني الثامن سنة 2008، ليصبح: "فضاء الفتح للتربية والتنمية"، أضفنا فيه اهتمامنا بالمشاريع والشراكات إلى جانب اهتمامنا السابق بالمخيمات وغيرها من الأنشطة المتنوعة والمتكاملة والمتمحورة أساسا حول الثقافة والتنمية والتربية والإشعاع.

 

هذا وقد بذلت الجمعية جهودا معتبرة في سعيها لتنمية تخصصها الطفولي الجديد على الأقل على أربع مستويات وهي:

1-     مستوى التصور ودلائل العمل:

           بما وضعناه من ورقة تصورية للعمل مع الطفل حسب الفرع.. قديم مكتف.. أو جديد مبتدئ لا زال يعاني من خصاص في الموارد المادية والبشرية، كذلك بما وضعناه من دليل المخيمات اتضحت فيه الرؤية وتوزيع المهام، قبل.. أثناء.. وبعد المخيم، إلى وضع البطائق التقنية لمختلف الأنشطة والأناشيد والألعاب والسهرات في المخيم.. بمختلف أنواعها.

 

2-     على المستوى التربوي الداخلي:

بما تقدمه مجمل الفروع للأطفال من صبحيات وأمسيات تربوية، من دروس الدعم والتقوية، من أندية الإنشاد والمسرح والمطالعة، من رياض الأطفال وأندية تحفيظ القرآن الكريم، بالإضافة إلى بعض الأنشطة المتميزة في الفروع والتي من إبداعها الخاص، كمهرجان المحبة ومنتدى الطفل والقراءة في الرشيدية، وكفالة اليتيم ورياض الأطفال في الريصاني، ومحو الأمية والمعتكف العلمي في تنجداد، ودروس الدعم في الريش، والمهرجان الشتوي للعالم القروي في تعلالين، والمهرجان الثقافي والرياضي في مكناس، والمدرسة الصيفية في البحراوي والنادي الرياضي النسوي والتدبير المنزلي في ميدلت...

 

3-     على المستوى الاشعاعي الوطني:

بما يقوم به المكتب الوطني من أنشطة إشعاعية وطنية جامعة، يستفيد منها أطفال وشباب الفروع ومن ذلك المخيمات الصيفية الوطنية، والمهرجان الوطني للطفولة، والملتقى الوطني للشباب، بالإضافة إلى بعض الشراكات مع بعض الوزارات أو الجماعات والجمعيات، يتم تنزيلها على مستوى الفروع، وكلها أنشطة تتخللها العديد من الابداعات الفنية والرياضية.. الثقافية والاجتماعية.

 

4-     على المستوى التكويني والإشعاعي:

بما يقوم به المكتب الوطني أيضا، من دورات تكوينية في المجال التربوي بشراكة مع وزارة الشباب والرياضة - مشكورة – كالتداريب الوطنية لمؤطري المخيمات الصيفية، والملتقى الوطني لمؤطري المخيمات لاستكمال التكوين واستمراره، وللبناء التشاركي مع الأطر للمشروع البيداغوجي لمخيمات الفضاء تلك السنة الجارية، أيضا هناك، تنظيم الجامعة الصيفية لقادة الفضاء يؤطرها المكتب الوطني ومن يستضيفهم لذلك، ويحضرها رؤساء الفروع والأندية واللجن، وهي ملتقى وطني لمدارسة قضايا العمل المدني وعلى ضوئها قضايا الفضاء وعمله تحولات ومكتسبات.. تحديات ورهانات، الواقع والأفاق.

 

ورغم هذه الجهود الحثيثة، التي نعتبرها قد بوأت الجمعية مكانة جمعوية ومجتمعية، جهوية ووطنية معتبرة، تحظى بموجبها بالإقبال على أنشطتها وقبول شراكاتها، بالثقة في أطرها وارتياد فروعها ومخيماتها، فإن طموحنا يبقى أكبر، ونتطلع فيه إلى اليوم الذي نوسع فيه عدد فروعنا ونفعل فيه هياكلنا بشكل أفضل، خاصة الوطنية منها والجهوية، كما نتطلع فيه كذلك إلى اليوم الذي نصل فيه إلى فئات طفولية وشرائح شبابية أكبر، وخدمتهم أكثر وأكثر في مجالات تربوية وثقافية، تكوينية وتأهيلية، حقوقية وبيئية، فنية ورياضية أوسع وأوسع، تؤهلهم في ميادين أفيد وأفيد لهم في دراستهم وأسرهم ووطنهم. كما نأمل في يوم نوفق فيه في توثيق هذه التجربة الجمعوية الرائدة ورقمنة تراثها الثري وتسويق منتوجها الزاخر، بما لا زال يمثل ولا شك تجربة جمعوية معاصرة رائدة، لا زالت أوجه الاستفادة منها كثيرة ومطلوبة.

الحبيب عكي

 

 


اقرء المزيد

الجمعة، 8 نوفمبر 2024

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

علمنا الدكتور عبد الفتاح فهدي، رحمه الله/9

                         9- معنى الانفتاح والتعاون والتضامن.

1-    الانفتاح:

كان من منطق الدكتور عبد الفتاح فهدي، رحمه الله، أن الجمعية المدنية الناجحة لابد لها من بعض الخصائص والمواصفات التي تجعل منها جمعية منفتحة متشاركة، متعاونة ومتضامنة. وأما الانفتاح وإن كان يبدو قدر الجمعية المدنية، بدء بما تضعه من ملفها القانوني عند السلطات وبعض الهيئات والمؤسسات التي ترجو منها بعض المساعدة والافادة، ثانيا، بما تنفتح به على ساكنة حيها وفئاتها الاجتماعية المستهدفة من برامج وأنشطة خاصة أو مفتوحة، ثالثا، على واقعها وبيئتها، وأحداثها ومشاكلها ذات الصلة باهتماماتها، إلى الانفتاح على الفاعلين الاجتماعيين والمكونين الجمعويين..، إلى أنسب وسائل وأشكال العمل والتواصل العام داخل هياكل الجمعية وخارجها.

 

لكن، يبقى الانفتاح مجرد وسيلة لخلق اللازم من الحوار والتواصل مع السلطات مثلا، خاصة عندما لا تتفهم برنامج عمل فترفضه أو تنظيم نشاط فتمنعه أو تعرقله؟، حوار وتواصل مع الساكنة للوقوف على حاجياتها ومطالبها وتعبئة المستعدين من المتطوعين من أبنائها، للتعاون على مشروع يخدم المصلحة العامة للمنطقة، وكل هذا يتطلب قدرا من الثقة في الجمعية وأبنائها وبرامجها، بل وحماية هذه الثقة ورعايتها وتنميتها بالأنسب من وسائل العمل والتواصل الدائم والفعال بمعنى الانفتاح، انفتاح لا يتجسد بالأساس إلا على مدى مروءة الجمعية ومصداقية عطائها، وما تحرص عليه وتضعه من ملفاتها عند بعض الهيئات، وتنشره من تقارير أعمالها، وتوجهه من دعوات لحضور أنشطتها وأيامها المحورية أو المفتوحة، وبما تعلقه من لافتات وإعلانات أو تفتحه من مواقع وصفحات..، مما يجعل أنشطتها معروفة وتحظى بما تحظى به من اقبال وقبول حتى خارج حيز اشتغالها.

 

2-    التعاون:

أما التعاون كخطوة ثانية بعد الانفتاح، فإنه بدوره أيضا يتخذ أشكالا متعددة وأبعادا مختلفة حسب الهيئات والمؤسسات والجمعيات والفاعلين المتعاونين..، وخيره وأفضله وأجداه وأنفعه ما يكون على شكل "شراكة" واضحة الأهداف والغايات والبرامج والمؤشرات، والحقوق والواجبات، بدفتر تحملات مشترك وببعد تعاوني في مجال من مجالات الاهتمامات المشتركة، ولصالح فئة من الفئات المحددة، ولعلاج إشكال من الإشكالات. لقد كان رأي الدكتور عبد الفتاح فهدي، رحمه الله، أنه يكفي العمل الجمعوي شرفا أن يأتي بالأفكار ويعد المشاريع كقوة اقتراحية، ولكن مسألة تمويلها ينبغي أن يقوم بها غيره من الفاعلين والشركاء وفق دفاتر تحملات واضحة ومنصفة بين جميع الأطراف.

 

وعلى هذا سارت الجمعية، فأعدت العديد من المشاريع، بدء من مشاريع ضبط وتنمية عملها الداخلي، إلى مشاريع تربوية وثقافية وتنموية، خاصة لصالح فئات الأطفال والشباب والفتيات والنساء، كان من حظهم وحظنا أن استجابت لعقد الشراكة بشأنها - مشكورة - بعض  المؤسسات والمديريات والجماعات بل وبعض الوزارات،  مما كان له بالغ الأثر والعائد التربوي والتنموي على الفئات المستهدفة، فنالت حظها من سينما تربوية، محو الأمية، دعم وتقوية، كفالة اليتيم، تربية والدية، مخيمات صيفية، مهرجانات الطفولة وملتقيات الشباب، تداريب ومنتديات ودورات تكوينية، محفل الألعاب...، وكلها من مشاريع الجمعية التي رات النور على أرض الواقع، ولكن، وجدنا صعوبة في الاستمرار في هذا المسار لأمرين اثنين أولهما: خشية أن يتحول مشروعنا من مشروع الثقافة إلى ثقافة المشرع، وثانيهما: لما حل بهذا الاختيار التشاركي عامة من اختلالات  وتعقيدات وريع و ولاءات سياسوية حرمت وتحرم العديد من الجمعيات الجادة من حقها المشروع في خدمة وتأطير المواطنين، وقلصت وتقلص واجبها في الاسهام المتاح في تنمية البلاد  وتعبئة الرأسمال الوطني وربما الدولي لخدمة العباد.

 

3-    التضامن:

أما التضامن، فموجباته لا تعد ولا تحصى، أحداث محلية، وطنية، ودولية لا تنتهي، وفي كل يوم تنطق فداحتها وفظاعتها حتى الموتى، فكيف بالفاعلين الجمعويين الأحياء؟. حراكات وطنية هنا وهناك في شأن من الشؤون الاجتماعية والسياسية وغيرها، فمن يخلق بصددها رأيا عاما إذا صمت الفاعلون حتى يفعل بهم وبغيرهم وهم الفاعلون؟. قضايا الأمة والامعان في استدامة التوترات والصراعات والحروب المدمرة في مختلف أرجاء العالم العربي والإسلامي؟. كيف يكون المرء مسلما إذا لم يهتم بأمر إخوانه المسلمين وكل المستضعفين عبر العالم؟. ناهيك فقط، عن معاناة جمعيات المجتمع المدني ذاتها، مما قد يتعرض له بعضها من الشطط في استعمال السلطة؟، أو من حرمانها من حقها المشروع في المنح والشراكات أو فقط، في ممارسة نشاط من أنشطتها؟، ناهيك عن تطلعها وطموحها في الانتظام في نسيج من الأنسجة الوطنية أو اتحاد من الاتحادات الجمعوية الموضوعاتية، لا يرى النور لضعف وغياب التضامن بين الجمعيات،  وأحيانا حتى على إصدار بيان عام بشأن قصية تهم الجميع؟.  

 

وهذا ما حاولت الجمعية تفاديه والتخفيف من حدته، بحضورها في جل المبادرات التضامنية التي تستدعى إليها، أو أخذها هي نفسها المبادرة بشأن ذلك، خاصة عند أحداث جسام كالفيضان.. الزلزال.. المخيم.. الشطط..، تطرح أرضية بيان أو مشروع تضامن، ثم تعرضه للإنضاج والتوقيع والتعاون على من ترغب ومن تجرأ من الجمعيات. وهكذا نرى طبيعة العمل الجمعوي، لا يكفي أن تهتم فيه بتخصصك وخاصة نفسك فقط، بل لا بد أن تخدم هذا التخصص من جميع الواجهات المساعدة وتدخل إليه من جميع المداخل اللازمة والمتاحة، القانونية منها والتشريعية والحقوقية أيضا، قبل الواجهات التربوية والثقافية والإدارية المعتادة، فالأبواب الثانية لا تفيد إلا بالأولى، ولا خير في الأولى إذا لم تبدع الثانية وتستفيد من عطائها وتملك مفاتحها؟.

4-    خلاصات:

هذه ليست وسائل عمل عادية، فالانفتاح والتعاون والتضامن، عند فضاء الفتح للتربية والتنمية، ليست وسائل عمل عادية وطبيعية ومنتشرة عند الجميع، بل لها عندنا فلسفة تنموية وطنية وأبعاد قيمية وأخلاقية، قد لا يستوعبها الجميع وبالطبع لا يعمل بها لا في أدنى المستويات ولا في أعلاها، وما أحوجنا اليوم إلى استيعابها والنظر في فحواها لا كفاعلين جمعويين فقط، بل أيضا كمؤسسات وطنية تتغيا الاسهام في الإصلاح والتنمية والنهوض. فلصالح من لا زال الاختيار النهضوي والنموذج التنموي للعديد من الدول العربية يتأرجح بين كل النماذج التقليدية والتبعية وغيرها مما هب ودب إلا مقاربة الاشراك الحقيقي والفعال للساكنة وممثليها الذين طالما يقيدون بوصاية المعينين؟. ولصالح من يستمر هدر الطاقات التطوعية للشعوب وهي حجر الزاوية في كل إصلاح وتنمية ونهضة، وكل الشعوب المحررة لها والراعية لها زودتها بملايين أيام العمل، وملايين إنجاز المشاريع، وأداء خدمات القرب ومساعدة الفئات الهشة والترافع عن حقوقها، وهو صلب العمل المدني في كل العالم.

 

 وهنا يتحدث ضجيج الأرقام مثلا عن التطوع عندنا وعندهم، فأمريكا مثلا تسجل 94 مليون متطوع سنويا بمعدل 33 من السكان ويقومون بما يقوم به 9 ملايين موظفا؟.  وفي كندا أيضا 175.000 جمعية مدنية، يساهم فيها 22 مليون كندي من بين 34 مليون الذي هو عدد سكانها يعني ما يقارب نسبة 91 من السكان؟. وفي بريطانيا: (350 ألف) جمعية خيرية بلغ عدد المتطوعين فيها سنوات مضت إلى 20 مليون متطوعا. وفي فرنسا فيها (600 ألف) جمعية خيرية؟. وهناك منظمة بيئية عالمية لها فروع في 26 دولة ويبلغ عدد الناشطين فيها حوالي 5 ملايين؟. ترى كم هو عدد المتطوعين من بيننا وبماذا يقومون حتى نعرقلهم، وأعتى أعتى جمعياتنا لا تكاد تجمع عشرات من المتطوعين لأعمالها الجبارة؟. جمعية نذرت نفسها للتعريف بالإسلام بين أبناء الجالية فلم تجد أكثر من 36 فردا متطوعا من متعددي اللسان، ألمثل هذا ينبغي أن نضيف التعقيد والعرقلة؟.

 

لا خيار إذن، ولا قرار ولا مسار..، إلا بإسهام الفعل المدني إلى جانب غيره من الاسهامات السياسية والاقتصادية والاجتماعية..، فهو المؤسس الثقافي لها والمواكب النقدي لها والمقيم الحقيقي لإنجازها وعدالتها، ولكن صلب الفعل المدني هي هذه الثلاثية الفضائية المتماسكة: "الانفتاح" لأنه يقلص التوجس ويعزز الثقة والتعاون بين الفاعلين، كل من مكانه وبإمكانه في بلد يسع الجميع ويحتاج إلى مجهود الجميع، والتعاون على الخير والعطاء كما تقتضي ذلك مصالح البلاد وقضايا العباد وهي أكبر من طاقة الأفراد والجماعات والمؤسسات حتى، بالإضافة إلى فضيلة التعاون التي يدخل فعل التضامن في صميمها، وينبغي أن يطال عطاؤه وتماسكه كل الفئات ويشمل كل المجالات، داخل وخارج أرض الوطن. وكما يقول علماء الاجتماع، فذلك هو السبيل الأمثل لتقوية الرابط الاجتماعي وتعزيز التماسك الاجتماعي (محرك النهوض) وهو السبيل الأمثل أيضا، لحصر مستوى اليأس والانحراف والاغتراب (علة كل الشرور والخيبات).

                                                                                                     الحبيب عكي


اقرء المزيد

الجمعة، 1 نوفمبر 2024

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

علمنا الدكتور عبد الفتاح فهدي، رحمه الله/8

 

     8- معنى العمل الجماعي والانجاز بروح الفريق.     

 

من فضل الله على الجمعية أن وفق مؤسسيها إلى أن أسسوها منذ اليوم الأول ببعد جهوي سرعان ما نمى ليصبح بعدا وطنيا، في حين أن السائد في تلك السنوات هو البعد المحلي الصرف، باستثناء بعض الشبيبات الحزبية والاتحادات الرياضية. وكأن الإخوة المؤسسين قد فقهوا قواعدهم منذ البداية وعرفوا أن " الخير ما عم وانتشر.. ما خص وانحصر"، لكن بالمقابل، كل هذا رتب عليهم مسؤوليات جسام بالتأكيد هي أكبر من عدتهم الزهيدة وعددهم الأزهد، وأولها مقومات العمل الجماعي الموسع وشروط نجاحه ورعايته وتأهيله، وبالأخص ضبطه وجني ثماره، وفي نفس الوقت حريته والاقرار بمبادراته حسب بيئته التي يتحرك فيها، في زمن سادت فيه الانتظارية والاتكالية وفي أحسن الأحوال الفردانية واللا مؤسساتية، إذ لا يكاد فرد يتفق مع غيره على شيء ولا مؤسسة تتعاون مع غيرها في أي شيء؟.

 

صحيح أن العمل الجماعي حتمية شرعية كما في قوله تعالى: " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان" المائدة/2. أو في قوله تعالى: " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" التوبة/105. وفي أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يد الله مع الجماعة". وقوله: " عليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية" رواه أبو داوود. وأيضا، العمل الجماعي - كما يقال - ضرورة اجتماعية بالنظر إلى المهام والمعضلات التي نذر نفسه للتصدي لها والمساهمة في حلحلتها، وإن تكن حق المواطن في التأطير وهو حق دستوري، فما بالك بحاجياته وخدماته في مختلف المجالات وفي كل الأوساط وعبر كل الفيافي، وهو أمر ولا شك أكبر من جهود الأفراد بل وجهود المؤسسات والدول واتحاداتها العابرة للقارات.

 

العمل الجماعي كما هو معروف، تضافر الخبرات والجهود.. تعاون الطاقات والكفاءات.. حسن استثمار الوسائل والشراكات.. لتحقيق أكبر النتائج بأقل التكاليف وفي أسرع الأوقات. لكن، فوق الطموحات المشروعة والنوايا الطيبة لفاعليه المدنيين وضمنهم نحن، هل نجح الفضاء أو على الأصح إلى أي حد نجح في حسن تركيب وإدارة هذه المنظومة العملية المحركة للإنتاج المدني الجماعي؟. وإلى أي حد لم تستهلكه أعطابها والغرق في متاهات الفراغ المؤسساتي.. أو التآكل الداخلي و الصراعات الجانبية؟. إلى أي حد بقي جماعيا قائما منتظما ولم تقظمه قظائم العمل الجماعي الواردة في الحديث: " عليك بالجماعة، حتى إذا رأيت هوى متبعا وشحا مطاعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك ودع عنك العوام" حديث صحيح.

 

من فضل الله علينا ومن حنكة المؤسسين الفضائيين برئاسة الدكتور عبد الفتاح - رحمه الله - أن قاموا بهيكلة الجمعية هيكلة متماسكة منذ البداية: ..  مؤتمر وطني.. مجلس إداري.. مكتب وطني.. مجلس جهوي.. جموع عامة.. مكاتب الفروع.. لجن وأندية..، ولعل هذا جد عادي وموجود في جميع الجمعيات الوطنية، ولكن، ربما القيمة المضافة فيه عندنا هو أساس الرابطة فيه على غير المصالح المادية (من غير أرحام بينهم ولا تجارة يتعاطونها)، كما أن مسألة التفعيل هي أيضا عندنا كما عند غيرنا نسبية، لكن بعدنا الوطني قد يبقى متميزا في عمق مشروعنا التربوي الثقافي وأصالته وقيمه الأخلاقية والوطنية، وفي استعداد حامليه ومناضليه للتضحية والرسالية والانفتاح والتعاون من أجله مع المتاح من الأفراد والهيئات ذات الاهتمام المشترك.

 

وفي كل مرحلة انتخابية وهي تدوم أربع سنوات، كنا نضع مخططا ثقافيا برؤية ورسالة.. أهداف وبرامج ومؤشرات إجرائية واضحة، ننتدب لإنجازها مسؤولين منتخبين، بهيئات محددة ومسؤوليات واضحة، يستعينون على إنجاز مهامهم بإخوان وأخوات يشاركونهم كل تفاصيل الأعمال.. اقتراحا وتكليفا.. إنجازا وتقييما.. على مستوى من مستويات الهيكلة، مما يعطينا في الحقيقة، فريق عمل تسود بين أعضائه الأخوة والثقة، وقد تكون الآراء بينهم مختلفة والنقاشات حادة، لكنها أبدا لا تفضي إلى الصراعات النفسية ولا خلق أزمات تدبيرية، بل بالعكس، بعد التشاور والقرار، يكون الجميع المؤيد والمعارض في انخراط وتعاون تام على تحقيق الاختيار المقرر بتحقيق الرضا والمتعة في العمل أولا، حتى إذا أخطأنا أعدنا النظر في القرار وأحكمنا المنفرط من كيفيات العمل ومستويات الإنجاز وربما الأشخاص المكلفين سابقا، بدعمهم.. بتغييرهم.. بتأهيلهم..، ولا بأس.

 

عملنا الجماعي وإنجازنا بروح الفريق كانت له مظاهر ومستويات متعددة، مؤتمر وطني ومجلس وطني، مكتب وطني ومكاتب الفروع، لجن وأندية، وفرق عمل حسب المهام، محو الأمية أو المخيمات الصيفية، رياض وأندية، مهرجانات وملتقيات..، وكأن يجمع خيوط كل هذا مثلا ما يحضره رؤساء الفروع لزوما مما يهمهم من لقاءات المجلس الوطني، أو القيام بدورة تكوينية بشكل جماعي كدورات محو الأمية وتداريب المخيمات، أو نقوم بأنشطة مركزية وطنية كالمخيمات الصيفية ومهرجانات الطفولة وملتقيات الشباب.. يستفيد منها أبناء الفروع، ناهيك عن الزيارات المتكررة للمكتب الوطني للفروع قصد التواصل والتأطير والاطلاع على السير وحل الممكن من مشاكله عن قرب، وأحيانا حضور أعضاء المكتب الوطني وغيرهم من تمثيليات الفروع إلى فعاليات ومبادرات أبدعتها الفروع وباركها المكتب الوطني، كرياض الأطفال وكفالة اليتيم في الريصاني.. ومهرجان المحبة ومنتدى الطفل والقراءة في الرشيدية.. والملتقى الثقافي والرياضي في مكناس.. والمدرسة الصيفية في البحراوي..؟.

 

عمل جماعي وإنجاز بروح الفريق يضمن لكل عضو عامل حقوقه كحضور اجتماعات الهيئات التي يعمل فيها والمشاركة في النقاشات والاستحقاقات، كما يوجب عليه واجبات كالمساهمة في الأنشطة والمبادرات وعدم الإساءة إلى سمعتها، غير أن هذا العمل لازال يعاني معاناة متعددة كتكسر أنشطة بعض الفروع من قلة الإمكان المادي، وبالتالي تخلفها عن ركب إخوانها من الفروع وحرمان ساكنة منطقتها من عائدهم التربوي على أبنائهم في الروض أو الدعم أو المخيم أو غير ذلك، وكذاك عدم الاحتفاء بالإنجاز، وتزداد هذه المعاناة مع صعوبة تفعيل التآزر المادي بين الفروع بالشكل المطلوب. كما يعاني من فئات من الأطفال والشباب الذين لا نتمكن من الوصول إليهم لخدمتهم وتأطيرهم رغم حاجتهم الماسة إلى ذلك. ويعاني أيضا مما يتعرض له من الاقصاء والتهميش والحرمان مما يستحقه من مشاريع وشراكات "كفرصة" و "أوراش.." التي منحت في مجملها لذوي الولاءات، ولكن حسبنا ما نعيشه بين إخواننا من أجواء أخوية وعناية جامعة غير مفرقة، فلعل ذلك يكون كفيلا بمرافعات حقوقية منصفة، وإبداعات بديلة تديم علينا موفور العطاء والوفاء.

                                                                                                 الحبيب عكي


اقرء المزيد

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

المشاركات الشائعة